كتاب:الجوهرة النيرة أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي اليمني-أقسام الكتاب/ 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15-
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا
حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ
وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَلَى جَمِيعِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَمَلَائِكَةِ
اللَّهِ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ الصَّحَابَةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَعَنْ
التَّابِعِينَ لَهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ .
( وَبَعْدُ ) فَهَذَا شَرْحٌ
لِمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ جَمَعْتُهُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَصَرَةٍ
وَعِبَارَاتٍ ظَاهِرَةٍ تَشْمَلُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمَعَانِي
وَالْمُذَاكَرَةِ أَوْضَحْتُهُ لِذَوِي الْأَفْهَامِ الْقَاصِرَةِ
وَالْهِمَمِ الْمُتَقَاصِرَةِ وَسَمَّيْتُهُ ( الْجَوْهَرَةَ النَّيِّرَةَ )
وَاسْتَعَنْتُ فِي ذَلِكَ بِمَنْ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى
وَالْآخِرَةِ سُبْحَانَهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ .
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( كِتَابُ الطَّهَارَةِ ) الْكِتَابُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْجَمْعُ يُقَالُ كَتَبْت الشَّيْءَ أَيْ جَمَعْته وَمِنْهُ الْكِتَابَةُ وَهِيَ جَمْعُ الْحُرُوفِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ ، فَقَوْلُهُ كِتَابُ الطَّهَارَةِ أَيْ جَمْعُ مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الشَّمْلِ وَالْإِحَاطَةِ وَهُمَا لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَقِيلَ هُمَا مُتَغَايِرَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَالْإِحَاطَةُ أَعَمُّ مِنْ الشَّمْلِ ؛ لِأَنَّ الشَّمْلَ هُوَ جَمْعُ الْمُتَفَرِّقِ يُقَالُ جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ أَيْ مَا تَفَرَّقَ مِنْ أَمْرِهِ وَالْإِحَاطَةُ مَا أَحَاطَ بِالشَّيْءِ بَعْدَ جَمْعِهِ فَهِيَ جَامِعَةٌ لِلشَّمْلِ مُحِيطَةٌ بِهِ فَمِثَالُ الشَّمْلِ مَا قَالُوا فِي كَلِمَةِ الْجَمِيعِ إنَّهَا تُوجِبُ الِاجْتِمَاعَ دُونَ الِانْفِرَادِ كَمَا إذَا قَالَ الْأَمِيرُ لِلْجُنْدِ جَمِيعُ مَنْ دَخَلَ هَذَا الْحِصْنَ فَلَهُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ فَدَخَلَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ فَإِنَّ لَهُمْ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ لَا غَيْرُ ، بَيْنَهُمْ جَمِيعًا ، وَمِثَالُ الْإِحَاطَةِ إذَا قَالَ كُلُّ مَنْ دَخَلَ هَذَا الْحِصْنِ فَلَهُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ فَدَخَلَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الِانْفِرَادِ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ فَيَكُونُ لَهُمْ مِائَةٌ فَبَانَ لَك أَنَّ كَلِمَةَ الْجَمِيعِ لِلشَّمْلِ دُونَ الْإِحَاطَةِ وَكَلِمَةَ كُلٍّ لِلشَّمْلِ وَالْإِحَاطَةِ ، وَالطَّهَارَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ النَّظَافَةُ وَعَكْسُهَا الدَّنَسُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ غَسْلِ أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ وَعَكْسُهَا الْحَدَثُ وَيُقَالُ أَيْضًا عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ إزَالَةِ نَجَسٍ حَتَّى يُسَمَّى الدِّبَاغُ وَالتَّيَمُّمُ طَهَارَةً وَأَعَمُّ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ عِبَارَةٌ عَنْ إيصَالِ مُطَهِّرٍ إلَى مَحَلٍّ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ أَوْ يُنْدَبُ إلَيْهِ وَالْمُطَهِّرُ هُوَ الْمَاءُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَالصَّعِيدُ عِنْدَ عَدَمِهِ ، وَالطَّهَارَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ حَقِيقِيَّةٌ وَهِيَ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ وَحُكْمِيَّةٌ وَهِيَ التَّيَمُّمُ ، وَالطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ عَلَى ضَرْبَيْنِ خَفِيفَةٌ
كَالْوُضُوءِ وَغَلِيظَةٌ كَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ .
وَإِنَّمَا
بَدَأَ الشَّيْخُ بِالْخَفِيفَةِ ؛ لِأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَغْلَبُ قَالَ
رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ } ) الْآيَةَ ، بَدَأَ بِهَا
تَبَرُّكًا وَدَلِيلًا عَلَى وُجُوبِهِ وَمِنْ أَسْرَارِهَا أَنَّهَا
تَشْمَلُ عَلَى سَبْعَةِ فُصُولٍ كُلُّهَا مُثَنًّى طَهَارَتَانِ
الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَمُطَهِّرَانِ الْمَاءُ وَالصَّعِيدُ وَحُكْمَانِ
الْغُسْلُ وَالْمَسْحُ وَمُوجِبَانِ الْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ وَمُبِيحَانِ
الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ وَكِنَايَتَانِ الْغَائِطُ وَالْمُلَامَسَةُ
وَكَرَامَتَانِ تَطْهِيرُ الذُّنُوبِ وَإِتْمَامُ النِّعْمَةِ
وَإِتْمَامُهَا مَوْتُهُ شَهِيدًا ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ { مَنْ دَاوَمَ عَلَى الْوُضُوءِ مَاتَ شَهِيدًا } وَفِي
الْآيَةِ إضْمَارُ الْحَدَثِ أَيْ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ
وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْوُضُوءِ { إذَا قُمْتُمْ }
وَفِي الْجَنَابَةِ { وَإِنْ كُنْتُمْ } ؛ لِأَنَّ إذَا تَدْخُلُ عَلَى
أَمْرٍ كَائِنٍ أَوْ مُنْتَظَرٍ لَا مَحَالَةَ ، وَإِنْ تَدْخُلُ عَلَى
أَمْرٍ رُبَّمَا كَانَ وَرُبَّمَا لَا يَكُونُ وَالْقِيَامُ إلَى
الصَّلَاةِ مُلَازِمٌ وَالْجَنَابَةُ لَيْسَتْ بِمُلَازِمَةٍ فَإِنَّهَا
قَدْ تُوجَدُ وَقَدْ لَا تُوجَدُ .
( قَوْلُهُ : { فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ } ) الْغُسْلُ هُوَ الْإِسَالَةُ وَحَدُّ الْوَجْهِ مِنْ
قِصَاصِ الشَّعْرِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ طُولًا وَمِنْ شَحْمَةِ
الْأُذُنِ إلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ عَرْضًا حَتَّى إنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ
الْبَيَاضِ الَّذِي بَيْنَ الْعَذَارِ وَالْأُذُنِ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ
أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ وَإِنْ غَسَلَ وَجْهَهُ وَلَمْ يَصِل الْمَاءُ
إلَى مَا تَحْتَ حَاجِبَيْهِ أَجْزَأَهُ ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ
رَمِدَتْ عَيْنُهُ وَاجْتَمَعَ رَمَصُهَا فِي جَانِبِ الْعَيْنِ
وَالْمُؤْقِ وَاللِّحَاظِ وَجَبَ عَلَيْهِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْمَآقِي
كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ الرَّمَصُ وَسَخُ الْعَيْنِ وَمُؤْقُ الْعَيْنِ
طَرَفُهَا مِمَّا يَلِي الْأَنْفَ وَجَمْعُهُ آمَاقٍ وَاللِّحَاظُ بِفَتْحِ
اللَّامِ طَرَفُهَا مِمَّا يَلِي الْأُذُنَ .
( قَوْلُهُ : { وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ } )
أَيْ
مَعَ الْمَرَافِقِ وَوَاحِدُهَا مِرْفَقٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ
الْفَاءِ وَعَكْسُهُ الْمَفْصِلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ ،
وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ فِي غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ مِنْ الْأَصَابِعِ
إلَى الْمَرَافِقِ فَإِنْ عَكَسَ جَازَ ، كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ
وَيَجِبُ غَسْلُ مَا كَانَ مُرَكَّبًا عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مِنْ
الْأَصَابِعِ الزَّائِدَةِ وَالْكَفِّ الزَّائِدِ فَإِنْ تَلِفَ الْعُضْوُ
غُسِلَ مَا يُحَاذِي مَحَلَّ الْفَرْضِ وَلَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَا
فَوْقَهُ ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ .
وَفِي الْفَتَاوَى الْعَجِينُ فِي
الظُّفْرِ يَمْنَعُ تَمَامَ الطَّهَارَةِ وَالْوَسَخُ وَالدَّرَنُ لَا
يَمْنَعُ وَكَذَا التُّرَابُ وَالطِّينُ فِيهِ لَا يَمْنَعُ وَالْخِضَابُ
إذَا تَجَسَّدَ يَمْنَعُ ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقِشْرَةُ الْقُرْحَةِ
إذَا ارْتَفَعَتْ وَلَمْ يَصِل الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهَا لَا يَمْنَعُ .
(
قَوْلُهُ : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } ) الْمَسْحُ هُوَ الْإِصَابَةُ
فَلَوْ كَانَ شَعْرُهُ طَوِيلًا فَمَسَحَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ تَحْتِ
أُذُنِهِ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ فَوْقِهَا جَازَ وَإِنْ كَانَ
بَعْضُ رَأْسِهِ مَحْلُوقًا فَمَسَحَ عَلَى غَيْرِ الْمَحْلُوقِ جَازَ
وَإِنْ أَصَابَ رَأْسَهُ مَاءُ الْمَطَرِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْمَسْحِ
سَوَاءٌ مَسَحَهُ أَوْ لَا ، وَإِنْ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ حَلَقَهُ لَمْ
يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْمَسْحِ ، وَإِنْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ
أَخَذَهُ مِنْ لِحْيَتِهِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ ، وَإِنْ
مَسَحَهُ بِبَلَلٍ فِي كَفِّهِ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ جَازَ كَذَا فِي
الْفَتَاوَى .
( قَوْلُهُ : { وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ } )
قُرِئَ { وَأَرْجُلَكُمْ } بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْوَجْهِ
وَالْأَيْدِي تَقْدِيرُهُ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ
وَأَرْجُلَكُمْ وَقُرِئَ { وَأَرْجُلِكُمْ } بِالْخَفْضِ عَلَى
الْمُجَاوَرَةِ وَمَذْهَبُ الرَّوَافِضِ أَنَّ الْأَرْجُلَ مَمْسُوحَةٌ
احْتِجَاجًا بِقِرَاءَةِ الْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى الرُّءُوسِ ، قُلْنَا
الْخَفْضُ إنَّمَا هُوَ الْمُجَاوَرَةُ وَالِاتِّبَاعُ لَفْظًا لَا مَعْنًى
، وَمِثْلُهُ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ { وَحُورٍ عِينٍ }
بِالْخَفْضِ
عَلَى الْمُجَاوَرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { : وَفَاكِهَةٍ مِمَّا
يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ } وَفِي الْكَشَّافِ لَمَّا كَانَتْ
الْأَرْجُلُ تُغْسَلُ بِصَبِّ الْمَاءِ وَذَلِكَ مَظِنَّةُ الْإِسْرَافِ
الْمَذْمُومِ عُطِفَتْ عَلَى الْمَسْمُوحِ لَا لِتُمْسَحَ وَلَكِنْ
لِلتَّنْبِيهِ عَلَى وُجُوبِ الِاقْتِصَادِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَرَافِقَ
بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَالْكَعْبَيْنِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ ؛ لِأَنَّ مَا
كَانَ وَاحِدًا مِنْ وَاحِدٍ فَتَثْنِيَتُهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَلِكُلِّ
يَدٍ مِرْفَقٌ وَاحِدٌ فَلِذَلِكَ جُمِعَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {
فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } وَلَمْ يَقُلْ قَلْبَاكُمَا وَمَا كَانَ
اثْنَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ فَتَثْنِيَتُهُ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ فَلَمَّا
قَالَ إلَى الْكَعْبَيْنِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كُلِّ رِجْلٍ
كَعْبَانِ .
( قَوْلُهُ فَفَرْضُ الطَّهَارَةِ ) الْفَرْضُ فِي
اللُّغَةِ هُوَ الْقَطْعُ ، وَالتَّقْدِيرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا } أَيْ قَدَّرْنَاهَا وَقَطَعْنَا
الْأَحْكَامَ فِيهَا قَطْعًا وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ حُكْمٍ
مُقَدَّرٍ لَا يَحْتَمِلُ زِيَادَةً وَلَا نُقْصَانًا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ
قَطْعِيٍّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ كَالْكِتَابِ وَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ
حَتَّى إنَّهُ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَيُقَالُ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ
أَيْ قَدَّرَهَا .
( قَوْلُهُ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ )
يَعْنِي الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ سَمَّاهَا ثَلَاثَةً
وَهِيَ خَمْسَةٌ ؛ لِأَنَّ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ جُعِلَا فِي
الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الدِّيَةِ .
(
قَوْلُهُ : وَمَسْحُ الرَّأْسِ ) إنَّمَا أَخَّرَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَمْسُوحٌ
وَالْأَعْضَاءُ مَغْسُولَةٌ فَلَمَّا كَانَتْ مُتَّفِقَةً فِي الْغَسْلِ
جَمَعَ بَيْنَهَا فِي الذِّكْرِ .
( قَوْلُهُ وَالْمِرْفَقَانِ
وَالْكَعْبَانِ يَدْخُلَانِ فِي الْغَسْلِ ) قَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى لَا يَدْخُلَانِ ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ
الْمُغَيَّا كَاللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنْ الْمَرَافِقُ
وَالْكَعْبَانِ غَايَةُ إسْقَاطٍ فَلَا يَدْخُلَانِ فِي الْإِسْقَاطِ ؛
لِأَنَّ قَوْلَهُ { وَأَيْدِيَكُمْ } يَتَنَاوَلُ كُلَّ الْأَيْدِي إلَى
الْمَنَاكِبِ فَلَمَّا قَالَ إلَى الْمَرَافِقِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ
دَاخِلًا تَحْتَ السُّقُوطِ ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَدْخُلُ فِي
الْمَحْدُودِ فَبَقِيَ الْغَسْلُ ثَابِتًا فِي الْيَدِ مَعَ الْمَرَافِقِ
وَفِي بَابِ الصَّوْمِ لَيْسَتْ الْغَايَةُ غَايَةَ إسْقَاطٍ وَإِنَّمَا
هِيَ غَايَةُ امْتِدَادِ الْحُكْمِ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ يُطْلَقُ
عَلَى الْإِمْسَاكِ سَاعَةً فَهِيَ غَايَةُ إثْبَاتٍ لَا غَايَةُ إسْقَاطٍ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْغَايَاتِ أَرْبَعٌ : غَايَةُ مَكَان ، وَغَايَةُ
زَمَانٍ ، وَغَايَةُ عَدَدٍ ، وَغَايَةُ فِعْلٍ ، فَغَايَةُ الْمَكَانِ
مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ وَغَايَةُ الزَّمَانِ { ثُمَّ
أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ } وَكِلَاهُمَا لَا يَدْخُلَانِ فِي
الْمُغَيَّا وَغَايَةُ الْعَدَدِ لَهُ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشْرَةٍ
وَأَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ وَهِيَ لَا تَدْخُلُ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَعِنْدَهُمَا تَدْخُلُ وَغَايَةُ الْفِعْلِ
بِالْمَنْطُوقِيَّة السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسَهَا إنْ نَصَبْت السِّينَ
دَخَلَتْ وَتَكُونُ حَتَّى بِمَعْنَى الْوَاوِ وَعَاطِفَةً ، وَإِنْ
خَفَضْتهَا لَمْ تَدْخُلْ وَتَكُونُ حَتَّى بِمَعْنَى إلَى ، وَإِنَّمَا
قَالَ يَدْخُلَانِ فِي الْغَسْلِ وَلَمْ يَقُلْ بِفَرْضِ غَسْلِهِمَا ؛
لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يَدْخُلَانِ عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا حَتَّى لَا
يَكْفُرَ جَاحِدُ فَرْضِيَّةِ غَسْلِهِمَا .
( قَوْلُهُ :
وَالْمَفْرُوضُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مِقْدَارَ النَّاصِيَةِ ) وَهُوَ
رُبُعُ الرَّأْسِ وَالنَّاصِيَةُ هِيَ الشَّعْرُ الْمَائِلُ إلَى نَاحِيَةِ
الْجَبْهَةِ
وَالرَّأْسُ أَرْبَعُ قِطَعٍ النَّاصِيَةُ وَالْقَذَالُ وَالْفَوْدَانِ ،
فَقَوْلُهُ مِقْدَارَ النَّاصِيَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ
يَمْسَحَ أَيَّ الْجَوَانِبِ شَاءَ مِنْ الرَّأْسِ بِمِقْدَارِهَا
وَإِنَّمَا قَالَ وَالْمَفْرُوضُ وَلَمْ يَقُلْ وَالْفَرْضُ ؛ لِأَنَّ
الْمُرَادَ كَوْنُهُ مِقْدَارًا لَا مَقْطُوعًا بِهِ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ
هُوَ الْقَطْعُ حَتَّى إنَّهُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُ هَذَا الْمِقْدَارِ
وَالتَّقْدِيرُ بِمِقْدَارِ النَّاصِيَةِ هُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ وَفِي
رِوَايَةٍ مِقْدَارُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ وَلَوْ أَدْخَلَ الْمُحْدِثُ
رَأْسَهُ فِي الْإِنَاءِ يُرِيدُ مَسْحَهُ أَجْزَأَهُ عَنْ الْمَسْحِ وَلَا
يَفْسُدُ الْمَاءُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْمَسْحِ وَكَذَا الْخُفُّ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ .
(
قَوْلُهُ : لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ إلَى آخِرِهِ )
فِي هَذَا الْحَدِيثِ سِتُّ فَوَائِدَ أَحَدُهَا جَوَازُ دُخُولِ مِلْكِ
الْغَيْرِ الْخَرَابِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ سُبَاطَةُ قَوْمٍ
وَالسُّبَاطَةُ قِيلَ هِيَ الدَّارُ الْخَرَابُ ، وَقِيلَ هِيَ
الْكُنَاسَةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَهِيَ الْقُمَامَةُ وَالْمُرَادُ هُنَا
مَوْضِعُ إلْقَائِهَا ، وَأَمَّا الْكُنَاسَةُ بِالْكَسْرِ فَهِيَ
الْمِكْنَسَةُ وَالثَّانِيَةُ جَوَازُ الْبَوْلِ فِي دَارِ غَيْرِهِ
الْخَرَابِ دُونَ الْغَائِطِ ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ تُنَشِّفُهُ الْأَرْضُ
فَلَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ وَالثَّالِثَةُ أَنَّ الْبَوْلَ يَنْقُضُ
الْوُضُوءَ وَالرَّابِعَةُ أَنَّ الْوُضُوءَ بَعْدَهُ مُسْتَحَبٌّ ،
وَالْخَامِسَةُ تَقْدِيرُ مَسْحِ الرَّأْسِ بِالنَّاصِيَةِ ،
وَالسَّادِسَةُ ثُبُوتُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ بِالسُّنَّةِ وَإِنَّمَا
أَوْرَدَ الْحَدِيثَ هَكَذَا مُطَوَّلًا وَالْحَاجَةُ إنَّمَا هِيَ إلَى
مَسْحِ النَّاصِيَةِ لِيَكُونَ أَدَلَّ عَلَى صِدْقِ الرَّاوِي
وَإِتْقَانِهِ لِلْحَدِيثِ .
( قَوْلُهُ : وَسُنَنُ الطَّهَارَةِ )
السُّنَّةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ الطَّرِيقَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُرْضِيَةً
أَوْ غَيْرَ مُرْضِيَةٍ { قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ
سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ ثَوَابُهَا وَثَوَابُ مَنْ عَمِلَ بِهَا
إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ
وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } وَهِيَ
فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَمَّا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَيُؤْجَرُ
الْعَبْدُ عَلَى إتْيَانِهَا وَيُلَامُ عَلَى تَرْكِهَا وَهِيَ تَتَنَاوَلُ
الْقَوْلِيَّ وَالْفِعْلِيَّ ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ
السُّنَّةُ مَا يَكُونُ تَارِكُهَا فَاسِقًا وَجَاحِدُهَا مُبْتَدِعًا
وَالنَّفَلُ مَا لَا يَكُونُ تَارِكُهُ فَاسِقًا وَلَا جَاحِدُهُ
مُبْتَدِعًا .
( قَوْلُهُ : غَسْلُ الْيَدَيْنِ ثَلَاثًا ) يَعْنِي إلَى
الرُّسْغِ وَهُوَ مُنْتَهَى الْكَفِّ عِنْدَ الْمَفْصِلِ وَيَغْسِلُهُمَا
قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ سُنَّةٌ تَنُوبُ
عَنْ الْفَرْضِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يُعِيدَ غَسْلَ كَفَّيْهِ أَجْزَأَهُ ( قَوْلُهُ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا
الْإِنَاءَ ) أَيْ إدْخَالِ أَحَدِهِمَا وَيُسَنُّ هَذَا الْغَسْلُ
مَرَّتَيْنِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ ( قَوْلُهُ : إذَا
اسْتَيْقَظَ الْمُتَوَضِّئُ مِنْ نَوْمِهِ ) هَذَا شَرْطُ وِفَاقٍ لَا
قَصْدٍ حَتَّى إنَّهُ سَنَّهُ لِلْمُسْتَيْقِظِ وَغَيْرِهِ وَسُمِّيَ
مُتَوَضِّئًا ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ سُمِّيَ
بِاسْمِهِ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَقِّنُوا
مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } سَمَّاهُمْ مَوْتَى لِقُرْبِهِمْ
مِنْهُمْ ، وَسَوَاءٌ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِ النَّهَارِ
فَمُسْتَحَبٌّ ، وَإِنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ فَوَاجِبٌ .
( قَوْلُهُ : وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ ) الْكَلَامُ فِيهَا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ كَيْفِيَّتِهَا وَصِفَتِهَا وَوَقْتِهَا أَمَّا كَيْفِيَّتُهَا فَبِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ ، وَإِنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَجْزَأَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّسْمِيَةِ هُنَا مُجَرَّدُ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَا التَّسْمِيَةُ عَلَى التَّعْيِينِ وَأَمَّا صِفَتُهَا فَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَأَمَّا وَقْتُهَا فَقَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَ لِلِاسْتِنْجَاءِ سَمَّى قَبْلَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ فَإِنْ كَشَفَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ سَمَّى بِقَلْبِهِ وَلَا يُحَرِّكُ بِهَا لِسَانَهُ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ حَالَ الِانْكِشَافِ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ تَعْظِيمًا لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّلِ الطَّهَارَةِ أَتَى بِهَا مَتَى ذَكَرَهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ حَتَّى لَا يَخْلُوَ الْوُضُوءُ مِنْهَا
( قَوْلُهُ : وَالسِّوَاكُ ) هُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَوَقْتُهُ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ .
وَفِي
الْهِدَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَيَسْتَاكُ أَعَالِيَ
الْأَسْنَانِ وَأَسَافِلَهَا وَيَسْتَاكُ عَرْضَ أَسْنَانِهِ وَيَبْتَدِئُ
مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاكًا اسْتَعْمَلَ
خِرْقَةً خَشِنَةً أَوْ أُصْبُعَهُ السَّبَّابَةَ مِنْ يَمِينِهِ ثُمَّ
السِّوَاكُ عِنْدَنَا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ
سُنَنِ الصَّلَاةِ وَفَائِدَتُهُ إذَا تَوَضَّأَ لِلظُّهْرِ بِسِوَاكٍ
وَبَقِيَ عَلَى وُضُوئِهِ إلَى الْعَصْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ كَانَ
السِّوَاكُ الْأَوَّلُ سُنَّةً لِلْكُلِّ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يُسَنُّ
أَنْ يَسْتَاكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ ، وَأَمَّا إذَا نَسِيَ السِّوَاكَ
لِلظُّهْرِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ
يَسْتَاكَ حَتَّى يُدْرِكَ فَضِيلَتَهُ وَتَكُونَ صَلَاتُهُ بِسِوَاكٍ
إجْمَاعًا .
( قَوْلُهُ : وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ ) هُمَا
سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ عِنْدَنَا ، وَقَالَ مَالِكٌ فَرْضَانِ
وَكَيْفِيَّتُهُمَا أَنْ يُمَضْمِضَ فَاهُ ثَلَاثًا يَأْخُذُ لِكُلِّ
مَرَّةٍ مَاءً جَدِيدًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ كَذَلِكَ فَلَوْ تَمَضْمَضَ
ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ قِيلَ لَا يَصِيرُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ .
وَقَالَ
الصَّيْرَفِيُّ يَصِيرُ آتِيًا بِهَا قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي
الِاسْتِنْشَاقِ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ قِيلَ لَا يَصِيرُ
آتِيًا بِالسُّنَّةِ بِخِلَافِ الْمَضْمَضَةِ ؛ لِأَنَّ فِي
الِاسْتِنْشَاقِ ثَلَاثًا يَعُودُ بَعْضُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ إلَى
الْكَفِّ وَفِي الْمَضْمَضَةِ لَا يَعُودُ ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى
إمْسَاكِهِ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا سُنَّةٌ إذَا كَانَ غَيْرَ صَائِمٍ
وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الْمُبَالَغَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ
الْحَلْوَانِيُّ هِيَ فِي الْمَضْمَضَةِ أَنْ يُدِيرَ الْمَاءَ فِي فِيهِ
مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ .
وَقَالَ الْإِمَامُ خواهر زاده هِيَ فِي
الْمَضْمَضَةِ الْغَرْغَرَةُ وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ أَنْ يَجْذِبَ الْمَاءَ
بِنَفْسِهِ إلَى مَا اسْتَدَّ مِنْ أَنْفِهِ وَلَوْ تَمَضْمَضَ
وَابْتَلَعَ الْمَاءَ وَلَمْ يَمُجَّهُ أَجْزَأَهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ
يُلْقِيَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ .
( قَوْلُهُ : وَمَسْحُ
الْأُذُنَيْنِ ) هُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَة وَيَمْسَحُ بَاطِنَهُمَا
وَظَاهِرَهُمَا وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ سَبَّابَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْهِ
وَهُمَا ثُقْبَا الْأُذُنَيْنِ وَيُدِيرَهُمَا فِي زَوَايَا أُذُنَيْهِ
وَيُدِيرَ إبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ
قِيلَ سُنَّةٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ ، وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ
وَهُوَ اخْتِيَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ ، وَيَمْسَحُهُمَا بِمَاءٍ جَدِيدٍ
.
وَفِي النِّهَايَةِ يَمْسَحُهُمَا بِظَاهِرِ الْكَفَّيْنِ وَمَسْحُ الْحُلْقُومِ بِدْعَةٌ .
( قَوْلُهُ : وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ وَالْأَصَابِعِ ) أَمَّا تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ فَمُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ سُنَّةٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ وَكَيْفِيَّةُ
تَخْلِيلِهَا مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقِ اللِّحْيَةِ مَكْسُورَةُ اللَّامِ
وَجَمْعُهَا لُحًى وَلِحًى بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِهَا ، وَاللَّحْيُ
بِفَتْحِ اللَّامِ عَظْمُ الْفَكِّ وَهُوَ مَنْبَتُ اللِّحْيَةِ وَجَمْعُهُ
لُحًى وَلِحًى بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِهَا ، وَأَمَّا تَخْلِيلُ
الْأَصَابِعِ فَسُنَّةٌ إجْمَاعًا وَتَخْلِيلُهَا مِنْ أَسْفَلَ إلَى
فَوْقُ بِمَاءٍ مُتَقَاطِرٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَلِّلَ رِجْلَيْهِ
بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّخْلِيلُ سُنَّةً
بَعْدَ وُصُولِ الْمَاءِ أَمَّا إذَا لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ فَهُوَ وَاجِبٌ
وَكَيْفِيَّةُ التَّخْلِيلِ أَنْ يَبْدَأَ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى
وَيَخْتِمَهُ بِإِبْهَامِهَا وَيَبْدَأَ بِإِبْهَامِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى
وَيَخْتِمَهُ بِخِنْصَرِهَا ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَ تَخْلِيلِ
اللِّحْيَةِ وَالْأَصَابِعِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّخْلِيلِ اسْتِيفَاءُ
الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَصَابِعِ ،
وَأَمَّا اللِّحْيَةُ فَدَاخِلُ الشَّعْرِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْفَرْضِ
بَلْ الْفَرْضُ إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهَا وَلَوْ تَوَضَّأَ فِي
الْمَاءِ الْجَارِي أَوْ الْغَدِيرِ وَغَمَسَ رِجْلَيْهِ أَجْزَأَهُ ،
وَإِنْ لَمْ يُخَلِّلْ الْأَصَابِعَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى .
( قَوْلُهُ : وَتَكْرَارُ الْغَسْلِ إلَى الثَّلَاثِ ) الْأُولَى فَرْضٌ وَالثِّنْتَانِ سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَإِنْ اكْتَفَى بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَثِمَ ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ ، وَقِيلَ لَا يَأْثَمُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ وَالسُّنَّةُ تَكْرَارُ الْغَسَلَاتِ لَا الْغَرَفَاتِ .
( قَوْلُهُ : وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَنْوِيَ الطَّهَارَةَ ) الْمُسْتَحَبُّ مَا كَانَ مَدْعُوًّا إلَيْهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْحَتْمِ وَالْإِيجَابِ وَفِي إتْيَانِهِ ثَوَابٌ وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ عِقَابٌ وَالْكَلَامُ فِي النِّيَّةِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ فِي صِفَتِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا وَوَقْتِهَا وَمَحَلِّهَا أَمَّا صِفَتُهَا فَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَأَمَّا كَيْفِيَّتُهَا فَإِنَّهُ يَقُولُ نَوَيْتُ أَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ نَوَيْت رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ نَوَيْت اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ نَوَيْت الطَّهَارَةَ ، وَأَمَّا وَقْتُهَا فَعِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ ، وَأَمَّا مَحَلُّهَا فَالْقَلْبُ وَالتَّلَفُّظُ بِهَا مُسْتَحَبٌّ ثُمَّ النِّيَّةُ إنَّمَا هِيَ فَرْضٌ لِلْعِبَادَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } وَالْإِخْلَاصُ هُوَ النِّيَّةُ وَالْوُضُوءُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلْعِبَادَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَرَّرَهُ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَانَ مَكْرُوهًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِسْرَافِ الْمَذْمُومِ فِي الْمَاءِ وَإِنَّمَا كَانَتْ النِّيَّةُ فَرْضًا فِي التَّيَمُّمِ ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَمْ يُعْقَلْ مُطَهِّرًا فَلَا يَكُونُ مُزِيلًا لِلْحَدَثِ فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا مَعْنَى التَّعَبُّدِ وَمِنْ شَرْطِ الْعِبَادَةِ النِّيَّةُ ، وَأَمَّا الْمَاءُ فَمُطَهِّرٌ بِطَبْعِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقَعُ قُرْبَةً بِدُونِ النِّيَّةِ لَكِنَّهُ يَقَعُ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ لِوُقُوعِهِ طَهَارَةً بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُطَهِّرِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ غَيْرُ مُطَهِّرٍ إلَّا فِي حَالَةِ إرَادَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ وَقَعَ التُّرَابُ عَلَى أَعْضَائِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَوْ عَلِمَ نِسْيَانًا التَّيَمُّمُ لَمْ يَكُنْ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ .
( قَوْلُهُ : وَيَسْتَوْعِبُ رَأْسَهُ بِالْمَسْحِ ) الِاسْتِيعَابُ هُوَ الِاسْتِئْصَالُ يُقَالُ اسْتَوْعَبَ كَذَا إذَا لَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا وَالِاسْتِيعَابُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَضَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْيَدَيْنِ ثَلَاثَ أَصَابِعَ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَلَا يَضَعُ الْإِبْهَامَ وَلَا السَّبَّابَةَ وَيُجَافِي بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيَمُدُّهُمَا إلَى الْقَفَا ثُمَّ يَضَعُ كَفَّيْهِ عَلَى مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ وَيَمُدُّهُمَا إلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ يَمْسَحُ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ بِإِبْهَامَيْهِ وَبَاطِنَهُمَا بِمُسَبِّحَتَيْهِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَيَمْسَحُ رَقَبَتَهُ بِظَهْرِ الْيَدَيْنِ .
(
قَوْلُهُ : وَيُرَتِّبُ الْوُضُوءَ ) التَّرْتِيبُ عِنْدَنَا سُنَّةٌ
مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَيُسِيءُ بِتَرْكِهِ وَالْبُدَاءَةُ
بِالْمَيَامِنِ فَضِيلَةٌ وَسَوَاءٌ عِنْدَنَا الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ
فِي كَوْنِ التَّرْتِيبِ فِيهِمَا سُنَّةً .
( قَوْلُهُ : فَيَبْدَأُ
بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِهِ ) وَهُوَ عِنْدَ غَسْلِ
الْوَجْهِ وَالْمُوَالَاةُ سُنَّةٌ عِنْدَنَا ، وَقَالَ مَالِكٌ فَرْضٌ
وَالْمُوَالَاةُ هِيَ التَّتَابُعُ وَحَدُّهُ أَنْ لَا يَجِفَّ الْمَاءُ
عَنْ الْعُضْوِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ مَا بَعْدَهُ فِي زَمَانٍ مُعْتَدِلٍ
وَلَا اعْتِبَارَ بِشِدَّةِ الْحَرِّ وَالرِّيَاحِ فَإِنَّ الْجَفَافَ
يُسْرِعُ فِيهِمَا لَا بِشِدَّةِ الْبَرْدِ فَإِنَّ الْجَفَافَ يُبْطِئُ
فِيهِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا اسْتِوَاءُ حَالَةِ الْمُتَوَضِّئِ فَإِنَّ
الْمَحْمُومَ يُسَارِعُ الْجَفَافُ إلَيْهِ لِأَجْلِ الْحُمَّى وَإِنَّمَا
يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ فِي الْوُضُوءِ إذَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَمَّا
إذَا كَانَ لِعُذْرِ فَرْغِ مَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ انْقَلَبَ الْإِنَاءُ
فَذَهَبَ لِطَلَبِ الْمَاءِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ
بِالتَّفْرِيقِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهَكَذَا إذَا فَرَّقَ فِي الْغُسْلِ
وَالتَّيَمُّمِ .
( قَوْلُهُ : وَبِالْمَيَامِنِ ) أَيْ يَبْدَأُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى وَبِالرِّجْلِ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى وَهُوَ فَضِيلَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَيَامِينِ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي لُبْسِ نَعْلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ مَسْحَ الْأُذُنِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى كَمَا فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لَكِنَّا نَقُولُ الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ يُغْسَلَانِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ فَيَبْدَأُ فِيهِمَا بِالْمَيَامِينِ ، وَأَمَّا الْأُذُنَانِ فَيُمْسَحَانِ مَعًا بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا لِكَوْنِ ذَلِكَ أَسْهَلَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا يَدٌ وَاحِدَةٌ أَوْ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عِلَّةٌ وَلَا يُمْكِنُهُ مَسْحُهُمَا مَعًا فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْأُذُنِ الْيُمْنَى ثُمَّ بِالْيُسْرَى كَمَا فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ الْخَدَّيْنِ بِالْأُذُنَيْنِ فِي الْحُكْمِ وَلَيْسَ فِي أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ عُضْوَانِ لَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَيْمَنِ مِنْهُمَا إلَّا الْأُذُنَيْنِ .
( قَوْلُهُ : وَالْمَعَانِي
النَّاقِضَةُ لِلْوُضُوءِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ فَرْضِ الْوُضُوءِ
وَسُنَنِهِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ شَرَعَ الْآنَ فِي بَيَانِ مَا يَنْقُضُهُ
وَالنَّقْضُ مَتَى أُضِيفَ إلَى الْأَجْسَامِ يُرَادُ بِهِ إبْطَالُ
تَأْلِيفِهِمَا وَمَتَى أُضِيفَ إلَى غَيْرِهَا يُرَادُ بِهِ إخْرَاجُهُ
عَمَّا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ وَالْمُتَوَضِّئُ هَا هُنَا كَانَ
قَادِرًا عَلَى الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ فَلَمَّا بَطَلَ ذَلِكَ
بِالْحَدَثِ انْتَقَضَتْ صِفَتُهُ وَخَرَجَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ .
(
قَوْلُهُ كُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ ) وَهُمَا الْفَرْجَانِ
وَمِنْ دَأْبِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمُتَّفَقِ
فِيهِ ثُمَّ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَالْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ
مُتَّفَقٌ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَقَدَّمَهُ لِذَلِكَ
ثُمَّ عَقَّبَهُ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ ، وَهُوَ خُرُوجُ الدَّمِ
وَالْقَيْحِ وَالْقَيْءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ
وُضِعَتْ لِعُمُومِ الْأَفْرَادِ فَتَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ وَغَيْرَ
الْمُعْتَادِ كَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَالدُّرَدِ
وَالْحَصَا وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَمَفْهُومُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ كُلَّ
مَا خَرَجَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ قُلْنَا نَعَمْ إلَّا
الرِّيحَ الْخَارِجَةَ مِنْ الذَّكَرِ وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا
لَا تَنْقُضُ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْفَضَاةُ
وَهِيَ الَّتِي مَسْلَكُ بَوْلِهَا وَغَائِطِهَا وَاحِدٌ فَيَخْرُجُ
مِنْهَا رِيحٌ مُنْتِنَةٌ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ وَلَا
يَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الدُّبُرِ
فَتَنْقُضُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الْفَرْجِ فَلَا تَنْقُضُ ،
وَالْأَصْلُ تَيَقُّنُ الطَّهَارَةِ وَالنَّاقِضُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا
يُنْتَقَضُ وُضُوءُهَا بِالشَّكِّ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ
لِإِزَالَةِ الِاحْتِمَالِ وَأَمَّا الدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ
الذَّكَرِ وَالْفَرْجِ فَنَاقِضَةٌ بِالْإِجْمَاعِ .
( قَوْلُهُ :
وَالدَّمُ وَالْقَيْحُ إذَا خَرَجَا مِنْ الْبَدَنِ ) وَكَذَلِكَ
الصَّدِيدُ وَهُوَ مَاءُ الْجُرْحِ الْمُخْتَلِطِ بِالدَّمِ قَبْلَ أَنْ
تَغْلُظَ الْمُدَّةُ فَتَكُونُ فِيهِ صَفْوَةٌ وَقَيَّدَ بِالْبَدَنِ ؛
لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْ السَّبَلَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّجَاوُزُ .
وَقَالَ زُفَرُ الدَّمُ وَالْقَيْحُ يَنْقُضَانِ الْوُضُوءَ ، وَإِنْ لَمْ يَتَجَاوَزَا .
وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَنْقُضَانِ ، وَإِنْ تَجَاوَزَا
وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ خَرَجَا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا خَرَجَا
بِالْمُعَالَجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَاخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ النَّقْضُ وَقَيَّدَ
بِالدَّمِ وَالْقَيْحِ احْتِرَازًا مِنْ الْعِرْقِ الْمَدِينِيِّ إذَا
خَرَجَ مِنْ الْبَدَنِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ ؛ لِأَنَّهُ خَيْطٌ لَا
مَائِعٌ وَأَمَّا الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ إنْ كَانَ صَافِيًا لَا يَنْقُضُ
قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الْمَاءُ الصَّافِي إذَا خَرَجَ مِنْ النَّفْلَةِ
لَا يَنْقُضُ ، وَإِنْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي أَنْفِهِ فَدَمِيَتْ
أُصْبُعُهُ إنْ نَزَلَ الدَّمُ مِنْ قَصَبَةِ الْأَنْفِ نُقِضَ ، وَإِنْ
كَانَ لَمْ يَنْزِلْ مِنْهَا لَمْ يُنْقَضْ وَلَوْ عَضَّ شَيْئًا فَوَجَدَ
فِيهِ أَثَرَ الدَّمِ أَوْ اسْتَاكَ فَوَجَدَ فِي السِّوَاكِ أَثَرَ
الدَّمِ لَا يُنْقَضُ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ السَّيَلَانُ وَلَوْ تَخَلَّلَ
بِعُودٍ فَخَرَجَ الدَّمُ عَلَى الْعُودِ لَا يُنْقَضُ إلَّا أَنْ يَسِيلَ
بَعْدَ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الرِّيقِ وَلَوْ اسْتَنْثَرَ
فَسَقَطَ مِنْ أَنْفِهِ كُتْلَةُ دَمٍ لَا يُنْقَضُ وَإِنْ قَطَرَتْ
قَطْرَةُ دَمٍ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ .
( قَوْلُهُ : فَتَجَاوَزَ إلَى
مَوْضِعٍ ) حَدُّ التَّجَاوُزِ أَنْ يَنْحَدِرَ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ
وَأَمَّا إذَا عَلَا وَلَمْ يَنْحَدِرْ لَا يَنْقُضُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ
رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا انْتَفَخَ عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ وَصَارَ أَكْثَرَ
مِنْ رَأْسِ الْجُرْحِ نَقَضَ ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ، وَلَوْ أَلْقَى
عَلَيْهِ تُرَابًا أَوْ رَمَادًا فَتَشَرَّبَ مِنْهُ ثُمَّ خَرَجَ فَجَعَلَ
عَلَيْهِ تُرَابًا وَلَوْلَاهُ لَتَجَاوَزَ نَقَضَ وَكَذَا لَوْ كَانَ
كُلَّمَا خَرَجَ مَسَحَهُ
أَوْ أَخَذَهُ بِقُطْنَةٍ مِرَارًا وَكَانَ
بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ لَسَالَ نَقَضَ وَلَوْ سَالَ الدَّمُ إلَى مَا
لَانَ مِنْ الْأَنْفِ ، وَالْأَنْفُ مَسْدُودَةٌ نَقَضَ وَلَوْ رَبَطَ
الْجُرْحَ فَابْتَلَّ الرِّبَاطُ إنْ نَفَذَ الْبَلَلُ إلَى الْخَارِجِ
نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنْ كَانَ الرِّبَاطُ ذَا طَاقَيْنِ فَنَفَذَ
الْبَعْضُ إلَى الْبَعْضِ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ خَرَجَ مِنْ
أُذُنَيْهِ قَيْحٌ أَوْ صَدِيدٌ إنْ تَوَجَّعَ عِنْدَ خُرُوجِهِ نَقَضَ
وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ دَمٌ وَاخْتَلَطَ
بِالرِّيقِ إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلدَّمِ أَوْ كَانَا سَوَاءً نَقَضَ ،
وَإِنْ كَانَ الرِّيقُ غَالِبًا لَا يَنْقُضُ وَعَلَى هَذَا إذَا
ابْتَلَعَ الصَّائِمُ الرِّيقَ وَفِيهِ الدَّمُ إنْ كَانَ الدَّمُ غَالِبًا
أَوْ كَانَا سَوَاءً أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ مَصَّ
الْقُرَادُ عُضْوَ إنْسَانٍ فَامْتَلَأَ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَنْقُضُ ،
وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا نَقَضَ ، وَإِنْ سَقَطَ مِنْ جُرْحِهِ دُودَةٌ لَا
يَنْقُضُ وَهِيَ طَاهِرَةٌ وَإِنْ سَقَطَتْ مِنْ السَّبِيلَيْنِ فَهِيَ
نَجِسَةٌ وَتَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَإِذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ الْجُرْحِ
وَلَمْ يَتَجَاوَزْ لَا يَنْقُضُ وَهَلْ هُوَ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ قَالَ
فِي الْهِدَايَةِ مَا لَا يَكُونُ حَدَثًا لَا يَكُونُ نَجِسًا يُرْوَى
ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجِسٌ
وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا أَصَابَ
الْجَامِدَاتِ كَالثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ وَالْحَصِيرِ وَعَلَى قَوْلِ
مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا أَصَابَ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ وَغَيْرِهِ
وَكَذَا الْقَيْءُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ عَلَى هَذَا
الْخِلَافِ .
( قَوْلُهُ : يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ ) يَعْنِي
يَجِبُ تَطْهِيرُهُ فِي الْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ حَتَّى لَوْ سَالَ
الدَّمُ مِنْ الرَّأْسِ إلَى مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ نَقَضَ الْوُضُوءَ
بِخِلَافِ مَا إذَا نَزَلَ الْبَوْلُ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ ؛ لِأَنَّهُ
لَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ حُكْمُ
التَّطْهِيرِ عَنْ دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ وَبَاطِنِ الْجُرْحِ وَقَصَبَةِ
الْأَنْفِ وَإِنَّمَا لَمْ
يَقُلْ يَلْحَقُهُ التَّطْهِيرُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ دَخَلَ تَحْتَهُ بَاطِنُ الْعَيْنِ وَبَاطِنُ الْجُرْحِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ تَطْهِيرُهُ ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّطْهِيرِ فِيهِ مُمْكِنَةٌ ، وَأَمَّا حُكْمُهُ فَقَدْ رَفَعَهُ الشَّارِعُ لِلضَّرُورَةِ .
( قَوْلُهُ : وَالْقَيْءُ إذَا مَلَأ
الْفَمَ ) وَهُوَ مَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ هُوَ
الصَّحِيحُ ، وَقِيلَ مَا مَنَعَ الْكَلَامَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْقُضُ وَلَوْ مَلَأَ الْفَمَ .
وَقَالَ
زُفَرُ يَنْقُضُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَالْقَيْءُ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ
مَاءٌ وَطَعَامٌ وَدَمٌ وَمِرَّةٌ وَبَلْغَمٌ فَفِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ
يَنْقُضُ إذَا مَلَأَ الْفَمَ وَلَا يَنْقُضُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ
ذَلِكَ وَأَمَّا الْبَلْغَمُ فَغَيْرُ نَاقِضٍ عِنْدَهُمَا ، وَإِنْ مَلَأَ
الْفَمَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْقُضُ إذَا مَلَأَ الْفَمَ
وَالْخِلَافُ فِي الصَّاعِدِ مِنْ الْجَوْفِ أَمَّا النَّازِلُ مِنْ
الرَّأْسِ فَغَيْرُ نَاقِضٍ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطٌ وَأَمَّا
الدَّمُ إذَا كَانَ غَلِيظًا جَامِدًا غَيْرَ سَائِلٍ لَا يَنْقُضُ حَتَّى
يَمْلَأَ الْفَمَ فَإِنْ كَانَ ذَائِبًا نَقَضَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ
عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَنْقُضُ حَتَّى يَمْلَأَ الْفَمَ
اعْتِبَارًا بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ ، وَصَحَّحَ فِي الْوَجِيزِ
قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَالْخِلَافُ فِي الْمُرْتَقِي مِنْ الْجَوْفِ ، وَأَمَّا
النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ فَنَاقِضٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ
بِالِاتِّفَاقِ ، وَلَوْ شَرِبَ مَاءً فَقَاءَهُ صَافِيًا نُقِضَ وُضُوءُهُ
.
كَذَا فِي الْفَتَاوَى ، وَإِنْ قَاءَ مُتَفَرِّقًا بِحَيْثُ لَوْ
جُمِعَ لَمَلَأَ الْفَمَ فَالْمُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ عِنْدَ
أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ اتِّحَادُ السَّبَبِ وَهُوَ الْغَثَيَانُ
وَتَفْسِيرُ اتِّحَادِ السَّبَبِ إذَا قَاءَ ثَانِيًا قَبْلَ سُكُونِ
النَّفْسِ مِنْ الْغَثَيَانِ فَهُوَ مُتَّحِدٌ ، وَإِنْ قَاءَ ثَانِيًا
بَعْدَ سُكُونِ النَّفْسِ فَهُوَ مُخْتَلِفٌ .
وَفِي الْفَتَاوَى
الصُّغْرَى مَسْأَلَةٌ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ
الْمَجْلِسَ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ اتِّحَادَ السَّبَبِ وَهِيَ إذَا
نَزَعَ خَاتَمًا مِنْ أُصْبُعِ النَّائِمِ ثُمَّ أَعَادَهُ فَأَبُو يُوسُفَ
اعْتَبَرَ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ النَّوْمَةَ الْأُولَى حَتَّى إنَّهُ
لَوْ اسْتَيْقَظَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ نَامَ فِي مَوْضِعِهِ فَأَعَادَهُ
فِي أُصْبُعِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
وَعِنْدَ
مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ الْمَجْلِسُ حَتَّى إنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ ، قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ نَزَعَ خَاتَمًا مِنْ أُصْبُعِ نَائِمٍ ثُمَّ أَعَادَهُ فِي ذَلِكَ النَّوْمِ يَبْرَأُ إجْمَاعًا وَإِنْ اسْتَيْقَظَ قَبْلَ أَنْ يُعِيدَهُ ثُمَّ نَامَ فِي مَوْضِعِهِ فَأَعَادَهُ فِي النَّوْمَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَبْرَأُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَبَهَ وَجَبَ رَدُّهُ إلَيْهِ فَلَمَّا لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى نَامَ لَمْ يَبْرَأْ بِالرَّدِّ إلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ بِخِلَافِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ وَجَبَ الرَّدُّ إلَى النَّائِمِ وَقَدْ وُجِدَ وَهُنَا لَمَّا اسْتَيْقَظَ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مُسْتَيْقِظٍ فَلَا يَبْرَأُ بِالرَّدِّ إلَى نَائِمٍ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَبْرَأُ ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ تَكَرَّرَ نَوْمُهُ وَيَقَظَتُهُ فَإِنْ قَامَ عَنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ ثُمَّ نَامَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَرَدَّهُ وَهُوَ نَائِمٌ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ إجْمَاعًا لِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ وَالسَّبَبِ .
(
قَوْلُهُ : وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا ) الَّذِي تَقَدَّمَ هُوَ النَّاقِضُ
الْحَقِيقِيُّ وَهَذَا النَّاقِضُ الْحُكْمِيُّ وَهَلْ النَّوْمُ حَدَثٌ
أَمْ لَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ
حَدَثًا اسْتَوَى وُجُودُهُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَلَكِنَّا نَقُولُ
الْحَدَثُ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ النَّائِمُ ، وَقَوْلُهُ وَالنَّوْمُ
مُضْطَجِعًا هَذَا إذَا كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ
فِيهَا كَالْمَرِيضِ إذَا صَلَّى مُضْطَجِعًا فَفِيهِ اخْتِلَافٌ
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ أَيْضًا وَبِهِ نَأْخُذُ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ لَا يَنْقُضُ .
( قَوْلُهُ : أَوْ مُتَّكِئًا ) أَيْ عَلَى أَحَدِ وِرْكَيْهِ فَهُوَ كَالْمُضْطَجِعِ .
(
قَوْلُهُ : أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ لَوْ أُزِيلَ عَنْهُ لَسَقَطَ )
الِاسْتِنَادُ هُوَ الِاعْتِمَادُ عَلَى الشَّيْءِ ، وَلَوْ وَضَعَ
رَأْسَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَامَ لَمْ يُنْقَض وُضُوءُهُ إذَا كَانَ
مُثْبِتًا مَقْعَدَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَبِيًا
وَرَأْسُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يُنْقَضُ أَيْضًا .
( قَوْلُهُ :
وَالْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ بِالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونُ ) الْإِغْمَاءُ
آفَةٌ تَعْتَرِي الْعَقْلَ وَتَغْلِبُهُ وَالْجُنُونُ آفَةٌ تَعْتَرِي
الْعَقْلَ وَتَسْلُبُهُ ، وَيُقَالُ الْإِغْمَاءُ آفَةٌ تُضْعِفُ الْقُوَى
وَلَا تُزِيلُ الْحِجَا وَهُوَ الْعَقْلُ وَالْجُنُونُ آفَةٌ تُزِيلُ
الْحِجَا وَلَا تُزِيلُ الْقُوَى وَهُمَا حَدَثَانِ فِي الصَّلَاةِ
وَغَيْرِهَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ .
وَكَذَا السُّكْرُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ
أَيْضًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ،
وَالسَّكْرَانُ هُوَ الَّذِي تَخْتَلُّ مِشْيَتُهُ وَلَا يَعْرِفُ
الْمَرْأَةَ مِنْ الرَّجُلِ ، وَقَوْلُهُ وَالْجُنُونُ بِالرَّفْعِ وَلَا
يَجُوزُ خَفْضُهُ بِالْعَطْفِ عَلَى الْإِغْمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ عَكْسُهُ
وَيَجُوزُ خَفْضُهُ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ .
( قَوْلُهُ : وَالْقَهْقَهَةُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ ) سَوَاءٌ بَدَتْ أَسْنَانُهُ أَوْ لَمْ تَبْدُ وَسَوَاءٌ قَهْقَهَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا مُتَوَضِّئًا أَوْ مُتَيَمِّمًا وَلَا يَبْطُلُ طَهَارَةُ الْغُسْلِ وَالْقَهْقَهَةُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجَارِهِ وَالضَّحِكُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ دُونَ جَارِهِ وَهُوَ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَالتَّبَسُّمُ مَا لَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَهُوَ لَا يُفْسِدُهُمَا جَمِيعًا وَقَهْقَهَةُ النَّائِمِ فِي الصَّلَاةِ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَتُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَلَوْ نَسِيَ كَوْنَهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَهْقَهَ اُنْتُقِضَ وُضُوءُهُ وَقَهْقَهَةُ الصَّبِيِّ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ إجْمَاعًا وَتُفْسِدُ صَلَاتَهُ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى ، وَالْبَاقِي فِي الْحَدَثِ إذَا جَاءَ مُتَوَضِّئًا وَقَهْقَهَ فِي الطَّرِيقِ تُفْسِدُ صَلَاتَهُ وَلَا تَنْقُضُ وُضُوءَهُ وَإِذَا اغْتَسَلَ الْجُنُبُ وَصَلَّى وَقَهْقَهَ لَا يَبْطُلُ الْغُسْلُ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ طَهَارَةُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ حَتَّى إنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ ، وَقَوْلُهُ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ يَحْتَرِزُ بِهِ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَإِنَّهُ إذَا قَهْقَهَ فِيهِمَا لَا يُنْقَضُ وُضُوءُهُ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَسَجْدَتُهُ ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَصَلَّى صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا يَحْنَثُ .
(
قَوْلُهُ : وَفَرْضُ الْغُسْلِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ ) يَعْنِي
الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَعِنْدَ
الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُنَّتَانِ .
( قَوْلُهُ وَغَسْلُ
سَائِرِ الْبَدَنِ ) السَّائِرُ الْبَاقِي وَمِنْهُ السُّؤْرُ الَّذِي
يُبْقِيهِ الشَّارِبُ وَلَوْ انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي الْبَحْرِ أَوْ
الْغَدِيرِ الْعَظِيمِ أَوْ الْمَاءِ الْجَارِي انْغِمَاسَةً وَاحِدَةً
وَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ
أَجْزَأَهُ وَكَذَا إذَا أَصَابَهُ الْمَطَرُ وَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى
جَمِيعِ بَدَنِهِ ، وَلَوْ اغْتَسَلَ الْأَقْلَفُ وَلَمْ يَصِل الْمَاءُ
إلَى مَا تَحْتَ الْقُلْفَةِ أَجْزَأَهُ ؛ لِأَنَّهَا خِلْقَةٌ وَلَوْ
اغْتَسَلَتْ الْمَرْأَةُ وَتَحْتَ أَظْفَارِهَا عَجِينٌ قَدْ يَبِسَ
وَجَفَّ وَلَمْ يَصِل الْمَاءُ إلَى تَحْتُ وَجَبَ عَلَيْهَا إيصَالُ
الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ تَحْتَ أَظْفَارِهَا
وَسَخٌ فَإِنَّهُ يُجْزِيهَا مِنْ غَيْرِ إزَالَتِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى
بَدَنِهِ قِشْرُ سَمَكٍ أَوْ خُبْزٍ مَمْضُوغٍ مُتَلَبِّدٍ وَجَبَ
إزَالَتُهُ ، وَكَذَا الْخِضَابُ الْمُتَجَسِّدُ وَالْحِنَّاءُ وَاعْلَمْ
أَنَّ الْغُسْلَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا أَرْبَعَةٌ فَرِيضَةٌ وَهُوَ
الْغُسْلُ مِنْ الْإِيلَاجِ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ إذَا غَابَتْ
الْحَشَفَةُ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ
يُنْزِلْ وَالثَّانِي الْغُسْلُ مِنْ الْإِنْزَالِ عَنْ شَهْوَةٍ بِأَيِّ
وَجْهٍ كَانَ مِنْ إتْيَانِ بَهِيمَةٍ أَوْ مُعَالَجَةِ الذَّكَرِ
بِالْيَدِ أَوْ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ أَوْ بِاللَّمْسِ
لِشَهْوَةٍ ، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَالثَّالِثُ
الْغُسْلُ مِنْ الْحَيْضِ وَالرَّابِعُ الْغُسْلُ مِنْ النِّفَاسِ
وَأَرْبَعَةٌ مِنْهُ سُنَّةٌ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَغُسْلُ الْعِيدَيْنِ
وَغُسْلُ الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ كَانَ إحْرَامَ حَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ
وَغُسْلُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْوُقُوفِ وَغُسْلَانِ وَاجِبَانِ غُسْلُ
الْمَوْتَى وَغُسْلُ النَّجَاسَةِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ
الدِّرْهَمِ فِي الْمُغَلَّظَةِ وَرُبُعِ الثَّوْبِ فِي الْمُخَفَّفَةِ
وَغُسْلٌ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ
كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ غُسْلُ الْكَافِرِ وَالْكَافِرَةِ إذَا أَسْلَمَا وَالصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ إذَا أَدْرَكَا بِالسِّنِّ وَكَذَا الْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ .
( قَوْلُهُ : وَسُنَّةُ الْغُسْلِ أَنْ يَبْدَأَ الْمُغْتَسِلُ فَيَغْسِلَ يَدَيْهِ وَفَرْجَهُ ) سَمَّاهُ مُغْتَسِلًا ؛ لِأَنَّهُ قَرُبَ مِنْ الِاغْتِسَالِ كَمَا قُلْنَا إذَا اسْتَيْقَظَ الْمُتَوَضِّئُ مِنْ نَوْمِهِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِالنِّيَّةِ بِقَلْبِهِ وَيَقُولَ بِلِسَانِهِ نَوَيْتُ الْغُسْلَ لِرَفْعِ الْجَنَابَةِ ثُمَّ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ ثُمَّ يَسْتَنْجِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ ( قَوْلُهُ : وَيُزِيلُ نَجَاسَةً إنْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيُزِيلُ النَّجَاسَةَ مُعَرَّفًا بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ إلَّا أَنَّ النَّكِرَةَ أَحْسَنُ وَإِنَّمَا قَالَ إنْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ وَلَمْ يَقُلْ إذَا كَانَتْ ؛ لِأَنَّ إنْ تَدْخُلُ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَإِذَا تَدْخُلُ عَلَى أَمْرٍ كَائِنٍ أَوْ مُنْتَظَرٍ لَا مَحَالَةَ وَالنَّجَاسَةُ قَدْ تُوجَدُ وَقَدْ لَا تُوجَدُ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ إلَّا رِجْلَيْهِ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَمْسَحُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْإِسَالَةَ تُعْدِمُ الْمَسْحَ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْسَحُهُ وَقَوْلُهُ إلَّا رِجْلَيْهِ هَذَا إذَا كَانَ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى لَوْحٍ أَوْ قَبْقَابٍ أَوْ حَجَرٍ لَا يُؤَخِّرُ غَسْلَهُمَا ( قَوْلُهُ : ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ ثَلَاثًا ) الْأُولَى فَرْضٌ وَالثِّنْتَانِ سُنَّتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ وَيَجِبُ أَنْ يُوصِلَ الْمَاءَ إلَى جَمِيعِ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ وَمَعَاطِفِ بَدَنِهِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَهُوَ عَلَى جَنَابَتِهِ حَتَّى يَغْسِلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَإِنْ كَانَ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ ضَيِّقٌ حَرَّكَهُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَهُ إذَا كَانَ الْمَاءُ قَدْ وَصَلَ إلَى مَا بَيْنَهُمَا ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَصِلْ فَالتَّخْلِيلُ فَرْضٌ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ يَتَنَحَّى عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ
فَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ ) هَذَا
إذَا كَانَ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى حَجَرٍ أَوْ
غَيْرِهِ وَقَدْ غَسَلَهُمَا عَقِيبَ مَسْحِ رَأْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ
إعَادَةُ غَسْلِهِمَا .
وَلَوْ تَقَاطَرَ الْمَاءُ فِي وَقْتِ الْغَسْلِ
فِي الْإِنَاءِ إنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ ، وَإِنْ كَانَ
كَثِيرًا أَفْسَدَهُ ، وَحَدُّ الْقَلِيلِ مَا لَا يَنْفَرِجُ مَاءُ
الْإِنَاءِ عِنْدَ وُقُوعِهِ وَلَا يَسْتَبِينُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ
مِثْلَ رُءُوسِ الْإِبَرِ فَهُوَ قَلِيلٌ وَإِلَّا فَهُوَ كَثِيرٌ كَذَا
فِي الْفَوَائِدِ .
( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ
تَنْقُضَ ضَفَائِرَهَا فِي الْغُسْلِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أُصُولَ
الشَّعْرِ ) وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ
النَّقْضُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِي الْجَنَابَةِ وَفِي تَخْصِيصِ
الْمَرْأَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ النَّقْضُ
لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِي حَقِّهِ ، وَلَوْ أَلْزَقَتْ الْمَرْأَةُ
رَأْسَهَا بِالطِّيبِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى أُصُولِ الشَّعْرِ
وَجَبَ عَلَيْهَا إزَالَتُهُ لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى أُصُولِهِ فَإِنْ
احْتَاجَتْ الْمَرْأَةُ إلَى شِرَاءِ الْمَاءِ لِلِاغْتِسَالِ مِنْ
الْجَنَابَةِ إنْ كَانَتْ غَنِيَّةً فَثَمَنُهُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَتْ
فَقِيرَةً فَعَلَى الزَّوْجِ ، وَقِيلَ يُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تَدَعَهَا
تَذْهَبُ إلَى الْمَاءِ أَوْ تَنْقُلَهُ أَنْتَ إلَيْهَا .
وَقَالَ
أَبُو اللَّيْثِ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِلشُّرْبِ
وَأَمَّا ثَمَنُ مَاءِ الْوُضُوءِ فَعَلَى الزَّوْجِ إجْمَاعًا وَثَمَنُ
مَاءِ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْحَيْضِ إنْ انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ
أَيَّامٍ فَعَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ انْقَطَعَ لِعَشَرَةٍ فَعَلَيْهَا ؛
لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا دُونَ الِاغْتِسَالِ فَكَانَتْ هِيَ
الْمُحْتَاجَةَ إلَيْهِ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ .
( قَوْلُهُ :
وَالْمَعَانِي الْمُوجِبَةُ لِلْغُسْلِ إنْزَالُ الْمَنِيِّ عَلَى وَجْهِ
الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ إلَى آخِرِهِ ) هَذِهِ الْمَعَانِي مُوجِبَةٌ
لِلْجَنَابَةِ لَا لِلْغُسْلِ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهَا تَنْقُضُهُ
فَكَيْفَ تُوجِبُهُ وَإِنَّمَا سَبَبُ وُجُوبِ الْغُسْلِ إرَادَةُ
الصَّلَاةِ أَوْ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ مَعَ الْجَنَابَةِ ،
وَأَمَّا هَذِهِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ فَشُرُوطٌ وَلَيْسَتْ
بِأَسْبَابٍ وَالْمَنِيُّ خَاثِرٌ أَبْيَضُ يَنْكَسِرُ مِنْهُ الذَّكَرُ
عِنْدَ خُرُوجِهِ وَيُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ وَرَائِحَتُهُ عِنْدَ
خُرُوجِهِ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ وَعِنْدَ يُبْسِهِ كَرَائِحَةِ الْبَيْضِ .
(
قَوْلُهُ : عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ ) هَذَا بِإِطْلَاقِهِ
لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ
لِوُجُوبِ الْغُسْلِ ذَلِكَ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا يَسْتَقِيمُ ؛
لِأَنَّهُمَا جَعَلَا سَبَبَ الْغُسْلِ خُرُوجَهُ عَنْ شَهْوَةٍ وَلَمْ
يَجْعَلَا الدَّفْقَ شَرْطًا حَتَّى إنَّهُ إذَا انْفَصَلَ عَنْ مَكَانِهِ
بِشَهْوَةٍ وَخَرَجَ مِنْ غَيْرِ دَفْقٍ وَشَهْوَةٍ وَجَبَ الْغُسْلُ
عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ الشَّهْوَةُ أَيْضًا عِنْدَ خُرُوجِهِ
وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ أَيْ نَزَلَ مُتَتَابِعًا
وَلَوْ احْتَلَمَ أَوْ نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَانْفَصَلَ
الْمَنِيُّ مِنْهُ بِشَهْوَةٍ فَلَمَّا قَارَبَ الظُّهْرَ شَدَّ عَلَى
ذَكَرِهِ حَتَّى انْكَسَرَتْ شَهْوَتُهُ ثُمَّ تَرَكَهُ فَسَالَ بِغَيْرِ
شَهْوَةٍ وَجَبَ الْغُسْلُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ ، وَكَذَا
إذَا اغْتَسَلَ الْمُجَامِعُ قَبْلَ أَنْ يَبُولَ أَوْ يَنَامَ ثُمَّ
خَرَجَ بَاقِي الْمَنِيِّ بَعْدَ الْغُسْلِ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَةُ
الْغُسْلِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ
الْبَوْلِ أَوْ النَّوْمِ لَا يُعِيدُ إجْمَاعًا ، وَلَوْ اسْتَيْقَظَ
فَوَجَدَ عَلَى فَخِذِهِ أَوْ ذَكَرِهِ بَلَلًا وَلَمْ يَذْكُرْ
الِاحْتِلَامَ فَإِنْ كَانَ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا قَبْلَ النَّوْمِ فَلَا
غُسْلَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ ، وَإِنْ كَانَ
سَاكِنًا قَبْلَ النَّوْمِ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ ، وَفِي
الْخُجَنْدِيِّ
إنْ كَانَ مَنِيًّا وَجَبَ الْغُسْلُ بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِنْ كَانَ
وَدْيًا لَا يَجِبُ بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِنْ كَانَ مَذْيًا وَجَبَ
الْغُسْلُ عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ تَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ أَوْ لَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا تَيَقَّنَ الِاحْتِلَامَ .
( قَوْلُهُ : وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ ) أَيْ مَعَ تَوَارِي الْحَشَفَةِ فَإِنَّ تَيَقُّنَ مُلَاقَاةِ الْفَرْجِ مِنْ غَيْرِ تَوَارٍ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَالْمُرَادُ بِالْتِقَائِهِمَا مُحَاذَاتُهُمَا وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ كُلِّهَا وَفِي قَوْلِهِ وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ وَبِغَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ ، كَمَا قَالَ حَافِظُ الدِّينِ فِي الْكَنْزِ كَانَ أَحْسَنَ وَأَعَمَّ ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاجَ فِي الدُّبُرِ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَيْسَ هُنَاكَ خِتَانَانِ يَلْتَقِيَانِ وَلَوْ كَانَ مَقْطُوعَ الْحَشَفَةِ يَجِبُ الْغُسْلُ بِإِيلَاجِ مِقْدَارِهَا مِنْ الذَّكَرِ .
( قَوْلُهُ : وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ ) أَيْ الْخُرُوجُ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا مَا دَامَ بَاقِيَيْنِ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ هَلْ يَجِبُ الْغُسْلُ بِالِانْقِطَاعِ وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ أَوْ بِالِانْقِطَاعِ لَا غَيْرُ فَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَعَامَّةِ الْعِرَاقِيِّينَ بِالِانْقِطَاعِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّينَ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفَائِدَتُهُ إذَا انْقَطَعَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَخَّرَتْ الْغُسْلَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ فَعِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ تَأْثَمُ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّينَ لَا تَأْثَمُ وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ وَلَوْ أَجْنَبَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ حَاضَتْ فَاغْتَسَلَتْ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْغُسْلُ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْجَنَابَةُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَفَائِدَتُهُ أَنَّهَا إذَا حَلَفَتْ لَا تَغْتَسِلُ مِنْ هَذِهِ الْجَنَابَةِ ثُمَّ حَاضَتْ فَاغْتَسَلَتْ بَعْدَ الطُّهْرِ حَنِثَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَحْنَثُ ، وَإِنْ اغْتَسَلَتْ قَبْلَ أَنْ تُطَهِّرَهُ مِنْ الْحَيْضِ حَنِثَتْ إجْمَاعًا .
( قَوْلُهُ : {
وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُسْلَ
لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْإِحْرَامِ } ) سَوَاءٌ كَانَ إحْرَامَ
حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَكَذَا يَوْمُ عَرَفَةَ لِلْوُقُوفِ وَاخْتَلَفَ
أَصْحَابُنَا هَلْ غُسْلُ الْجُمُعَةِ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِلْيَوْمِ قَالَ
أَبُو يُوسُفَ لِلصَّلَاةِ .
وَقَالَ الْحَسَنُ لِلْيَوْمِ
وَفَائِدَتُهُ إذَا اغْتَسَلَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَمْ يُحْدِثْ
حَتَّى صَلَّى الْجُمُعَةَ يَكُونُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ عِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ وَعِنْدَ الْحَسَنِ لَا وَكَذَا إذَا اغْتَسَلَ بَعْدَ صَلَاةِ
الْجُمُعَةِ قَبْلَ الْغُرُوبِ يَكُونُ آتِيًا بِهَا عِنْدَ الْحَسَنِ
خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ، وَلَوْ اغْتَسَلَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَنَالُ
فَضِيلَةَ الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ لَا
جُمُعَةَ عَلَيْهَا وَعِنْدَ الْحَسَنِ تَنَالُهَا وَالْغُسْلُ
لِلْعِيدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ
يُقَالُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ بِضَمِّ الْغَيْنِ
وَغَسْلُ الْمَيِّتِ وَغَسْلُ الثَّوْبِ بِفَتْحِهَا وَضَابِطُهُ أَنَّك
إذَا أَضَفْت إلَى الْمَغْسُولِ فَتَحْتَ وَإِذَا أَضَفْت إلَى غَيْرِهِ
ضَمَمْتَ .
( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ فِي الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ غُسْلٌ وَفِيهِمَا الْوُضُوءُ ) الْمَذْيُ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يَخْرُجُ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ وَالْوَدْيُ مَاءٌ أَصْفَرُ غَلِيظٌ يَخْرُجُ بَعْدَ الْبَوْلِ وَكِلَاهُمَا بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ ، وَقَوْلُهُ وَفِيهِمَا الْوُضُوءُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ اُسْتُفِيدَ وُجُوبُ الْوُضُوءِ بِقَوْلِهِ كُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ فَلِمَ أَعَادَهُمَا قُلْنَا إنَّمَا دَخَلَا هُنَاكَ ضِمْنًا لَا قَصْدًا وَمِنْ الْأَشْيَاءِ مَا يَدْخُلُ ضِمْنًا وَلَا يَدْخُلُ قَصْدًا كَبَيْعِ الشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ ضِمْنًا لَا قَصْدًا فَإِنْ قُلْت وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْوُضُوءُ مِنْ الْوَدْيِ وَهُوَ قَدْ وَجَبَ بِالْبَوْلِ السَّابِقِ قُلْت يُتَصَوَّرُ فِيمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ إذَا أَوْدَى يَتَوَضَّأُ وَيَكُونُ وُضُوءُهُ مِنْ الْوَدْيِ خَاصَّةً وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِيمَنْ بَالَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَوْدَى فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْوَدْيِ .
( قَوْلُهُ : وَالطَّهَارَةُ مِنْ
الْأَحْدَاثِ إلَى آخِرِهِ ) طَهَارَةُ الْأَحْدَاثِ هِيَ الْوُضُوءُ
وَالْغُسْلُ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ الْأَحْدَاثِ الَّتِي
سَبَقَ ذِكْرُهَا مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ
وَغَيْرِهِمَا ( قَوْلُهُ جَائِزَةٌ بِمَاءِ السَّمَاءِ ) وَلَمْ يَقُلْ
وَاجِبَةٌ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْمِيَاهُ أَوْ
انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَتَضَيَّقْ الْوَقْتُ وَإِلَّا فَهِيَ
وَاجِبَةٌ وَقَوْلُهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ لَيْسَ هُوَ عَلَى التَّخْصِيصِ ؛
لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُزِيلًا لِلْأَحْدَاثِ كَانَ مُزِيلًا
لِلْأَنْجَاسِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى .
( قَوْلُهُ : وَمَاءُ
الْبِحَارِ ) إنَّمَا قَالَ وَمَاءُ الْبِحَارِ وَلَمْ يَقُلْ وَالْبِحَارُ
رَدًّا لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ حَتَّى حَكَى جَابِرٌ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ التَّيَمُّمُ
أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَجُوزُ بِمَا اُعْتُصِرَ مِنْ الشَّجَرَةِ وَالثَّمَرِ ) بِالْقَصْرِ عَلَى أَنَّ مَا بِمَعْنَى الَّذِي ، وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ بِمَعْنَى الْمُمَدَّدِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ هُوَ الْمَوْصُولُ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالِاعْتِصَارِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَالَ بِنَفْسِهِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ إلَّا أَنَّ الْحَلْوَانِيَّ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَاءُ الشَّجَرِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا بِمَاءٍ
غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ) اخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ الْغَلَبَةُ
بِالْأَجْزَاءِ أَوْ بِالْأَوْصَافِ فَفِي الْهِدَايَةِ بِالْأَجْزَاءِ
وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مُحَمَّدٌ
اعْتَبَرَ اللَّوْنَ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ الْأَجْزَاءَ وَأَشَارَ
الشَّيْخُ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بِالْأَوْصَافِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ
الْمُعْتَبَرَ بِالْأَجْزَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْمُخَالِطَ إذَا كَانَ
مَائِعًا فَمَا دُونَ النِّصْفِ جَائِزٌ فَإِنْ كَانَ النِّصْفَ أَوْ
أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْأَوْصَافَ إنْ غَيَّرَ
الثَّلَاثَةَ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ غَيَّرَ وَاحِدًا جَازَ وَإِنْ غَيَّرَ
اثْنَيْنِ فَكَذَا لَا يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا إنْ
كَانَ مَائِعًا جِنْسُهُ جِنْسُ الْمَاءِ كَمَا الدُّبَّاءِ فَالْعِبْرَةُ
لِلْأَجْزَاءِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَإِنْ كَانَ جِنْسُهُ غَيْرَ
جِنْسِ الْمَاءِ كَاللَّبَنِ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَوْصَافِ كَمَا قَالَ
مُحَمَّدٌ وَالشَّيْخُ اخْتَارَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ فَغَيَّرَ
أَحَدَ أَوْصَافِهِ .
( قَوْلُهُ : فَأَخْرَجَهُ عَنْ طَبْعِ الْمَاءِ ) وَطَبْعُهُ الرِّقَّةُ وَالسَّيَلَانُ وَتَسْكِينُ الْعَطَشِ .
(
قَوْلُهُ : كَالْأَشْرِبَةِ ) أَيْ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الثِّمَارِ
كَشَرَابِ الرُّمَّانِ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ رَاعَى فِي هَذَا صُنْعَهُ
اللَّفَّ وَالنَّشْرَ ، فَقَوْلُهُ اُعْتُصِرَ مِنْ الشَّجَرِ لَفٌّ
وَكَذَا بِمَاءٍ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَفٌّ أَيْضًا ، وَقَوْلُهُ
كَالْأَشْرِبَةِ تَفْسِيرٌ لِمَا اُعْتُصِرَ مِنْ الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ ،
وَقَوْلُهُ كَالْخَلِّ إنْ كَانَ الْمَخْلُوطُ بِالْمَاءِ فَهُوَ مِمَّا
غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ إنْ كَانَ خَالِصًا فَهُوَ مِمَّا اُعْتُصِرَ
مِنْ الثَّمَرِ وَقَوْلُهُ وَالْمَرَقُ تَفْسِيرٌ لِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ
غَيْرُهُ وَنَظِيرُ هَذَا قَوْله تَعَالَى { وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ
لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ
فَضْلِهِ } ، فَقَوْلُهُ { لِتَسْكُنُوا فِيهِ } ، رَاجِعٌ إلَى اللَّيْلِ {
وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ } رَاجِعٌ إلَى النَّهَارِ .
( قَوْلُهُ : وَمَاءُ الْبَاقِلَاءِ ) الْمُرَادُ الْمَطْبُوخُ بِحَيْثُ إذَا بَرَدَ ثَخُنَ ، وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ وَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِمَاءٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ ، وَالْبَاقِلَاءُ هُوَ الْفُولُ إذَا شَدَّدْت اللَّامَ قَصَرْت وَإِذَا خَفَّفْتهَا مَدَدْتَ الْوَاحِدَةُ بَاقِلَّاةٌ وَبَاقِلَاةٌ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ ( قَوْلُهُ : وَمَاءُ الزَّرْدَجِ ) ذَكَرَهُ مِنْ قَسِيمِ الْمَرَقِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قِسْمٌ مِنْهُ وَمَاءُ الذَّرْدَجِ هُوَ مَاءُ الْعُصْفُرِ الْمَنْقُوعِ فَيُطْرَحُ وَلَا يُصْبَغُ بِهِ .
(
قَوْلُهُ : وَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِمَاءٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ
فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ ) الْأَوْصَافُ ثَلَاثَةٌ الطَّعْمُ
وَاللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ فَإِنْ غَيَّرَ وَصْفَيْنِ فَعَلَى إشَارَةِ
الشَّيْخِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَجُوزُ
، كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى فَإِنْ تَغَيَّرَتْ أَوْصَافُهُ الثَّلَاثَةُ
بِوُقُوعِ أَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ فِيهِ فِي وَقْتِ الْخَرِيفِ يَجُوزُ
الْوُضُوءُ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا .
وَقَالَ
الْمَيْدَانِيُّ يَجُوزُ شُرْبُهُ ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَا يَجُوزُ
الْوُضُوءُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ مَغْلُوبًا كَانَ مُقَيَّدًا (
قَوْلُهُ : كَمَاءِ الْمَدِّ ) هُوَ السَّيْلُ وَإِنَّمَا خَصَّهُ
بِالذِّكْرِ ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِغُثَاءٍ وَأَشْجَارٍ وَأَوْرَاقٍ وَلَوْ
تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِطُولِ الزَّمَانِ أَوْ بِالطُّحْلُبِ كَانَ حُكْمُهُ
حُكْمَ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ .
( قَوْلُهُ : وَالْمَاءُ الَّذِي يَخْتَلِطُ بِهِ الْأُشْنَانُ وَالصَّابُونُ وَالزَّعْفَرَانُ ) لِأَنَّ اسْمَ الْمَاءِ بَاقٍ فِيهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَاخْتِلَاطُ الْقَلِيلِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَكَذَا إذَا اخْتَلَطَ الزَّاجُّ بِالْمَاءِ حَتَّى اسْوَدَّ فَهُوَ عَلَى هَذَا .
(
قَوْلُهُ : وَكُلُّ مَاءٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَمْ يَجُزْ
الْوُضُوءُ بِهِ ) وَكَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ وَأَرَادَ
بِهِ غَيْرَ الْجَارِي أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ كَالْغَدِيرِ
الْعَظِيمِ ( قَوْلُهُ : قَلِيلًا كَانَ الْمَاءُ أَوْ كَثِيرًا ) أَيْ
قَلِيلًا كَالْآبَارِ وَالْأَوَانِي أَوْ كَثِيرًا كَالْغَدِيرِ فَيَنْجُسُ
مَوْضِعُ الْوُقُوعِ ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ {
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِحِفْظِ الْمَاءِ
مِنْ النَّجَاسَةِ فَقَالَ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ
الدَّائِمِ } ) أَيْ الرَّاكِدِ ( { وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ
الْجَنَابَةِ } ) إنَّمَا قَالَ أَمَرَ وَهُوَ نَهْيٌ ؛ لِأَنَّ النَّهْيُ
عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ
وَيُسْتَدَلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ
الْمُسْتَعْمَلِ ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ الْمُسْتَعْمَلَ بِالْبَوْلِ فَدَلَّ
عَلَى أَنَّ الِاغْتِسَالَ فِيهِ كَالْبَوْلِ فِيهِ فَيُجَابُ عَنْهُ أَنَّ
صَاحِبَ الْجَنَابَةِ لَا يَخْلُو بَدَنُهُ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ
عَادَةً وَالْعَادَةُ كَالْمُتَيَقَّنِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ { إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا
يَغْمِسَنَّ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ
لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ } ) يَعْنِي فِي مَكَان طَاهِرٍ أَوْ
نَجِسٍ .
( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الْمَاءُ الْجَارِي إذَا وَقَعَتْ فِيهِ
نَجَاسَةٌ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ ) حَدُّ الْجَارِي مَا لَا يَتَكَرَّرُ
اسْتِعْمَالُهُ ، وَقِيلَ مَا يَذْهَبُ بِتَبِنَةٍ وَلَوْ جَلَسَ النَّاسُ
صُفُوفًا عَلَى شَطِّ نَهْرٍ وَتَوَضَّئُوا مِنْهُ جَازَ وَهُوَ الصَّحِيحُ
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ
عَنْ الْمَاءِ الْجَارِي يَغْتَسِلُ فِيهِ رَجُلٌ مِنْ جَنَابَةٍ هَلْ
يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ أَسْفَلَ مِنْهُ قَالَ نَعَمْ ( قَوْلُهُ : إذَا لَمْ
يُرَ لَهَا أَثَرٌ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ مَعَ جَرَيَانِ الْمَاءِ )
الْأَثَرُ هُوَ اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ وَالرَّائِحَةُ وَهَذَا إذَا
كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَائِعَةً ، أَمَّا إذَا كَانَتْ دَابَّةً مَيِّتَةً
إنْ
كَانَ الْمَاءُ يَجْرِي عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَكْثَرِهَا أَوْ نِصْفِهَا لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ ، وَإِنْ كَانَ يَجْرِي عَلَى أَقَلِّهَا وَأَكْثَرُهُ يَجْرِي عَلَى مَكَان طَاهِرٍ وَلِلْمَاءِ قُوَّةٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ لِلنَّجَاسَةِ أَثَرٌ وَشَرْحُ ابْنِ أَبِي عَوْفٍ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَرْئِيَّةً كَدَابَّةٍ مَيِّتَةً لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ مِمَّا قَرُبَ مِنْهَا وَيَجُوزُ مِمَّا بَعْدَهُ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ خَاصَّةً ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْ أَسْفَلِهَا أَصْلًا وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ إنْ كَانَتْ الْمَيِّتَةُ شَاغِلَةً لِبَعْضِ النَّهْرِ جَازَ الْوُضُوءُ مِمَّا بَعُدَ وَلَا يَجُوزُ مِمَّا قَرُبَ ، وَيُعْرَفُ الْقُرْبُ وَالْبُعْدُ بِأَنْ يُجْعَلَ فِي الْمَاءِ صَبْغٌ فَمَا بَلَغَ الصَّبْغُ مِنْ جِرْيَةِ الْمَاءِ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ الطَّهَارَةُ وَيَصِحُّ مِمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَتْ شَاغِلَةً لِكُلِّ النَّهْرِ أَوْ لِأَكْثَرِهِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ مِمَّا سَفَلَ مِنْهَا أَصْلًا وَيَصِحُّ مِنْ أَعْلَاهَا ، وَإِنْ شَغَلَتْ نِصْفَ النَّهْرِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ بِهِ الطَّهَارَةُ ( قَوْلُهُ : وَالْغَدِيرُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ إلَى آخِرِهِ ) التَّحْرِيكُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ بِالِاغْتِسَالِ مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ لَا بِالتَّوَضُّؤِ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الِاغْتِسَالِ فِي الْغُدْرَانِ أَشَدُّ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى التَّوَضُّؤِ ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَكُونُ فِي الْبَيْتِ غَالِبًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ بِالْيَدِ ؛ لِأَنَّ هَذَا أَدْنَى مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْحَرَكَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالتَّوَضُّؤِ ، وَصَحَّحَ فِي الْوَجِيزِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى التَّوَضُّؤِ أَكْثَرُ مِنْ الِاحْتِيَاجِ إلَى الِاغْتِسَالِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِهِ أَوْلَى ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ فِي الْغَدِيرِ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحَرُّكِ الْآخَرِ وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِالْمِسَاحَةِ بِأَنْ يَكُونَ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ
طُولًا فِي عَشَرَةِ أَذْرُعٍ عَرْضًا بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ تَوْسِعَةً فِي الْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّينَ وَذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ سَبْعُ قَبْضَاتٍ وَهُوَ أَقْصَرُ مِنْ ذِرَاعِ الْحَدِيدِ بِقَبْضَةٍ فَإِنْ كَانَ الْغَدِيرُ مُثَلَّثًا فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ جَانِبٍ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَخُمُسَ ذِرَاعٍ وَمِسَاحَتُهُ أَنْ تَضْرِبَ جَوَانِبَهُ فِي نَفْسِهِ يَكُونُ ذَلِكَ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدًا وَثَلَاثِينَ وَجُزْءًا مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ ذِرَاعٍ وَتَأْخُذَ ثُلُثَ ذَلِكَ وَعُشْرَهُ فَهُوَ الْمِسَاحَةُ فَثُلُثُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى التَّقْرِيبِ يَكُونُ سَبْعَةً وَسَبْعِينَ وَعُشْرُهُ عَلَى التَّقْرِيبِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرِينَ فَذَلِكَ مِائَةٌ وَشَيْءٌ قَلِيلٌ لَا يَبْلُغُ عُشْرَ ذِرَاعٍ ، وَإِنْ كَانَ مُدَوَّرًا اُعْتُبِرَ أَنْ يَكُونَ قُطْرُهُ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَخُمُسَ ذِرَاعٍ وَدَوْرُهُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا فَمِسَاحَتُهُ أَنْ يُضْرَبَ نِصْفُ الْقُطْرِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَعُشْرٌ فِي نِصْفِ الدَّوْرِ وَهُوَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَكُونُ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ ذِرَاعٍ ، وَأَمَّا حَدُّ الْعُمْقِ فَالْأَصَحُّ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يَنْحَسِرُ الْأَرْضُ بِالِاغْتِرَافِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَقِيلَ مِقْدَارُ ذِرَاعٍ ، وَقِيلَ مِقْدَارُ شِبْرٍ ( قَوْلُهُ : جَازَ الْوُضُوءُ مِنْ الْجَانِبِ الْأُخَرِ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَنَجُّسِ مَوْضِعِ الْوُقُوعِ سَوَاءٌ كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَرْئِيَّةً أَوْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْعِرَاقِيِّينَ وَعِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْبَلْخِيِّينَ إنْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً فَكَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ مِنْ مَوْضِعِ الْوُقُوعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْوَجِيزِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ ) لِاتِّسَاعِهِ وَتَبَاعُدِ أَطْرَافِهِ .
( قَوْلُهُ : وَمَوْتُ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ ) أَيْ دَمٌ سَائِلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الدَّمَ يُسَمَّى نَفْسًا قَوْلُ الشَّاعِرِ : تَسِيلُ عَلَى حَدِّ السُّيُوفِ نُفُوسُنَا وَلَيْسَ عَلَى غَيْرِ السُّيُوفِ تَسِيلُ ( قَوْلُهُ : إذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ ) تَقْيِيدُهُ بِالْمَاءِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ يَطَّرِدُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّنَجُّسِ فِيهِ لِعَدَمِ الدَّمِ لَا لِلْمَعْدِنِ ، وَكَذَا إذَا مَاتَ خَارِجَ الْمَاءِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِيهِ لَا يُنَجِّسُهُ أَيْضًا ( قَوْلُهُ : كَالْبَقِّ وَالذُّبَابِ وَالزَّنَابِيرِ وَالْعَقَارِبِ ) الْبَقُّ كِبَارُ الْبَعُوضِ ، وَقِيلَ الْكَتَّانُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الذُّبَابَ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ وَالزَّنَابِيرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ ؛ لِأَنَّ الذُّبَابَ كُلَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالزَّنَابِيرُ أَجْنَاسٌ شَتَّى وَسُمِّيَ ذُبَابًا ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا ذُبَّ آبَ أَيْ كُلَّمَا طُرِدَ رَجَعَ .
( قَوْلُهُ : وَمَوْتُ ) ( مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ ) إذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ لَا يُفْسِدُهُ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بِوَالِدِهِ وَمَثْوَاهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ أَوْ لَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ أَوْجَبَ التَّنَجُّسَ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ يَعِيشُ فِيهِ عَمَّا يَتَعَيَّشُ فِيهِ وَلَا يَتَنَفَّسُ فِيهِ كَطَيْرِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَقَيَّدَ بِالْمَاءِ إذْ لَوْ مَاتَ فِي غَيْرِهِ أَفْسَدَهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ ، وَقِيلَ لَا يُفْسِدُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : كَالسَّمَكِ وَالضِّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ ) قَدَّمَ السَّمَكَ ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَالْبَاقِي فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ يُفْسِدُهُ إلَّا السَّمَكَ وَالسَّرَطَانَ وَعَقْرَبَ الْبَحْرِ وَالسَّرَطَانُ هُوَ الْعِقَامُ وَالضِّفْدَعُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَنَاسٌ يَفْتَحُونَهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ .
( قَوْلُهُ : وَأَمَّا
الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي طَهَارَةِ
الْأَحْدَاثِ ) قَيَّدَ بِالْأَحْدَاثِ ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْأَنْجَاسَ
وَسَوَاءٌ تَوَضَّأَ بِهِ أَوْ اغْتَسَلَ بِهِ مِنْ جَنَابَةٍ فَإِنَّهُ
مُسْتَعْمَلٌ وَيُكْرَهُ شُرْبُهُ وَاخْتُلِفَ فِي صِفَتِهِ فَرَوَى
الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً ،
حَتَّى لَوْ أَصَابَ الثَّوْبُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ
مَنَعَ الصَّلَاةَ وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ لَا
يُمْكِنُ حِفْظُهَا مِنْ يَسِيرِهِ وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ،
وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً
مُخَفَّفَةً كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ
بَلْخِي وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ
مُطَهِّرٍ لِلْأَحْدَاثِ كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ
وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَانَ
الْمُتَوَضِّئُ طَاهِرًا أَوْ مُحْدِثًا فِي كَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا (
قَوْلُهُ : وَالْمُسْتَعْمَلُ كُلُّ مَاءٍ أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ أَوْ
اُسْتُعْمِلَ فِي الْبَدَنِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ ) هَذَا قَوْلُ أَبِي
يُوسُفَ وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا .
وَقَالَ
مُحَمَّدٌ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ لَا
غَيْرُ ، فَقَوْلُهُ أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ بِأَنْ تَوَضَّأَ مُتَبَرِّدًا
أَوْ عَلَّمَ إنْسَانًا الْوُضُوءَ أَوْ غَسَلَ أَعْضَاءَهُ مِنْ وَسَخٍ
أَوْ تُرَابٍ وَهُوَ فِي هَذَا كُلِّهِ مُحْدِثٌ وَقَوْلُهُ عَلَى وَجْهِ
الْقُرْبَةِ بِأَنْ تَوَضَّأَ وَهُوَ طَاهِرٌ بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ
وَيَتَفَرَّعُ مِنْ هَذَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ إذَا تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ
وَنَوَى الْقُرْبَةَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا إجْمَاعًا وَإِذَا تَوَضَّأَ
الطَّاهِرُ وَلَمْ يَنْوِهَا لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إجْمَاعًا ،
وَإِذَا تَوَضَّأَ الطَّاهِرُ وَنَوَاهَا صَارَ مُسْتَعْمَلًا إجْمَاعًا ؛
لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِأَحَدِ شَرْطَيْنِ
إمَّا أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ أَوْ يَرْفَعَ بِهِ
الْحَدَثَ وَالرَّابِعَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ
وَهِيَ مَا
إذَا تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ وَلَمْ يَنْوِهَا ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا
وَلَوْ كَانَ جُنُبًا وَاغْتَسَلَ لِلتَّبَرُّدِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا
عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَقَوْلُهُ فِي الْبَدَنِ
قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ غُسَالَةِ الْجَمَادَاتِ
كَالْقُدُورِ وَالْقِصَاعِ وَالْحِجَارَةِ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا .
وَكَذَا
إذَا غَسَلَ ثَوْبًا مِنْ الْوَسَخِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ لَا يَكُونُ
مُسْتَعْمَلًا وَإِذَا غَسَلَ يَدَهُ لِلطَّعَامِ أَوْ مِنْ الطَّعَامِ
كَانَ مُسْتَعْمَلًا ؛ لِأَنَّهُ تَقَرُّبٌ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
الْوُضُوءُ قَبْلَ الطَّعَامِ يَنْفِي الْفَقْرَ وَبَعْدَهُ يَنْفِي
اللَّمَمَ } يَعْنِي الْجُنُونَ ، وَقِيلَ لِلطَّعَامِ يَصِيرُ
مُسْتَعْمَلًا وَمِنْهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا .
( قَوْلُهُ :
وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ ) الْإِهَابُ الْجِلْدُ الَّذِي لَمْ
يُدْبَغْ فَإِذَا دُبِغَ سُمِّيَ أَدِيمًا وَكُلُّ جِلْدٍ يَطْهُرُ
بِالدِّبَاغِ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ وَمَا لَا فَلَا ، .
وَفِي الْهِدَايَةِ مَا طَهُرَ بِالدِّبَاغِ طَهُرَ بِالذَّكَاةِ وَكَذَا لَحْمُهُ فِي الصَّحِيحِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْكُولًا .
وَفِي الْفَتَاوَى الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ .
وَفِي
النِّهَايَةِ إنَّمَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ نَجِسَ
السُّؤْرِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إنَّمَا يَطْهُرُ
لَحْمُهُ وَجِلْدُهُ بِالذَّكَاةِ إذَا وُجِدَتْ الذَّكَاةُ الشَّرْعِيَّةُ
بِأَنْ كَانَ الْمُذَكِّي مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ بِالتَّسْمِيَةِ أَمَّا
إذَا كَانَ مَجُوسِيًّا فَلَا بُدَّ فِي الْجِلْدِ مِنْ الدِّبَاغِ ؛
لِأَنَّ فِعْلَهُ أَمَانَةٌ لَا ذَكَاةٌ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ
الذَّكَاةُ فِي مَحَلِّهَا وَهُوَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ
وَقَمِيصُ الْحَيَّةِ طَاهِرٌ كَذَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَجِلْدُهَا
نَجِسٌ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهَا
وَقَوْلُهُ دُبِغَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ
الدَّابِغُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا أَوَ مَجْنُونًا أَوْ
امْرَأَةً وَجِلْدُ الْكَلْبِ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ عِنْدَنَا .
وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ لَا يَطْهُرُ وَفِي رِوَايَةٍ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ
زِيَادٍ وَالدِّبَاغُ نَوْعَانِ حَقِيقِيٌّ كَالشَّبِّ وَالْقَرَظِ
وَقُشُورِ الرُّمَّانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَحُكْمِيٌّ كَالشَّمْسِ
وَالتُّرَابِ فَإِنْ عَاوَدَ الْمَدْبُوغَ بِالْحُكْمِ الْمَاءُ فِيهِ
رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَعُودُ نَجِسًا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَعُودُ
نَجِسًا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ( قَوْلُهُ : وَجَازَتْ
الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ ) وَكَذَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ
فِيهِ بِأَنْ يَلْبَسَهُ فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَطْهِيرِ
الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ فَلِمَ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُنَا قِيلَ لِأَجْلِ
قَوْلِهِ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ ( قَوْلُهُ : إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ
وَالْآدَمِيِّ ) فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ دَلَالَةٌ عَلَى طَهَارَةِ
جِلْدِ الْكَلْبِ بِالدِّبَاغِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَكَمَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ فَكَذَا بِالذَّكَاةِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ ذِكْرَ الْخِنْزِيرِ عَلَى الْآدَمِيِّ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ إهَانَةٍ وَفِي مَوْضِعِ الْإِهَانَةِ يُقَدَّمُ الْمُهَانُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى { لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ } ، فَقَدَّمَ الصَّوَامِعَ وَالْبِيَعَ عَلَى الْمَسَاجِدِ لِأَجْلِ ذِكْرِ الْهَدْمِ ؛ لِأَنَّهُ إهَانَةٌ الْبِيَعُ جَمْعُ بِيعَةٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهِيَ لِلنَّصَارَى وَالصَّوَامِعُ لِلصَّابِئِينَ وَالصَّلَوَاتُ كَنَائِسُ الْيَهُودِ وَكَانُوا يُسَمُّونَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ صَلَوَاتٍ وَالْفِيلُ كَالْخِنْزِيرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ وَعِظَامُهُ نَجِسَةٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ عِظَامِهِ وَيَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغَةِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ .
(
قَوْلُهُ : وَشَعْرُ الْمَيْتَةِ وَعَظْمُهَا طَاهِرَانِ ) أَرَادَ مَا
سِوَى الْخِنْزِيرِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ رُطُوبَةٌ وَرَخَّصَ فِي
شَعْرِهِ لِلْخَرَّازِينَ لِلضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَقُومُ
مَقَامَهُ عِنْدَهُمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَهُ أَيْضًا
لَهُمْ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَالرِّيشُ
وَالصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَالْقَرْنُ وَالْخُفُّ وَالظِّلْفُ وَالْحَافِرُ
كُلُّ هَذِهِ طَاهِرَةٌ مِنْ الْمَيْتَةِ سِوَى الْخِنْزِيرِ وَهَذَا إذَا
كَانَ الشَّعْرُ مَحْلُوقًا أَوْ مَجْزُورًا فَهُوَ طَاهِرٌ ، وَإِنْ كَانَ
مَنْتُوفًا فَهُوَ نَجِسٌ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي نَجَاسَةِ شَعْرِ
الْآدَمِيِّ وَظُفْرِهِ وَعَظْمِهِ رِوَايَتَانِ فَبِنَجَاسَتِهِ أَخَذَ
الْمَاتُرِيدِيُّ وَبِطَهَارَتِهِ أَخَذَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ
وَاعْتَمَدَهَا الْكَرْخِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ
شَعْرُ الْمَيْتَةِ وَعَظْمُهَا نَجِسٌ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ عَظْمُهَا
نَجِسٌ وَشَعْرُهَا طَاهِرٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ بَيْضَ الْمَيْتَةِ
وَلَبَنَهَا فَنَقُولُ الدَّجَاجَةُ إذَا مَاتَتْ وَخَرَجَتْ مِنْهَا
بَيْضَةٌ بَعْدَ مَوْتِهَا فَهِيَ طَاهِرَةٌ يَحِلُّ أَكْلُهَا عِنْدَنَا
سَوَاءٌ اشْتَدَّ قِشْرُهَا أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحِلُّهَا الْمَوْتُ
، .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ اشْتَدَّ قِشْرُهَا فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ
لَمْ يَشْتَدَّ فَهِيَ نَجِسَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا وَإِنْ مَاتَتْ
شَاةٌ فَخَرَجَ مِنْ ضَرْعِهَا لَبَنٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ طَاهِرٌ
يَحِلُّ شُرْبُهُ وَلَا يَتَنَجَّسُ الْوِعَاءُ وَعِنْدَهُمَا هُوَ طَاهِرٌ
فِي نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحِلُّهُ الْمَوْتُ إلَّا أَنَّهُ
يَتَنَجَّسُ بِنَجَاسَةِ الْوِعَاءِ فَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ ، وَعِنْدَ
الشَّافِعِيِّ هُوَ نَجِسٌ فَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ ، وَإِنْ مَاتَ جَدْيٌ
فَمِنْفَحَتُهُ طَاهِرَةٌ يَجُوزُ أَكْلُ مَا فِي جَوْفِهَا سَوَاءٌ كَانَ
مَائِعًا أَوْ جَامِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ
مَائِعًا لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ جَامِدًا وَغُسِلَ جَازَ أَكْلُهُ
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَالْإِنْفَحَةُ بِكَسْرِ
الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ مُخَفَّفَةً كَرِشُ
الْجَدْيِ مَا لَمْ يَأْكُلْ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا ) ( وَقَعَ فِي الْبِئْرِ نَجَاسَةٌ ) أَيْ مَائِعَةٌ كَالْبَوْلِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ ( قَوْلُهُ : نُزِحَتْ ) يَعْنِي الْبِئْرَ وَالْمُرَادُ مَاؤُهَا ذَكَرَ الْمَحَلَّ وَأَرَادَ بِهِ الْحَالَ كَمَا يُقَالُ جَرَى النَّهْرُ وَسَالَ الْمِيزَابُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ } ( قَوْلُهُ : وَكَانَ نَزْحُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ طَهَارَةً لَهَا ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَطْهُرُ الْوَحْلُ وَالْأَحْجَارُ وَالدَّلْوُ وَالرَّشَا وَيَدُ النَّازِحِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ أَوْ
عُصْفُورٌ أَوْ صَعْوَةٌ أَوْ سُودَانِيَّةٌ إلَى آخِرِهِ ) إنَّمَا
يَكُونُ النَّزَحُ بَعْدَ إخْرَاجِ الْفَأْرَةِ أَمَّا مَا دَامَتْ فِيهَا
فَلَا يُعْتَدُّ بِشَيْءٍ مِنْ النَّزَحِ .
( قَوْلُهُ أَوْ سَامٌّ
أَبْرَصُ ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْوَزَغُ الْكَبِيرُ وَهُمَا اسْمَانِ
جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا فَإِنْ شِئْتَ أَعْرَبْتَ الْأَوَّلَ وَأَضَفْتَ
إلَى الثَّانِي ، وَإِنْ شِئْت بَنَيْت الْأَوَّلَ عَلَى الْفَتْحِ
وَأَعْرَبْت الثَّانِيَ بِإِعْرَابِ مَا لَا يَنْصَرِفُ ، وَإِنْ شِئْت
بَنَيْتهمَا جَمِيعًا عَلَى الْفَتْحِ مِثْلُ خَمْسَةَ عَشَرَ ( قَوْلُهُ :
نُزِحَ مِنْهَا مَا بَيْنَ عِشْرِينَ دَلْوًا إلَى ثَلَاثِينَ )
الْعِشْرُونَ بِطَرِيقِ الْإِيجَابِ وَالْعَشَرَةُ بِطُرُقِ
الِاسْتِحْبَابِ وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْفَأْرَةُ هَارِبَةً مِنْ
الْهِرَّةِ وَلَا مَجْرُوحَةً أَمَّا إذَا كَانَ كَذَلِكَ يُنْزَحُ جَمِيعُ
الْمَاءِ ، وَإِنْ خَرَجَتْ حَيَّةً ؛ لِأَنَّهَا تَبُولُ إذَا كَانَتْ
هَارِبَةً وَكَذَا الْهِرَّةُ إذَا كَانَتْ هَارِبَةً مِنْ الْكَلْبِ أَوْ
مَجْرُوحَةً يُنْزَحُ كُلُّ الْمَاءِ ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ وَالدَّمَ
نَجَاسَةٌ مَائِعَةٌ وَحُكْمُ الْفَأْرَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ
كَالْوَاحِدَةِ وَالْخَمْسِ كَالْهِرَّةِ إلَى التِّسْعِ وَالْعَشْرِ
كَالْكَلْبِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ
الثَّلَاثُ كَالْهِرَّةِ وَالسِّتُّ كَالْكَلْبِ إلَى التِّسْعِ ،
وَكَذَلِكَ الْعُصْفُورُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَأَمَّا فَأْرَتَانِ
فَكَفَأْرَةٍ وَاحِدَةٍ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْهِرَّتَيْنِ يُنْزَحُ
جَمِيعُ الْمَاءِ إجْمَاعًا وَمَا كَانَ بَيْنَ الْفَأْرَةِ وَالْهِرَّةِ
فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْفَأْرَةِ وَمَا كَانَ بَيْنَ الْهِرَّةِ وَالْكَلْبِ
كَالْهِرَّةِ وَهَكَذَا أَبَدًا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَصْغَرِ
وَلَوْ أَنَّ هِرَّةً أَخَذَتْ فَأْرَةً فَوَقَعَتَا جَمِيعًا فِي
الْبِئْرِ إنْ كَانَتْ الْهِرَّةُ حَيَّةً وَالْفَأْرَةُ مَيِّتَةً نُزِحَ
عِشْرُونَ ، وَإِنْ كَانَتَا مَيِّتَتَيْنِ أَجْزَأَهُمْ نَزْحُ
أَرْبَعِينَ وَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ ، وَإِنْ كَانَتَا
حَيَّتَيْنِ أُخْرِجَتَا وَلَا يُنْزَحُ شَيْءٌ ، وَإِنْ
كَانَتْ
الْفَأْرَةُ مَجْرُوحَةً أَوْ بَالَتْ نُزِحَ جَمِيعُ الْمَاءِ وَهَلْ
تَطْهُرُ الْبِئْرُ بِالدَّلْوِ الْأَخِيرِ إذَا انْفَصَلَ عَنْ الْمَاءِ
أَوْ حَتَّى يَتَنَحَّى عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
حَتَّى يَتَنَحَّى عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ
بِالِانْفِصَالِ عَنْ الْمَاءِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا أَخَذَ مِنْ
مَاءِ الْبِئْرِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ مِنْ الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ
يَتَنَحَّى عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَجِسٌ وَعِنْدَ
مُحَمَّدٍ طَاهِرٌ ، وَلَوْ نَضَبَ مَاءُ الْبِئْرِ وَجَفَّتْ بَعْدَ
وُقُوعِ الْفَأْرَةِ أَوْ غَيْرِهَا قَبْلَ النَّزْحِ ثُمَّ عَادَ لَمْ
تَطْهُرْ إلَّا بِالنَّزْحِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ
تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ حَتَّى لَوْ صَلَّى رَجُلٌ فِي قَعْرِهَا جَازَتْ
صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ، وَلَوْ نَضَبَ
الْمَاءُ وَلَمْ يَجِفَّ أَسْفَلُهَا حَتَّى عَاوَدَهَا الْمَاءُ اخْتَلَفَ
الْمَشَايِخُ فِيهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا
بُدَّ مِنْ النَّزْحِ ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ نَضَبَ الْمَاءُ أَيْ غَارَ
فِي الْأَرْضِ ، وَلَوْ وَجَبَ فِي الْبِئْرِ نَزْحُ عِشْرِينَ فَنُزِحَ
عَشْرٌ وَنَفِدَ الْمَاءُ وَنَبَعَ غَيْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُمْ
عَشَرَةٌ أُخْرَى تَتْمِيمًا لِلْوَظِيفَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ
مُحَمَّدٌ لَا يُحْتَاجُ إلَى نَزْحِ شَيْءٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّهُ لَا
يَكُونُ أَشَدَّ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَهَلْ
تُشْتَرَطُ الْمُتَابَعَةُ فِي النَّزْحِ أَمْ لَا عِنْدَنَا لَا
يُشْتَرَطُ وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ يُشْتَرَطُ ( قَوْلُهُ :
بِحَسَبِ كُبْرِ الْحَيَوَانِ وَصِغَرِهِ إلَى آخِرِهِ ) الْكُبْرُ بِضَمِّ
الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ لِلْجُثَّةِ وَكَذَا الصِّغَرُ بِضَمِّ
الصَّادِ وَتَسْكِينِ الْغَيْنِ وَأَمَّا بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِ
الْبَاءِ وَبِكَسْرِ الصَّادِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ فَلِلسِّنِّ وَمَعْنَى
الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ الْوَاقِعُ كَبِيرًا أَوْ الْبِئْرُ كَبِيرَةً
فَالْعَشَرَةُ مُسْتَحَبَّةٌ ، وَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ
فَالِاسْتِحْبَابُ دُونَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا
وَالْآخَرُ كَبِيرًا
فَخَمْسٌ مُسْتَحَبَّةٌ وَخَمْسٌ دُونَهَا فِي الِاسْتِحْبَابِ .
(
قَوْلُهُ : وَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا حَمَامَةٌ أَوْ دَجَاجَةٌ أَوْ
سِنَّوْرٌ نُزِحَ مِنْهَا مَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ دَلْوٍ إلَى سِتِّينَ )
إضْعَافًا لِلْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ فِي الْفَأْرَةِ .
وَفِي
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ خَمْسُونَ دَلْوًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ إضْعَافًا
لِلْوُجُوبِ دُونَ الِاسْتِحْبَابِ الدَّجَاجَةُ بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى
الْأَفْصَحِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَهُوَ شَاذٌّ وَأَمَّا ضَمُّهَا فَخَطَأٌ
وَفِي السِّنَّوْرَيْنِ وَالدَّجَاجَتَيْنِ وَالْحَمَامَتَيْنِ يُنْزَحُ
كُلُّ الْمَاءِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ مَاتَ فِيهَا كَلْبٌ أَوْ
شَاةٌ أَوْ دَابَّةٌ أَوْ آدَمِيٌّ نُزِحَ جَمِيعُ مَائِهَا ) مَوْتُ
الْكَلْبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ خَرَجَ حَيًّا يُنْزَحُ جَمِيعُ
الْمَاءِ وَكَذَا كُلُّ مَنْ سُؤْرُهُ نَجِسٌ أَوْ مَشْكُوكٌ فِيهِ يَجِبُ
نَزْحُ الْكُلِّ وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا وَمَنْ سُؤْرُهُ مَكْرُوهٌ إذَا
خَرَجَ حَيًّا فَالْمَاءُ مَكْرُوهٌ يُنْزَحُ مِنْهُ عَشْرُ دِلَاءٍ
وَالشَّاةُ إذَا خَرَجَتْ حَيَّةً وَلَمْ تَكُنْ هَارِبَةً مِنْ السَّبُعِ
فَالْمَاءُ طَاهِرٌ وَإِنْ كَانَتْ هَارِبَةً يُنْزَحُ كُلُّ الْمَاءِ
عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ( قَوْلُهُ : وَعَدَدُ الدِّلَاءِ
يُعْتَبَرُ بِالدَّلْوِ الْوَسَطِ الْمُسْتَعْمَلِ لِلْآبَارِ )
وَالْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بِئْرٍ بِدَلْوِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا
دَلْوٌ يُتَّخَذُ لَهَا دَلْوٌ يَسَعُ صَاعًا ( قَوْلُهُ : فَإِنْ نُزِحَ
مِنْهَا بِدَلْوٍ عَظِيمٍ قَدْرُ مَا يَسَعُ مِنْ الدَّلْوِ الْوَسَطِ
وَاحْتُسِبَ بِهِ جَازَ ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ قِلَّةِ
التَّقَاطُرِ .
وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ لَا يَجُوزُ ؛
لِأَنَّ عِنْدَ تَكْرَارِ النَّزْحِ يَنْبُعُ الْمَاءُ مِنْ أَسْفَلِهَا
وَيُؤْخَذُ مِنْ أَعْلَاهَا فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْجَارِي وَهَذَا لَا
يَحْصُلُ بِنَزْحِ الدَّلْوِ الْعَظِيمِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ قُلْنَا
مَعْنَى الْجَرَيَانِ سَاقِطٌ ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِدُونِ النَّزْحِ .
(
قَوْلُهُ ، وَإِنْ انْتَفَخَ الْحَيَوَانُ فِيهَا أَوْ تَفَسَّخَ نُزِحَ
جَمِيعُ مَائِهَا صَغِيرًا كَانَ الْحَيَوَانُ أَوْ كَبِيرًا ) وَكَذَا
إذَا تَمَعَّطَ شَعْرُهُ الِانْتِفَاخُ أَنْ تَتَلَاشَى أَعْضَاؤُهُ
وَالتَّفَسُّخُ أَنْ تَتَفَرَّقَ عُضْوًا عُضْوًا وَلَوْ قُطِعَ ذَنَبُ
الْفَأْرَةِ وَأُلْقِيَ فِي الْبِئْرِ نُزِحَ جَمِيعُ الْمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ
لَا يَخْلُو مِنْ رُطُوبَةٍ فَإِنْ جُعِلَ عَلَى مَوْضِعِ الْقَطْعِ
شَمْعَةٌ لَمْ يَجِبْ إلَّا مَا فِي الْفَأْرَةِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَتْ الْبِئْرُ مَعِينًا لَا تُنْزَحُ وَقَدْ وَجَبَ نَزْحُ مَا فِيهَا أَخْرَجُوا مِقْدَارَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ الْمَاءِ ) وَفِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ سِتَّةُ أَوْجُهٍ وَجْهَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَحَدُهُمَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِ أَصْحَابِ الْبِئْرِ إذَا قَالُوا بَعْدَ النَّزْحِ مَا كَانَ فِي بِئْرِنَا أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَالثَّانِي يَنْزِلُ الْبِئْرَ رَجُلَانِ لَهُمَا مَعْرِفَةٌ بِأَمْرِ الْمَاءِ وَيَقُولَانِ بَعْدَ النَّزْحِ مَا كَانَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اعْتَبَرَ قَوْلَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَجْهَانِ أَيْضًا أَحَدُهُمَا يُحْفَرُ حَفِيرَةٌ لِقَدْرِ طُولِ الْمَاءِ وَعَرْضِهِ وَعُمْقِهِ وَتُجَصَّصُ بِحَيْثُ لَا يَنْشَفُ وَيُصَبُّ فِيهَا مَا يُنْزَحُ مِنْهَا حَتَّى تَمْتَلِئَ ، وَالثَّانِي يُجْعَلُ فِيهَا قَصَبَةٌ وَيُجْعَلُ لِمَبْلَغِ الْمَاءِ عَلَامَةٌ فَيُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ مَثَلًا ثُمَّ تُعَادُ الْقَصَبَةُ فَيُنْظَرُ كَمْ نَقَصَ فَيُنْزَحُ لِكُلِّ قَدْرٍ مِنْ ذَلِكَ عِشْرُونَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا مَا فِي الْمَتْنِ وَالثَّانِي مَا بَيْنَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ وَكَأَنَّهُ بَنَى جَوَابَهُ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي آبَارِ بَلَدِهِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ مَا فِي الْمَتْنِ وَالْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّهُ يُكْتَفَى بِنَزْحِ مِائَتَيْنِ وَعِشْرِينَ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ وَلَا يُكْتَفَى بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا وُجِدَ فِي الْبِئْرِ فَأْرَةٌ مَيْتَةٌ أَوْ غَيْرُهَا إلَى آخِرِهِ ) مَيْتَةٌ بِالتَّخْفِيفِ ؛ لِأَنَّ بِالتَّشْدِيدِ يُطْلَقُ عَلَى الْحَيِّ قَالَ اللَّهُ { : إنَّكَ مَيِّتٌ } أَيْ سَتَمُوتُ وَمَا قَدْ مَاتَ يُقَالُ لَهُ مَيْتٌ بِالتَّخْفِيفِ قَالَ الشَّاعِرُ : وَمَنْ يَكُ ذَا رُوحٍ فَذَلِكَ مَيِّتٌ وَمَا الْمَيْتُ إلَّا مَنْ إلَى الْقَبْرِ يُحْمَلُ ( قَوْلُهُ : إذَا كَانُوا تَوَضَّئُوا مِنْهَا ) أَيْ وَهُمْ مُحْدِثُونَ ( قَوْلُهُ : وَغَسَلُوا كُلَّ شَيْءٍ أَصَابَهُ مَاؤُهَا ) أَيْ غَسَلُوا ثِيَابَهُمْ مِنْ نَجَاسَةٍ ، أَمَّا إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَهُمْ مُتَوَضِّئُونَ أَوْ غَسَلُوا ثِيَابَهُمْ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ فَإِنَّهُمْ لَا يُعِيدُونَ إجْمَاعًا كَذَا أَفَادَ شَيْخُنَا مُوَفَّقُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمَارَّ صَارَ مَشْكُوكًا فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ فَإِذَا كَانُوا مُحْدِثِينَ بِيَقِينٍ لَمْ يَزُلْ حَدَثُهُمْ بِمَاءٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَإِذَا كَانُوا مُتَوَضِّئِينَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ بِمَاءٍ مَشْكُوكٍ فِي نَجَاسَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَرْتَفِعُ بِالشَّكِّ ، وَإِنْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِصَابَةِ لَمْ يُعِدْ شَيْئًا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ بِمَرْأَى بَصَرِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فَإِذَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا عَلِمَ أَنَّهَا أَصَابَتْهُ لِلْحَالِ بِخِلَافِ الْبِئْرِ ؛ لِأَنَّهَا غَائِبَةٌ عَنْ بَصَرِهِ ، وَلَوْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا أَعَادَ الصَّلَاةَ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِيهِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إعَادَةُ شَيْءٍ حَتَّى يَتَحَقَّقُوا مَتَى وَقَعَتْ ) وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا يَقُولُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى رَأَى طَائِرًا فِي مِنْقَارِهِ فَأْرَةٌ مَيْتَةٌ أَلْقَاهَا فِي بِئْرٍ فَرَجَعَ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَةِ الْبِئْرِ فِيمَا مَضَى وَفِي شَكٍّ مِنْ نَجَاسَتِهَا الْآنَ فَلَا يَزُولُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ قَدْ
زَالَ هَذَا الشَّكُّ بِيَقِينِ النَّجَاسَةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَلِأَنَّ لِلْمَوْتِ سَبَبًا ظَاهِرًا وَهُوَ الْوُقُوعُ فِي الْمَاءِ فَيُحَالُ بِالْمَوْتِ عَلَيْهِ وَعَدَمُ الِانْتِفَاخِ فِي الْمَاءِ دَلِيلُ قُرْبِ الْعَهْدِ فَقُدِّرَ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالِانْتِفَاخُ دَلِيلُ التَّقَادُمِ فَقُدِّرَ بِالثَّلَاثِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ دُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَسَّخُ .
(
قَوْلُهُ : وَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ )
السُّؤْرُ عَلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ سُؤْرٌ طَاهِرٌ بِالِاتِّفَاقِ
وَسُؤْرٌ نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ وَسُؤْرٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَسُؤْرٌ
مَكْرُوهٌ وَسُؤْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ أَمَّا الطَّاهِرُ فَسُؤْرُ
الْآدَمِيِّ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجُنُبُ
وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْكَافِرُ إلَّا سُؤْرَ شَارِبِ الْخَمْرِ
وَمَنْ دَمِيَ فَاهُ إذَا شَرِبَ عَلَى فَوْرِهِمَا فَإِنَّهُ نَجِسٌ
فَإِنْ ابْتَلَعَ رِيقَهُ مِرَارًا طَهُرَ فَمُهُ عَلَى الصَّحِيحِ .
وَكَذَا
سُؤْرُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ طَاهِرٌ كَلَبَنِهِ إلَّا الْإِبِلَ
الْجَلَّالَةَ وَهِيَ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ فَإِنَّ سُؤْرَهَا مَكْرُوهٌ
فَإِنْ كَانَتْ تُخْلَطُ وَأَكْثَرُ عَلَفِهَا عَلَفُ الدَّوَابِّ لَا
يُكْرَهُ ، وَأَمَّا النَّجِسُ فَسُؤْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ إلَّا
أَنَّ سُؤْرَ الْكَلْبِ خِلَافُ مَالِكٍ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ طَاهِرٌ
وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْهُ سَبْعًا عِنْدَهُ عَلَى طَرِيقِ الْعِبَادَةِ
لَا عَلَى سَبِيلِ النَّجَاسَةِ ( قَوْلُهُ : وَسُؤْرُ الْكَلْبِ
وَالْخِنْزِيرِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ نَجِسٌ ) قَدَّمَ الْكَلْبَ
وَالْخِنْزِيرَ لِمُوَافَقَةِ الشَّافِعِيِّ لَنَا فِيهِمَا وَأَخَّرَ
السِّبَاعَ لِمُخَالَفَتِهِ لَنَا فِيهَا وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ مَا
يَصْطَادُ بِنَابِهِ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ
وَالثَّعْلَبِ وَالْفِيلِ وَالضَّبُعِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ ، وَالسُّؤْرُ
الْمُخْتَلَفُ فِيهِ هُوَ سُؤْرُ السِّبَاعِ فَعِنْدَنَا هُوَ نَجِسٌ
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ طَاهِرٌ لَنَا أَنَّهَا مُحَرَّمَةُ الْأَلْبَانِ
وَاللَّحْمِ ، وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْ سُؤْرِهَا فَكَانَ سُؤْرُهَا
نَجِسًا كَسُؤْرِ الْكِلَابِ وَالْخَنَازِيرِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ حِينَ { سُئِلَ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَوَاتِ وَمَا
يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالْكِلَابِ فَقَالَ لَهَا مَا أَخَذَتْ فِي
بُطُونِهَا وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَنَا شَرَابٌ وَطَهُورٌ } فَهُوَ
مَحْمُولٌ عَلَى الْمَاءِ الْكَثِيرِ أَلَا تَرَاهُ ذَكَرَ الْكِلَابَ
وَسُؤْرُهَا نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ
مُحَمَّدٌ نَجَاسَةَ سُؤْرِ
السِّبَاعِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا
نَجَاسَةٌ غَلِيظَةٌ أَوْ خَفِيفَةٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّهَا غَلِيظَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خَفِيفَةٌ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ
لَحْمُهُ وَأَمَّا السُّؤْرُ الْمَكْرُوهُ فَهُوَ سُؤْرُ الْهِرَّةِ
وَالدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ وَسَوَاكِنِ الْبُيُوتِ كَالْفَأْرَةِ
وَالْحَيَّةِ وَسِبَاعِ الطَّيْرِ وَهِيَ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا
كَالصَّقْرِ وَالْبَازِ وَالْعُقَابِ وَالْغُرَابِ الْأَسْوَدِ
وَالْحَدَأَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ : وَسُؤْرُ الْهِرَّةِ )
أَمَّا كَرَاهَةُ سُؤْرِهَا فَهُوَ قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَهَلْ كَرَاهِيَتُهُ عِنْدَهُمَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ
أَوْ تَنْزِيهٍ الصَّحِيحُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيَةٍ .
وَفِي
الْهِدَايَةِ كَرَاهِيَتُهُ لِحُرْمَةِ لَحْمِهَا وَهُوَ قَوْلُ
الطَّحَاوِيِّ ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى الْقُرْبِ مِنْ كَرَاهَةِ
التَّحْرِيمِ ، وَقِيلَ لِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةَ وَهُوَ قَوْلُ
الْكَرْخِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى كَرَاهَةِ
التَّنْزِيَةِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ بِسُؤْرِهَا عِنْدَهُمَا
إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ لَا يُكْرَهُ ، وَكَانَ
الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ سُؤْرُهَا نَجِسًا نَظَرًا إلَى اللَّحْمِ إلَّا
أَنَّ الضَّرُورَةَ بِالطَّوْفِ أَسْقَطَتْ ذَلِكَ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ
وَالطَّوَّافَاتِ } فَإِنْ لَحِسَتْ الْهِرَّةُ عُضْوَ إنْسَانٍ يُكْرَهُ
أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ غَيْرِ غَسْلِهِ عِنْدَهُمَا وَكَذَا إذَا أَكَلَتْ
مِنْ شَيْءٍ يُكْرَهُ أَكْلُ بَاقِيهِ قَالَ فِي الْكَامِلِ إنَّمَا
يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى بَدَلِهِ
أَمَّا فِي حَقِّ الْفَقِيرِ لَا يُكْرَهُ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ أَكَلَتْ
الْهِرَّةُ فَأْرَةً وَشَرِبَتْ عَلَى فَوْرِهَا تَنَجَّسَ الْمَاءُ إلَّا
إذَا مَكَثَتْ سَاعَةً لِغَسْلِ فَمِهَا بِلُعَابِهَا ( قَوْلُهُ :
وَالدَّجَاجَةُ الْمُخَلَّاةُ ) لِأَنَّهَا تُخَالِطُ النَّجَاسَاتِ إذْ
لَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً بِحَيْثُ لَا يَصِلُ مِنْقَارُهَا إلَى مَا
تَحْتَ قَدَمِهَا لَا يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ
الْأَصْلَ فِيهَا الطَّهَارَةُ نَظَرًا إلَى اللَّحْمِ بِخِلَافِ الْهِرَّةِ فَإِنَّهَا وَلَوْ حُبِسَتْ لَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ وَأَمَّا كَرَاهَةُ سُؤْرِ سِبَاعِ الطَّيْرِ فَلِأَنَّهَا تَأْكُلُ الْمَيْتَاتِ عَادَةً فَأَشْبَهَتْ الدَّجَاجَةَ الْمُخَلَّاةَ فَلَوْ حُبِسَتْ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ ؛ لِأَنَّهَا تَشْرَبُ بِمِنْقَارِهَا وَهُوَ عَظْمٌ بِخِلَافِ الْهِرَّةِ فَإِنَّهَا تَشْرَبُ بِلِسَانِهَا وَهُوَ لَحْمٌ وَالْعَظْمُ طَاهِرٌ بِخِلَافِ اللَّحْمِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سُؤْرُهَا نَجِسًا نَظَرًا إلَى اللَّحْمِ كَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ قِيلَ إنَّهَا تَشْرَبُ بِمَنَاقِيرِهَا وَالسِّبَاعُ بِأَلْسِنَتِهَا وَهِيَ رَطْبَةٌ بِلُعَابِهَا وَلِأَنَّ سِبَاعَ الطَّيْرِ يَتَحَقَّقُ فِيهَا الضَّرُورَةُ فَإِنَّهَا تَنْقَضُّ مِنْ الْهَوَاءِ فَتَشْرَبُ فَلَا يُمْكِنُ صَوْنُ الْأَوَانِي عَنْهَا .
(
قَوْلُهُ : وَسُؤْرُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ مَشْكُوكٌ فِيهِمَا ) وَهَذَا
هُوَ النَّوْعُ الْخَامِسُ مِنْ الْأَسْآرِ وَهَلْ الشَّكُّ فِي
طَهَارَتِهِ أَوْ فِي طَهُورِيَّتِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي طَهَارَتِهِ ؛
لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَكَانَ طَهُورًا وَبِهَذَا قَطَعَ
الصَّيْرَفِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَتَفْرِيعُهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ
أَنَّ الْعِرْقَ وَاللُّعَابَ يُعْفَى عَنْهُ فِي الْأَبْدَانِ
وَالثِّيَابِ مَا لَمْ يُفْحِشْ لِلضَّرُورَةِ وَأَنَّ لَبَنَهُ نَجِسٌ
حَتَّى لَوْ أَصَابَ الثَّوْبُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ
مَنَعَ الصَّلَاةَ وَلَا يَجُوزُ شُرْبُهُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الشَّكُّ
فِي طَهُورِيَّتِهِ وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ طَاهِرًا وَهُوَ اخْتِيَارُ
صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ
وَهُوَ الْأَصَحُّ وَتَفْرِيعُهُ عِنْدَهُمْ أَنَّ لَبَنَهُ وَعِرْقَهُ
طَاهِرٌ وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ مَا لَمْ
يَغْلِبْ عَلَى الْمَاءِ نَصَّ عَلَى هَذَا فِي الْوَجِيزِ وَهَلْ
يُطَهِّرُ النَّجَاسَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ حُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يُطَهِّرُ النَّجِسَ وَلَا
يُنَجِّسُ الطَّاهِرَ كَذَا فِي إيضَاحِ الصَّيْرَفِيِّ .
وَفِي
الْهِدَايَةِ لَبَنُ الْحِمَارِ طَاهِرٌ وَكَذَا عَرَقُهُ طَاهِرٌ وَقَالَ
فِي النِّهَايَةِ أَمَّا عَرَقُهُ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا لَبَنُهُ فَغَيْرُ
صَحِيحٍ بَلْ الرِّوَايَةُ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ نَجَاسَتُهُ أَوْ
تَسْوِيَةُ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ فِيهِ وَلَمْ يُرَجِّحْ جَانِبَ
الطَّهَارَةِ أَحَدٌ إلَّا فِي رِوَايَةٍ غَيْرِ ظَاهِرَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ .
وَفِي
الْمُحِيطِ لَبَنُ الْأَتَانِ نَجِسٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ
عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَا يُؤْكَلُ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ
وَعَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ
وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً
غَلِيظَةً ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَعَرَقُ الْحِمَارِ طَاهِرٌ
فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَسُؤْرُ الْبَغْلِ مِثْلُ سُؤْرِ
الْحِمَارِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَسْلِ الْحِمَارِ فَيَكُونُ
بِمَنْزِلَتِهِ
؛ لِأَنَّ أُمَّهُ مِنْ الْخَيْلِ وَأَبَاهُ مِنْ الْحَمِيرِ فَكَانَ
كَسُؤْرِ فَرَسٍ خُلِطَ بِسُؤْرِ حِمَارٍ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ لَمْ يَجِدْ
غَيْرَهُمَا تَوَضَّأَ بِهِمَا وَتَيَمَّمَ وَأَيَّهُمَا قَدَّمَهُ جَازَ )
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُقَدِّمَ الْوُضُوءَ عَلَى
التَّيَمُّمِ ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ وَاجِبُ الِاسْتِعْمَالِ فَأَشْبَهَ
الْمَاءَ الْمُطْلَقَ وَلَنَا أَنَّ الْمَطَرَ أَحَدُهُمَا فَيُفِيدُ
الْجَمْعَ دُونَ التَّرْتِيبِ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ يُفِيدُ الْجَمْعَ أَيْ
لَا تَخْلُو الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ عَنْهُمَا ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ
الْجَمْعُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى إنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ
الْحِمَارِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى تِلْكَ
الصَّلَاةَ أَيْضًا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ الْوُضُوءَ وَالتَّيَمُّمَ
فِي حَقِّ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَعَنْ نُصَيْرِ بْنِ
يَحْيَى فِي رَجُلٍ لَمْ يَجِدْ إلَّا سُؤْرَ حِمَارٍ قَالَ يُهْرِيقُهُ
حَتَّى يَصِيرَ عَادِمًا لِلْمَاءِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ فَعَرَضَ قَوْلَهُ
عَلَى أَبِي قَاسِمٍ الصَّفَّارِ فَقَالَ هُوَ قَوْلٌ جَيِّدٌ .
وَفِي
النَّوَادِرِ لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَتَيَمَّمَ ثُمَّ
أَصَابَ مَاءً طَاهِرًا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ حَتَّى ذَهَبَ الْمَاءُ
وَمَعَهُ سُؤْرُ الْحِمَارِ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ وَلَيْسَ
عَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ
مُطَهَّرًا فَقَدْ تَوَضَّأَ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَلَيْسَ
عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ لَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَلَا فِي
الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَسُؤْرُ الْفَرَسِ طَاهِرٌ عِنْدَهُمَا ؛
لِأَنَّهُ مَأْكُولُ اللَّحْمِ عِنْدَهُمَا وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
أَيْضًا طَاهِرٌ فِي الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ كَرَاهَةَ لَحْمِهِ لِإِظْهَارِ
شَرَفِهِ لَا لِنَجَاسَتِهِ وَأَمَّا سُؤْرُ الْفِيلِ فَنَجِسٌ ؛
لِأَنَّهُ سَبُعٌ ذُو نَابٍ وَكَذَا سُؤْرُ الْقِرْدِ نَجِسٌ أَيْضًا ؛
لِأَنَّهُ سَبُعٌ وَعَرَقُ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُ سُؤْرِهِ .
وَعَرَقُ
الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَلُعَابُهُمَا إذَا وَقَعَا فِي الْمَاءِ يَجُوزُ
شُرْبُهُ وَلَكِنْ إذَا أَرَادَ الْوُضُوءَ بِهِ وَلَمْ
يَجِدْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ ، وَإِنْ أَصَابَ الثَّوْبَ شَيْءٌ مِنْ لُعَابِهِمَا أَوْ عَرَقِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ ، وَإِنْ فَحُشَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَمْنَعُ إذَا فَحُشَ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَعِرْقُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ طَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( بَابُ التَّيَمُّمِ ) لَمَّا بَيَّنَ الشَّيْخُ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا مِنْ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى وَمَا يَنْقُضُهَا عَقَّبَهَا بِخَلَفِهَا وَهُوَ التَّيَمُّمُ ؛ لِأَنَّ الْخَلَفَ أَبَدًا يَقْفُوا الْأَصْلَ أَيْ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَهُ وَالتَّيَمُّمُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى { : فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } وَأَمَّا السُّنَّةُ ، فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { التَّيَمُّمُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ } وَالتَّيَمُّمُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَصْدُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ } أَيْ لَا تَقْصِدُوا وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ طَاهِرٍ وَفِي مَحَلِّ التَّيَمُّمِ ، وَقِيلَ عِبَارَةٌ عَنْ قَصْدٍ إلَى الصَّعِيدِ لِلتَّطْهِيرِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ الْأُولَى اشْتَرَطَ اسْتِعْمَالَ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ وَالتَّيَمُّمُ بِالْحَجَرِ يَجُوزُ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ اسْتِعْمَالُ جُزْئِهِ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَهُوَ مُسَافِرٌ ) الْمُرَادُ مِنْ الْوُجُودِ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى رَأْسِ بِئْرٍ بِغَيْرِ دَلْوٍ أَوْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ عَيْنٍ وَعَلَيْهَا عَدُوٌّ أَوْ سَبُعٌ أَوْ حَيَّةٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْوُصُولَ إلَيْهِ لَا يَكُونُ وَاجِدًا وَالْمُرَادُ أَيْضًا مِنْ الْوُجُودِ مَا يَكْفِي لِرَفْعِ حَدَثِهِ وَمَا دُونَهُ كَالْمَعْدُومِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا بِشَيْءٍ آخَرَ كَمَا إذَا خَافَ الْعَطَشَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ رَفِيقِهِ أَوْ دَابَّتِهِ أَوْ كِلَابِهِ لِمَاشِيَتِهِ أَوْ صَيْدِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي ثَانِي الْحَالِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَكَذَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِلْعَجْنِ دُونَ اتِّخَاذِ الْمَرَقَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ رَفِيقَهُ الْمُخَالِطَ لَهُ أَوْ آخَرَ مِنْ أَهْلِ الْقَافِلَةِ فَإِنْ قِيلَ لِمَ قَدَّمَ الْمُسَافِرَ عَلَى الْمَرِيضِ وَفِي الْقُرْآنِ تَقْدِيمُ الْمَرِيضِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ } ، قِيلَ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْمُسَافِرِ أَمَسُّ ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ وَأَغْلَبُ ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرِينَ أَكْثَرُ مِنْ الْمَرْضَى وَإِنَّمَا قَدَّمَ فِي الْقُرْآنِ الْمَرِيضَ ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ لِبَيَانِ الرُّخْصَةِ وَشُرِعَتْ الرُّخْصَةُ مَرْحَمَةً لِلْعِبَادِ وَالْمَرِيضُ أَحَقُّ بِالْمَرْحَمَةِ ( قَوْلُهُ : أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ ) نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ تَقْدِيرُهُ أَوْ فِي خَارِجِ الْمِصْرِ أَيْ فِي مَكَان خَارِجَ الْمِصْرِ وَسَوَاءٌ فِي كَوْنِهِ خَارِجَ الْمِصْرِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لِلِاحْتِطَابِ أَوْ لِلِاحْتِشَاشِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِعَدَمِ الْمَاءِ فِي الْمِصْرِ سِوَى الْمَوَاضِعِ الْمُسْتَثْنَاةِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ : خَوْفُ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ صَلَاةِ الْعِيدِ ، أَوْ خَوْفِ الْجُنُبِ مِنْ الْبَرْدِ وَعَنْ السُّلَمِيِّ جَوَازُ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْجَوَازِ ؛ لِأَنَّ الْمِصْرَ لَا يَخْلُو عَنْ الْمَاءِ ( قَوْلُهُ : وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْمِصْرِ نَحْوُ
الْمِيلِ أَوْ أَكْثَرُ ) التَّقْيِيدُ بِالْمِصْرِ غَيْرُ لَازِمٍ
وَالْمُرَادُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمِيلِ هُوَ
الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ
يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْأَذَانَ ، وَقِيلَ إنْ كَانَ الْمَاءُ
أَمَامَهُ فَمِيلَانِ وَإِنْ كَانَ خَلْفَهُ أَوْ يَمِينَهُ أَوْ يَسَارَهُ
فَمِيلٌ .
وَقَالَ زُفَرُ إنْ كَانَ بِحَالٍ يَصِلُ إلَى الْمَاءِ
قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا
فَيَجُوزُ ، وَإِنْ قَرُبَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا
ذَهَبَ إلَيْهِ وَتَوَضَّأَ تَذْهَبُ الْقَافِلَةُ وَتَغِيبُ عَنْ بَصَرِهِ
يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَهَذَا حَسَنٌ جِدًّا
وَالْمِيلُ أَلْفُ خُطْوَةٍ لِلْبَعِيرِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ
فَإِنْ قِيلَ مَا الْحَاجَةُ إلَى قَوْلِهِ أَوْ أَكْثَرُ وَقَدْ عُلِمَ
جَوَازُهُ مَعَ قَدْرِ الْمِيلِ قِيلَ ؛ لِأَنَّ الْمَسَافَةَ إنَّمَا
تُعْرَفُ بِالْجَزْرِ وَالظَّنِّ فَلَوْ كَانَ فِي ظَنِّهِ نَحْوُ الْمِيلِ
أَوْ أَقَلُّ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ فِي ظَنِّهِ نَحْوُ الْمِيلِ
أَوْ أَكْثَرُ جَازَ حَتَّى لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مِيلٌ جَازَ لَهُ
التَّيَمُّمُ ( قَوْلُهُ أَوْ كَانَ يَجِدُ الْمَاءَ إلَّا أَنَّهُ مَرِيضٌ
إلَى آخِرِهِ ) الْمَرِيضُ لَهُ ثَلَاثُ حَالَاتٍ أَحَدُهُمَا إذَا كَانَ
يَسْتَضِرُّ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ كَمَنْ بِهِ جُدَرِيٌّ أَوْ حُمَّى
أَوْ جِرَاحَةٌ يَضُرُّهُ الِاسْتِعْمَالُ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ
التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا ، وَالثَّانِيَةُ إنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ إلَّا
الْحَرَكَةُ إلَيْهِ وَلَا يَضُرُّهُ الْمَاءُ كَالْمَبْطُونِ وَصَاحِبِ
الْعِرْقِ الْمَدِينِيِّ فَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ
جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ أَيْضًا إجْمَاعًا ، وَإِنْ وَجَدَ فَعِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ
الْمُسْتَعَانُ بِهِ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ أَوْ لَا وَأَهْلُ طَاعَتِهِ
عَبْدُهُ أَوْ وَلَدُهُ أَوْ أَجِيرُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ
التَّيَمُّمُ كَذَا فِي التَّأْسِيسِ .
وَفِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا ،
وَالثَّالِثَةُ
إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا
بِغَيْرِهِ وَلَا عَلَى التَّيَمُّمِ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ
قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُصَلِّي عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى أَحَدِهِمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُصَلِّي
تَشَبُّهًا وَيُعِيدُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ فِي رِوَايَةِ
الزِّيَادَاتِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ
مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ حُبِسَ فِي الْمِصْرِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً
وَوَجَدَ التُّرَابَ الطَّاهِرَ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَنَا وَأَعَادَ
إذَا خَلَصَ ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يُصَلِّي .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
الْفَضْلِ إنْ كَانَ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ أَوْ كَانَ
بِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ ( قَوْلُهُ : أَوْ خَافَ
الْجُنُبُ إنْ اغْتَسَلَ بِالْمَاءِ أَنْ يَقْتُلَهُ الْبَرْدُ أَوْ
يُمْرِضَهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ ) هَذَا إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ
إجْمَاعًا وَكَذَا فِي الْمِصْرِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا
لَهُمَا وَقَيَّدَ بِالْغُسْلِ ؛ لِأَنَّ الْمُحْدِثَ فِي مِصْرٍ إذَا
خَافَ مِنْ التَّوَضُّؤِ الْهَلَاكَ مِنْ الْبَرْدِ لَا يَجُوزُ لَهُ
التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى .
(
قَوْلُهُ : وَالتَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ ) وَهَلْ الضَّرْبَتَانِ مِنْ
التَّيَمُّمِ قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ نَعَمْ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ .
وَقَالَ
الْإِسْبِيجَابِيُّ لَا وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا ضَرَبَ ثُمَّ أَحْدَثَ
قَبْلَ مَسْحِ الْوَجْهِ أَوْ نَوَى بَعْدَ الضَّرْبِ فَعِنْدَ ابْنِ
شُجَاعٍ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِبَعْضِ التَّيَمُّمِ ثُمَّ
أَحْدَثَ فَيُنْتَقَضُ وَعِنْدَ الْإِسْبِيجَابِيِّ يَجُوزُ كَمَنْ مَلَأَ
كَفَّهُ مَاءً لِلْوُضُوءِ ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ فِي
الْوَجْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ( قَوْلُهُ : يَمْسَحُ بِإِحْدَاهُمَا
وَجْهَهُ وَبِالْأُخْرَى ذِرَاعَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ) وَلَا
يُشْتَرَطُ تَكْرَارُهُ إلَى الثَّلَاثِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ ؛ لِأَنَّ
التُّرَابَ مُلَوِّثٌ وَلَيْسَ بِطَهَارَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا
عُرِفَ مُطَهِّرًا شَرْعًا فَلَا حَاجَةَ إلَى كَثْرَةِ التَّلْوِيثِ إذَا
كَانَ الْمُرَادُ قَدْ حَصَلَ بِمَرَّةٍ ، وَقَوْلُهُ بِإِحْدَاهُمَا
إشَارَةٌ إلَى سُقُوطِ التَّرْتِيبِ ، وَقَوْلُهُ يَمْسَحُ إشَارَةٌ إلَى
أَنَّهُ لَوْ ذَرَّ التُّرَابَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَمْسَحْهُ لَمْ
يَجُزْ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِيضَاحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
وَيُشْتَرَطُ الِاسْتِيعَابُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ
مَسْحُ اللِّحْيَةِ وَلَا مَسْحُ الْجَبِيرَةِ وَلَوْ مَسَحَ بِإِحْدَى
يَدَيْهِ وَجْهَهُ وَبِالْأُخْرَى يَدَيْهِ أَجْزَأَهُ فِي الْوَجْهِ
وَالْيَدِ الْأُولَى وَيُعِيدُ الضَّرْبَ لِلْيَدِ الْأُخْرَى ( قَوْلُهُ :
إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ فَإِنَّهُ
يَشْتَرِطُ الْمَسْحَ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَعَنْ قَوْلِ مَالِكٍ حَيْثُ
يَكْتَفِي بِهِ إلَى نِصْفِ الذِّرَاعَيْنِ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِاشْتِرَاطِ
الِاسْتِيعَابِ هُوَ الصَّحِيحُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ مَسَحَ الْأَكْثَرَ جَازَ فَإِذَا
قُلْنَا بِالِاسْتِيعَابِ وَجَبَ نَزْعُ الْخَاتَمِ وَتَخْلِيلُ
الْأَصَابِعِ وَفِي الْهِدَايَةِ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِيعَابِ فِي
ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِقِيَامَةِ مَقَامَ الْوُضُوءِ وَسُنَّةُ
التَّيَمُّمِ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى قَبْلَ الضَّرْبِ وَيُقْبِلَ
بِيَدَيْهِ وَيُدْبِرَ ثُمَّ يَنْفُضَهُمَا عِنْدَ الرَّفْعِ نَفْضَةً وَاحِدَةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ نَفْضَتَيْنِ ، وَيَفْعَلُ فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَلَطَّخَ بِالتُّرَابِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَسْحُ دُونَ التَّلْوِيثِ وَكَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ أَنْ يَضْرِبَ بِيَدَيْهِ ضَرْبَةً وَيَرْفَعَهُمَا وَيَنْفُضَهُمَا حَتَّى يَتَنَاثَرَ التُّرَابُ وَيَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ يَضْرِبَ أُخْرَى وَيَنْفُضَهُمَا وَيَمْسَحَ بِبَاطِنِ أَرْبَعِ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُسْرَى ظَاهِرَ كَفِّهِ الْيُمْنَى مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِرْفَقِ ثُمَّ بِبَاطِنِ كَفِّهِ الْيُسْرَى بَاطِنَ ذِرَاعِهِ الْيُمْنَى إلَى الرُّسْغِ ، وَيُمِرُّ بِبَاطِنِ إبْهَامِهِ الْيُسْرَى عَلَى ظَاهِرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ لِمَ كَانَ التَّيَمُّمُ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ خَاصَّةً ؟ قِيلَ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْأَصْلِ وَهُوَ الْغَسْلُ وَالرَّأْسُ مَمْسُوحٌ وَالرِّجْلَانِ فَرْضُهُمَا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ .
( قَوْلُهُ : وَالتَّيَمُّمُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ سَوَاءٌ ) يَعْنِي فِعْلًا وَنِيَّةً وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّمْيِيزِ إنْ كَانَ لِلْحَدَثِ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ ، وَإِنْ كَانَ لِلْجَنَابَةِ نَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّمْيِيزِ بَلْ إذَا نَوَى الطَّهَارَةَ أَوْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ وَكَذَا التَّيَمُّمُ لِلْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ .
( قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ
التَّيَمُّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ
جِنْسِ الْأَرْضِ ) وَهُوَ مَا إذَا طُبِعَ لَا يَنْطَبِعُ وَلَا يَلِينُ
وَإِذَا أُحْرِقَ لَا يَصِيرُ رَمَادًا ( قَوْلُهُ : كَالتُّرَابِ
وَالرَّمْلِ إلَى آخِرِهِ ) قَدَّمَ التُّرَابَ ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ
عَلَيْهِ وَكَذَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْحِصَارِ وَالْآجُرِّ
الْمَدْقُوقِ وَالْخَزَفِ الْمَدْقُوقِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ يَعْنِي
إذَا كَانَ مِنْ طِينٍ خَالِصٍ ، وَأَمَّا إذَا خَالَطَهُ مَا لَيْسَ مِنْ
جِنْسِ الْأَرْضِ وَكَانَ الْمُخَالِطُ أَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَجُوزُ بِهِ
التَّيَمُّمُ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا
بِالتُّرَابِ وَالرَّمْلِ خَاصَّةً ) وَلَهُ فِي الرَّمْلِ رِوَايَتَانِ
أَصَحُّهُمَا عَدَمُ الْجَوَازِ وَالْخِلَافُ مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ
أَمَّا إذَا عُدِمَ ، فَقَوْلُهُ كَقَوْلِهِمَا وَلَوْ تَيَمَّمَ عَلَى
حَجَرٍ أَمْلَسَ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى حَائِطٍ أَوْ عَلَى
مَوْضِعٍ نَدِيٍّ مِنْ الْأَرْضِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَزُفَرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ ، وَإِنْ تَيَمَّمَ بِالْمِلْحِ
إنْ كَانَ مَائِيًّا لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ جَبَلِيًّا جَازَ كَذَا
فِي الْخُجَنْدِيِّ وَالْفَتَاوَى .
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ :
الْأَصَحُّ عِنْدِي لَا يَجُوزُ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا الطِّينَ
فَإِنَّهُ يُلَطِّخُ بِهِ طَرَفَ ثَوْبِهِ أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى يَجِفَّ
ثُمَّ يَتَيَمَّمُ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ قَالَ
الْخُجَنْدِيُّ لَا يُصَلِّي مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ أَوْ التُّرَابَ
الْيَابِسَ أَوْ الْأَشْيَاءَ الَّتِي يَجُوزُ بِهَا التَّيَمُّمُ وَفِي
الْكَرْخِيِّ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالطِّينِ الرَّطْبِ ، وَإِنْ لَمْ
يَعْلَقْ بِيَدَيْهِ ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُ التَّيَمُّمِ بِالطِّينِ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَلَوْ اخْتَلَطَ مَا لَا يَجُوزُ بِهِ
التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ كَالدَّقِيقِ وَالرَّمَادِ إنْ كَانَ التُّرَابُ
هُوَ الْأَكْثَرَ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ التُّرَابُ
أَقَلَّ لَا يَجُوزُ وَلَوْ حُبِسَ فِي السِّجْنِ وَلَمْ يَجِدْ فِيهِ
مَاءً وَلَا تُرَابًا طَاهِرًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَلِّي
لِقَوْلِهِ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ }
وَالطَّهُورُ هُوَ الْمَاءُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَالتُّرَابُ عِنْدَ عَدَمِهِ
.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُصَلِّي ثُمَّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْحَبْسِ
يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَوَجَدَ
التُّرَابَ الطَّاهِرَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي عِنْدَ أَصْحَابِنَا
الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ ذَكَرَ
مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ يُعِيدُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ
الْعُذْرَ حَصَلَ مِنْ جِهَةِ آدَمِيٍّ وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ
الْإِعَادَةِ كَمَنْ قَيَّدَ رَجُلًا حَتَّى صَلَّى قَاعِدًا ثُمَّ
أَزَالَ ذَلِكَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ إجْمَاعًا
وَذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ فِي الْحَبْسِ بِالتُّرَابِ
الطَّاهِرِ ثُمَّ خَرَجَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ
جُوِّزَ لَهُ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ فَصَارَ
كَالْمُسَافِرِ .
( قَوْلُهُ : وَالنِّيَّةُ فَرْضٌ فِي التَّيَمُّمِ مُسْتَحَبَّةٌ فِي الْوُضُوءِ ) .
وَقَالَ
زُفَرُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ فَلَا
يُخَالِفُهُ فِي وَصْفِهِ وَلَنَا أَنَّ التَّيَمُّمَ هُوَ الْقَصْدُ
وَالْقَصْدُ هُوَ الْإِرَادَةُ وَهِيَ النِّيَّةُ فَلَا يُمْكِنُ فَصْلُ
التَّيَمُّمِ عَنْهَا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِغَسْلٍ
وَمَسْحٍ فِي أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ فَافْتَرَقَا ، وَإِنْ شِئْت قُلْت
إنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ
التَّطْهِيرِ ، وَالتُّرَابُ مُلَوِّثٌ فَلَمْ يَكُنْ طَهَارَةً إلَّا
بِالنِّيَّةِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا تَيَمَّمَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ
أَوْ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَوْ لِلنَّافِلَةِ أَوْ لِقِرَاءَةِ
الْقُرْآنِ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ ؛ لِأَنَّ
سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَالْقِرَاءَةَ بَعْضٌ مِنْ أَبْعَاضِ الصَّلَاةِ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلصَّلَاةِ مِنْ الْقِرَاءَةِ .
وَفِي
الْفَتَاوَى الصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لَا
يَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ ، وَلَوْ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ أَوْ لِدُخُولِ
الْمَسْجِدِ أَوْ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ أَوْ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ أَوْ
لِلْأَذَانِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ
التَّيَمُّمَ لَمْ يَحْصُلْ لِلصَّلَاةِ وَلَا لِجُزْءٍ مِنْهَا وَلَوْ
تَيَمَّمَ كَافِرٌ يُرِيدُ بِهِ الْإِسْلَامَ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ
مُتَيَمِّمًا عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلنِّيَّةِ .
وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ هُوَ مُتَيَمِّمٌ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى قُرْبَةً مَقْصُودَةً
قُلْنَا هُوَ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ بِخِلَافِ
سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَإِنَّهَا قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ لَا تَصِحُّ
بِدُونِ الطَّهَارَةِ ، وَلَوْ تَيَمَّمَ هَذَا الْكَافِرُ يُرِيدُ
الصَّلَاةَ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ لَا يَكُونُ مُتَيَمِّمًا
إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ فَكَانَ وُجُودُ
النِّيَّةِ كَعَدَمِهَا وَالْإِسْلَامُ يَصِحُّ مِنْهُ وَلَوْ تَيَمَّمَ
الْمُسْلِمُ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ
عَلَى تَيَمُّمِهِ ، وَلَوْ تَوَضَّأَ
الْكَافِرُ لَا يُرِيدُ الْإِسْلَامَ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ مُتَوَضِّئٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ عِنْدَهُ فِي الْوُضُوءِ وَعِنْدَنَا الْوُضُوءُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فَصَارَ كَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ .
( قَوْلُهُ : وَيَنْقُضُ التَّيَمُّمَ كُلُّ شَيْءٍ
يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ) لِأَنَّهُ فِي حُكْمِهِ وَخَلَفٌ عَنْهُ ( قَوْلُهُ :
وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا رُؤْيَةُ الْمَاءِ إذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ
) رُؤْيَةُ الْمَاءِ غَيْرُ نَاقِضَةٍ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِخَارِجٍ
نَجِسٍ فَلَمْ يَكُنْ حَدَثًا وَإِنَّمَا النَّاقِضُ الْحَدَثُ السَّابِقُ
وَإِنَّمَا أَضَافَ الِانْتِقَاضَ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ عَمَلَ النَّاقِضِ
السَّابِقِ يَظْهَرُ عِنْدَهَا فَأُضِيفَ إلَيْهَا مَجَازًا وَالْمُرَادُ
رُؤْيَةُ مَا يَكْفِي لِرَفْعِ حَدَثِهِ أَمَّا لَوْ رَأَى مَا لَا
يَكْفِيهِ أَوْ يَكْفِيهِ إلَّا أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ أَوْ
لِلْعَجْنِ لَمْ يُنْتَقَضْ تَيَمُّمُهُ وَإِنَّمَا قَالَ إذَا قَدَرَ
عَلَى اسْتِعْمَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ هِيَ الْمُرَادُ بِالْوُجُودِ
الَّذِي هُوَ غَايَةٌ لِطَهُورِيَّةِ التُّرَابِ ، وَخَائِفُ الْعَدُوِّ
أَوْ السَّبُعِ عَاجِزٌ غَيْرُ قَادِرٍ حُكْمًا وَلَوْ مَرَّ عَلَى
الْمَاءِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ إنْ كَانَ نَائِمًا لَمْ يُنْقَضْ
تَيَمُّمُهُ ، وَإِنْ مَرَّ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَسْتَطِيعُ
النُّزُولَ إلَيْهِ لِخَوْفِ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ لَمْ يُنْتَقَضْ أَيْضًا
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا مَرَّ عَلَى الْمَاءِ وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ لَا
يَعْلَمُ بِهِ لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ
فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ أَوْ مَرَّ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ
رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا وَهُوَ نَائِمٌ وَإِلَّا فَقَدْ يَنْقُضُ
تَيَمُّمُهُ بِالنَّوْمِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا مَرَّ بِالْمَاءِ
وَهُوَ نَائِمٌ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُنْتَقَضُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ
مُحَمَّدٍ .
وَفِي الْهِدَايَةِ وَالنَّائِمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
قَادِرٌ تَقْدِيرًا وَخَائِفُ السَّبُعِ عَاجِزٌ حُكْمًا ، وَالْفَرْقُ
بَيْنَ النَّائِمِ وَالْخَائِفِ أَنَّ النَّوْمَ فِي حَالَةِ السَّفَرِ
عَلَى وَجْهٍ لَا يَشْعُرُ بِالْمَاءِ نَادِرٌ خُصُوصًا عَلَى وَجْهٍ لَا
يَتَخَلَّلُهُ الْيَقِظَةُ الْمُشْعِرَةُ بِالْمَاءِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ
نَوْمُهُ كَالْيَقْظَانِ حُكْمًا .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا بِالصَّعِيدِ الطَّاهِرِ ) الصَّعِيدُ وَجْهُ الْأَرْضِ وقَوْله تَعَالَى { صَعِيدًا طَيِّبًا } أَيْ طَاهِرًا وَلَوْ تَيَمَّمَ رَجُلٌ مِنْ مَوْضِعٍ وَتَيَمَّمَ آخَرُ بَعْدَهُ مِنْهُ جَازَ ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُكْسِبُ التُّرَابَ الِاسْتِعْمَالَ .
( قَوْلُهُ : وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يَجِدَهُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ ) وَهَلْ يُؤَخِّرُ إلَى آخِرِ وَقْتِ الْجَوَازِ أَوْ إلَى آخِرِ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إلَى آخِرِ وَقْتِ الْجَوَازِ وَقَالَ غَيْرُهُ إلَى آخِرِ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَقِيلَ إنْ كَانَ عَلَى ثِقَةٍ فَإِلَى آخِرِ وَقْتِ الْجَوَازِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى طَمَعٍ فَإِلَى آخِرِ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَمَعٍ مِنْ الْمَاءِ لَمْ يُؤَخِّرْ وَيَتَيَمَّمُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَيُصَلِّي ( قَوْلُهُ : وَهُوَ يَرْجُو ) أَيْ يَطْمَعُ قَالَ الْإِمَامُ حَافِظُ الدِّينِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ عِنْدَنَا أَفْضَلُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ التَّأْخِيرُ فَضِيلَةً كَتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ قَدْ ثَبَتَ بِصَرِيحِ أَقْوَالِ عُلَمَائِنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ مُطْلَقًا وَالْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي الصَّيْفِ وَتَأْخِيرُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ جَمَاعَةٍ فَكَيْفَ يُتْرَكُ هَذَا الصَّرِيحُ بِالْمَفْهُومِ وَيُجَابُ لِحَافِظِ الدِّينِ أَنَّ الصَّرِيحَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ فَضِيلَةً كَتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّأْخِيرِ فَائِدَةٌ .
( قَوْلُهُ : وَيُصَلِّي بِتَيَمُّمِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ فَرْضٍ ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا يُصَلِّي بِهِ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { : فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الصَّعِيدُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ } فَجَعَلَ الطَّهَارَةَ مُمْتَدَّةً إلَى غَايَةِ وُجُودِ الْمَاءِ ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِلنَّافِلَةِ جَازَ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ الْفَرِيضَةَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا جَازَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ .
( قَوْلُهُ :
وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلصَّحِيحِ فِي الْمِصْرِ إذَا حَضَرَتْ جِنَازَةٌ
وَالْوَلِيُّ غَيْرُهُ فَخَافَ إنْ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ أَنْ
تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي ) قَيَّدَ
بِالصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ فِي الْمَرِيضِ لَا يَتَقَيَّدُ بِحُضُورِ
الْجِنَازَةِ وَقَيَّدَ بِالْمِصْرِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْمَفَازَةِ
عَدَمُ الْمَاءِ قَوْلُهُ وَالْوَلِيُّ غَيْرُهُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ ؛ لِأَنَّ لَهُ الْإِعَادَةَ وَقَالَ فِي
الْهِدَايَةِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَفِي النَّوَادِرِ لَا
يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَيْضًا وَكَذَا إذَا كَانَ إمَامًا لَا يَجُوزُ لَهُ
التَّيَمُّمُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْشَى فَوَاتَهَا فَإِنْ أَذِنَ الْوَلِيُّ
لِغَيْرِهِ أَنْ يُصَلِّيَ فَصَلَّى لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِعَادَةُ
فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا أَذِنَ لِغَيْرِهِ وَلَا
فَرْقَ فِي جَوَازِ هَذَا التَّيَمُّمِ لِلْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ
وَالْحَائِضِ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي الْمِصْرِ
وَغَيْرِهِ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ
فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ حَضَرَتْ أُخْرَى جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا
بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَتَيَمَّمُ
ثَانِيًا وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ التَّوَضُّؤِ
بَيْنَهُمَا أَمَّا إذَا تَمَكَّنَ بِأَنْ كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا مِنْهُ
ثُمَّ فَاتَ التَّمَكُّنُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ التَّيَمُّمَ إجْمَاعًا .
( قَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ مَنْ حَضَرَ صَلَاةَ الْعِيدِ فَخَشِيَ إنْ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ أَنْ تَفُوتَهُ صَلَاةُ الْعِيدِ ) يَعْنِي جَمِيعًا أَمَّا إذَا كَانَ يُدْرِكُ بَعْضَهَا لَمْ يَتَيَمَّمْ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَفُوتُ فِيهِ الْأَدَاءُ لَا إلَى خَلَفٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ وَمَا يَفُوتُ إلَى خَلَفٍ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ كَالْجُمُعَةِ وَخَشْيَةِ فَوَاتِ الصَّلَاةِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ
خَافَ مَنْ شَهِدَ الْجُمُعَةَ إذَا اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ فَاتَتْهُ
فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ ) لِأَنَّ لَهَا خَلَفًا وَهُوَ الظُّهْرُ (
قَوْلُهُ : وَلَكِنَّهُ يَتَوَضَّأُ فَإِنْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ صَلَّاهَا
وَالْأَصْلُ الظُّهْرُ أَرْبَعًا ) إنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَرْبَعًا ،
وَإِنْ كَانَ الظُّهْرُ لَا مَحَالَةَ أَرْبَعًا لِإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ
إذْ الْجُمُعَةُ خَلَفٌ عَنْ الظُّهْرِ عِنْدَنَا فَتَرِدُ الشُّبْهَةُ
عَلَى السَّامِعِ أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَأَزَالَ الشُّبْهَةَ
بِقَوْلِهِ أَرْبَعًا .
وَكَذَا لَا يَتَيَمَّمُ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ .
( قَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ فَخَافَ إنْ تَوَضَّأَ فَاتَ الْوَقْتُ لَمْ يَتَيَمَّمْ وَلَكِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّيهَا فَائِتَةً ) لِأَنَّ الْفَوَاتَ إلَى الْخَلَفِ وَهُوَ الْقَضَاءُ .
(
قَوْلُهُ : وَالْمُسَافِرُ إذَا نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ فَتَيَمَّمَ
وَصَلَّى ثُمَّ ذَكَرَ الْمَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُعِدْ صَلَاتَهُ
عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعِيدُ ) قَيَّدَ بِالْمُسَافِرِ ،
وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ حَمْلَ
الْمَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمُسَافِرِ وَقَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ
احْتِرَازًا مِمَّا إذَا شَكَّ أَوْ ظَنَّ أَنَّ مَاءَهُ قَدْ فَنِيَ
فَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَهُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ إجْمَاعًا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ
فِي رَحْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ مُعَلَّقًا فِي
عُنُقِهِ أَوْ مَوْضُوعًا بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَسِيَهُ وَتَيَمَّمَ لَا
يَجُوزُ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ نَسِيَ مَا لَا يُنْسَى فَلَا يُعْتَبَرُ
نِسْيَانُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي مُؤَخَّرَةِ الدَّابَّةِ وَهُوَ
سَائِقُهَا أَوْ فِي مُقَدَّمِهَا وَهُوَ قَائِدُهَا أَوْ رَاكِبُهَا لَا
يَجُوزُ تَيَمُّمُهُ إجْمَاعًا ( قَوْلُهُ : وَصَلَّى ثُمَّ ذَكَرَ
الْمَاءَ ) يُحْتَرَزُ عَمَّا إذَا ذَكَرَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ
يَقْطَعُ وَيُعِيدُ إجْمَاعًا وَسَوَاءٌ ذَكَرَ فِي الْوَقْتِ أَوْ
بَعْدَهُ وَوَضَعَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إذَا صَلَّى وَمَعَهُ مَاءٌ فِي
رَحْلِهِ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَذَكَرَ بِلَفْظِ الْعِلْمِ وَهُنَا ذَكَرَ
بِلَفْظِ النِّسْيَانِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ
فِيمَا إذَا وَضَعَ الْمَاءَ غَيْرُهُ فِي رَحْلِهِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى
ثُمَّ وَجَدَهُ فَعَلَى وَضْعِ الشَّيْخُ يَجُوزُ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ
لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ نِسْيَانٌ وَعَلَى وَضْعِ كِتَابِ الصَّلَاةِ عَلَى
الْخِلَافِ وَقَيَّدَ بِنِسْيَانِ الْمَاءِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا نَسِيَ
ثَوْبَهُ وَصَلَّى عُرْيَانًا فَإِنَّهُ يُعِيدُ إجْمَاعًا عَلَى
الصَّحِيحِ ، وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا ، وَلَوْ كَانَ عَلَى
الِاتِّفَاقِ أَنَّهُ يُعِيدُ فَفَرْضُ السَّتْرِ يَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ
وَالطَّهَارَةُ إلَى خَلَفٍ وَهُوَ التَّيَمُّمُ .
( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ بِقُرْبِهِ مَاءً أَنْ يَطْلُبَ الْمَاءَ ) هَذَا فِي الْفَلَوَاتِ أَمَّا فِي الْعُمْرَانَاتِ يَجِبُ الطَّلَبُ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ عَدَمُ الْمَاءِ فِي الْفَلَوَاتِ وَهَذَا الْقَوْلُ يَتَضَمَّنُ مَا إذَا شَكَّ وَمَا إذَا لَمْ يَشُكَّ لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ فِيمَا إذَا شَكَّ يُسْتَحَبُّ لَهُ الطَّلَبُ مِقْدَارَ الْغَلْوَةِ وَمِقْدَارُهَا مَا بَيْنَ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَشُكَّ يَتَيَمَّمُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا شَكَّ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ ، وَقَوْلُهُ بِقُرْبِهِ حَدُّ الْقُرْبِ مَا دُونَ الْمِيلِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْمُسَافِرِ لَا يَجِدُ الْمَاءَ أَيَطْلُبُ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ وَيَسَارِهِ قَالَ إنْ طَمِعَ فِيهِ فَلْيَفْعَلْ وَلَا يَبْعُدُ فَيَضُرُّ بِأَصْحَابِهِ إنْ انْتَظَرُوهُ وَبِنَفْسِهِ إنْ انْقَطَعَ عَنْهُمْ ، وَقِيلَ يَطْلُبُ مِقْدَارَ مَا يَسْمَعُ صَوْتَ أَصْحَابِهِ وَيَسْمَعُونَ صَوْتَهُ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ بِقُرْبِهِ مَاءً لَمْ يَجُزْ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يَطْلُبَهُ ) وَيَكُونُ طَلَبُهُ مِقْدَارَ الْغَلْوَةِ وَنَحْوِهَا وَلَا يَبْلُغُ مِيلًا وَلَوْ بَعَثَ مَنْ يَطْلُبُهُ كَفَاهُ عَنْ الطَّلَبِ بِنَفْسِهِ ، وَلَوْ تَيَمَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَصَلَّى ثُمَّ طَلَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِدْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ
طَلَبَهُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَيَمَّمَ ) أَمَّا وُجُوبُ الطَّلَبِ ،
فَقَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ ؛ لِأَنَّ سُؤَالَ
مِلْكِ الْغَيْرِ ذُلٌّ عِنْدَ الْمَنْعِ وَتَحَمُّلٌ مِنْهُ عِنْدَ
الدَّفْعِ وَعِنْدَهُمَا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ
لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ أَيْضًا ، وَإِنْ شَكَّ وَجَبَ عَلَيْهِ
الطَّلَبُ وَتَفْرِيعُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَجِبْ الطَّلَبُ
وَتَيَمَّمَ قَبْلَهُ أَجْزَأَهُ وَلَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ أُبِيحَ لَهُ
أَوْ بُذِلَ لَهُ الثَّوْبُ قَالَ بَعْضُهُمْ يَأْخُذُ فِي
الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ وَصَلَّى لَا يَجُوزُ وَهُوَ
اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ فِي فَصْلِ الْمَاءِ دُونَ الثَّوْبِ وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ
اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَالسَّتْرِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ
وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ أَلَا تَرَى
أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ عَارِيَّةٌ فَتَرَكَهُ وَصَلَّى
عُرْيَانًا فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الْمِلْكَ غَيْرُ مَشْرُوطٍ وَلَوْ مَلَكَ ثَمَنَ الثَّوْبِ هَلْ يُكَلَّفُ
شِرَاءَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا ، وَإِنْ مَلَكَ ثَمَنَ الْمَاءِ
يُكَلَّفُ شِرَاءَهُ .
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَا سَوَاءً وَيُكَلَّفُ شِرَاءَ
الثَّوْبِ كَمَا يُكَلَّفُ شِرَاءَ الْمَاءِ وَتَفْرِيعُ قَوْلِهِمَا فِي
وُجُوبِ الطَّلَبِ إذَا شَكَّ فِي الْإِعْطَاءِ وَصَلَّى ثُمَّ سَأَلَهُ
وَأَعْطَاهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ بِاتِّفَاقِهِمَا ، وَإِنْ
مَنَعَهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ
يُعِيدُ ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ فَصَلَّى ثُمَّ
أَعْطَاهُ تَوَضَّأَ بِهِ وَأَعَادَ ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ
الدَّفْعُ إلَيْهِ فَصَلَّى ثُمَّ سَأَلَهُ فَمَنَعَهُ أَعَادَ عِنْدَ
مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعِيدُ ، وَلَوْ رَأَى رَجُلًا
مَعَهُ مَاءٌ فَلَمْ يَسْأَلْهُ فَصَلَّى ثُمَّ أَعْطَاهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ
مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ تَوَضَّأَ
بِهِ وَأَعَادَ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَلَوْ سَأَلَهُ فَمَنَعَهُ فَصَلَّى ثُمَّ سَأَلَهُ بَعْدَ صَلَاتِهِ فَأَعْطَاهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهُ تَيَمَّمَ ) لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ وَلَوْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِثَمَنٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ ثَمَنُهُ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ وَلَا يَلْزَمُهُ تَحَمُّلُ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَهُوَ النِّصْفُ ، وَقِيلَ الضِّعْفُ ، وَقِيلَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ
( بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ) الْمَسْحُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِصَابَةُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ رُخْصَةٍ مُقَدَّرَةٍ جُعِلَتْ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا وَعَقَّبَهُ بِالتَّيَمُّمِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَهَارَةُ مَسْحٍ أَوْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى التَّيَمُّمِ ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةُ غَسْلٍ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ التَّيَمُّمَ ؛ لِأَنَّهُ بِوَضْعِ اللَّهِ وَهَذَا بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ فَكَانَ التَّيَمُّمُ أَقْوَى أَوْ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَنْ الْكُلِّ وَهَذَا بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ لَا غَيْرُ أَوْ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهَذَا بِالسُّنَّةِ لَا غَيْرُ ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزٌ بِالسُّنَّةِ ) إنَّمَا قَالَ جَائِزٌ وَلَمْ يَقُلْ وَاجِبٌ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ وَلَمْ يَقُلْ مُسْتَحَبٌّ ؛ لِأَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ جَوَازَهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ كَانَ أَفْضَلَ ثُمَّ قَالَ بِالسُّنَّةِ وَلَمْ يَقُلْ بِالْحَدِيثِ ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَشْمَلُ عَلَى الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَهُوَ ثَابِتٌ بِهِمَا ، وَفِي قَوْلِهِ بِالسُّنَّةِ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الْمَسْحَ ثُبُوتُهُ بِالْقُرْآنِ عَلَى قِرَاءَةِ الْخَفْضِ وَقَوْلُهُمْ هَذَا فَاسِدٌ وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ .
( قَوْلُهُ : مِنْ كُلِّ حَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ ) يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا يُوجِبُ الْغُسْلَ ( قَوْلُهُ : إذَا لَبِسَ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ ، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ شَرْطٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْكَمَالُ وَقْتَ اللُّبْسِ بَلْ وَقْتَ الْحَدَثِ حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَكْمَلَ بَقِيَّةَ الْوُضُوءِ ثُمَّ أَحْدَثَ يُجْزِئُهُ الْمَسْحُ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ يُصَادِفَ الْحَدَثُ طَهَارَةً كَامِلَةً .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا مَسَحَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا مَسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا } ( قَوْلُهُ : ابْتِدَاؤُهَا عَقِيبَ الْحَدَثِ ) يَعْنِي مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ إلَى مِثْلِهِ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَإِلَى مِثْلِهِ فِي الثَّلَاثِ لِلْمُسَافِرِ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِيهِ سَوَاءٌ .
( قَوْلُهُ : وَالْمَسْحُ عَلَى ظَاهِرِهِمَا خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ ) هَذَا هُوَ الْمَسْنُونُ وَلَوْ مَسَحَ بِرَاحَتِهِ جَازَ وَقَوْلُهُ خُطُوطًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّكْرَارُ ؛ لِأَنَّ بِالتَّكْرَارِ يَنْعَدِمُ الْخُطُوطُ وَصُورَةُ الْمَسْحِ أَنْ يَضَعَ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْمَنِ وَأَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْسَرِ وَيَمُدَّهُمَا جَمِيعًا إلَى السَّاقِ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ وَيُفَرِّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ هَذَا هُوَ الْمَسْنُونُ وَأَمَّا الْمَفْرُوضُ فَمِقْدَارُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ سَوَاءٌ مَسَحَ بِالْأَصَابِعِ أَوْ خَاضَ فِي الْمَاءِ أَوْ أَصَابَ خُفَّيْهِ مَاءُ الْمَطَرِ مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ وَكَذَا لَوْ مَسَحَ بِعُودٍ أَوْ مِنْ قِبَلِ السَّاقِ إلَى الْأَصَابِعِ أَوْ مَسَحَ عَلَيْهِمَا مَا عَرَضَ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَسْنُونٍ وَكَذَا إذَا مَسَحَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ مَوْضُوعَةً غَيْرَ مَمْدُودَةٍ يُجْزِئُهُ وَلَوْ مَشَى عَلَى الْحَشِيشِ الْمُبْتَلِّ بِالْمَاءِ أَوْ بِالْمَطَرِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِأُصْبُعَيْنِ لَا يُجْزِئُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ بِبَاطِنِ الْكَفِّ ، وَلَوْ مَسَحَ بِظَاهِرِ كَفَّيْهِ أَجْزَأَهُ ، وَلَوْ مَسَحَ عَلَى بَاطِنِ خُفَّيْهِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْعَقِبِ أَوْ مِنْ جَوَانِبِهَا لَا يُجْزِئُهُ ( قَوْلُهُ : يَبْتَدِئُ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ ) هَذَا هُوَ الْمَسْنُونُ وَيَكْفِيهِ الْمَسْحُ مَرَّةً وَاحِدَةً ، وَلَوْ بَدَأَ مِنْ السَّاقِ إلَى الْأَصَابِعِ جَازَ ( قَوْلُهُ : وَفَرْضُ ذَلِكَ مِقْدَارُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ ) وَقَالَ الْكَرْخِيُّ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اعْتِبَارًا لِآلَةِ الْمَسْحِ ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ بِهَا يَقَعُ .
(
قَوْلُهُ : وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ فِيهِ خَرْقٌ كَبِيرٌ )
يُرْوَى بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ
فَالْأَوَّلُ فِي مَوْضِعٍ وَالثَّانِي فِي مَوَاضِعَ وَفِيهِ إشَارَةٌ
إلَى أَنَّ الْخُرُوقَ تُجْمَعُ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ وَلَا تُجْمَعُ فِي
خُفَّيْنِ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ ؛ لِأَنَّهُ حَامِلٌ
لِلْكُلِّ وَانْكِشَافُ الْعَوْرَةِ نَظِيرَ النَّجَاسَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ
وَالشَّافِعِيِّ الْخَرْقُ الْيَسِيرُ يَمْنَعُ الْمَسْحَ وَإِنْ قَلَّ ؛
لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ غَسْلُ الْبَادِي يَجِبُ غَسْلُ الْبَاقِي قُلْنَا
الْخِفَافُ لَا تَخْلُو عَنْ يَسِيرِ خَرْقٍ عَادَةً فَيَلْحَقُهُ
الْحَرَجُ فِي النَّزْعِ وَتَخْلُو عَنْ الْكَبِيرِ فَلَا حَرَجَ
وَالْكَبِيرُ أَنْ يَنْكَشِفَ مِنْهُ مِقْدَارُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ
الرِّجْلِ ( قَوْلُهُ : يُبَيِّنُ مِنْهُ مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ
أَصَابِعِ الرِّجْلِ ) يَعْنِي أَصْغَرَهَا هُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ
الْأَصْلَ فِي الْقَدَمِ هُوَ الْأَصَابِعُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا أَصْلُ
الرِّجْلِ ، وَالْقَدَمُ تَبَعٌ لَهَا وَلِهَذَا قَالُوا إنَّ مَنْ قَطَعَ
أَصَابِعَ رِجْلِ إنْسَانٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الدِّيَةِ
وَالثَّلَاثُ أَكْثَرُهَا فَقَامَتْ مَقَامَ الْكُلِّ وَاعْتِبَارُ
الْأَصْغَرِ لِلِاحْتِيَاطِ .
وَفِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ يَبْدُو قَدْرُ ثَلَاثَ أَنَامِلَ وَأَسَافِلُهَا مَسْتُورَةٌ قَالَ السَّرَخْسِيُّ يُمْنَعُ .
وَقَالَ
الْحَلْوَانِيُّ لَا يُمْنَعُ حَتَّى يَبْدُوَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ
بِكَمَالِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَالْأَنَامِلُ هِيَ رُءُوسُ
الْأَصَابِعِ فَإِنْ ظَهَرَتْ الْإِبْهَامُ وَالْأُخْرَى مَعَهَا مَنَعَتَا
الْمَسْحَ ؛ لِأَنَّهُمَا يُسَاوِيَانِ الثَّلَاثَ .
وَفِي مُشْكِلِ
الْقُدُورِيِّ إذَا كَانَتْ الْإِبْهَامُ ثَلَاثَ أَصَابِعَ وَظَهَرَتْ لَا
تَمْنَعُ وَإِذَا كَانَ مَقْطُوعَ الْأَصَابِعِ يُعْتَبَرُ بِأَصَابِعِ
غَيْرِهِ وَكُبْرُ الْقَدَمِ دَلِيلٌ عَلَى كُبْرِهَا وَصِغَرُهَا دَلِيلٌ
عَلَى صِغَرِهَا ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ جَازَ )
وَلَوْ كَانَتْ الْأَصَابِعُ تَبْدُو مِنْ الْخَرْقِ حَالَةَ الْمَشْيِ
وَلَا تَبْدُو حَالَ وَضْعِ الْقَدَمِ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ
يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ جَازَ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخَرْقُ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبِ أَمَّا إذَا كَانَ فَوْقَهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَبُرَ وَشَرَائِطُ الْخُفِّ الَّذِي يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ سَاتِرًا لِلْقَدَمِ مَعَ الْكَعْبِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُتَخَرِّقِ وَأَنْ يَكُونَ مَشْغُولًا بِالرِّجْلِ احْتِرَازًا عَنْ مَقْطُوعِ الْأَصَابِعِ إذَا لَبِسَهُ وَصَارَ بَعْضُ الْخُفِّ خَالِيًا مِنْ مُقَدَّمِهِ فَمَسَحَ عَلَى الْخَالِي لَا يَجُوزُ وَإِنْ يُمْكِنْ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا جَعَلَ لَهُ خُفًّا مِنْ حَدِيدٍ أَوْ زُجَاجٍ أَوْ خَشَبٍ وَأَنْ يَنْقَطِعَ بِهِ مَسَافَةَ السَّفَرِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا لَفَّ عَلَى رِجْلَيْهِ خِرْقَةً لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا كَذَا فِي الْإِيضَاحِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ ) ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَتَكَرَّرُ عَادَةً فَلَا حَرَجَ فِي النَّزْعِ بِخِلَافِ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ .
( قَوْلُهُ : وَيَنْقُضُ الْمَسْحَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ) لِأَنَّهُ بَعْضُ الْوُضُوءِ ( قَوْلُهُ : وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا نَزْعُ الْخُفِّ ) أَيْ بَعْدَ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ الْأُولَى لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْخُفُّ وَحُكْمُ النَّزْعِ يَثْبُتُ بِخُرُوجِ الْقَدَمِ إلَى السَّاقِ ، وَكَذَا بِأَكْثَرِ الْقَدَمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا بَقِيَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ ظَهْرِ الْقَدَمِ فِي مَحَلِّ الْمَسْحِ بَقِيَ حُكْمُ الْمَسْحِ لِبَقَاءِ مَحَلِّ الْفَرْضِ فِي مُسْتَقَرِّهِ ( قَوْلُهُ : وَمُضِيُّ الْمُدَّةِ ) لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ وَكَذَا نَزْعُ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ ( قَوْلُهُ : وَمُضِيُّ الْمُدَّةِ ) هَذَا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْهُ لَمْ يُنْتَقَضْ مَسْحُهُ بَلْ يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ حَتَّى إذَا انْقَضَتْ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ هُنَا إلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ فَلَوْ قَطَعَ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ تَيَمَّمَ وَلَا حَظَّ لِلرِّجْلَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ فَلِهَذَا كَانَ الْمُضِيُّ عَلَى صَلَاتِهِ أَوْلَى ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَكَذَلِكَ إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَكَانَ يَخَاف الضَّرَرَ مِنْ الْبَرْدِ إذَا نَزَعَهُمَا جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ ، وَلَوْ كَانَ الْخُفُّ ذَا طَاقَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِ ثُمَّ نَزَعَ أَحَدَ طَاقَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْمَسْحِ عَلَى مَا ظَهَرَ تَحْتَهُ .
( قَوْلُهُ : فَإِذَا تَمَّتْ الْمُدَّةُ نَزَعَ خُفَّيْهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَصَلَّى ) وَكَذَا إذَا نَزَعَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ النَّزْعِ يَسْرِي الْحَدَثُ السَّابِقُ إلَى الْقَدَمَيْنِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْهُمَا ( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ ) هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُعِيدُ شَيْئًا مِنْ الْوُضُوءِ ( قَوْلُهُ : فَإِذَا تَمَّتْ الْمُدَّةُ نَزَعَ خُفَّيْهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ) وَقَالَ الْحَسَنُ وَطَاوُسٌ يُصَلِّي وَلَا يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ ابْتَدَأَ الْمَسْحَ وَهُوَ
مُقِيمٌ فَسَافَرَ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَسَحَ تَمَامَ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا
يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ مَسْحَ الْمُسَافِرِ ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ
الْمُعْتَبَرَ عِنْدَنَا فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْوَقْتِ
آخِرُهُ كَالصَّلَاةِ إذَا سَافَرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ يَصِيرُ فَرْضُهُ
رَكْعَتَيْنِ ، وَإِنْ أَقَامَ فِيهِ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا
وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ أَسْلَمَ
الْكَافِرُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ ابْتَدَأَ الْمَسْحَ وَهُوَ مُسَافِرٌ ثُمَّ أَقَامَ ) يَعْنِي دَخَلَ مِصْرَهُ أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فَإِنْ كَانَ مَسَحَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَكْثَرَ لَزِمَهُ نَزْعُ خُفَّيْهِ وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَسَدَتْ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ مَسَحَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَتَمَّ مَسْحَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ) كَمَا لَوْ كَانَ مُقِيمًا فِي الِابْتِدَاءِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ .
(
قَوْلُهُ : وَمَنْ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ فَوْقَ الْخُفِّ مَسَحَ عَلَيْهِ )
الْجُرْمُوقُ خُفٌّ فَوْقَ خُفٍّ إلَّا أَنَّ سَاقَهُ أُقْصَرُ مِنْهُ
وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِشَرْطَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ
لَا يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخُفِّ حَدَثٌ كَمَا إذَا لَبِسَ
الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ وَلَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى لَبِسَ
الْجُرْمُوقَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُنْتَقَضَ الطَّهَارَةُ الَّتِي لَبِسَ
عَلَيْهَا الْخُفَّ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ
وَأَمَّا إذَا أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا
ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ
عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمَسْحُ قَدْ اسْتَقَرَّ
عَلَى الْخُفِّ ، وَكَذَا لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ ثُمَّ
لَبِسَ الْجُرْمُوقَ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ لَا يَمْسَحُ
عَلَيْهِ أَيْضًا .
وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْجُرْمُوقُ
لَوْ انْفَرَدَ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ بِهِ خَرْقٌ
كَبِيرٌ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَا مُجَلَّدَيْنِ أَوْ مُنَعَّلَيْنِ ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْمَشْيُ فِيهِمَا فِي الْعَادَةِ فَأَشْبَهَا اللِّفَافَةَ ، وَأَمَّا إذَا كَانَا مُجَلَّدَيْنِ أَوْ مُنَعَّلَيْنِ أَمْكَنَ ذَلِكَ فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا كَالْخُفَّيْنِ ، وَالْمُجَلَّدُ هُوَ أَنْ يُوضَعَ الْجِلْدُ عَلَى أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ ، وَالْمُنَعَّلُ هُوَ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى أَسْفَلِهِ جِلْدَةٌ كَالنَّعْلِ لِلْقَدَمِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ لَا يَشِفَّانِ ) حَدُّ الثَّخَانَةِ أَنْ يَقُومَ عَلَى السَّاقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْبَطَ بِشَيْءٍ ، وَقَوْلُهُ لَا يَشِفَّانِ أَيْ لَا يُرَى مَا تَحْتَهُمَا مِنْ بَشَرَةِ الرِّجْلِ مِنْ خِلَالِهِ وَيَنْشُفَانِ خَطَأٌ ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ رَجَعَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِمَا فِي آخِرِ عُمُرِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعِ أَيَّامٍ ، وَقِيلَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْبُرْقُعِ وَالْقُفَّازَيْنِ ) لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي نَزْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالرُّخْصَةُ إنَّمَا هِيَ لِرَفْعِ الْحَرَجِ الْقَلَنْسُوَةُ شَيْءٌ تَجْعَلُهُ الْأَعَاجِمُ عَلَى رُءُوسِهِمْ أَكْبَرُ مِنْ الْكُوفِيَّةِ وَالْبُرْقُعُ شَيْءٌ تَجْعَلُهُ الْمَرْأَةُ عَلَى وَجْهِهَا يَبْدُو مِنْهُ الْعَيْنَانِ وَالْقُفَّازَيْنِ شَيْءٌ يُجْعَلُ عَلَى الذِّرَاعَيْنِ يُحْشَى قُطْنًا لَهُ أَزْرَارٌ يُلْبَسَانِ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ .
(
قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ ) الْجَبَائِرُ
عِيدَانُ يُجْبَرُ بِهَا الْكَسْرُ وَأَجْرَى الْحُكْمَ فِيمَا إذَا
شَدَّهَا بِخِرْقَةٍ أَوْ انْكَسَرَ ظُفُرُهُ فَجَعَلَ عَلَيْهِ الْعِلْكَ
أَوْ الدَّوَاءَ مَجْرَى ذَلِكَ وَالْحَدَثُ وَالْجُنُبُ فِي مَسْحِ
الْجَبِيرَةِ سَوَاءٌ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ شَدَّهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ )
اعْلَمْ أَنَّهَا تُخَالِفُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ بِأَرْبَعَةِ
أَشْيَاءَ : أَحَدُهُمَا أَنَّهَا إذَا سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ يُكْتَفَى
بِغَسْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِخِلَافِ الْخُفَّيْنِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا
إذَا سَقَطَ يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ .
وَالثَّانِي إذَا سَقَطَتْ عَلَى غَيْرِ بُرْءٍ شَدَّهَا مَرَّةً أُخْرَى وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْمَسْحِ .
وَالثَّالِثُ أَنَّ مَسْحَهَا لَا يَتَوَقَّفُ .
وَالرَّابِعُ
إذَا شَدَّهَا عَلَى طَهَارَةٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ يَجُوزُ
الْمَسْحُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْخُفَّيْنِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ
النَّسَفِيُّ إنَّمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ إذَا كَانَ
الْمَسْحُ عَلَى الْجِرَاحَةِ يَضُرُّهُ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ
الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا عَلَى الصَّحِيحِ
وَيَكُونُ تَبَعًا لِلْمَجْرُوحِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ شَدُّ
الْجَبِيرَةِ عَلَى الْجُرْحِ خَاصَّةً وَعَلَى هَذَا عِصَابَةُ
الْمُقْتَصَدُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى جَمِيعِ الْعِصَابَةِ مَا لَمْ
يَنْسَدَّ فَمُ الْعِرْقِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ
لَمْ يَبْطُلْ الْمَسْحُ ) لِأَنَّ الْعُذْرَ قَائِمٌ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ
سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ بَطَلَ ) لِزَوَالِ الْعُذْرِ فَلَوْ سَقَطَتْ عَنْ
بُرْءٍ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ غَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَاسْتَقَلَّ
الصَّلَاةَ ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ
الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ كَالتَّيَمُّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي خِلَالِ
صَلَاتِهِ وَإِنْ كَانَ سُقُوطُهَا عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ وَهُوَ فِي
الصَّلَاةِ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَسْحِ بَاقٍ
لِبَقَاءِ الْعِلَّةِ ، وَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ وَهُوَ غَيْرُ
الصَّلَاةِ شَدَّهَا مَرَّةً أُخْرَى وَيُصَلِّي وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ
إعَادَةُ الْمَسْحِ سَوَاءٌ شَدَّهَا بِتِلْكَ الْجَبَائِرِ أَوْ بِغَيْرِهَا ، وَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ فَإِنَّهُ يَغْسِلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَا لَمْ يَغْسِلْهُ
( بَابُ الْحَيْضِ )
لَمَّا قَدَّمَ ذِكْرَ الْأَحْدَاثِ الَّتِي يَكْثُرُ وُقُوعُهَا مِنْ
الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ وَالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا أَصْلًا
وَخَلَفًا ذَكَرَ عَقِيبَهُ حُكْمَ الْأَحْدَاثِ الَّتِي يَقِلُّ
وُجُودُهَا وَهُوَ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَدَّمَ
ذِكْرَ الْحَيْضِ عَلَى النِّفَاسِ ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ أَكْثَرُ وُقُوعًا
مِنْهُ وَالْحَيْضُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْ الْفَرْجِ
عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ مِنْ آدَمِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا حَتَّى قَالُوا
حَاضَتْ الْأَرْنَبَةُ إذَا خَرَجَ مِنْ فَرْجِهَا الدَّمُ وَفِي الشَّرْعِ
عِبَارَةٌ عَنْ دَمٍ مَخْصُوصٍ أَيْ دَمِ بَنَاتِ آدَمَ مِنْ مَخْرَجٍ
مَخْصُوصٍ وَهُوَ مَوْضِعُ الْوِلَادَةِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ احْتِرَازًا
عَنْ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ
فِي أَوَانِهِ يَمْتَدُّ مُدَّةً مَخْصُوصَةً أَيْ لَا يَزِيدُ عَلَى
الْعَشْرِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الثَّلَاثِ وَيُقَالُ فِي تَفْسِيرِهِ
شَرْعًا أَيْضًا هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ رَحِمِ امْرَأَةٍ سَلِيمَةٍ
مِنْ الدَّاءِ وَالصِّغَرِ ، فَقَوْلُهُمْ " سَلِيمَةٍ مِنْ الدَّاءِ "
احْتِرَازٌ مِنْ الْمُسْتَحَاضَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَقَلُّ
الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا ) يَجُوزُ فِي ثَلَاثَةٍ
الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ فَالرَّفْعُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ فَعَلَى هَذَا لَا
بُدَّ مِنْ إضْمَارِ تَقْدِيرِهِ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ ؛ لِأَنَّ
الْحَيْضَ دَمٌ لَا أَيَّامٌ وَالنَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِ وَقَوْلُهُ
وَلَيَالِيهَا لَا يُشْتَرَطُ ثَلَاثُ لَيَالٍ بَلْ إذَا رَأَتْهُ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيْلَتَيْنِ كَانَ حَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ
لِلْأَيَّامِ دُونَ اللَّيَالِيِ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الشَّيْخِ عَلَى مَا
إذَا رَأَتْهُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ وَثَلَاثِ لَيَالٍ ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الثَّالِثَ لَا يَكْمُلُ
إلَّا إلَى مِثْلِهِ مِنْ الرَّابِعِ فَيَدْخُلُ ثَلَاثُ لَيَالٍ ،
وَأَمَّا لَوْ رَأَتْهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ طَهُرَتْ عِنْدَ
الْغُرُوبِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَانَ حَيْضًا وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ
أَيَّامٍ وَلَيْلَتَانِ .
وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ أَقَلُّهُ يَوْمَانِ وَأَكْثَرُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ اعْتِبَارًا لِلْأَكْثَرِ بِالْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ مَعْنًى إذْ الدَّمُ لَا يَسِيلُ عَلَى الْوِلَاءِ ( قَوْلُهُ فَمَا نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ } ( قَوْلُهُ : وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ ) لِمَا رَوَيْنَا .
( قَوْلُهُ : وَمَا تَرَاهُ
الْمَرْأَةُ مِنْ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ فِي مُدَّةِ
الْحَيْضِ فَهُوَ حَيْضٌ ) سَوَاءٌ رَأَتْ الْكُدْرَةَ فِي أَوَّلِ
أَيَّامِهَا أَوْ فِي آخِرِهَا فَهُوَ حَيْضٌ عِنْدَهُمَا تَقَدَّمَتْ أَوْ
تَأَخَّرَتْ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ رَأَتْهَا فِي أَوَّلِ
أَيَّامِهَا لَمْ تَكُنْ حَيْضًا وَإِنْ رَأَتْهَا فِي آخِرِ أَيَّامِهَا
كَانَتْ حَيْضًا فَهِيَ عِنْدَهُ لَا تَكُونُ حَيْضًا إلَّا إذَا
تَأَخَّرَتْ ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْكُدْرَةِ يَتَأَخَّرُ عَنْ الصَّافِي
فَإِذَا تَقَدَّمَهَا دَمٌ أَمْكَنَ جَعْلُهَا حَيْضًا تَبَعًا ، وَأَمَّا
إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهَا دَمٌ فَلَوْ جَعَلْنَاهَا حَيْضًا كَانَتْ
مَتْبُوعَةً لَا تَبَعًا وَهُمَا يَقُولَانِ مَا كَانَ حَيْضًا فِي آخِرِ
أَيَّامِهَا كَانَ حَيْضًا فِي أَوَّلِ أَيَّامِهَا كَالْحُمْرَةِ ؛
لِأَنَّ جَمِيعَ مُدَّةِ الْحَيْضِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ ، وَمَا قَالَهُ
أَبُو يُوسُفَ إنَّ خُرُوجَ الْكُدْرَةِ يَتَأَخَّرُ عَنْ الصَّافِي
إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ مَخْرَجُهُ مِنْ أَعْلَاهُ أَمَّا إذَا
كَانَ مِنْ أَسْفَلِهِ فَالْكُدْرَةُ تَخْرُجُ قَبْلَ الصَّافِي وَهُنَا
الْمَخْرَجُ مِنْ أَسْفَلَ ؛ لِأَنَّ فَمَ الرَّحِمِ مَنْكُوسٌ فَتَخْرُجُ
الْكُدْرَةُ أَوَّلًا كَالْجَرَّةِ إذَا ثُقِبَ أَسْفَلُهَا ( قَوْلُهُ :
حَتَّى تَرَى الْبَيَاضَ خَالِصًا ) قِيلَ هُوَ شَيْءٌ يُشْبِهُ الْمُخَاطَ
يَخْرُجُ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْحَيْضِ ، وَقِيلَ هُوَ الْقُطْنُ الَّذِي
تَخْتَبِرُ بِهِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا إذَا خَرَجَ أَبْيَضَ فَقَدْ
طَهُرَتْ .
( قَوْلُهُ : وَالْحَيْضُ يُسْقِطُ عَنْ الْحَائِضِ
الصَّلَاةَ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ
ثُمَّ سَقَطَتْ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ اخْتَلَفَ فِيهَا الْأُصُولِيُّونَ
وَهِيَ أَنَّ الْأَحْكَامَ هَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ عَلَى الصَّبِيِّ
وَالْمَجْنُونِ وَالْحَائِضِ أَمْ لَا فَاخْتَارَ أَبُو زَيْدٍ
الدَّبُوسِيُّ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ وَالسُّقُوطُ بِعُذْرِ الْحَرَجِ ، قَالَ
لِأَنَّ الْآدَمِيَّ أَصْلٌ لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى
أَنَّ عَلَيْهِ عُشْرَ أَرْضِهِ وَخَرَاجَهَا بِالْإِجْمَاعِ وَعَلَيْهِ
الزَّكَاةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامُ الشَّيْخِ بِنَاءً عَلَى هَذَا .
وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ كُنَّا عَلَى هَذَا مُدَّةً ثُمَّ تَرَكْنَاهُ وَقُلْنَا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ .
( قَوْلُهُ : وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ ) إنَّمَا قَالَ فِي الصَّوْمِ يَحْرُمُ وَفِي الصَّلَاةِ يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِي الصَّوْمِ وَاجِبٌ فَلَا يَلِيقُ ذِكْرُ السُّقُوطِ فِيهِ وَالصَّلَاةُ لَا تُقْضَى فَحَسُنَ ذِكْرُ السُّقُوطِ فِيهَا .
( قَوْلُهُ : وَتَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ ) لِأَنَّ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ مَشَقَّةً ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فَيَكُونُ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ خَمْسُونَ صَلَاةً وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَهْرٍ ، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً فَلَا يَلْحَقُهَا فِي قَضَائِهِ مَشَقَّةٌ .
( قَوْلُهُ ) : ( وَلَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ ) وَكَذَا الْجُنُبُ أَيْضًا وَسَطْحُ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ حَتَّى لَا يَحِلُّ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِهِ ( قَوْلُهُ ) : ( وَلَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ ) فَإِنْ قِيلَ الطَّوَافُ لَا يَكُونُ إلَّا بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَقَدْ عُرِفَ مَنْعُهُمَا مِنْهُ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ الطَّوَافِ ، قِيلَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا جَاءَهَا الْحَيْضُ بَعْدَمَا دَخَلَتْ الْمَسْجِدَ وَقَدْ شَرَعَتْ فِي الطَّوَافِ أَوْ تَقُولُ لَمَّا كَانَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَصْنَعَ مَا يَصْنَعُهُ الْحَاجُّ مِنْ الْوُقُوفِ وَغَيْرِهِ رُبَّمَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الطَّوَافُ أَيْضًا كَمَا جَازَ لَهَا الْوُقُوفُ وَهُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَأَزَالَ هَذَا الْوَهْمَ بِذَلِكَ ( قَوْلُهُ ) : ( وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ تَأَدُّبًا وَتَخَلُّقًا وَاقْتِدَاءً بِقَوْلِهِ تَعَالَى { : فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ } ، وَإِنْ أَتَاهَا مُسْتَحِلًّا كَفَرَ وَإِنْ أَتَاهَا غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ فَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ ، وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ ، وَقِيلَ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ فَدِينَارٌ ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ أَوْ وَسَطِهِ فَنِصْفُ دِينَارٍ وَهَلْ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ وَحْدَهُ أَوْ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَيْهِ دُونَهَا وَمَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ ، وَلَهُ أَنْ يُقَبِّلَهَا وَيُضَاجِعَهَا وَيَسْتَمْتِعَ بِجَمِيعِ بَدَنِهَا مَا خَلَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْتَمْتِعُ بِجَمِيعِ بَدَنِهَا وَيَجْتَنِبُ شِعَارَ الدَّمِ لَا غَيْرُ وَهُوَ مَوْضِعُ خُرُوجِهِ وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَكْتُمَ الْحَيْضَ عَلَى زَوْجِهَا لِيُجَامِعَهَا بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْهُ ، وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُظْهِرَ أَنَّهَا حَائِضٌ مِنْ غَيْرِ حَيْضٍ لِتَمْنَعَهُ مُجَامَعَتَهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { : لَعَنَ اللَّهُ الْغَائِصَةَ وَالْمُغَوِّصَةَ } فَالْغَائِصَةُ الَّتِي لَا تُعْلِمُ زَوْجَهَا أَنَّهَا حَائِضٌ
فَيُجَامِعُهَا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَالْمُغَوِّصَةُ هِيَ الَّتِي تَقُولُ لِزَوْجِهَا إنَّهَا حَائِضٌ وَهِيَ طَاهِرَةٌ حَتَّى لَا يُجَامِعَهَا ، وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ فَحَرَامٌ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ } ، أَيْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ بِتَجَنُّبِهِ فِي الْحَيْضِ وَهُوَ الْفَرْجُ ، { وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إتْيَانُ النِّسَاءِ فِي أَعْجَازِهِنَّ حَرَامٌ } وَقَالَ { مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا } ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } أَيْ كَيْفَ شِئْتُمْ وَمَتَى شِئْتُمْ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَقْلِبَاتٍ وَبَارِكَاتٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ فِي الْفَرْجِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الزَّوْجَةَ حَرْثًا فَإِنَّهَا لِلْوَلَدِ كَالْأَرْضِ لِلزَّرْعِ ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْفَرْثِ لَا مَوْضِعُ الْحَرْثِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَجُوزُ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ
قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يَقْرَأْ
الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ } وَلِأَنَّهُ
يُبَاشِرُ الْقُرْآنَ بِعُضْوٍ يَجِبُ غَسْلُهُ فَلَا يَجُوزُ وَكَذَا لَا
يَجُوزُ لَهُ الْقِرَاءَةُ حَالَةَ الْوَطْءِ وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْآيَةَ وَمَا دُونَهَا سَوَاءٌ فِي التَّحْرِيمِ .
وَقَالَ
الطَّحَاوِيُّ يَجُوزُ لَهُمْ مَا دُونَ الْآيَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ
قَالُوا إلَّا أَنْ لَا يَقْصِدَ بِمَا دُونَ الْآيَةِ الْقِرَاءَةَ مِثْلُ
أَنْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ يُرِيدُ الشُّكْرَ أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ
عِنْدَ الْأَكْلِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا
لَا يُمْنَعَانِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ كِتَابَةُ
الْقُرْآنِ ، قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لَا يَجُوزُ وَفِي
الْخُجَنْدِيِّ يُكْرَهُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ
إذَا كَانَ مُبَاشِرَ اللَّوْحِ وَالْبَيَاضِ وَإِنْ وَضَعَهُمَا عَلَى
الْأَرْضِ وَكَتَبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْمَكْتُوبِ
لَا بَأْسَ بِهِ وَأَمَّا التَّهَجِّي بِالْقُرْآنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا كَانَتْ الْحَائِضُ أَوْ
النُّفَسَاءُ مُعَلِّمَةً جَازَ لَهَا أَنْ تُلَقِّنَ الصِّبْيَانَ
كَلِمَةً كَلِمَةً وَتَقْطَعَ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ وَلَا تُلَقِّنُهُمْ
آيَةً كَامِلَةً ؛ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ إلَى التَّعْلِيمِ وَهِيَ لَا
تَقْدِرُ عَلَى رَفْعِ حَدَثِهَا فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ
ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى رَفْعِ حَدَثِهِ وَلَا بَأْسَ
لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ أَنْ يُسَبِّحُوا اللَّهَ
وَيُهَلِّلُوهُ .
( قَوْلُهُ ) : ( وَلَا يَجُوزُ لِمُحْدِثٍ مَسُّ الْمُصْحَفِ ) وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ وَالْجُنُبَ ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْقِرَاءَةِ أَخَفُّ مِنْ حُكْمِ الْمَسِّ فَإِذَا لَمْ تَجُزْ لَهُمْ الْقِرَاءَةُ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ لَهُمْ الْمَسُّ أَوْلَى الْفَرْقُ فِي الْمُحْدِثِ بَيْنَ الْمَسِّ وَالْقِرَاءَةِ أَنَّ الْحَدَثَ حَلَّ الْيَدَ دُونَ الْفَمِ وَالْجَنَابَةُ حَلَّتْ الْيَدَ وَالْفَمَ أَلَا تَرَى أَنَّ غَسْلَ الْيَدِ وَالْفَمِ فِي الْجَنَابَةِ فَرْضَانِ وَفِي الْحَدَثِ إنَّمَا يُفْرَضُ غَسْلُ الْيَدِ دُونَ الْفَمِ ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ بِغِلَافِهِ أَوْ بِعَلَّاقَتِهِ ) وَغِلَافُهُ مَا يَكُونُ مُتَجَافِيًا عَنْهُ أَيْ مُتَبَاعِدًا بِأَنْ يَكُونَ شَيْئًا ثَالِثًا بَيْنَ الْمَاسِّ وَالْمَمْسُوسِ كَالْجِرَابِ وَالْخَرِيطَةِ دُونَ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ كَالْجِلْدِ الْمُشَرَّزِ هُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ الْإِسْبِيجَابِيِّ الْغِلَافُ هُوَ الْجِلْدُ الْمُتَّصِلُ بِهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ تَبَعٌ لِلْمُصْحَفِ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لِلْمُحْدِثِ الْمَسُّ فَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ وَضْعُ أَصَابِعِهِ عَلَى الْوَرَقِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ عِنْدَ التَّقْلِيبِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ مَسُّ شَيْءٍ مَكْتُوبٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ مِنْ لَوْحٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إذَا كَانَ آيَةً تَامَّةً وَكَذَا كُتُبُ التَّفْسِيرِ لَا يَجُوزُ مَسُّ الْقُرْآنِ مِنْهَا وَلَهُ أَنْ يَمَسَّ غَيْرَهُ بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ تَبَعٌ لَهُ ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَحْدَاثَ ثَلَاثَةٌ حَدَثٌ صَغِيرٌ وَحَدَثٌ وَسَطٌ وَحَدَثٌ كَبِيرٌ فَالصَّغِيرُ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ لَا غَيْرُ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْقَيْءِ إذَا مَلَأَ الْفَمَ وَخُرُوجُ الدَّمِ وَالْقَيْحِ مِنْ الْبَدَنِ إذَا تَجَاوَزَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ وَالْحَدَثُ الْوَسَطُ هُوَ الْجَنَابَةُ وَالْحَدَثُ الْكَبِيرُ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ فَتَأْثِيرُ الْحَدَثِ الصَّغِيرِ تَحْرِيمُ الصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ
وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَكَرَاهَةِ الطَّوَافِ ، وَالْحَدَثُ الْأَوْسَطُ تَأْثِيرُهُ تَحْرِيمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَيَزِيدُ عَلَيْهَا بِتَحْرِيمِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْحَدَثِ الْكَبِيرِ تَأْثِيرُهُ تَحْرِيمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَيَزِيدُ عَلَيْهَا بِتَحْرِيمِ الصَّوْمِ وَتَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَكَرَاهَةِ الطَّلَاقِ وَلَا يُكْرَهُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ النَّظَرُ إلَى الْمُصْحَفِ ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَحِلُّ الْعَيْنَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُفْرَضُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهَا فَإِنْ قُلْت فَلَوْ تَمَضْمَضَ الْجُنُبُ فَقَدْ ارْتَفَعَ حَدَثُ الْفَمِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ لَهُ التِّلَاوَةُ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ لَا تَرْتَفِعُ جَنَابَتُهُ وَكَذَا إذَا غَسَلَ الْمُحْدِثُ يَدَيْهِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْمَسُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا قُلْنَا كَذَا فِي إيضَاحِ الصَّيْرَفِيِّ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ
الْحَائِضِ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا حَتَّى
تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ كَامِلَةٍ ) لِأَنَّ
الدَّمَ يَدُرُّ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ تَارَةً فَلَا بُدَّ مِنْ
الِاغْتِسَالِ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الِانْقِطَاعِ ، وَقَوْلُهُ كَامِلَةً
يُحْتَرَزُ عَمَّا إذَا انْقَطَعَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ نَاقِصَةٍ كَصَلَاةِ
الضُّحَى وَالْعِيدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوَطْءُ حَتَّى تَغْتَسِلَ
أَوْ يَمْضِيَ وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَهَذَا إذَا كَانَ الِانْقِطَاعُ
لِعَادَتِهَا أَمَّا إذَا كَانَ لِدُونِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ
وَطْؤُهَا ، وَإِنْ اغْتَسَلَتْ حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا ؛ لِأَنَّ
الْعَوْدَ فِي الْعَادَةِ غَالِبٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِاجْتِنَابِ
وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا انْقَطَعَ دُونَ عَادَتِهَا فَإِنَّهَا
تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَلَا يَطَؤُهَا زَوْجُهَا حَتَّى
تَمْضِيَ عَادَتُهَا احْتِيَاطًا ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي آخِرِ حَيْضَةٍ
مِنْ عِدَّتِهَا بَطَلَتْ الرَّجْعَةُ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ
غَيْرَهُ حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا فَيُؤْخَذُ لَهَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ
بِالِاحْتِيَاطِ .
وَفِي النِّهَايَةِ إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا دُونَ
الْعَشَرَةِ وَانْقَطَعَ الدَّمُ عَلَى الْعَادَةِ أَخَّرَتْ الْغُسْلَ
إلَى الْوَقْتِ وَتَأْخِيرُهُ هُنَا اسْتِحْبَابٌ لَا إيجَابٌ وَإِنْ كَانَ
الِانْقِطَاعُ دُونَ الْعِدَّةِ فَتَأْخِيرُ الْغُسْلِ إلَى الْوَقْتِ
إيجَابٌ وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْمُسَافِرَةِ وَلَمْ تَجِدْ الْمَاءَ
فَتَيَمَّمَتْ حُكِمَ بِطَهَارَتِهَا حَتَّى إنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ
يَطَأَهَا وَلَكِنْ فِي انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ خِلَافٌ فَعِنْدَهُمَا لَا
تَنْقَطِعُ مَا لَمْ تُصَلِّ بِالتَّيَمُّمِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ
تَنْقَطِعُ بِالتَّيَمُّمِ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَتْ كَذَا فِي
الْخُجَنْدِيِّ وَفِي شَرْحِهِ إذَا تَيَمَّمَتْ لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا
حَتَّى تُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ،
وَلَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا
قَضَاؤُهَا بَعْدَ الطُّهْرِ وَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً فِي أَوَّلِ
الْوَقْتِ سَوَاءٌ أَدْرَكَهَا
الْحَيْضُ بَعْدَمَا شَرَعَتْ فِي
الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَسَوَاءٌ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ
مِقْدَارُ مَا يَسَعُ لِأَدَاءِ الْفَرْضِ أَمْ لَا .
وَقَالَ زُفَرُ
إنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ لِأَدَاءِ الْفَرْضِ لَا
يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاؤُهَا بَعْدَ الطُّهْرِ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ
وَجَبَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا إذَا حَاضَتْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ ،
وَلَمْ تُصَلِّ فَعَلَيْهَا قَضَاؤُهَا ، وَلَوْ شَرَعَتْ فِي صَلَاةِ
النَّفْلِ أَوْ صَوْمِ النَّفْلِ ثُمَّ حَاضَتْ وَجَبَ عَلَيْهَا
الْقَضَاءُ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا لِعَشَرَةِ
أَيَّامٍ جَازَ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ ) لِأَنَّهُ لَا مَزِيدَ لَهُ
عَلَى الْعَشَرَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ
لِلنَّهْيِ فِي قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ .
وَقَالَ زُفَرُ
وَالشَّافِعِيُّ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ وَكَذَا انْقِطَاعُ
النِّفَاسِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ حُكْمُهُ عَلَى هَذَا ثُمَّ الِانْقِطَاعُ
عَلَى الْعَشَرَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَطْؤُهَا ، وَإِنْ
لَمْ تَنْقَطِعْ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِمُقَابَلَةِ قَوْلِهِ وَإِذَا
انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ .
( قَوْلُهُ :
وَالطُّهْرُ إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ
فَهُوَ كَالدَّمِ الْجَارِي ) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَوَجْهُهُ أَنَّ
اسْتِيعَابَ الدَّمِ مُدَّةَ الْحَيْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيُعْتَبَرُ
أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ كَالنِّصَابِ فِي الزَّكَاةِ وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ
يَبْدَأُ الْحَيْضَ بِالطُّهْرِ وَيَخْتِمُهُ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ
قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ دَمٌ ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّ الطُّهْرَ
الْمُتَخَلِّلَ إذَا انْتَقَصَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ بِسَاعَةٍ
فَإِنَّهُ لَا يَفْصِلُ وَهُوَ كَدَمٍ مُسْتَمِرٍّ ، وَإِنْ كَانَ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا نَظَرَتْ إنْ كَانَ الطُّهْرُ مِثْلَ
الدَّمَيْنِ أَوْ الدَّمَانِ أَكْثَرُ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ
الدَّمَانِ فِي الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَفْصِلُ أَيْضًا وَهُوَ كَدَمٍ
مُسْتَمِرٍّ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدَّمَيْنِ أَوْجَبَ الْفَصْلَ
ثُمَّ تَنْظُرُ إنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَا يُمْكِنُ أَنْ
يُجْعَلَ حَيْضًا جُعِلَ حَيْضًا وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةً ، وَإِنْ كَانَ
فِي كِلَاهُمَا مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا كَانَ كُلُّهُ
اسْتِحَاضَةً وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَبْتَدِئُ الْحَيْضَ
بِالطُّهْرِ وَلَا يَخْتِمُهُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَهُ دَمٌ أَوْ
بَعْدَهُ دَمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَخْذُ
بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرُ .
وَفِي الْوَجِيزِ الْأَصَحُّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
وَفِي الْفَتَاوَى الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَسْهِيلًا عَلَى النِّسَاءِ .
وَالْأَصْلُ
عِنْدَ زُفَرَ أَنَّهَا رَأَتْ مِنْ الدَّمِ فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ
الْحَيْضِ مِثْلَ أَقَلِّهِ فَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ لَا يُوجِبُ
الْفَصْلَ ، وَهُوَ كَدَمٍ مُسْتَمِرٍّ وَإِذَا لَمْ تَرَ فِي أَكْثَرِ
مُدَّةِ الْحَيْضِ مِثْلَ أَقَلِّهِ فَأَنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ
ذَلِكَ حَيْضًا ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ
الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ إذَا نَقَصَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يُوجِبُ
الْفَصْلَ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ ، وَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا
فَصَلَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ سَوَاءٌ كَانَ مِثْلَ الدَّمَيْنِ أَوْ
الدَّمَانِ
أَكْثَرُ مِنْهُ ثُمَّ يُنْظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا نَظَرَ مُحَمَّدٌ
بَيَانُ هَذِهِ الْأُصُولِ امْرَأَةٌ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةَ
أَيَّامٍ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا أَوْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَعَشَرَةَ
أَيَّامٍ غَيْرَ سَاعَتَيْنِ طُهْرًا ثُمَّ سَاعَةً دَمًا فَهُوَ حَيْضٌ
كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَيَكُونُ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ كَدَمٍ
مُسْتَمِرٍّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ لَا يَكُونُ مِنْهُ
حَيْضًا أَمَّا عِنْدَ زُفَرَ فَلِأَنَّهَا لَمْ تَرَ فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ
الْحَيْضِ أَقَلَّهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الطُّهْرُ أَكْثَرُ مِنْ
الدَّمَيْنِ وَلَيْسَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ
حَيْضًا .
وَكَذَا عِنْدَ الْحَسَنِ ، وَلَوْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا
وَسَبْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا أَوْ يَوْمًا دَمًا وَسَبْعَةً طُهْرًا
أَوْ يَوْمَيْنِ دَمًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ الْعَشَرَةُ
كُلُّهَا حَيْضٌ أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا عِنْدَ
زُفَرَ فَلِأَنَّهَا رَأَتْ فِي مُدَّةِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ مِثْلَ
أَقَلِّهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ؛
لِأَنَّ الطُّهْرَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ
الدَّمَيْنِ وَلَيْسَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَا يُمْكِنُ أَنْ
يُجْعَلَ حَيْضًا ، وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَسِتَّةَ
أَيَّامٍ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا أَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَسِتَّةً
طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ الْعَشَرَةُ
كُلُّهَا حَيْضٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ الثَّلَاثَةُ تَكُونُ
حَيْضًا مِنْ أَوَّلِ الْعَشَرَةِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَمِنْ
آخِرِهَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَمَا بَقِيَ اسْتِحَاضَةٌ ، وَلَوْ
رَأَتْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ طُهْرًا وَيَوْمًا
دَمًا أَوْ يَوْمًا دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَأَرْبَعَةً دَمًا فَعِنْدَ
أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ أَمَّا
عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ فَقَدْ بَيَّنَّاهُ .
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ الطُّهْرَ مِثْلُ الدَّمَيْنِ فَلَا يُفْصَلُ وَعِنْدَ الْحَسَنِ يُفْصَلُ ؛
لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَجُعِلَتْ الْأَرْبَعَةُ حَيْضًا تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةً ، وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْأَرْبَعَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَذَلِكَ كُلُّهُ اثْنَا عَشَرَ يَوْمًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِهَا حَيْضٌ وَيَوْمَانِ اسْتِحَاضَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ الثَّلَاثَةُ الْأُولَى حَيْضٌ وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ أَكْثَرُ مِنْ الدَّمَيْنِ اللَّذَيْنِ رَأَتْهُمَا فِي الْعَشَرَةِ ؛ لِأَنَّ الدَّمَيْنِ فِي الْعَشَرَةِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَالطُّهْرُ سِتَّةُ أَيَّامٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا فِي الْأَصْلِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الدَّمَانِ فِي الْعَشَرَةِ وَصُورَةُ ابْتِدَاءِ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَخَتْمِهِ بِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ مَا إذَا كَانَ عَادَتُهَا عَشَرَةً مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَرَأَتْ مَرَّةً قَبْلَ عَشَرَتِهَا يَوْمًا دَمًا وَطَهُرَتْ عَشْرَتَهَا كُلَّهَا ثُمَّ رَأَتْ بَعْدَهَا يَوْمًا دَمًا فَأَيَّامُهَا الْعَشَرَةُ حَيْضٌ كُلُّهَا وَالدَّمُ الَّذِي رَأَتْهُ فِي الْيَوْمَيْنِ اسْتِحَاضَةٌ .
( قَوْلُهُ : وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ) يَعْنِي الطُّهْرَ الَّذِي يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ طَرَفَيْهِ حَيْضًا بِانْفِرَادِهِ ، وَقَالَ عَطَاءٌ وَيَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ أَقَلُّهُ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِاشْتِمَالِ الشَّهْرِ عَلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ عَادَةً وَقَدْ يَكُونُ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَبَقِيَ الطُّهْرُ تِسْعَةَ عَشَرَ قُلْنَا مُدَّةُ الطُّهْرِ نَظِيرُ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعُودُ بِهَا مَا كَانَ يَسْقُطُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَلِهَذَا قَدَّرْنَا أَقَلَّ الْحَيْضِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اعْتِبَارًا بِأَقَلِّ السَّفَرِ ( قَوْلُهُ : وَلَا غَايَةَ لِأَكْثَرِهِ ) أَيْ مَا دَامَتْ طَاهِرَةً فَإِنَّهَا تَصُومُ وَتُصَلِّي ، وَإِنْ اسْتَغْرَقَ ذَلِكَ جَمِيعَ عُمُرِهَا .
( قَوْلُهُ : وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ هُوَ مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ) لَيْسَ هَذَا حَصْرًا لِدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ بَلْ لِبَيَانِ بَعْضِهِ فَإِنَّ الْحَامِلَ لَوْ رَأَتْ الدَّمَ ثَلَاثًا أَوْ عَشْرًا أَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى الْعَادَةِ حَتَّى جَاوَزَ الْعَشَرَةَ أَوْ زَادَ النِّفَاسُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَكُلُّ ذَلِكَ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَمِ الْحَيْضِ أَنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ أَحْمَرُ رَقِيقٌ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ وَدَمُ الْحَيْضِ مُتَغَيِّرُ اللَّوْنِ نَتِنُ الرَّائِحَةِ ( قَوْلُهُ : وَحُكْمُهُ حُكْمُ دَمِ الرُّعَافِ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَلَا الصَّوْمَ وَلَا الْوَطْءَ ) وَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الصَّلَاةَ فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ الصَّوْمَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَحْوَجُ إلَى الطَّهَارَةِ مِنْهُ .
(
قَوْلُهُ : وَإِذَا زَادَ الدَّمُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلِلْمَرْأَةِ
عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ رَدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا وَمَا زَادَ عَلَى
ذَلِكَ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ ) وَفَائِدَةُ رَدِّهَا أَنَّهَا تُؤْمَرُ
بِقَضَاءِ مَا تَرَكَتْ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَادَةِ ( قَوْلُهُ :
فَإِنْ ابْتَدَأَتْ مَعَ الْبُلُوغِ مُسْتَحَاضَةً فَحَيْضُهَا عَشَرَةُ
أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ ) يُرِيدُ عَشَرَةً
مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ وَيُجْعَلُ نِفَاسُهَا أَرْبَعِينَ ؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَتْ لَهَا عَادَةٌ تُرَدُّ إلَيْهَا وَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ
قَوْلُهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُؤْخَذُ لَهَا فِي الصَّلَاةِ
وَالصَّوْمِ وَالرَّجْعَةِ بِالْأَقَلِّ ، وَفِي الزَّوَاجِ بِالْأَكْثَرِ
وَلَا يَطَؤُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَمْضِيَ الْعَشَرَةُ .
وَقَالَ زُفَرُ يُؤْخَذُ لَهَا بِالْأَقَلِّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ .
(
قَوْلُهُ : وَالْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَالرُّعَافُ
الدَّائِمٌ إلَى آخِرِهِ ) وَكَذَا مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ
وَاسْتِطْلَاقُ بَطْنٍ ( قَوْلُهُ : فَيُصَلُّونَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ مَا
شَاءُوا مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ ) وَكَذَا النُّذُورُ
وَالْوَاجِبَاتُ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا وَإِذَا كَانَ بِرِجْلِهِ
جُرْحٌ إذَا قَامَ سَالَ وَإِذَا قَعَدَ لَمْ يَسِلْ أَوْ كَانَ إذَا قَامَ
سَلُسَ بَوْلُهُ وَإِذَا قَعَدَ اسْتَمْسَكَ أَوْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا
إذَا قَامَ عَجَزَ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَإِذَا قَعَدَ قَرَأَ جَازَ أَنْ
يُصَلِّي قَاعِدًا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَكَذَا الْمَرْأَةُ
إذَا كَانَ مَعَهَا ثَوْبٌ صَغِيرٌ لَا يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهَا
قَائِمَةً وَيَسْتُرُهُ قَاعِدَةً جَازَ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ قَاعِدَةً ،
وَإِذَا كَانَ جُرْحُهُ إذَا قَامَ أَوْ قَعَدَ سَالَ وَإِذَا اسْتَلْقَى
عَلَى قَفَاهُ لَمْ يَسِلْ فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا يَرْكَعُ
وَيَسْجُدُ ، وَلَوْ كَانَ جُرْحُهُ يَسِيلُ عَلَى ثَوْبِهِ قَالَ
السَّرَخْسِيُّ إنْ كَانَ يُصِيبُهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَكُلَّمَا
غَسَلَهُ عَادَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ
غَسْلَهُ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ فَجَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ مِنْ
غَيْرِ أَنْ يَغْسِلَهُ .
وَقَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ عَلَيْهِ أَنْ
يَغْسِلَهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّي مَنْ بِهِ
انْفِلَاتُ رِيحٍ خَلْفَ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ
مَعَهُ حَدَثٌ وَنَجَاسَةٌ فَكَانَ الْإِمَامُ صَاحِبَ عُذْرَيْنِ
وَالْمُؤْتَمُّ صَاحِبَ عُذْرٍ وَاحِدٍ وَكَذَا لَا يُصَلِّي مَنْ بِهِ
سَلَسُ الْبَوْلِ خَلْفَ مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ وَجُرْحٌ لَا يُرْقَأُ
؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ عُذْرَيْنِ وَالْمُؤْتَمُّ صَاحِبُ عُذْرٍ
وَاحِدٍ ( قَوْلُهُ : فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ بَطَلَ وُضُوءُهُمْ ) هَذَا
قَوْلُهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْطُلُ بِالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ .
وَقَالَ
زُفَرُ بِالدُّخُولِ لَا غَيْرُ وَفَائِدَتُهُ إذَا تَوَضَّأَ
الْمَعْذُورُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ انْتَقَضَ
وُضُوءُهُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ قَدْ خَرَجَ وَعِنْدَ
زُفَرَ
لَا يُنْقَضُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الزَّوَالِ وَكَذَا إذَا تَوَضَّأَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الظُّهْرَ وَلَا يُنْقَضُ وُضُوءُهُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دُخُولُ وَقْتٍ لَا خُرُوجُ وَقْتٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ يُنْتَقَضُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ ( قَوْلُهُ : وَكَانَ عَلَيْهِمْ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ لِصَلَاةٍ أُخْرَى ) فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ الِاسْتِئْنَافِ وَبُطْلَانُ الْوُضُوءِ مُسْتَلْزَمٌ لَهُ لَا مَحَالَةَ ، قُلْنَا يَجُوزُ أَنْ يَبْطُلَ الْوُضُوءُ لِحَقِّ الصَّلَاةِ وَلَا يَبْطُلُ لِحَقِّ صَلَاةٍ أُخْرَى وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الِاسْتِئْنَافُ لِتِلْكَ الْأُخْرَى كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ بِبُطْلَانِ طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِلْمَكْتُوبَةِ بَعْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَةِ وَبَقَاءِ طَهَارَتِهَا لِلنَّوَافِلِ ، وَكَمَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُتَيَمِّمِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِي الْمِصْرِ لِبَقَاءِ تَيَمُّمِهِ فِي جِنَازَةٍ أُخْرَى لَوْ حَضَرَتْ هُنَاكَ عَلَى وَجْهٍ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَتَبْطُلُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْوُضُوءِ بِأَنْ كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا مِنْهُ .
( قَوْلُهُ : وَالنِّفَاسُ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ ) وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ تَنَفُّسِ الرَّحِمِ بِالدَّمِ أَوْ خُرُوجِ النَّفْسِ وَهُوَ الْوَلَدُ يُقَالُ فِيهِ نَفِسَتْ وَنُفِسَتْ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا إذَا وَلَدَتْ ، وَأَمَّا فِي الْحَيْضِ فَلَا يُقَالُ إلَّا نَفِسَتْ بِفَتْحِ النُّونِ لَا غَيْرُ ( قَوْلُهُ : وَالدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِلُ أَوْ مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ فِي حَالِ وِلَادَتِهَا قَبْلَ خُرُوجِ أَكْثَرِ الْوَلَدِ اسْتِحَاضَةٌ ) وَإِنْ بَلَغَ نِصَابَ الْحَيْضِ ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ ؛ لِأَنَّ فَمَ الرَّحِمِ يَنْسَدُّ بِالْوَلَدِ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ إنَّمَا يَخْرُجَانِ مِنْ الرَّحِمِ بِخِلَافِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْفَرْجِ لَا مِنْ الرَّحِمِ ، وَلِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا دَمَ الْحَامِلِ حَيْضًا أَدَّى إلَى اجْتِمَاعِ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَإِنَّهَا إذَا رَأَتْ دَمًا قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَجُعِلَ حَيْضًا فَوَلَدَتْ وَرَأَتْ الدَّمَ صَارَتْ نُفَسَاءَ فَتَكُونُ حَائِضًا وَنُفَسَاءَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ( قَوْلُهُ : وَمَا تَرَاهُ فِي حَالِ وِلَادَتِهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْوَلَدِ ) يَعْنِي قَبْلَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ اسْتِحَاضَةٌ حَتَّى إنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ ، وَلَوْ لَمْ تُصَلِّ كَانَتْ عَاصِيَةً وَصُورَةُ صَلَاتِهَا أَنْ تَحْفِرَ لَهَا حَفِيرَةً فَتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتُصَلِّي حَتَّى لَا يَضُرَّ بِالْوَلَدِ .
( قَوْلُهُ : وَأَقَلُّ النِّفَاسِ لَا حَدَّ لَهُ ) وَالْفَرْقُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيْضِ أَنَّ الْحَيْضَ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ مِنْ
الرَّحِمِ إلَّا بِالِامْتِدَادِ ثَلَاثًا وَفِي النِّفَاسِ تَقَدُّمُ
الْوَلَدِ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ الرَّحِمِ فَأَغْنَى عَنْ
الِامْتِدَادِ ، وَقَوْلُهُ لَا حَدَّ لَهُ يَعْنِي فِي حَقِّ الصَّلَاةِ
وَالصَّوْمِ أَمَّا إذَا احْتَجَّ إلَيْهِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَهُ
حَدُّ مِقْدَارٍ بِأَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ
طَالِقٌ ، فَقَالَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَعِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ أَقَلُّهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إذْ لَوْ كَانَ
أَقَلَّ ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا
لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مُدَّةِ النِّفَاسِ فَيَكُونُ الدَّمُ بَعْدَهُ
نِفَاسًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَقَلُّهُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ؛
لِأَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَالنِّفَاسُ فِي الْعَادَةِ
أَكْثَرُ مِنْ الْحَيْضِ فَزَادَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ
أَقَلُّهُ سَاعَةٌ ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ لَا حَدَّ لَهُ فَعَلَى
هَذَا لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ وَفِي رِوَايَةِ
الْحَسَنِ عَنْهُ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ يَوْمٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُصَدَّقُ فِي خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا .
وَقَالَ
مُحَمَّدٌ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَسَاعَةٍ وَوَجْهُ
التَّخْرِيجِ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَقُولَ
خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ نِفَاسٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ فَذَلِكَ
أَرْبَعُونَ ثُمَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ كُلُّ حَيْضَةٍ خَمْسَةُ أَيَّامٍ
فَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَطُهْرَانِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَذَلِكَ
خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ ثَلَاثُ حِيَضٍ كُلُّ
حَيْضَةٍ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَطُهْرَانِ ثَلَاثُونَ مَعَ أَرْبَعِينَ
فَذَلِكَ مِائَةُ يَوْمٍ وَإِنَّمَا أَخَذَ لَهَا بِأَكْثَرِ الْحَيْضِ ؛
لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ لَهَا بِأَقَلِّ الطُّهْرِ وَفِي رِوَايَةِ
مُحَمَّدٍ أَخَذَ لَهَا فِي الْحَيْضِ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ ؛ لِأَنَّهُ
الْوَسَطُ وَتَخْرِيجُ
قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ النِّفَاسَ عِنْدَ أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا فَذَلِكَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ ثُمَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ تِسْعَةُ أَيَّامٍ وَطُهْرَانِ ثَلَاثُونَ فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَسِتُّونَ وَتَخْرِيجُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ النِّفَاسَ عِنْدَهُ سَاعَةٌ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ تِسْعَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ طُهْرَانِ .
( قَوْلُهُ : وَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا ) .
وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ سِتُّونَ يَوْمًا وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الرَّحِمَ
يَكُونُ مَسْدُودًا بِالْوَلَدِ فَيَمْنَعُ خُرُوجَ دَمِ الْحَيْضِ
وَيَجْتَمِعُ الدَّمُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْفَخُ
الرُّوحُ فِي الْوَلَدِ وَيَتَغَذَّى بِدَمِ الْحَيْضِ إلَى أَنْ تَلِدَهُ
أُمُّهُ فَإِذَا وَلَدَتْهُ خَرَجَ ذَلِكَ الدَّمُ الْمُجْتَمَعُ فِي
الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَغَالِبُ مَا تَحِيضُ الْمَرْأَةُ فِي كُلِّ
شَهْرٍ مَرَّةٌ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَرْبَعَ
مَرَّاتٍ أَرْبَعِينَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَمَّا كَانَ أَكْثَرُ
الْحَيْضِ خَمْسَةً كَانَ الدَّمُ الَّذِي فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ
سِتِّينَ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا جَاوَزَ الدَّمُ الْأَرْبَعِينَ ،
وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ وَلَدَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَهَا عَادَةٌ
مَعْرُوفَةٌ فِي النِّفَاسِ رُدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا ) سَوَاءٌ
كَانَ خُتِمَ مَعْرُوفُهَا بِالدَّمِ أَوْ بِالطُّهْرِ عِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ كَمَا إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا ثَلَاثِينَ فَرَأَتْ عِشْرِينَ
يَوْمًا دَمًا وَطَهُرَتْ عَشْرًا ثُمَّ رَأَتْ بَعْدَ ذَلِكَ دَمًا حَتَّى
جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى مَعْرُوفِهَا ثَلَاثِينَ
يَوْمًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَإِنْ حَصَلَ خَتْمُهَا بِالطُّهْرِ
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِفَاسًا عِشْرُونَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتِمُهُ
بِالطُّهْرِ ثُمَّ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ دَمَيْ النِّفَاسِ لَا
يَفْصِلُ ، وَإِنْ كَثُرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نَحْوُ مَا إذَا وَلَدَتْ
فَرَأَتْ سَاعَةً دَمًا ثُمَّ طَهُرَتْ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ ثُمَّ
رَأَتْ عَلَى الْأَرْبَعِينَ دَمًا فَالْأَرْبَعُونَ كُلُّهَا نِفَاسٌ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ
أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَا لَمْ يَفْصِلْ وَإِنْ كَانَ
خَمْسَةَ عَشَرَ فَصَاعِدًا فَصَلَ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ نِفَاسًا
وَالْآخَرُ حَيْضًا إنْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا ، وَإِنْ
كَانَ أَقَلَّ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ ، وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا
فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ احْتِيَاطًا
وَيَبْطُلُ صَوْمُهَا إنْ كَانَتْ صَائِمَةً ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْوَلَدِ
لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ دَمٍ فِي الْغَالِبِ وَالْغَالِبُ كَالْمَعْلُومِ
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَلَا يَبْطُلُ صَوْمُهَا
وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَبِهِ
كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ .
وَفِي الْفَتَاوَى الصَّحِيحُ
وُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَيْهَا ، وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَيَجِبُ إجْمَاعًا ؛
لِأَنَّ كُلَّ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهَذَا
خَارِجٌ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ تَكُنْ
لَهَا عَادَةٌ فَابْتِدَاءُ نِفَاسِهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا ) لِأَنَّهُ
لَيْسَ لَهَا عَادَةٌ تُرَدُّ إلَيْهَا فَأَخَذَ لَهَا بِالْأَكْثَرِ ؛
لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَنِفَاسُهَا مَا خَرَجَ مِنْ الدَّمِ عَقِيبَ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ .
وَعَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ) وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ
يَوْمًا وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَرَأَيْت
لَوْ كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا هَلْ يَكُونُ بَعْدَ
الثَّانِي نِفَاسٌ قَالَ هَذَا لَا يَكُونُ قَالَ فَإِنْ كَانَ قَالَ لَا
نِفَاسَ لَهَا مِنْ الثَّانِي ، وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي يُوسُفَ
وَلَكِنَّهَا تَغْتَسِلُ وَقْتَ أَنْ تَضَعَ الْوَلَدَ الثَّانِيَ
وَتُصَلِّي ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ ، وَقَدْ
مَضَتْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا نِفَاسٌ بَعْدَهَا ( قَوْلُهُ : وَقَالَ
مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ نِفَاسُهَا مَا خَرَجَ مِنْ الدَّمِ عَقِيبَ الْوَلَدِ
الثَّانِي ) ؛ لِأَنَّهَا حَامِلٌ بَعْدَ وَضْعِ الْأَوَّلِ فَلَا تَكُونُ
نُفَسَاءَ كَمَا لَا تَحِيضُ وَلِهَذَا لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ إلَّا
بِالْأَخِيرِ إجْمَاعًا قُلْنَا الْعِدَّةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِوَضْعِ حَمْلٍ
مُضَافٍ إلَيْهَا فَيَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ
إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا فَالْأَوَّلُ نِفَاسٌ
وَالثَّانِي اسْتِحَاضَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ
مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ الْأَوَّلُ اسْتِحَاضَةٌ وَمِنْ فَوَائِدِهِ أَيْضًا
إذَا كَانَ عَادَتُهَا عِشْرِينَ فَرَأَتْ بَعْدَ الْأَوَّلِ عِشْرِينَ
وَبَعْدَ الثَّانِي أَحَدًا وَعِشْرِينَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي
يُوسُفَ الْعِشْرُونَ الْأُولَى نِفَاسٌ وَمَا بَعْدَ الثَّانِي
اسْتِحَاضَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ الْعِشْرُونَ الْأُولَى
اسْتِحَاضَةٌ تَصُومُ وَتُصَلِّي مَعَهَا وَمَا بَعْدَ الثَّانِي نِفَاسٌ ،
وَلَوْ رَأَتْ بَعْدَ الْأَوَّلِ عِشْرِينَ وَبَعْدَ الثَّانِي عِشْرِينَ
وَعَادَتُهَا عِشْرُونَ فَاَلَّذِي بَعْدَ الثَّانِي نِفَاسٌ إجْمَاعًا
وَاَلَّذِي قَبْلَهُ نِفَاسٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ
أَيْضًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ الْأُولَى اسْتِحَاضَةٌ وَاَللَّهُ
تَعَالَى أَعْلَمُ
( بَابُ الْأَنْجَاسِ ) الْأَنْجَاسُ جَمْعُ
نَجَسٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ كُلُّ مَا اسْتَقْذَرْتَهُ ثُمَّ إنَّ
الشَّيْخَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ
شَرَعَ فِي بَيَانِ تَطْهِيرِ الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ
الْحُكْمِيَّةَ ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى لِأَنَّ قَلِيلَهَا يَمْنَعُ جَوَازَ
الصَّلَاةِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَسْقُطُ أَبَدًا بِالْأَعْذَارِ إمَّا
أَصْلًا أَوْ خَلَفًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ
وَاجِبٌ مِنْ بَدَنِ الْمُصَلِّي وَثَوْبِهِ ) اعْلَمْ أَنَّ عَيْنَ
النَّجَاسَةِ لَا تَطْهُرُ لَكِنَّ مَعْنَاهُ تَطْهِيرُ مَحَلِّ
النَّجَاسَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ } أَيْ
أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى تَطْهِيرِهَا
إزَالَتَهَا وَإِنَّمَا قَالَ وَاجِبٌ وَلَمْ يَقُلْ فَرْضٌ كَمَا قَالَ
فِي تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ فَفَرْضُ الطَّهَارَةِ غَسْلُ
الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ ثَبَتَتْ الطَّهَارَةُ
بِنَصِّ الْكِتَابِ حَتَّى إنَّهُ يَكْفُرُ جَاحِدُهَا وَهَذِهِ
الطَّهَارَةُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهَا ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يَسُوغُ فِيهَا
الِاجْتِهَادُ ؛ لِأَنَّ مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ هِيَ
مُسْتَحَبَّةٌ ( قَوْلُهُ : وَالْمَكَانُ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ )
يَعْنِي مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ وَسُجُودِهِ وَجُلُوسِهِ فَإِنْ كَانَتْ
النَّجَاسَةُ تَحْتَ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ فِي حَالَةِ السُّجُودِ لَا
تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ
أَنَّهَا تَفْسُدُ وَصَحَّحَهُ فِي الْعُيُونِ .
وَفِي الذَّخِيرَةِ
إذَا كَانَ مَوْضِعُ إحْدَى رِجْلَيْهِ طَاهِرًا وَالْأُخْرَى نَجِسًا
فَوَضَعَ قَدَمَيْهِ ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ فَإِنْ رَفَعَ
الْقَدَمَ الَّتِي مَوْضِعُهَا نَجِسٌ وَصَلَّى جَازَ ، وَلَوْ كَانَ
تَحْتَ قَدَمٍ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ
الدِّرْهَمِ ، وَلَوْ جَمْعًا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ
الصَّلَاةَ .
( قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ وَبِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ ) .
وَقَالَ
مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمَاءِ
الْمُطْلَقِ ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ مَعْنًى تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ
إلَّا بِالْمَاءِ قِيَاسًا عَلَى النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَهِيَ
الْحَدَثُ قُلْنَا النَّجَاسَةُ الْحُكْمِيَّةُ لَيْسَ فِيهَا عَيْنٌ
تُزَالُ فَكَانَ الِاسْتِعْمَالُ فِيهَا عِبَادَةً مَحْضَةً
وَالْحَقِيقِيَّةُ لَهَا عَيْنٌ فَكَانَ الْمَقْصُودُ بِهَا إزَالَةَ
الْعَيْنِ بِأَيِّ طَاهِرٍ كَانَ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ مَوْضِعَ
النَّجَاسَةِ بِالسِّكِّينِ جَازَ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ
فَرَّقَ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ ، فَقَالَ لَا تَزُولُ النَّجَاسَةُ
مِنْ الْبَدَنِ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ اعْتِبَارًا بِالْحَدَثِ
بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّهَا تَزُولُ عَنْهُ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ (
قَوْلُهُ : يُمْكِنُ إزَالَتُهَا بِهِ ) أَيْ يَنْعَصِرُ بِالْعَصْرِ
وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ الْأَدْهَانِ وَالْعَسَلِ وَهَلْ يَجُوزُ
بِاللَّبَنِ قَالَ فِي الْخُجَنْدِيِّ يَجُوزُ .
وَفِي النِّهَايَةِ لَا
يَجُوزُ ( قَوْلُهُ : وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ ) إنَّمَا يُتَصَوَّرُ
هَذَا عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَمَّا عَلَى
رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ فَهُوَ نَجِسٌ فَلَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا أَصَابَ الْخُفَّ نَجَاسَةٌ لَهَا جِرْمٌ ) أَيْ لَوْنٌ وَأَثَرٌ بَعْدَ الْجَفَافِ كَالرَّوْثِ وَالسِّرْقِينَ وَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ وَالْمَنِيِّ ( قَوْلُهُ : فَجَفَّتْ وَدُلِّكَتْ بِالْأَرْضِ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهَا ) وَكَذَا كُلُّ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْخُفِّ كَالنَّعْلِ وَشَبَهِهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يُجْزِئُهُ فِيمَا سِوَى الْمَنِيِّ إلَّا الْغُسْلُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ بِالرَّيِّ لِمَا رَأَى مِنْ كَثْرَةِ السِّرْقِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَإِنَّمَا خَصَّ الْخُفَّ ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ إذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا الْغَسْلُ ، وَكَذَا الثَّوْبُ أَيْضًا لَا يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا الْغَسْلُ ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ يَتَدَاخَلُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّجَاسَةِ فَلَا يُخْرِجُهَا إلَّا بِالْغَسْلِ إلَّا فِي الْمَنِيِّ خَاصَّةً فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ ، وَأَمَّا الْخُفُّ فَإِنَّهُ جِلْدٌ لَا تَتَدَاخَلُ فِيهِ النَّجَاسَةُ ( قَوْلُهُ : وَجَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ ) إنَّمَا قَالَ هَكَذَا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالطَّهَارَةِ ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَطْهُرُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَزُولُ عَنْهُ مُعْظَمُ النَّجَاسَةِ وَلِهَذَا لَوْ عَاوَدَهُ الْمَاءُ يَعُودُ نَجِسًا عَلَى الصَّحِيحِ وَكَذَا إذَا وَقَعَ فِي مَاءٍ نَجَّسَهُ وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ الشَّيْخُ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِسْبِيجَابِيِّ .
( قَوْلُهُ : وَالْمَنِيُّ نَجِسٌ ) .
وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ طَاهِرٌ { لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِابْنِ عَبَّاسٍ
الْمَنِيُّ كَالْمُخَاطِ فَأَمِطْهُ عَنْك ، وَلَوْ بِإِذْخِرَةٍ }
وَلِأَنَّهُ أَصْلُ خِلْقَةِ الْآدَمِيِّ فَكَانَ طَاهِرًا كَالتُّرَابِ ،
وَلَنَا { قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَقَدْ
رَآهُ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ مِنْ نُخَامَةٍ إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ
خَمْسٍ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالدَّمِ وَالْمَنِيِّ وَالْقَيْءِ }
فَقَرَنَ الْمَنِيَّ بِالْأَشْيَاءِ الَّتِي هِيَ نَجِسَةٌ بِالْإِجْمَاعِ
فَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ مَا قُرِنَ بِهِ ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ
عَبَّاسٍ فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِمَاطَةِ
وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ
يَتَعَلَّقُ بِخُرُوجِهِ نَقْضُ الطَّهَارَةِ كَالْبَوْلِ ثُمَّ نَجَاسَةُ
الْمَنِيِّ عِنْدَنَا مُغَلَّظَةٌ ( قَوْلُهُ : يَجِبُ غَسْلُ رَطْبِهِ
فَإِذَا جَفَّ عَلَى الثَّوْبِ أَجْزَأَ فِيهِ الْفَرْكُ ) قَيَّدَ
بِالثَّوْبِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَفَّ عَلَى الْبَدَنِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ
الْمَشَايِخِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ ؛ لِأَنَّ
الْبَدَنَ لَا يُمْكِنُ فَرْكُهُ .
وَفِي الْهِدَايَةِ قَالَ
مَشَايِخُنَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ كَمَا فِي الثَّوْبِ وَإِنَّمَا
يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إذَا كَانَ وَقْتَ خُرُوجِهِ رَأْسُ الذَّكَرِ
طَاهِرًا بِأَنْ بَالَ وَاسْتَنْجَى بِالْمَاءِ وَإِلَّا فَلَا يَطْهُرُ
إلَّا بِالْغَسْلِ ، وَقِيلَ إنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إذَا خَرَجَ
قَبْلَ الْمَذْيِ أَمَّا إذَا أَمْذَى قَبْلَ خُرُوجِهِ لَا يَطْهُرُ إلَّا
بِالْغَسْلِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي مَنِيِّ الرَّجُلِ أَمَّا مَنِيُّ
الْمَرْأَةِ فَلَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ ، وَلَوْ
نَفَذَ الْمَنِيُّ إلَى الْبِطَانَةِ يُكْتَفَى بِالْفَرْكِ هُوَ
الصَّحِيحُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ ؛ لِأَنَّهُ
إنَّمَا يُصِيبُهُ الْبَلَلُ وَالْبَلَلُ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ ، ثُمَّ
إذَا أَجْزَأَ فِيهِ الْفَرْكُ وَعَاوَدَهُ الْمَاءُ فِيهِ رِوَايَتَانِ
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعُودُ نَجِسًا وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَا يَعُودُ
نَجِسًا .
( قَوْلُهُ : وَالنَّجَاسَةُ إذَا أَصَابَتْ الْمِرْآةَ
أَوْ السَّيْفَ اُكْتُفِيَ بِمَسْحِهِمَا ) لِعَدَمِ تَدَاخُلِ
النَّجَاسَةِ فِيهِمَا وَمَا عَلَى ظَاهِرِهِمَا يَزُولُ بِالْمَسْحِ
وَالْمَسْحُ يُخَفِّفُ وَلَا يُطَهِّرُ وَلِهَذَا قَالَ اُكْتُفِيَ
بِمَسْحِهِمَا وَلَمْ يَقُلْ طَهُرَا بِالْمَسْحِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ
الْمَسْحُ مُطَهِّرٌ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا اسْتَنْجَى
بِالْحَجَرِ ثُمَّ نَزَلَ الْبِئْرَ عُرْيَانًا فَعِنْدَهُمَا يَنْجُسُ
مَاءُ الْبِئْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَنْجُسُ .
وَفِي الْمُحِيطِ
السَّيْفُ وَالسِّكِّينُ إذَا أَصَابَهُمَا بَوْلٌ أَوْ دَمٌ لَا
يَطْهُرَانِ إلَّا بِالْغَسْلِ وَإِنْ أَصَابَهُمَا عَذِرَةٌ إنْ كَانَ
رَطْبًا فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا طَهُرَا بِالْحَكِّ
عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَطْهُرَانِ إلَّا بِالْغَسْلِ
وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ عَمَّنْ ذَبَحَ شَاةً ثُمَّ مَسَحَ
السِّكِّينَ عَلَى صُوفِهَا أَوْ مَا يَذْهَبُ بِهِ أَثَرُ الدَّمِ قَالَ
يَطْهُرُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَإِنَّمَا قَالَ اُكْتُفِيَ
بِمَسْحِهِمَا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالطَّهَارَةِ ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ
خِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ إذَا عَاوَدَهُمَا الْمَاءُ فَاخْتَارَ
الشَّيْخُ أَنَّ النَّجَاسَةَ تَعُودُ وَاخْتِيَارُ الْإِسْبِيجَابِيِّ
أَنَّهَا لَا تَعُودُ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا أَصَابَتْ الْأَرْضُ
نَجَاسَةً فَجَفَّتْ بِالشَّمْسِ وَذَهَبَ أَثَرُهَا جَازَتْ الصَّلَاةُ
عَلَى مَكَانِهَا ) .
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا
اللَّهُ لَا تَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمُزِيلُ وَلِهَذَا لَمْ
يَجُزْ التَّيَمُّمُ مِنْهَا وَلَنَا قَوْلُهُ : عَلَيْهِ السَّلَامُ {
ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا } وَقَيَّدَ بِالْأَرْضِ احْتِرَازًا عَنْ
الثَّوْبِ وَالْحَصِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ
بِالْجَفَافِ بِالشَّمْسِ وَيُشَارِكُ الْأَرْضَ فِي حُكْمِهَا كُلُّ مَا
كَانَ ثَابِتًا فِيهَا كَالْحِيطَانِ وَالْأَشْجَارِ وَالْكَلَأِ
وَالْقَصَبِ مَا دَامَ قَائِمًا عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالْجَفَافِ
فَإِذَا قُطِعَ الْحَشِيشُ وَالْخَشَبُ وَالْقَصَبُ وَأَصَابَتْهُ
نَجَاسَةٌ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ ، وَأَمَّا الْحَجَرُ فَذَكَرَ
الْخُجَنْدِيُّ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْجَفَافِ .
وَقَالَ
الصَّيْرَفِيُّ إذَا كَانَ أَمْلَسَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ ، وَإِنْ
كَانَ يَشْرَبُ النَّجَاسَةَ فَهُوَ كَالْأَرْضِ وَالْحَصَا بِمَنْزِلَةِ
الْأَرْضِ ( قَوْلُهُ : فَجَفَّتْ بِالشَّمْسِ ) التَّقْيِيدُ بِالشَّمْسِ
لَيْسَ بِشَرْطٍ ، بَلْ لَوْ جَفَّتْ بِالظِّلِّ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ (
قَوْلُهُ : وَذَهَبَ أَثَرُهَا ) الْأَثَرُ اللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ
وَالطَّعْمُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ وَعَاوَدَهَا
الْمَاءُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا تَعُودُ
نَجِسَةً وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ وَالسَّرَخْسِيِّ وَفِي
الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا تَعُودُ نَجِسَةً وَهُوَ اخْتِيَارُ
الْإِسْبِيجَابِيِّ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا وَقَعَ مِنْ تُرَابِهَا
شَيْءٌ فِي الْمَاءِ فَعِنْدَ الْأَوَّلَيْنِ يَنْجُسُ وَعَلَى الثَّانِي
لَا يَنْجُسُ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ مِنْهَا ) لِأَنَّ
طَهَارَةَ الصَّعِيدِ ثَبَتَ شَرْطُهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَلَا
يَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
{ : ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا } وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجُوزُ مَعَ
يَسِيرِ النَّجَاسَةِ وَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَاءٍ فِيهِ يَسِير
النَّجَاسَةِ وَالتَّيَمُّمُ قَائِمٌ مَقَامَ الْوُضُوءِ
وَلِأَنَّ الطُّهُورَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ فَإِنَّ الْخَلَّ طَاهِرٌ وَلَيْسَ بِطَهُورٍ فَكَذَا هَذِهِ الْأَرْضُ طَاهِرَةٌ غَيْرُ طَهُورٍ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ كَالدَّمِ وَالْغَائِطِ إلَى آخِرِهِ ) الْمُغَلَّظَةُ مَا وَرَدَ بِنَجَاسَتِهَا نَصٌّ وَلَمْ يَرِدْ بِطَهَارَتِهَا نَصٌّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ أَمْ لَا وَعِنْدَهُمَا مَا سَاغَ الِاجْتِهَادُ فِي طَهَارَتِهِ فَهُوَ مُخَفَّفٌ وَفَائِدَتُهُ فِي الْأَرْوَاثِ فَإِنَّ { قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الرَّوْثِ إنَّهُ رِجْسٌ } لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ آخَرُ فَيَكُونُ عِنْدَهُ مُغَلَّظًا وَقَالَا هُوَ مُخَفَّفٌ ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ خَفَّ حُكْمُهُ ( قَوْلُهُ : كَالدَّمِ ) يَعْنِي الْمَسْفُوحَ أَمَّا الَّذِي يَبْقَى فِي اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّكَاةِ فَهُوَ طَاهِرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي الْأَكْلِ ، وَلَوْ احْمَرَّتْ مِنْهُ الْقِدْرُ ، وَلَيْسَ بِمَعْفُوٍّ عَنْهُ فِي الثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فِي الْأَكْلِ وَيُمْكِنُ فِي غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ دَمُ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ طَاهِرٌ حَتَّى لَوْ طُلِيَ بِهِ الْخُفُّ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ ، وَإِنْ كَثُرَ وَكَذَا دَمُ الْبَرَاغِيثِ وَالْكَتَّانِ وَالْقُمَّلِ وَالْبَقِّ طَاهِرٌ ، وَإِنْ كَثُرَ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَسْفُوحٍ وَدَمُ السَّمَكِ طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ أَكْلُهُ بِدَمِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِدَمِهِ لَا يُذَكَّى ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا أُبِيحَ أَكْلُهُ إلَّا بَعْدَ سَفْحِهِ ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْيَضُّ بِالشَّمْسِ وَالدِّمَاءُ تَسْوَدُّ بِهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ نَجِسٌ ، وَأَمَّا دَمُ الْحَلَمِ وَالْأَوْزَاغِ فَهُوَ نَجِسٌ إجْمَاعًا وَدَمُ الشَّهِيدِ طَاهِرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ نَجِسٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَيْ مَا دَامَ عَلَيْهِ فَهُوَ طَاهِرٌ وَلِهَذَا لَا يُغْسَلُ عَنْهُ فَإِذَا انْفَصَلَ عَنْهُ كَانَ نَجِسًا حَتَّى إذَا أَصَابَ ثَوْبَ إنْسَانٍ نَجَّسَهُ وَالدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ نَجِسَةٌ ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ النَّجَاسَةِ وَالْخَارِجَةُ مِنْ الْجُرْحِ طَاهِرَةٌ ؛
لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ اللَّحْمِ وَهُوَ طَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : وَالْغَائِطُ وَالْبَوْلُ ) قَالَ الْحَسَنُ كُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِمَّا يُوجِبُ خُرُوجُهُ الْوُضُوءَ وَالِاغْتِسَالَ فَهُوَ نَجِسٌ فَعَلَى هَذَا الْغَائِطُ وَالْبَوْلُ وَالْمَنِيُّ وَالْوَدْيُ وَالْمَذْيُ وَالدَّمُ وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ نَجِسٌ وَكَذَا الْقَيْءُ إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ نَجِسٌ ، وَأَمَّا رُطُوبَةُ الْفَرْجِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَسَائِرِ رُطُوبَاتِ الْبَدَنِ وَعِنْدَهُمَا نَجِسَةٌ ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ فِي مَحَلِّ النَّجَاسَةِ ، وَمِنْ الْمُغَلَّظَةِ أَيْضًا خَرْءُ الْكَلْبِ وَبَوْلُهُ وَخَرْءُ جَمِيعِ السِّبَاعِ وَأَبْوَالُهَا وَخَرْءُ السِّنَّوْرِ وَبَوْلُهُ وَخَرْءُ الْفَأْرِ وَبَوْلُهُ وَخَرْءُ الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ وَاخْتَلَفُوا فِي خَرْءِ سِبَاعِ الطَّيْرِ كَالْغُرَابِ وَالْحَدَأَةِ وَالْبَازِي وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَاحِشًا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مُغَلَّظٌ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ الصَّلَاةَ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مُضْطَرِبٌ فَفِي الْهِدَايَةِ هُوَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ هُوَ مَعَ مُحَمَّدٍ ، وَأَمَّا خَرْءُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ فَطَاهِرٌ عِنْدَنَا كَالْحَمَامِ وَالْعَصَافِيرِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَتَجَنَّبُونَ ذَلِكَ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَجَنَّبُوهُ الْمَسَاجِدَ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ ( قَوْلُهُ : مِقْدَارَ الدِّرْهَمِ ) يَعْنِي الْمِثْقَالَ الَّذِي وَزْنُهُ عِشْرُونَ قِيرَاطًا ثُمَّ قِيلَ الْمُعْتَبَرُ بَسْطُ الدِّرْهَمِ مِنْ حَيْثُ الْمِسَاحَةُ ، وَقِيلَ وَزْنُهُ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَسْطَ فِي الرَّقِيقِ وَالْوَزْنَ فِي الثَّخِينِ ( قَوْلُهُ : جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ ) وَهَلْ يُكْرَهُ إنْ كَانَتْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ يُكْرَهُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ ، وَقَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ إنْ كَانَتْ فِي
الْوَقْتِ سَعَةٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْطَعَهَا وَيَغْسِلَ ثَوْبَهُ وَيَسْتَقْبِلَ الصَّلَاةَ ، وَإِنْ كَانَ تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ إنْ كَانَ يَجِدُ الْمَاءَ وَيَجِدُ جَمَاعَةً أُخْرَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ لَا يَجِدُ جَمَاعَةً فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ وَلَا يَقْطَعُهَا .
(
قَوْلُهُ : وَإِنْ أَصَابَهُ نَجَاسَةٌ مُخَفَّفَةٌ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ
لَحْمُهُ ) الْمُخَفَّفَةُ مَا وَرَدَ بِنَجَاسَتِهَا نَصٌّ
وَبِطَهَارَتِهَا نَصٌّ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَدَ
بِنَجَاسَتِهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { اسْتَنْزِهُوا الْأَبْوَالَ }
وَهُوَ عَامٌّ فِيمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَفِيمَا لَا يُؤْكَلُ
وَالِاسْتِنْزَاهُ هُوَ التَّبَاعُدُ عَنْ الشَّيْءِ ، وَوَرَدَ أَيْضًا
فِي طَهَارَتِهِ نَصٌّ وَهُوَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَخَّصَ
لِلْعُرَنِيِّينَ فِي شُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا } .
وَقَالَ
مُحَمَّدٌ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ لِحَدِيثِ
الْعُرَنِيِّينَ ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا أَمَرَهُمْ بِشُرْبِهِ ؛
لِأَنَّ النَّجِسَ حَرَامٌ ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَمْ يَجْعَلْ
اللَّهُ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } وَلَهُمَا أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَ شِفَاءَهُمْ فِيهِ
وَحْيًا وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ الْيَوْمَ وَالْمُحَرَّمُ يُبَاحُ
تَنَاوُلُهُ إذَا عُلِمَ حُصُولُ الشِّفَاءِ بِهِ يَقِينًا أَلَا تَرَى
أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ مُبَاحٌ بِقَدْرِ سَدِّ
الرَّمَقِ لِعِلْمِهِ يَقِينًا بِحُصُولِ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ : جَازَتْ
الصَّلَاةُ مَعَهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ رُبُعَ الثَّوْبِ ) هَذَا إنَّمَا
يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَسْتَقِيمُ ؛
لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ
الثَّوْبُ مَمْلُوءًا مِنْهُ وَاخْتُلِفَ فِي رُبُعِ الثَّوْبِ عَلَى
قَوْلِهِمَا فَقِيلَ رُبُعُ جَمِيعِ الثَّوْبِ أَيَّ ثَوْبٍ أَصَابَهُ
وَكَذَا الْبَدَنُ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ رُبُعُ جَمِيعِهِ ، وَقَالَ
بَعْضُهُمْ رُبُعُ أَدْنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ ، وَقِيلَ
رُبُعُ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهُ كَالْكُمِّ وَالدِّخْرِيصِ
وَالْفَخِذِ أَوْ الظَّهْرِ إنْ كَانَ فِي الْبَدَنُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
أَنَّهُ قَالَ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ وَرُوِيَ عَنْهُ ذِرَاعٌ فِي ذِرَاعٍ ،
وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الْفَرَسِ لَمْ يَمْنَعْ حَتَّى يَفْحُشَ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ
فَلِأَنَّهُ مَأْكُولٌ عِنْدَهُ ،
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ
لَمْ أُحَرِّمْ لَحْمَهُ لِنَجَاسَتِهِ بَلْ إبْقَاءٍ لِظَهْرِهِ
تَحَامِيًا عَنْ تَقْلِيلِ الْخَيْلِ ؛ لِأَنَّ فِي تَقْلِيلِهَا قَطْعَ
مَادَّةِ الْجِهَادِ فَكَانَ طَاهِرَ اللَّحْمِ حَتَّى إنَّ سُؤْرَهُ
طَاهِرٌ بِالِاتِّفَاقِ فَخُفِّفَ حُكْمُ بَوْلِهِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ
هُوَ طَاهِرٌ لَا يَمْنَعُ ، وَإِنْ فَحُشَ عَلَى أَصْلِهِ فِي
الْمَأْكُولِ ، وَإِنْ أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْ السُّؤْرِ الْمَكْرُوهِ أَوْ
الْمَشْكُوكِ لَا يَمْنَعُ ، وَإِنْ فَحُشَ ، وَإِنْ أَصَابَ مِنْ
السُّؤْرِ النَّجَسِ يَمْنَعُ إذَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَإِنْ
أَصَابَهُ مِنْ لُعَابِ الْبَغْلِ أَوْ الْحِمَارِ لَا يُنَجِّسُهُ ؛
لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فَلَا يُنَجِّسُ الطَّاهِرَ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ
حُكْمَ الْأَرْوَاثِ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
كُلُّهَا مُغَلَّظَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ رَوْثَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ
رَوْثَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَعِنْدَهُمَا كُلُّهَا مُخَفَّفَةٌ
رَوْثُ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ وَعِنْدَ زُفَرَ رَوْثُ
الْمَأْكُولِ مُخَفَّفٌ وَرَوْثُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ مُغَلَّظٌ .
( قَوْلُهُ : وَتَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ الَّتِي يَجِبُ غَسْلُهَا عَلَى وَجْهَيْنِ فَمَا كَانَ لَهَا عَيْنٌ مَرْئِيَّةٌ فَطَهَارَتُهَا زَوَالُ عَيْنِهَا ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْغَسْلُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ وَلَوْ زَالَتْ بِمَرَّةٍ وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَمْ تَزُلْ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ لَا تَطْهُرُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الزَّوَالِ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَعَنْ أَبِي حَفْصٍ أَنَّهَا إذَا زَالَتْ بِمَرَّةٍ تُغْسَلُ بَعْدَ الزَّوَالِ مَرَّتَيْنِ إلْحَاقًا لَهَا بِغَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ كَمَا أَشَارَ الشَّيْخُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ مَا زَالَتْ الْعَيْنُ تُغْسَلُ ثَلَاثًا قَالَ الصَّيْرَفِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا زَالَتْ الْعَيْنُ وَالرَّائِحَةُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ طَهُرَتْ ، وَإِنْ زَالَتْ الْعَيْنُ وَبَقِيَتْ الرَّائِحَةُ يُغْسَلُ حَتَّى تَزُولَ الرَّائِحَةُ وَلَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ وَلَا يَضُرُّ الْأَثَرُ الَّذِي يَشُقُّ إزَالَتُهُ ، فَإِنْ قِيلَ لِمَ قَالَ فَطَهَارَتُهَا زَوَالُ عَيْنِهَا وَلَمْ يَقُلْ فَطَهَارَتُهَا أَنْ تُغْسَلَ حَتَّى تَزُولَ عَيْنُهَا ، قِيلَ فِي قَوْلِهِ زَوَالُ عَيْنِهَا فَوَائِدُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ فَطَهَارَتُهَا أَنْ تُغْسَلَ وَذَلِكَ فِي طَهَارَةِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْغَسْلِ وَكَذَلِكَ الْمِرْآةُ وَالسَّيْفُ يُكْتَفَى بِمَسْحِهِمَا وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْغَسْلِ وَكَذَلِكَ النَّجَاسَةُ إذَا أَحْرَقَتْهَا النَّارُ وَصَارَتْ رَمَادًا ، وَكَذَا الْأَرْضُ إذَا جَفَّتْ بِالشَّمْسِ فَفِي هَذَا كُلِّهِ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْغَسْلِ بَلْ يَكْفِي فِيهِ زَوَالُ الْعَيْنِ فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا جَفَّتْ عَلَى الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ وَذَهَبَ أَثَرُهَا فَقَدْ زَالَتْ عَيْنُهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَطْهُرُ قِيلَ قَدْ أَشَارَ الشَّيْخُ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُطَهِّرِ بِقَوْلِهِ فَطَهَارَتُهَا فَفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُطَهِّرٍ ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ أَثَرِهَا مَا يَشُقُّ إزَالَتُهُ ) تَفْسِيرُ الْمَشَقَّةِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ الْمَاءِ كَالصَّابُونِ وَالْأُشْنَانِ وَالْمَاءِ
الْمَغْلِيِّ بِالنَّارِ فَلَا يَجِبُ
عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنْ غُسِلَتْ الْمُغَلَّظَةُ بِالْمُخَفَّفَةِ وَهِيَ
مَرْئِيَّةٌ يَزُولُ حُكْمُ الْمُغَلَّظَةِ وَيَبْقَى حُكْمُ
الْمُخَفَّفَةِ وَذَكَرَ الصَّيْرَفِيُّ أَنَّ الْمُخْتَارَ لَا يَزُولُ
حُكْمُهَا .
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا غَسَلَ النَّجَاسَةَ بِبَوْلِ مَا
يُؤْكَلُ لَحْمُهُ الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ وَفِي شَرْحِهِ
يَنْتَقِلُ الْحُكْمُ إلَى الْمُخَفَّفَةِ .
( قَوْلُهُ : وَمَا لَيْسَ لَهَا عَيْنٌ مَرْئِيَّةٌ فَطَهَارَتُهَا أَنْ تُغْسَلَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْغَاسِلِ أَنَّهَا قَدْ طَهُرَتْ ) لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِخْرَاجِ وَلَا يُقْطَعُ بِزَوَالِهِ فَاعْتُبِرَ غَلَبَةُ الظَّنِّ فَإِنْ غَسَلَهَا مَرَّةً وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا قَدْ زَالَتْ أَجْزَأَهُ ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَرْئِيَّةً فَالْمُعْتَبَرُ غَلَبَةُ الظَّنِّ ، وَلَوْ أَصَابَ الثَّوْبَ نَجَاسَةٌ وَخَفِيَ مَكَانُهَا فَإِنَّهُ يَغْسِلُ جَمِيعَ الثَّوْبِ وَكَذَا إذَا أَصَابَ أَحَدَ الْكُمَّيْنِ نَجَاسَةٌ وَلَا يَدْرِي أَيَّهُمَا هُوَ غَسَلَهُمَا جَمِيعًا احْتِيَاطًا .
( قَوْلُهُ : وَالِاسْتِنْجَاءُ سُنَّةٌ ) إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ مَعَ سُنَنِ الطَّهَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ حَقِيقِيَّةٍ وَسَائِرُ السُّنَنِ مَشْرُوعَةٌ لِإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ حُكْمِيَّةٍ ( قَوْلُهُ : يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ وَمَا قَامَ مَقَامَهُ ) يَعْنِي مِنْ التُّرَابِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مُعْتَادًا أَمَّا إذَا كَانَ الْخَارِجُ قَيْحًا أَوْ دَمًا لَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ ، وَإِنْ كَانَ مَذْيًا أَوْ وَدْيًا يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ أَيْضًا ، وَقِيلَ إنَّمَا يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ إذَا كَانَ الْغَائِطُ لَمْ يَجِفَّ وَلَمْ يَقُمْ مِنْ مَوْضِعِهِ أَمَّا إذَا قَامَ أَوْ جَفَّ الْغَائِطُ فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا الْمَاءُ ؛ لِأَنَّ بِقِيَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْحَجَرِ يَزُولُ الْغَائِطُ عَنْ مَوْضِعِهِ وَيَتَجَاوَزُ مَخْرَجَهُ وَيَتَجَاوَزُ وَبِجَفَافِهِ لَا يُزِيلُهُ الْحَجَرُ وَالْمُسْتَحَاضَةُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الِاسْتِنْجَاءُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ غَائِطٌ وَلَا بَوْلٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَقَطَ اعْتِبَارُ نَجَاسَةِ دَمِهَا كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ .
(
قَوْلُهُ : يَمْسَحُهُ حَتَّى يُنْقِيَهُ ) صُورَتُهُ أَنْ يَجْلِسَ
مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ وَعَنْ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمَعَهُ
ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ فَيَبْدَأَ بِالْحَجَرِ الْأَوَّلِ مِنْ مُقَدَّمِ
الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى وَيُدِيرَهُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْمَوْضِعِ
الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ، ثُمَّ بِالثَّانِي مِنْ مُقَدَّمِ الْيُسْرَى
وَيُدِيرُهُ كَذَلِكَ ثُمَّ يُمِرُّ الثَّالِثَ عَلَى الصَّفْحَتَيْنِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُقْبِلُ بِالْأَوَّلِ وَيُدْبِرُ بِالثَّانِي
وَيُدِيرُ بِالثَّالِثِ .
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ إنْ كَانَ فِي
الشِّتَاءِ أَقْبَلَ بِالْأَوَّلِ وَأَدْبَرَ بِالثَّانِي وَأَدَارَ
الثَّالِثَ ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّيْفِ أَدْبَرَ بِالْأَوَّلِ وَأَقْبَلَ
بِالثَّانِي وَأَدَارَ الثَّالِثَ ؛ لِأَنَّ خُصْيَتَيْهِ فِي الصَّيْفِ
مُتَدَلِّيَتَانِ وَفِي الشِّتَاءِ مُرْتَفِعَتَانِ .
وَقَالَ
السَّرَخْسِيُّ لَا كَيْفِيَّةَ لَهُ وَالْقَصْدُ الْإِنْقَاءُ
وَالْمَرْأَةُ تَفْعَلُ كَمَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ فِي الشِّتَاءِ فِي كُلِّ
الْأَوْقَاتِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الْأَحْجَارُ الطَّاهِرَةُ عَنْ
يَمِينِهِ وَيَضَعُ مَا اسْتَنْجَى بِهَا عَنْ يَسَارِهِ وَيَجْعَلُ وَجْهَ
الْيُسْرَى إلَى تَحْتُ .
( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ فِيهِ عَدَدٌ مَسْنُونٌ ) .
وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ حَجَرٍ لَهُ
ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ ، لَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ
اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ } .
(
قَوْلُهُ : وَغَسْلُهُ بِالْمَاءِ أَفْضَلُ ) يَعْنِي بَعْدَ الْحِجَارَةِ
وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ ، وَقِيلَ سُنَّةٌ فِي زَمَانِنَا ،
وَقِيلَ سُنَّةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ
الْفَتْوَى .
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الِاسْتِنْجَاءُ نَوْعَانِ
بِالْحَجَرِ وَبِالْمَاءِ فَبِالْحَجَرِ سُنَّةٌ وَإِتْبَاعُ الْمَاءِ
أَدَبٌ وَفَضِيلَةٌ ، وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ
الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ مَرَّةً
وَيَتْرُكُونَهُ أُخْرَى وَهَذَا حَدُّ الْفَضِيلَةِ وَالْأَدَبِ وَقَالَ
بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّمَا كَانَ إتْبَاعُ الْمَاءِ مُسْتَحَبًّا فِي
الزَّمَانِ الْأَوَّلِ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَهُوَ سُنَّةٌ أَيْضًا لِمَا
رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ
بِالْمَاءِ فَقَالَ سُنَّةٌ قِيلَ لَهُ كَيْفَ يَكُونُ سُنَّةٌ
وَالْخِيَارُ مِنْ الصَّحَابَةِ تَرَكُوهُ فَقَالَ إنَّهُمْ كَانُوا
يَبْعَرُونَ بَعْرًا وَأَنْتُمْ تَثْلِطُونَ ثَلْطًا فَكَانَ فِي
زَمَانِنَا سُنَّةً كَالِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ فِي زَمَانِهِمْ كَذَا
فِي النِّهَايَةِ تَثْلِطُونَ بِكَسْرِ اللَّامِ ثَلْطًا بِسُكُونِ
اللَّامِ وَهُوَ إخْرَاجُ الْغَائِطِ رَقِيقًا وَهَلْ يُشْتَرَطُ ذَهَابُ
الرَّائِحَةِ قِيلَ نَعَمْ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا بَلْ يُسْتَعْمَلُ
حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ .
( قَوْلُهُ :
فَإِنْ تَجَاوَزَتْ النَّجَاسَةُ مَخْرَجَهَا لَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا
الْمَاءُ ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَّا الْمَائِعَ وَذَلِكَ لَا
يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِهِمَا أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلَا
يُجْزِئُهُ إلَّا الْمَاءُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُتَجَاوِزُ أَكْثَرَ مِنْ
قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَجَبَ إزَالَتُهُ بِالْمَاءِ إجْمَاعًا ، وَإِنْ كَانَ
أَقَلَّ فَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ بِالْمَاءِ وَيُجْزِئُهُ الْحَجَرُ
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ .
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا
تَجَاوَزَتْ النَّجَاسَةُ مَخْرَجَهَا وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ
الدِّرْهَمِ يَجِبُ إزَالَتُهَا ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ وَلَكِنْ إذَا
ضُمَّ مَعَ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ يَصِيرُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ
الدِّرْهَمِ لَا يُضَمُّ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُضَمُّ
فَعَلَى هَذَا إذَا لَمْ يَسْتَنْجِ بِحَجَرٍ وَلَا غَيْرِهِ وَكَانَتْ
لَمْ تَتَجَاوَزْ مَخْرَجَهَا جَازَتْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ تَكُنْ عَلَى
بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ
نَجَاسَةٌ قَدْرَ الدِّرْهَمِ لَا غَيْرُ إنْ لَمْ يَسْتَنْجِ لَا تَجُوزُ
صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّ عَلَى بَدَنِهِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ ،
وَإِنْ اسْتَنْجَى جَازَتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ اسْتَنْجَى بِالْحَجَرِ أَوْ
بِالْمَاءِ ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَنْجِ وَلَكِنْ مَسَحَ مَا عَلَى بَدَنِهِ
بِالْحِجَارَةِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ عَلَى الْبَدَنِ لَا
تَجُوزُ إزَالَتُهَا بِالْحِجَارَةِ هَذَا حُكْمُ الْغَائِطِ ، وَأَمَّا
الْبَوْلُ إذَا تَجَاوَزَ عَنْ رَأْسِ الْإِحْلِيلِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ
الدِّرْهَمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ إلَّا إذَا كَانَ
أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَسْتَنْجِي بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثٍ وَلَا بِرَجِيعٍ وَلَا بِطَعَامٍ وَلَا بِيَمِينِهِ ) يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ شَيْئًا بِالْعَظْمِ وَالرَّوْثِ وَالرَّجِيعِ وَالطَّعَامِ وَالْفَحْمِ وَالزُّجَاجِ وَالْوَرَقِ وَالْخَزَفِ وَالْقَصَبِ وَالشَّعْرِ وَالْقُطْنِ وَالْخِرْقَةِ وَعَلَفِ الْحَيَوَانِ مِثْلُ الْحَشِيشِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ اسْتَنْجَى بِهَا أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ أَمَّا الْعَظْمُ وَالرَّوْثُ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ اسْتَنْجَى بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَلِأَنَّ الْعَظْمَ زَادُ الْجِنِّ وَالرَّوْثَ عَلَفُ دَوَابِّهِمْ وَيُرْوَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ { أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ وَهُمْ نِعْمَ الْجِنُّ فَسَأَلُونِي الزَّادَ فَدَعَوْتُ اللَّهَ لَهُمْ أَنْ لَا يَمُرُّوا بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ إلَّا وَجَدُوا عَلَيْهِ طَعَامًا وَقَالَ إنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ عَظْمًا إلَّا وَجَدُوا عَلَيْهِ لَحْمَهُ يَوْمَ أُكِلَ وَلَا رَوْثَةً إلَّا وَفِيهَا حَبُّهَا يَوْمَ أُكِلَتْ وَرُوِيَ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ الْمَتَاعَ فَمَتَّعَهُمْ بِكُلِّ عَظْمٍ وَرَوْثَةٍ وَبَعْرَةٍ فَقَالُوا يُقَذِّرُهَا عَلَيْنَا النَّاسُ فَنَهَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِذَلِكَ } ، وَأَمَّا الْوَرَقُ فَقِيلَ إنَّهُ وَرَقُ الْكِتَابَةِ ، وَقِيلَ وَرَقُ الشَّجَرِ وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ ، وَأَمَّا بِالطَّعَامِ فَهُوَ إسْرَافٌ وَإِهَانَةٌ ، وَأَمَّا بِالْخَزَفِ وَالزُّجَاجِ وَالْفَحْمِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَقْعَدَةِ ، وَأَمَّا الرَّجِيعُ فَإِنَّهُ نَجِسٌ وَهُوَ الْعَذِرَةُ الْيَابِسَةُ ، وَقِيلَ الْحَجَرُ الَّذِي قَدْ اسْتَنْجَى بِهِ وَأَمَّا بِالْيَمِينِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ ، وَأَمَّا بَاقِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَقِيلَ إنَّهَا تُورِثُ الْفَقْرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( كِتَابُ الصَّلَاةِ ) الصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ الدُّعَاءُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } أَيْ اُدْعُ لَهُمْ { إنَّ صَلَاتَك سَكَنٌ لَهُمْ } أَيْ إنَّ دُعَاءَك وَاسْتِغْفَارَك لَهُمْ طُمَأْنِينَةٌ لَهُمْ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبِلَ تَوْبَتَهُمْ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ أَفْعَالٍ وَأَقْوَالٍ مُتَغَايِرَةٍ يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوَّلُ وَقْتِ الْفَجْرِ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ الثَّانِي ) بَدَأَ بِالْفَجْرِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَوَّلِهِ وَلَا فِي آخِرِهِ وَسُمِّيَ الْفَجْرَ ؛ لِأَنَّهُ يَفْجُرُ الظَّلَامَ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ ) قَيَّدَ بِالْمُعْتَرِضِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُسْتَطِيلِ وَهُوَ الْفَجْرُ الْأَوَّلُ يَبْدُو طُولًا وَيُسَمَّى الْفَجْرَ الْكَاذِبَ وَالْأُفُقُ وَاحِدُ الْآفَاقِ وَهِيَ أَطْرَافُ السَّمَاءِ ( قَوْلُهُ : وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ ) أَيْ قَبْلَ طُلُوعِهَا .
( قَوْلُهُ : وَأَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ) أَيْ زَالَتْ مِنْ الِاسْتِوَاءِ إلَى الِانْحِطَاطِ وَسُمِّيَ ظُهْرًا ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتٍ ظَهَرَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا خِلَافَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ ( قَوْلُهُ : وَآخِرُ وَقْتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ سِوَى فِيءِ الزَّوَالِ ) الْفَيْءُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلظِّلِّ بَعْدَ الزَّوَالِ سُمِّيَ فَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ فَاءَ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ إلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ أَيْ رَجَعَ وَلَا يُقَالُ لِمَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَيْءٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ ظِلٌّ لَا غَيْرُ وَقَدْ يُسَمَّى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ ظِلًّا ( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ ) وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ الظُّهْرَ إلَى الْمِثْلِ وَأَنْ لَا يُصَلِّيَ الْعَصْرَ حَتَّى يَبْلُغَ الْمِثْلَيْنِ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا لَهُمَا فِي وَقْتِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ .
( قَوْلُهُ : وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ إذَا خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ) أَيْ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ الْمِثْلَيْنِ وَعِنْدَهُمَا بَعْدَ الْمِثْلِ ( قَوْلُهُ : وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ ) وَقَالَ الثَّوْرِيُّ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ .
( قَوْلُهُ
: وَأَوَّلُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ) وَهَذَا لَا
خِلَافَ فِيهِ ( قَوْلُهُ : وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ )
وَاخْتَلَفُوا فِي الشَّفَقِ كَمَا فِي .
( قَوْلُهُ : وَهُوَ
الْبَيَاضُ الَّذِي فِي الْأُفُقِ بَعْدَ الْحُمْرَةِ ) عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الشَّفَقَ عِبَارَةٌ عَنْ الرِّقَّةِ وَمِنْهُ
الشَّفَقَةُ وَهِيَ رِقَّةُ الْقَلْبِ وَالْبَيَاضُ أَرَقُّ مِنْ
الْحُمْرَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ وَاخْتِيَارُ الْمُبَرَّدِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلِأَنَّهُ
أَحْوَطُ مِنْ الْحُمْرَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ لَا
يَثْبُتَ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا بِيَقِينٍ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو
يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ الْحُمْرَةُ ) وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ كَرَّمَ
اللَّهُ وَجْهَهُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ اخْتِيَارُ
الْأَصْمَعِيِّ وَالْخَلِيلِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلِأَنَّ
الْغَوَارِبَ ثَلَاثَةٌ الشَّمْسُ وَالشَّفَقَانِ وَكَذَا الطَّوَالِعُ
ثَلَاثَةٌ أَيْضًا الْفَجْرَانِ وَالشَّمْسُ ثُمَّ الْمُتَعَلِّقُ
بِالطَّوَالِعِ مِنْ دُخُولِ الْوَقْتِ وَخُرُوجِهِ هُوَ أَوْسَطُ
الطَّوَالِعِ فَكَذَا الْغَوَارِبُ يَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّقَ دُخُولُ
الْوَقْتِ وَخُرُوجُهُ بِأَوْسَطِهَا وَهِيَ الْحُمْرَةُ ، فَقَوْلُهُمَا
أَوْسَعُ لِلنَّاسِ وَقَوْلُهُ أَحْوَطُ .
( قَوْلُهُ : وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ إذَا غَابَ الشَّفَقُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ) أَيْ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُ إذَا غَابَ الْبَيَاضُ وَعِنْدَهُمَا إذَا غَابَتْ الْحُمْرَةُ ( قَوْلُهُ : وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ الثَّانِي ) وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا فِي الْقُرْآنِ مُجْمَلَةً فَقَالَ تَعَالَى : { وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ } يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ { وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ } يَعْنِي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَقَالَ تَعَالَى { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } أَيْ زَوَالِهَا وَهُوَ الظُّهْرُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } أَيْ فَصَلُّوا لِلَّهِ { حِينَ تُمْسُونَ } يَعْنِي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ { وَحِينَ تُصْبِحُونَ } يَعْنِي الْفَجْرَ { وَعَشِيًّا } يَعْنِي الْعَصْرَ { وَحِينَ تُظْهِرُونَ } يَعْنِي الظُّهْرَ وقَوْله تَعَالَى { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ } يَعْنِي الْفَجْرَ { وَقَبْلَ الْغُرُوبِ } يَعْنِي الْعَصْرَ { وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } يَعْنِي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَسُمِّيَتْ الصَّلَاةُ تَسْبِيحًا لِمَا فِيهَا مِنْ التَّسْبِيحِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَسُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وقَوْله تَعَالَى { وَإِدْبَارَ النُّجُومِ } يَعْنِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ، وَقَوْلُهُ { وَأَدْبَارَ السُّجُودِ } يَعْنِي رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ ، وَقِيلَ الْوِتْرُ .
( قَوْلُهُ : وَأَوَّلُ وَقْتِ الْوِتْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ ) هَذَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَقْتُهُ وَقْتُ الْعِشَاءِ يَعْنِي إذَا غَابَ الشَّفَقُ
إلَّا أَنَّ فِعْلَهُ مُرَتَّبٌ عَلَى فِعْلِ الْعِشَاءِ فَلَا يُقَدَّمُ
عَلَيْهَا عِنْدَ التَّذَكُّرِ وَالِاخْتِلَافُ فِي وَقْتِهَا فَرْعُ
الِاخْتِلَافِ فِي صِفَتِهَا فَعِنْدَهُ الْوِتْرُ وَاجِبٌ فَإِذَا كَانَ
وَاجِبًا صَارَ مَعَ الْعِشَاءِ كَصَلَاةِ الْوَقْتِ وَالْفَائِتَةِ
وَعِنْدَهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَإِذَا كَانَ سُنَّةً شُرِعَ بَعْدَ
الْعِشَاءِ كَرَكْعَتَيْ الْعِشَاءِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا صَلَّى
الْعِشَاءَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ نَاسِيًا وَصَلَّى الْوِتْرَ بِوُضُوءٍ ثُمَّ
تَذَكَّرَ أَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي ثَوْبٍ وَالْوِتْرَ فِي ثَوْبٍ آخَرَ
فَتَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْعِشَاءَ نَجِسٌ فَإِنَّهُ
يُعِيدُ الْعِشَاءَ دُونَ الْوِتْرِ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ
أَنَّهُمَا صَلَاتَانِ وَاجِبَتَانِ جَمَعَهُمَا وَقْتٌ وَاحِدٌ
كَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ وَكَالْفَائِتَةِ مَعَ
الْوَقْتِيَّةِ إذَا صَلَّى الْفَائِتَةَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ نَاسِيًا
ثُمَّ الْوَقْتِيَّةَ بِوُضُوءٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْفَائِتَةَ وَلَا
يُعِيدُ الْوَقْتِيَّةَ كَذَلِكَ الْوِتْرُ مَعَ الْعِشَاءِ وَعِنْدَهُمَا
يُعِيدُ الْعِشَاءَ وَالْوِتْرَ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّهُ
سُنَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ يُفْعَلُ بَعْدَ الْعِشَاءِ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ
فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ قَبْلَ الْعِشَاءِ فَإِذَا أَعَادَ الْعِشَاءَ
أَعَادَ مَا هُوَ تَبَعٌ لَهَا كَالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ .
وَفِي
النِّهَايَةِ لَوْ أَوْتَرَ قَبْلَ الْعِشَاءِ مُتَعَمِّدًا أَعَادَهَا
بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنْ أَوْتَرَ نَاسِيًا لِلْعِشَاءِ أَوْ صَلَّى
الْعِشَاءَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ نَامَ وَقَامَ وَتَوَضَّأَ
وَأَوْتَرَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَعِنْدَهُ لَا يُعِيدُ الْوِتْرَ
وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُهَا فِي الْحَالَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مِنْ
سُنَنِ الْعِشَاءِ كَرَكْعَتَيْهَا ، وَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ
وَرَكْعَتَيْهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ فَسَادٌ فِي الْعِشَاءِ وَحْدَهَا
أَعَادَهَا وَأَعَادَ
الرَّكْعَتَيْنِ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهَا تُبْنَى عَلَيْهَا .
(
قَوْلُهُ : وَيُسْتَحَبُّ الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ ) الَّذِي تَقَدَّمَ
مِنْ الْأَوْقَاتِ هُوَ أَوْقَاتُ الْجَوَازِ وَالْآنَ شَرَعَ فِي
أَوْقَاتِ الِاسْتِحْبَابِ وَحَدُّ الْإِسْفَارِ أَنْ يَدْخُلَ مُغَلِّسًا
وَيُطَوِّلُ الْقِرَاءَةَ وَيَخْتِمَ بِالْإِسْفَارِ .
وَقَالَ
الْحَلْوَانِيُّ يَبْدَأُ بِالْإِسْفَارِ وَيَخْتِمُ بِهِ وَهُوَ
الظَّاهِرُ ، وَقِيلَ حَدُّ الْإِسْفَارِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي النِّصْفِ
الثَّانِي ، وَقِيلَ هُوَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي وَقْتٍ لَوْ صَلَّى
بِقِرَاءَةٍ مَسْنُونَةٍ مُرَتَّلَةٍ فَإِذَا فَرَغَ لَوْ ظَهَرَ لَهُ
فَسَادٌ فِي طَهَارَتِهِ أَمْكَنَهُ الْوُضُوءُ وَالْإِعَادَةُ قَبْلَ
طُلُوعِ الشَّمْسِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ فِي
الْأَزْمِنَةِ كُلِّهَا إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمُزْدَلِفَةِ
لِلْحَاجِّ .
( قَوْلُهُ : وَالْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي الصَّيْفِ
) وَحَدُّهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا قَبْلَ الْمِثْلِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ
الْإِبْرَادُ بِثَلَاثِ شَرَائِطَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ
بِجَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ فِي
الْبِلَادِ الْحَارَّةِ ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي شِدَّةِ
الْحَرِّ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ قَدَّمَهَا (
قَوْلُهُ : وَتَقْدِيمُهَا فِي الشِّتَاءِ ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا فَعَلَ .
( قَوْلُهُ : وَتَأْخِيرُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ ) هَذَا فِي الْأَزْمِنَةِ كُلِّهَا وَاخْتَلَفُوا فِي التَّغَيُّرِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يَتَغَيَّرَ الشُّعَاعُ عَلَى الْحِيطَانِ ، وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَتَغَيَّرَ الْقُرْصُ وَيَصِيرَ بِحَالٍ لَا تَحَارُ فِيهِ الْأَعْيُنُ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ صَلَّى فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ عَصْرَ يَوْمِهِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ .
( قَوْلُهُ : وَتَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ ) يَعْنِي فِي الْأَزْمِنَةِ كُلِّهَا إلَّا فِي يَوْمِ الْغَيْمِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْغُرُوبَ بِغَالِبِ الظَّنِّ .
( قَوْلُهُ : وَتَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى مَا قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ ) وَالتَّأْخِيرُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مُبَاحٌ وَإِلَى مَا بَعْدَ النِّصْفِ مَكْرُوهٌ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الشِّتَاءِ أَمَّا فِي الصَّيْفِ فَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا لِأَجْلِ قِصَرِ اللَّيْلِ .
( قَوْلُهُ : وَيُسْتَحَبُّ فِي الْوِتْرِ لِمَنْ يَأْلَفُ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى آخِرِ اللَّيْلِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ آخِرَهُ فَإِنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ } ( قَوْلُهُ : فَإِنْ لَمْ يَثِقْ إلَخْ ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ { أَوْصَانِي خَلِيلِي أَنْ لَا أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ } وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ بِالِانْتِبَاهِ ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْتَرَ أَوَّلَهُ وَأَوْسَطَهُ وَآخِرَهُ وَانْتَهَى وَاسْتَمَرَّ وِتْرُهُ إلَى السَّحَرِ وَقُبِضَ وَهُوَ يُوتِرُ بِسَحَرٍ } وَإِذَا كَانَ يَوْمُ غَيْمٍ فَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ التَّأْخِيرُ وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ التَّعْجِيلُ لِمَا فِي الْعِشَاءِ مِنْ تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ لِأَجْلِ الظَّلَامِ وَلِمَا فِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ مَنْ تَوَهُّمِ الْوُقُوعِ فِي الْوَقْتِ الْمُكْرَهِ وَضَابِطُهُ أَنَّك تُقَابِلُ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ فَتُقَابِلُ التَّعْجِيلَ بِالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ وَتُؤَخِّرُ الْبَاقِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( بَابُ الْأَذَانِ ) الْأَذَانُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِعْلَامُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إعْلَامٍ مَخْصُوصٍ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ جُعِلَتْ عَلَمًا لِلصَّلَاةِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ ذِكْرَ الْأَوْقَاتِ عَلَى الْأَذَانِ ؛ لِأَنَّهَا أَسْبَابٌ وَالسَّبَبُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِعْلَامِ إذْ الْإِعْلَامُ إخْبَارٌ عَنْ وُجُودِ الْمُعْلَمِ بِهِ فَلَا بُدَّ لِلْأَخْبَارِ مِنْ سَابِقَةِ وُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ وَلِأَنَّ أَثَرَ الْأَوْقَاتِ فِي حَقِّ الْخَوَاصِّ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ وَالْأَذَانُ إعْلَامٌ فِي حَقِّ الْعَوَامّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ أَوْ لِزِيَادَةِ مَرْتَبَةِ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْإِمَامُ الْكُرْدِيُّ : حَقِيقٌ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَنَبَّهَ بِالْوَقْتِ فَإِذَا لَمْ يَتَنَبَّهْهُ بِالْوَقْتِ فَلْيُنَبِّهْهُ الْأَذَانُ ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْأَذَانُ سُنَّةٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ دُونَ مَا سِوَاهَا ) الْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ الْأَذَانِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَمَّا الْكِتَابُ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ } وقَوْله تَعَالَى { إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ } ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَهَلْ الْأَذَانُ أَفْضَلُ أَمْ الْإِمَامَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { : الْأَئِمَّةُ ضُمَنَاءُ وَالْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ } فَأَرْشَدَ اللَّهُ الْأَئِمَّةَ وَغَفَرَ لِلْمُؤَذِّنِينَ ، وَالْأَمِينُ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الضَّمِينِ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { دَعَا لِلْأَئِمَّةِ بِالرُّشْدِ وَدَعَا لِلْمُؤَذِّنِينَ بِالْمَغْفِرَةِ } وَالْغُفْرَانُ أَفْضَلُ مِنْ الرُّشْدِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أُمَنَاءُ أَيْ عَلَى الْمَوَاقِيتِ فَلَا يُؤَذِّنُونَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ ، وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ مُشْرِفُونَ عَلَى مَوَاضِعَ عَالِيَةٍ فَيَكُونُونَ أُمَنَاءَ عَلَى الْعَوْرَاتِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْإِمَامَةُ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ كَانُوا أَئِمَّةً وَلَمْ يَكُونُوا مُؤَذِّنِينَ وَهُمْ لَا يَخْتَارُونَ مِنْ
الْأُمُورِ إلَّا أَفْضَلَهَا ( قَوْلُهُ : سُنَّةٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ) أَيْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالْجُمُعَةُ ) فَإِنْ قِيلَ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْخَمْسِ فَلِمَ أَفْرَدَهَا وَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ ؟ قِيلَ خَصَّهَا بِالذِّكْرِ ؛ لِأَنَّ لَهَا أَذَانَيْنِ وَلِتَتَمَيَّزَ عَنْ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْعِيدَيْنِ مِنْ حَيْثُ اشْتِرَاطُ الْإِمَامِ وَالْمِصْرِ فَرُبَّمَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّهَا كَالْعِيدِ ( قَوْلُهُ : دُونَ مَا سِوَاهَا ) كَالْوِتْرِ وَالتَّرَاوِيحِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ .
( قَوْلُهُ : وَصِفَةُ الْأَذَانِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَخْ ) أَيْ أَكْبَرُ مِمَّا اشْتَغَلْتُمْ بِهِ وَطَاعَتُهُ أَوْجَبُ فَاشْتَغِلُوا بِطَاعَتِهِ وَاتْرُكُوا أَعْمَالَ الدُّنْيَا وَكَانَ السَّلَفُ إذَا سَمِعُوا الْأَذَانَ تَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ كَانُوا فِيهِ ( قَوْلُهُ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ) أَيْ اعْلَمُوا أَنِّي غَيْرُ مُخَالِفٍ لَكُمْ فِيمَا دَعَوْتُكُمْ إلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } ( قَوْلُهُ : أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ) مُحَمَّدٌ اسْمٌ عَرَبِيٌّ أَيْ مُسْتَغْرِقٌ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ وَالرَّسُولُ هُوَ الَّذِي يُتَابِعُ أَخْبَارَ الَّذِي بَعَثَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ جَاءَتْ الْإِبِلُ رُسُلًا أَيْ مُتَتَابِعَةً وَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى يَلِيهِ ذِكْرُ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَرَفَعْنَا لَك ذِكْرَك } أَيْ لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي فَهُوَ يُذْكَرُ فِي الشَّهَادَتَيْنِ وَفِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْخُطْبَةِ وَالتَّشَهُّدِ ، قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ يَمْدَحُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَغَرُّ عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّةِ خَاتَمٌ مِنْ اللَّهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ وَيَشْهَدُ وَضَمَّ الْإِلَهُ اسْمَ النَّبِيِّ مَعَ اسْمِهِ إذَا قَالَ فِي الْخَمْسِ الْمُؤَذِّنُ أَشْهَدُ وَشَقَّ لَهُ مِنْ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدٌ ( قَوْلُهُ : حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ) أَيْ هَلُمُّوا إلَيْهَا ( قَوْلُهُ : حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ) أَيْ هَلُمُّوا إلَى مَا فِيهِ فَلَاحُكُمْ وَنَجَاتُكُمْ وَالْفَلَاحُ هُوَ النَّجَاةُ وَالْبَقَاءُ وَالْمُفْلِحُونَ هُمْ النَّاجُونَ .
( قَوْلُهُ : وَلَا تَرْجِيعَ فِيهِ ) .
وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ يُرَجِّعُ وَهُوَ أَنْ يُرَجِّعَ الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ
قَوْلِهِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ
اللَّهِ سِرًّا إلَى قَوْلِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى أَشْهَدُ أَنْ لَا
إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَافِعًا صَوْتَهُ .
( قَوْلُهُ : وَيَزِيدُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ بَعْدَ الْفَلَاحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ ) لِمَا رَوَى أَنَّ { بِلَالًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَذَّنَ لِلْفَجْرِ ثُمَّ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ نَائِمٌ فَقَالَ بِلَالٌ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فَسَمِعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ مَا أَحْسَنَ هَذَا اجْعَلْهُ فِي أَذَانِك لِلْفَجْرِ } فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هَذَا أَيْضًا فِي أَذَانِ الْعِشَاءِ ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ مَوْجُودٌ فِيهَا إذْ السُّنَّةُ تَأْخِيرُهَا إلَى مَا قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَنَامُ قَبْلَهَا قِيلَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْفَجْرِ مَعْدُومٌ فِي الْعِشَاءِ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَنَامُونَ قَبْلَ أَذَانِ الْعِشَاءِ فِي الْغَالِبِ وَإِنَّمَا يَنَامُونَ بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْفَجْرِ فَإِنَّ النَّوْمَ فِيهَا قَبْلَ الْأَذَانِ وَلِأَنَّ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ مَكْرُوهٌ بِخِلَافِ الْفَجْرِ .
( قَوْلُهُ :
وَالْإِقَامَةُ مِثْلُ الْأَذَانِ ) احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ قَوْلِ
الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنَّهُ يَزِيدُ فِيهَا
بَعْدَ الْفَلَاحِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ ) وَقَالَ مَالِكٌ
مَرَّةً وَاحِدَةً وَيُسْتَحَبُّ مُتَابَعَةُ الْمُؤَذِّنِ فِيمَا يَقُولُ
إلَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ
إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ أَيْ لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ
اللَّهِ وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ إلَّا بِاَللَّهِ ، وَقِيلَ
مَعْنَاهُ لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ
وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ إلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ وَفِي
قَوْلِهِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ
إلَّا بِاَللَّهِ ، وَقِيلَ يَقُولُ صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ فَإِنْ كَانَ فِي
قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ يُتَابِعُ وَفِي قِرَاءَةِ الْفِقْهِ لَا يُتَابِعُ ؛
لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ لَا يَفُوتُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْإِجَابَةُ
بِالْقَدَمِ لَا بِاللِّسَانِ حَتَّى لَوْ أَجَابَ بِاللِّسَانِ وَلَمْ
يَمْشِ إلَى الْمَسْجِدِ لَا يَكُونُ مُجِيبًا ، وَلَوْ كَانَ فِي
الْمَسْجِدِ حَيْثُ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ لَيْسَ عَلَيْهِ إجَابَةٌ .
وَفِي
الْفَوَائِدِ لَوْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ يَقْرَأُ
فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى قِرَاءَتِهِ وَيَنْبَغِي لِسَامِعِ الْأَذَانِ
أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِي حَالِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا
يَشْتَغِلَ بِشَيْءٍ سِوَى الْإِجَابَةِ .
( قَوْلُهُ : وَيَتَرَسَّلُ فِي الْأَذَانِ ) وَهُوَ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ مِنْ غَيْرِ تَغَنٍّ وَلَا تَطْرِيبٍ مِنْ قَوْلِهِمْ عَلَى رِسْلِك أَيْ عَلَى رِفْقِك ( قَوْلُهُ : وَيَحْدُرُ فِي الْإِقَامَةِ ) الْحَدْرُ الْوَصْلُ وَالسُّرْعَةُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ فَإِنْ تَرَسَّلَ فِيهِ أَوْ حَدَرَ فِيهِمَا أَوْ تَرَسَّلَ فِي الْإِقَامَةِ وَحَدَرَ فِي الْأَذَانِ وَيُكْرَهُ التَّغَنِّي فِي الْأَذَانِ وَالتَّطْرِيبُ وَيُرْوَى أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عُمَرَ وَاَللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّك فِي اللَّهِ فَقَالَ لَهُ وَإِنِّي وَاَللَّهِ لَأُبْغِضُك فِي اللَّهِ قَالَ وَلِمَ ؟ قَالَ لِأَنَّك تَتَغَنَّى فِي أَذَانِك ، وَرُوِيَ أَنَّ مُؤَذِّنًا أَذَّنَ فَطَرَّبَ فِي أَذَانِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا وَإِلَّا فَاعْتَزِلْنَا .
( قَوْلُهُ : وَيَسْتَقْبِلُ بِهِمَا الْقِبْلَةَ ) أَيْ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ، وَإِنْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ جَازَ وَيُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِعْلَامُ وَذَلِكَ يُوجَدُ وَإِنْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ ( قَوْلُهُ : فَإِذَا بَلَغَ إلَى الصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ حَوَّلَ وَجْهَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا ) يَعْنِي الصَّلَاةَ فِي الْيَمِينِ وَالْفَلَاحَ فِي الشِّمَالِ وَهَلْ يُحَوِّلُ قَدَمَيْهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ لَا إلَّا إذَا كَانَ عَلَى مَنَارَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ رَأْسَهُ مِنْ نَوَاحِيهَا لَا بَأْسَ أَنْ يُحَوِّلَ قَدَمَيْهِ فِيهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ وَالْمَعْنَى بِالتَّحْوِيلِ إعْلَامُ النَّاسِ وَهُمْ فِي الْأَرْبَعِ الْجِهَاتِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُحَوِّلَ قُدَّامَهُ وَوَرَاءَهُ لَكِنْ تَرَكَ التَّحْوِيلَ إلَى وَرَائِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَمِنْ قُدَّامِهِ قَدْ حَصَلَ الْإِعْلَامُ بِالتَّكْبِيرِ وَالشَّهَادَتَيْنِ وَهَلْ يُحَوِّلُ فِي الْإِقَامَةِ قِيلَ لَا ؛ لِأَنَّهَا إعْلَامٌ لِلْحَاضِرِينَ بِخِلَافِ الْأَذَانِ فَإِنَّهُ إعْلَامٌ لِلْغَائِبِينَ ، وَقِيلَ يُحَوِّلُ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ مُتَّسِعًا وَيَجْعَلُ الْمُؤَذِّنُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ؛ لِأَنَّ بِلَالًا فَعَلَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَإِنْ تَرَكَهُ لَا يَضُرُّ وَيُؤَذِّنُ قَائِمًا فَإِنْ أَذَّنَ قَاعِدًا أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ يَعْنِي إذَا كَانَ لِجَمَاعَةٍ أَمَّا إذَا أَذَّنَ لِنَفْسِهِ قَاعِدًا فَلَا بَأْسَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهِ هُنَا الْإِعْلَامَ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهِ سُنَّةُ الصَّلَاةِ فَلَوْ أَذَّنَ الْمُسَافِرُ رَاكِبًا فَلَا بَأْسَ وَيَنْزِلُ لِلْإِقَامَةِ وَيُكْرَهُ لِلْمُؤَذِّنِ طَلَبُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَذَانِ فَإِنْ عَرَفَ الْقَوْمُ حَاجَتَهُ فَأَعْطَوْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طَلَبٍ جَازَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُون الْمُؤَذِّنُ فَاسِقًا فَإِنْ صَلَّوْا بِأَذَانِهِ أَجْزَأَهُمْ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ ؛ لِأَنَّ مِنْ سُنَنِ الْأَذَانِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَهِيَ مَنْهِيَّةٌ
عَنْ ذَلِكَ وَيُعَادُ أَذَانُ أَرْبَعَةٍ الْمَجْنُونِ وَالْجُنُبِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَرْأَةِ ، وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ الْأَذَانِ لَا يُعَادُ أَذَانُهُ فَإِنْ أُعِيدَ فَهُوَ أَفْضَلُ ، وَيَصِحُّ الْأَذَانُ بِالْفَارِسِيَّةِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ أَذَانٌ وَأَشَارَ فِي شَرْحِهِ لِلْكَرْخِيِّ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ .
( قَوْلُهُ : وَيُؤَذِّنُ لِلْفَائِتَةِ وَيُقِيمُ ) لِأَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْوَادِي إلَى أَنْ أَيْقَظَهُمْ حَرُّ الشَّمْسِ فَلَمَّا انْتَبَهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قُومُوا ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَذَّنَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَأَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّى الْفَجْرَ } ( قَوْلُهُ : فَإِنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ أَذَّنَ لِلْأُولَى وَأَقَامَ وَكَانَ مُخَيَّرًا فِي الثَّانِيَةِ إنْ شَاءَ أَذَّنَ وَأَقَامَ وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقَامَةِ ) لِأَنَّ الْأَذَانَ لِاسْتِحْضَارِ الْغَائِبِينَ وَالرُّفْقَةُ حَاضِرُونَ وَالْإِقَامَةُ لِإِعْلَامِ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَهُمْ إلَيْهِ مُحْتَاجُونَ وَهَذَا إذَا قَضَاهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا قَضَاهَا فِي مَجَالِسَ يُشْتَرَطُ كِلَاهُمَا كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى .
( قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ عَلَى وُضُوءٍ ) فَإِنْ تَرَكَ الْوُضُوءَ فِي الْأَذَانِ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَلَيْسَ بِصَلَاةٍ فَلَا يَضُرُّهُ تَرْكُهُ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ أَذَّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ جَازَ ) لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْهُ وَهِيَ تَجُوزُ مَعَ الْحَدَثِ فَالْأَذَانُ أَوْلَى لَكِنَّ الْوُضُوءَ فِيهِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ .
( قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُؤَذِّنُ وَهُوَ جُنُبٌ ) فَإِنْ أَذَّنَ أُعِيدَ أَذَانُهُ ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ بِالْجَنَابَةِ نَقْصٌ كَبِيرٌ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ أَخَذَ شَبَهًا مِنْ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِالْوَقْتِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّهَارَةُ مِنْ أَغْلَظِ الْحَدَثَيْنِ دُونَ أَخَفِّهِمَا وَيُفَارِقُ الصَّلَاةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَلْتَفِتُ فِيهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا تَحْرِيمَةَ فِيهِ وَلَا قِرَاءَةَ فَلِهَذَا لَا يُكْرَهُ مَعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُؤَذِّنُ لِصَلَاةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا ) فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْإِعْلَامِ وَهُوَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ تَجْهِيلٌ ، وَأَمَّا فِي الْفَجْرِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { يَشْهَدُ لِلْمُؤَذِّنِ كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ صَوْتَهُ } وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَ مُؤَذِّنًا يُجْهِدُ نَفْسَهُ فَقَالَ أَمَا خَشِيتَ أَنْ يَنْقَطِعَ مُرَيْطَاؤُكَ وَهُوَ عِرْقٌ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالْعَانَةِ وَالتَّثْوِيبُ فِي الْفَجْرِ حَسَنٌ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ وَيُكْرَهُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اجْتِمَاعٍ وَيَقَظَةٍ وَالْمُتَأَخِّرُونَ اسْتَحْسَنُوهُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِظُهُورِ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَصِفَتُهُ فِي كُلِّ بَلَدٍ عَلَى مَا يَتَعَارَفُونَهُ إمَّا بِقَوْلِهِ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ أَوْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا ) الشَّرْطُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْعَلَامَةُ وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ أَيْ عَلَامَاتُهَا وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَمَّا تَقَدَّمَ الشَّيْءَ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِهِ وَيُشْتَرَطُ اسْتِدَامَتُهُ ثُمَّ الشُّرُوطُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ شَرْطُ الِانْعِقَادِ لَا غَيْرُ كَالنِّيَّةِ وَالتَّحْرِيمَةِ وَالْوَقْتِ وَالْخُطْبَةِ وَشَرْطُ الدَّوَامِ كَالطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالثَّالِثُ مَا شُرِطَ وُجُودُهُ حَالَةَ الْبَقَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَدُّمُ وَلَا الْمُقَارَنَةُ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يُقَدِّمَ الطَّهَارَةَ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالْأَنْجَاسِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ ) أَيْ مِنْ بَيَانِ الطَّهَارَتَيْنِ .
( قَوْلُهُ : وَيَسْتُرُ
عَوْرَتَهُ ) أَيْ بِثَوْبٍ ضَيِّقٍ لَا يُرَى مَا تَحْتَهُ أَمَّا إذَا
رُئِيَ مَا تَحْتَهُ لَا يُجْزِئُهُ وَهَلْ السَّتْرُ شَرْطٌ فِي حَقِّ
نَفْسِهِ أَوْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ فِي حَقِّ
غَيْرِهِ وَبَعْضُهُمْ أَوْجَبُوهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ
وَفَائِدَتُهُ إذَا صَلَّى فِي قَمِيصٍ بِغَيْرِ أَزْرَارٍ وَكَانَ لَوْ
نَظَرَ رَأَى عَوْرَتَهُ مِنْ زِيقِهِ وَهُوَ مَا أَحَاطَ بِالْعُنُقِ
فَعِنْدَ مَنْ قَالَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ تَفْسُدُ وَعِنْدَ عَامَّةِ
الْمَشَايِخِ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَلَوْ صَلَّى فِي بَيْتٍ
مُظْلِمٍ عُرْيَانًا وَلَهُ ثَوْبٌ طَاهِرٌ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ
بِالْإِجْمَاعِ .
وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ
السَّتْرَ شَرْطًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَوْ كَانَ كَثِيفَ اللِّحْيَةِ
جَازَ ، وَإِنْ كَانَ خَفِيفَ اللِّحْيَةِ لَا تَجُوزُ وَإِنْ صَلَّى فِي
الْمَاءِ إنْ كَانَ كَدِرًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ كَانَ صَافِيًا
يُمْكِنُ رُؤْيَةُ عَوْرَتِهِ لَا يَصِحُّ وَيُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي
الثَّوْبِ الْحَرِيرِ وَعَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُهُ
فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَفِيهَا أَوْلَى فَإِنْ صَلَّى فِيهِ صَحَّتْ
صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ ، وَإِنْ صَلَّى
فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ صَلَّى فِي
أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ فَصَلَاتُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ صَحِيحَةٌ ( قَوْلُهُ :
وَالْعَوْرَةُ مِنْ الرَّجُلِ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ )
إلَى هَا هُنَا بِمَعْنَى مَعَ ثُمَّ الْعَوْرَةُ عَلَى نَوْعَيْنِ :
غَلِيظَةٌ كَالْقُبُلِ وَالدُّبُرِ ، وَخَفِيفَةٌ وَهِيَ مَا عَدَاهُمَا
وَقَلِيلُ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَكَثِيرُهَا
يَمْنَعُ وَحَدُّ الْمَانِعِ رُبُعُ عُضْوٍ فَمَا زَادَ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنْ انْكَشَفَ أَقَلُّ مِنْ الرُّبُعِ لَا
يَمْنَعُ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي أَعْضَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَإِنْ كَانَ
ذَلِكَ كُلُّهُ لَوْ جُمِعَ يَبْلُغُ رُبُعَ عُضْوٍ مَنَعَ وَإِنْ كَانَ
أَقَلَّ لَا يَمْنَعُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْمَانِعُ النِّصْفُ فَمَا
زَادَ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ
لَا يَمْنَعُ ، وَقِيلَ
لَهُ فِي النِّصْفِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ جَعَلَهُ فِي حَدِّ
الْقِلَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ ، وَالْعُضْوُ
كَالْبَطْنِ وَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَالرَّأْسِ وَالشَّعْرِ النَّازِلِ
مِنْ الرَّأْسِ فِي الْمَرْأَةِ حَتَّى لَوْ انْكَشَفَ رُبُعُ كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الِانْفِرَادِ مَنَعَ مِنْ جَوَازِ
الصَّلَاةِ وَالذَّكَرُ بِانْفِرَادِهِ وَالْأُنْثَيَانِ
بِانْفِرَادِهِمَا وَالدُّبُرُ بِانْفِرَادِهِ وَالْأَلْيَتَانِ
بِانْفِرَادِهِمَا وَالرُّكْبَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ تَبَعٌ لِلْفَخِذِ
فَهِيَ مَعَهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ عُضْوٌ عَلَى حِدَةٍ
وَثَدْيُ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ نَاهِدَةً تَبَعٌ لِلصَّدْرِ وَإِنْ
كَانَ تَدَلَّى كَانَ عُضْوًا بِانْفِرَادِهِ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ
الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَالْخَفِيفَةِ فِي اعْتِبَارِ الرُّبُعِ عَلَى
الصَّحِيحِ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ فَإِنَّهُمْ
يَقُولُونَ إذَا انْكَشَفَتْ مِنْ الْغَلِيظَةِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ
الدِّرْهَمِ مَنَعَ الصَّلَاةَ وَاعْتَبَرُوهَا بِالنَّجَاسَةِ
الْمُغَلَّظَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَمَا
ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَهْمٌ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهَذَا التَّغْلِيظَ فِي
الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَخْفِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ
اُعْتُبِرَ فِي الدُّبُرِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ وَهُوَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ
مِنْهُ فَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ الصَّلَاةِ ، وَإِنْ كَانَ جَمِيعُهُ
مَكْشُوفًا ( قَوْلُهُ : وَالرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ ) .
وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَالسُّرَّةُ عِنْدَنَا لَيْسَتْ
بِعَوْرَةٍ وَعِنْدَهُ عَوْرَةٌ ( قَوْلُهُ : وَبَدَنُ الْمَرْأَةِ
الْحُرَّةِ كُلُّهُ عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا ) فِيهِ
إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَدَمَ عَوْرَةٌ وَفِيهِ خِلَافٌ فَفِي
الْهِدَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ ، وَقِيلَ الصَّحِيحُ
أَنَّهُ عَوْرَةٌ فِي حَقِّ النَّظَرِ وَالْمَسِّ وَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ فِي
حَقِّ الصَّلَاةِ وَالْمَشْيِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْكَفِّ بَاطِنُهُ أَمَّا
ظَاهِرُهُ فَعَوْرَةٌ وَلَوْ انْكَشَفَ رُبُعُ قَدَمِهَا عَلَى قَوْلِ
مَنْ جَعَلَهُ
عَوْرَةً مَنَعَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ ، وَإِنْ صَلَّتْ وَرُبُعُ سَاقهَا مَكْشُوفٌ تُعِيدُ الصَّلَاةَ عِنْدَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا تُعِيدُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تُعِيدُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَفِي النِّصْفِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ جَعَلَهُ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ جَعَلَهُ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ وَالْحُكْمُ فِي الشَّعْرِ وَالْبَطْنِ وَالظَّهْرِ وَالْفَخِذِ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَالْمُرَادُ بِالشَّعْرِ النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَاخْتَارَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ هُوَ مَا عَلَى الرَّأْسِ وَأَمَّا الْمُسْتَرْسِلُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَحْوَطُ أَنَّهُ عَوْرَةٌ ، وَلَوْ انْكَشَفَ رُبُعُ أُذُنِهَا لَا تَجُوزُ صَلَاتُهَا هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ كُلُّ عُضْوٍ هُوَ عَوْرَةٌ مِنْ الْمَرْأَةِ إذَا انْفَصَلَ عَنْهَا هَلْ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ لَنَا النَّظَرُ إلَى رِيقِهَا وَدَمِهَا ، وَالثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَكَذَا الذَّكَرُ الْمَقْطُوعُ مِنْ الرَّجُلِ وَشَعْرُ عَانَتِهِ إذَا حُلِقَ فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِمَا وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْفَصَلَ سَقَطَتْ حُرْمَتُهُ ( قَوْلُهُ ) : ( وَمَا كَانَ عَوْرَةً مِنْ الرَّجُلِ فَهُوَ عَوْرَةٌ مِنْ الْأَمَةِ وَبَطْنُهَا وَظَهْرُهَا عَوْرَةٌ ) وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَمَنْ فِي رَقَبَتِهَا شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ بِمَعْنَى الْأَمَةِ وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا جَعَلَ بَطْنَهَا وَظَهْرَهَا عَوْرَةً ؛ لِأَنَّهُمَا يَحِلَّانِ مَحَلَّ الْفَرْجِ بِدَلِيلِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِظَهْرِ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ أَوْ بَطْنِهَا كَانَ مُظَاهِرًا كَمَا لَوْ شَبَّهَهَا بِفَرْجِهَا وَالظَّهْرُ هُوَ مَا قَابَلَ الْبَطْنَ مِنْ تَحْتِ الصَّدْرِ إلَى السُّرَّةِ ( قَوْلُهُ : وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ بَدَنِهَا فَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ ) ؛ لِأَنَّهَا فَارَقَتْ الْحُرَّةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَالٌ تُبَاعُ
وَتُشْتَرَى فَفَارَقَتْهَا فِي السَّتْرِ حَتَّى إنَّ الْأَمَةَ إذَا صَلَّتْ وَرَأْسُهَا مَكْشُوفٌ جَازَتْ صَلَاتُهَا فَإِنْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ لَزِمَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْقِنَاعَ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يُبْطِلُ ذَلِكَ صَلَاتَهَا ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ إنَّمَا لَزِمَهَا الْآنَ بِخِلَافِ الْعُرْيَانِ إذَا وَجَدَ ثَوْبًا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْخِطَابُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ إذَا كَانَ مَشْيُهَا ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ فَمَا دُونَ ذَلِكَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ تَسْتُرْ رَأْسَهَا أَوْ سَتَرَتْهُ وَقَدْ أَدَّتْ رُكْنًا فَسَدَتْ وَالْخُنْثَى حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرْأَةِ فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا فَكَالْأَمَةِ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ صَلَّى مَعَهَا وَلَمْ يُعِدْ ) هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ رُبُعُ الثَّوْبِ فَصَاعِدًا طَاهِرًا يُصَلِّي فِيهِ صَلَّى عُرْيَانًا لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّ رُبُعَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ ، وَإِنْ كَانَ الطَّاهِرُ أَقَلَّ مِنْ الرُّبُعِ فَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُصَلِّي فِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا وَعِنْدَهُمَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا أَوْ فِيهِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ أَفْضَلُ ، وَقَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ مَا مَقْصُودُهُ أَيْ مِنْ أَيِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ قَوْلُهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ عَلَى مَا عُرِفَ وَحَدُّ عَدَمِ الْوُجُودِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مِيلٌ فَصَاعِدًا .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا صَلَّى عُرْيَانًا قَاعِدًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ) الْمُرَادُ بِالْوُجُودِ الْقُدْرَةُ فَإِنْ أُبِيحَ لَهُ هَلْ يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ الْأَصَحُّ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي التَّيَمُّمِ ( قَوْلُهُ : ثَوْبًا ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مِنْ أَيِّ ثَوْبٍ كَانَ مِنْ حَرِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ : قَاعِدًا ) صِفَةُ الْقُعُودِ أَنْ يَقْعُدَ مَادًّا رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ لِيَكُونَ أَسْتَرَ لَهُ ، وَقَوْلُهُ يُومِئُ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا أَجْزَأَهُ ) يَعْنِي بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ؛ لِأَنَّ فِي الْقُعُودِ سَتْرَ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَفِي الْقِيَامِ أَدَاءُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ ( قَوْلُهُ : وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ ) يَعْنِي صَلَاتَهُ قَاعِدًا يُومِئُ وَإِنَّمَا كَانَ أَفْضَلَ ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ وَاجِبٌ لِحَقِّ الصَّلَاةِ وَحَقِّ النَّاسِ وَلِأَنَّهُ لَا خَلَفَ لَهُ وَالْإِيمَاءُ خَلَفٌ عَنْ الْأَرْكَانِ وَلِأَنَّ السَّتْرَ فَرْضٌ وَالْقِيَامَ فَرْضٌ وَقَدْ اُضْطُرَّ إلَى تَرْكِ أَحَدِهِمَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ آكَدُهُمَا وَهُوَ السَّتْرُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالْقِيَامُ يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَكَانَ السَّتْرُ أَوْلَى وَفِعْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا سَتْرٌ لَهُ فَكَانَ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ النَّافِلَةَ تَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ بِالْإِيمَاءِ وَلَا تَجُوزُ بِدُونِ السَّتْرِ حَالَ الْقُدْرَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْعُرْيَانِ يَعِدُهُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ يُعْطِيهِ الثَّوْبَ إذَا صَلَّى فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُهُ وَلَا يُصَلِّي عُرْيَانًا ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى ، وَلَوْ صَلَّى رَجُلَانِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَاسْتَتَرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِطَرَفٍ مِنْهُ أَجْزَأَهُ وَكَذَا لَوْ أَلْقَى أَحَدَ طَرَفَيْهِ عَلَى نَائِمٍ أَجْزَأَهُ .
( قَوْلُهُ : وَيَنْوِي الصَّلَاةَ الَّتِي
يَدْخُلُ فِيهِ بِنِيَّةٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ
بِعَمَلٍ وَلَا غَيْرِهِ ) وَالنِّيَّةُ هِيَ الْعِلْمُ السَّابِقُ
بِالْعَمَلِ اللَّاحِقِ وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى التَّكْبِيرِ إذَا
لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُهَا وَهُوَ عَمَلٌ لَا يَلِيقُ بِالصَّلَاةِ
وَلَا مُعْتَبَرَةٌ بِالْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ التَّحْرِيمَةِ ؛ لِأَنَّ مَا
مَضَى لَا يَقَعُ عِبَادَةً لِعَدَمِ النِّيَّةِ وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ
يَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ التَّحْرِيمَةِ وَاخْتَلَفُوا إلَى
مَتَى قَالَ بَعْضُهُمْ إلَى مُنْتَهَى الثَّنَاءِ ، وَقِيلَ إلَى
التَّعَوُّذِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ
بَعْدَ الشُّرُوعِ تُؤَدِّي إلَى وُقُوعِ الشُّرُوعِ خَالِيًا عَنْهَا
فَإِنْ قِيلَ الصَّوْمُ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ وَقْتِ
الشُّرُوعِ وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَلِمَ لَمْ يَكُنْ وَقْتُ الصَّلَاةِ
كَذَلِكَ ؟ قُلْنَا طُلُوعُ الْفَجْرِ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَلَوْ
شُرِطَتْ النِّيَّةُ حِينَئِذٍ لَضَاقَ الْأَمْرُ ، وَأَمَّا وَقْتُ
الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ وَقْتُ حُضُورٍ وَيَقَظَةٍ فَيُمْكِنُ
تَحْصِيلُهَا بِلَا مَشَقَّةٍ ( قَوْلُهُ : لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا
وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ بِعَمَلٍ ) يَعْنِي عَمَلًا لَا يَلِيقُ
بِالصَّلَاةِ وَالشَّرْطُ فِيهَا أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ
يُصَلِّي فَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ وَلَا
يَكْفِيهِ نِيَّةُ الْفَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنْوَاعٌ وَإِذَا نَوَى
فَرْضَ الْوَقْتِ جَازَ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ
اخْتَلَفُوا فِي فَرْضِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ فَرْضَ
الْوَقْتِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ لَكِنْ نَوَى الظُّهْرَ لَا يَجُوزُ ؛
لِأَنَّ هَذَا الْوَقْتَ كَمَا يَقْبَلُ ظُهْرَ الْيَوْمِ يَقْبَلُ ظُهْرًا
آخَرَ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ عَلَيْهِ ظُهْرًا فَائِتَةً ، وَقِيلَ
يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى قَالَ ؛ لِأَنَّ
الْوَقْتَ مُتَعَيِّنٌ لَهُ .
وَفِي النِّهَايَةِ إنَّمَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَنْوِيَ فَرْضَ الْوَقْتِ إذَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ أَمَّا بَعْدَ خُرُوجِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق