Translate

الثلاثاء، 2 نوفمبر 2021

ج 2. كتاب:الاختيارات الفقهية المؤلف : شيخ الإسلام ابن تيمية

   ج 2. كتاب:الاختيارات الفقهية

المؤلف : شيخ الإسلام ابن تيمية

الصبي لما كان قاصر التصرف فلا بد أن ينظم إليه نظر الشرع كما إذا احتاج بيعه إلى إذن الولي وكذلك إحرامه بالحج على إحدى الروايتين ويدل على ذلك أن أصحابنا عللوا الصحة بأنه إن مات كان صرف ما أوصى به إلى جهة القرب وما يحصل له به الثواب أولى متى صرفه إلى ورثته وهذا إنّما يتم في الوصية المستحبة فأما إن كان المال قليلاً والورثة فقراء فترك المال لهم أفضل
قال أبو العباس: وما أظنهم قصدوا -و الله أعلم- إلا هذا وتنفذ الوصية بالخط المعروف وكذا الإقرار إذا وجد في دفتره وهو مذهب الإمام أحمد ولا تصح الوصية لوارث بغير رضى الورثة ويدخل وارثه في الوصية العامة بالأوصاف دون الأعيان ولكن نص الإمام أحمد في الوصية أن يحج عنه بخلاف هذا وأفتى أبو العباس: لمن نذر أن يتصدق بثيابه وله أب فقير أن يصرفها إليه و الله أعلم ولو أوصى بوقف ثلثه فأخر الوقف حتى نمى فنماؤه يصرف مصرف نماء الوقف ولو وصى أن يصلي عنه بدراهم لم تنفذ وصيته وتصرف الدراهم في الصدقة ويخص أهل الصلاة ولو وصى أن يشتري مكاناً معيناً ويوقف على جهة بر فلم يبع ذلك المكان اشترى مكاناً آخر وقف على الجهة التي وصى بها الموصي وقد ذكر العلماء فيما إذا قال: بيعوا غلامي من زيد وتصدقوا بثمنه فامتنع زيد من شرائه فإنّه يباع من غيره ويتصدق بثمنه ولو وصى بمال ينفق على وجه مكروه صرف في القرب ولو وصى أن يحج عنه زيد تطوعاً بألف فيتوجه أنه إذا أبى المعين الحج حج عنه غيره وكذا إذا مات أو مات الفرس الحبيس صرف ما وصى للتفقه عليه في مثله ولو استغنى الموقوف عليه لفقره رد الفضل في مثله ولو جمع كفن ميت فكفن وفضل من ثمنه شيء صرف في تكفين الموتى أو رد إلى المعطي وكلام أحمد يقتضيه في رواية ويقبل في تفسير الموصى مراده وافق ظاهر اللفظ أو خالفه وفي الوقف يقبل في الألفاظ المجملة والمتعارضة ولو فسره بما يخالف الظاهر فقد يحتمل القبول كما لو قال: عبدي

أو جبتي أو ثوبي وقف وفسره بمعين وإن كان ظاهره العموم وهذا أصل عظيم في الإنشاءات التي يستقل بها دون التي لا يستقل بها كالبيع ونحوه

باب تبرعات المريض

"باب تبرعات المريض"
ليس معنى المرض المخوف الذي يغلب على القلب الموت منه أو يتساوى في الظن جانب البقاء والموت لأن أصحابنا جعلوا ضرب المحاص من الأمراض المخوفة وليس الهلاك غالباً ولا مساوياً للسلامة وإنما الغرض أن يكون سبباً صالحاً للموت فيضاف إليه ويجوز حذوته عنده وأقرب ما يقال ما يكثر حصول الموت منه فلا عبرة بما يندر وجود الموت منه ولا يجب أن يكون الموت منه أكثر من السلام لكن ينفي ما ليس مخوفاً عند أكثر الناس والمريض قد يخاف منه أو هو مخوف والرجل لم يلتفت إلى ذلك فيخلط ما هو مخوف للمتبرع وإن لم يكن مخوفاً عند جمهور الناس ذكر القاضي: أن الموهوب له لا يقبض الهبة ويتصرف فيها مع كونها موقوفة على الإجازة وهذا ضعيف والذي ينبغي أن تسليم الموهوب إلى الموهوب له لم يذهب لعلة حيث شاء وإرسال العبد المعتق أو إرسال المحابي لا يجوز بل لا بد أن يوقف أمر التبرعات على وجه يتمكن الوارث من ردها بعد الموت إذا شاء وبتلك الورثة أن يحجروا على المريض إذا اتهموه بأنه تبرع بما زاد على الثلث مثل أن يتصدق ويهب ويحابي ولا يحسب ذلك أو يخافون أن يعطي بعض المال لإنسان يمتنع عطيته ونحو ذلك وكذلك لو كان المال بيد وكيل أو شريك أو مضارب وأرادوا الاحتياط على ما بيده بأن يجعلوا معه يداً أخرى لهم فالأظهر أنهم يملكون ذلك أيضاً وهكذا يقال: في كل عين تعلق بها حق العبد كالعبد الجاني والتركة فأما المكاتب فللسيد أن يثبت يده على ماله فيمكن الفرق بينه وبين هذا بأن العبد قد ائتمنه بدخوله معه في الكتابة بخلاف المريض ووكيله فإن الورثة لم يأتمنونه ودعوى المريض فيما خرج من العادة ينبغي أن تعتبر من الثلث ومنافعه لا تحسب من

الثلث وإسراف المريض في الملاذ والشهوات ذكره القاضي وجوازه محل وفاق
وقال أبو العباس: يحتمل وجهيْن ولو قال لعبده: يا سالم إذا اعتقت غانماً فأنت حر
وقال: أنت حر في حال إعتاقي إياه ثم أعتق غانماً في مرضه ولم يحتملهما الثلث قياس المذهب وهو الأوجه أن يقرع بينهما وإذا خرجت القرعة لسالم عتق دون غانم نعم لو قال: إذا أعتقت سالماً فغانم حراً وقال: إذا أعتقت سالماً فغانم حر بعد حريته فبهذا يعتق سالم وحده لأن عتق غانم معلق بوجود عتقه لا بوجود إعتاقه ولو وصى لوارث أولاً حين يزايد على الثلث فأجاز الورثة الوصية بعد موت الموصي صحت الإجازة بلا نزاع وكذا قبله في مرض الموت وخرجه طائفة من الأصحاب رواية من سقوط الشفعة بإسقاطها قبل البيع وإن أجاز الوارث الوصية وقال: ظننت قيمته ألفاً فبانت أكثر قبل وكذا لو أجاز الورثة أصل الوصية

باب الموصى له

"باب الموصى له"
وتصح الوصية للحمل وقياس المنصوص في الطلاق أنها إذا وضعته لتسعة أشهر استحق الوصية وإن كانت ذات زوج أو سيد يطأ ولأكثر من أربع سنين إن اعتزلا وهو الصواب وإن وصف الموصى له أو الموقوف عليه بخلاف صفته مثل أن يقول: على أولادي السود وهم بيض أو العشر وهم اثني عشر فها هنا الأوجه إذا علم ذلك أن يعتبر الموصوف دون الصفة وقد يقال ببطلان الوقف والوصية كمسألة الإبهام وقد يقال في مسأل القدر ويعطي العشرة إما بتعيين الورثة في الوصية بالقرعة في الوقف والذي يقتضيه المذهب أن الغلط في الصفة لا يمنع صحة العقد ولو وصى بفكاك الأسرى أو وقف مالاً على فكاكهم صرف من يد الموصى ويد وكيله ولوليه أن يقترض عليه ثم يوفيه منه وكذلك في سائر الجهات ومن أفتك أسيراً غير شرعي جاز صرف المال إليه وكذا لو اقترض غير الوصي مالاً فك به أسيراً جازت توفيته منه وما احتاج إليه الوصي في

افتكاكهم من أجرة صرف من المال ولو تبرع بعض أهل الثغور بفدائه واحتاج الأسير إلى نفقة الإياب صرف من مال الأسرى وكذلك لو اشترى من المال الموقوف على افتكاكهم أنفق منه عليه إلى بلوغ محله قال أبو بكر أو قال الموصي أعتق عبداً نصرانياً فأعتق مسلماً أو أدفع ثلثي إلى نصراني فدفعه إلى مسلم ضمن
قال أبو العباس: وفيه نظر

باب الموصى به

"باب الموصى به"
قال أبو العباس في "تعاليقه القديمة": ويظهر لي أنه لا تصح الوصية بالحمل نظراً إلى علة التفريق إذ ليس التفريق يختص بالبيع بل هو عام في كل تفريق إلا العتق وافتداء الأسرى وتصح الوصية بالنفقة أبداً ويكون تمليكاً للرقبة ولا يستحق الورثة منه شيء وإن قصد مع ذلك ملك الورثة للرقبة والانتفاع الآخر تبطل الامتناع أن تكون المنافع كلها لشخص والرقبة لآخر ولا يسأل عن ترجيح إحدى الأمرين فيبطلان أما إن وصى في وقت بالرقبة لشخص وفي وقت آخر بالمنافع لغيره فهو كما لو وصى بعين لاثنين في وقتين

باب الموصى إليه

"باب الموصي إليه"
ومن أوصى بإخراج حجة فولاية الدفع والتعيين للوصي الخاص إجماعاً وإنّما للولي العام الاعتراض عليه لعدم أهليته أو فعله محرماً وما أنفقه وصي متبرع بالمعروف في شؤون الوصية فمِن مال اليتيم ومن ادعى ديناً على الميت وهو ممن يعامل الناس نظر الوصي إلى ما يدل على صدقة ودفع إليه وإلا فيحرم الإعطاء حتى يثيب عند القاضي غير المخالف للسنة والإجماع وكذلك ينبغي أن يكون ناظر الوقف ووالي بين المال وكل وال على حق غيره إذا تبين له صدق الطالب دفع إليه وذلك واجب عليه إن أمن التبعية وإن خالف التبعية فلا ولو وصى بإعطاء مدع بيمينه ديناً نفذه الوصي من رأس المال لا من الثلث ولو قال: يدفع هذا إلى يتامى فلان فإقرار بقرينة وإلا وصية ويجب على الوصي

كتاب الفرائض

" كتاب الفرائض"
أسباب التوارث رحم ونكاح وولاء عتق إجماعاً وذكر عند عدم ذلك كله موالاته ومعاقدته وإسلامه على يديه والتقاطه وكونهما من أهل الديوان وهو رواية عن الإمام أحمد ويرث مولى من أسفل عند عدم الورثة وقاله بعض العلماء فيتوجه إلى ذلك أنه ينفق على المنعم ومنقطع السبب عصبة عصبة أمه وإن عدمته فعصبتها وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار أبي بكر وقول ابن مسعود وغيره ولا يرث غير ثلاث جدات أم الأم وأم الأب وأم أبي الأب وإن علون أمومة أبوة إلا المدلية بغير وارث كأم أب الأم وإذا استكملت الفروض المال سقطت العصبة ولو في الحمارية وهو مذهب الإمام أحمد ولو مات متوارثان وجهل أولهما موتاً لم يرث بعضهم من بعض وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي والأمر بقتل مورثه لا يرثه ولو التقى عنه الضمان ولو تزوج في مرض موته مضارة لتنقيص أرث غيرها وأقرّت به ورثته لأن له أن يوصي بالثلث ولو وصى بوصايا أجزاء وتزوجت المرأة بزوج يأبا أخذ النصف فهذا الموضع فيه نظر فإنه المفسدة في هذا هو المسلم من قريبه الكافر الذمي بخلاف العكس

لئلا يمتنع قريبه من الإسلام ولوجود نظره ولا ينظروننا والمرتد إن قُتل في ردته أو مات عليها فماله لوارثه المسلم وهو رواية عن الإمام أحمد وهو المعروف عن الصحابة ولأن ردته كمرض موته والزنديق منافق يرث ويورث لأنه عليه السلام لم يأخذ من تركة منافق شيئاً ولا جعله فيئاً فعلم أن التوارث مداره على النظرة الظاهرة واسم الإسلام يجري عليه في الظاهر إجماعاً
وإذا قال السيد لعبده: أنت حر مع موت أبيك ورثه لسبق الحرية الإرث وإن قال أنت حر عقب موته أو إذا مات أبوك فأنت حر فهذا يتخرج على وجهين بناء على أن الأهلية إذا حدثت مع الحكم هل يكفي ذلك أم لا بد من تقدمها
"فصل"
والإخوة لا يحجبون الأم من الثلث إلى السدس إلا إذا كانوا وارثين غير محجوبين بالأب فللأم في مثل أبوين وأخوين الثلث والجد يسقط الأخوة من الأم إجماعاً وكذا من الأبوين أو الأب وهي رواية عن الإمام أحمد واختارها بعض أصحابه وهو مذهب الصديق وغيره من الصحابة -رضي الله عنهم- ولو خلفت المرأة زوجاً وبنتاً وأماً فهذه الفريضة تقسم على أحد عشر للبنت ستة أسهم وللزوج ثلاثة أسهم وللأم سهمان وهذا على قول مَنْ يقول بالرد كأبي حنيفة والإمام أحمد ومَن لا يقول بالرد كمالك والشافعي ينقسم عندهم على اثني عشر سهماً للبنت ستة أسهم وللزوج ثلاثة وللأم سهمان والباقي لبيت المال
قلت: أبو حنيفة لا يقول بالرد على الزوجين فللزوج عنده الربع والثلاثة أرباع الباقية تقسم أرباعاً ثلاثة أرباعها للبنت وربعها للأم فتصح هذه المسألة عنده من ستة عشر للزوج أربعة وللبنت تسعة وللأم ثلاث و الله أعلم
"فصل"
ومن طلق امرأته في مرض موته يقصد حرمانها من الميراث ورثته إذا كان الطلاق رجعياً إجماعاً وكذا إن كان بائناً عند جمهور أئمة الإسلام وقضى به عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولم يعرف أحد من الصحابة ذكر

خلافاً وإنّما ظهر الخلاف في خلافة ابن الزبير وعلى قول الجمهور فهل تعتد عدة طلاق أو وفاة أو أطولهما فيها أقوال أظهرها الثالث وهل يكمل لها المهر فيه قولان أظهرهما أنه يكمل
"فصل"
ولو أقر واحد من الورثة بالولاء أو النسب والباقون لا صدقوه ولا كذبوه ثبت الولاء أو النسب وهذا ظاهر قول الإمام أحمد وظاهر الحديث فإنَّ الإمام أحمد قال: إذا أقر وحده ولم يكن أحد يدفع قوله وعلى هذا فلو رد هذا النسب مَنْ له فيه حق قبل منه وارثاً كان أو غير وارث على ظاهر كلامه ونكاح المريض في مرض الموت صحيح وترث المرأة في قولي جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ولا تستحق إلا مهر المثل لا الزيادة عليه بالاتفاق

كتاب العتق

" كتاب العتق"
ومن أعتق جارية ونبه يعتقها أن تكون مستقيمة لم يحرم عليه بيعها إذا كانت زانية وإذا أعتق أحد الشريكين نصيبه وهو موسر عتق نصيبه ويعتق نصيب شريكه بدفع القيمة وهو قول طائفة من العلماء وإن كان معسراً عتق كله واستسعى في باقي قيمته وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها بعض أصحابه والمالك إذا استكره عبده على الفاحشة عتق عليه وهو أحد القولين في المذهب وقال بعض السلف: يبنى على القول بالعتق بالمثلة وإذا استكره أمة امرأته على الفاحشة عتقت وغُرم مثلها لسيدتها وقاله الإمام أحمد في رواية إسحاق لخبر سلمة بن المحبق وكذا أمة غير امرأته إلا أن يفرق بين أمة امرأته وغيرها فرق شرعي وإلا فموجب القياس التسوية ولو مُثِّل بعبد غيره يجب أن يعتق عليه ويضمن قيمته لسيده كما دل عليه حديث المستكره لأمة امرأته فإنَّه يدلُّ على أن الاستكراه تمثيل وأن التمثيل يوجب العتق ولو بعبد الغير ويدلَّ أيضاً على أن مَن تصرف في ملك الغير على وجه يمنعه من الانتفاع به له المطالبة بقيمته.

قال أبو العباس: ما أعرف للحديث وجهاً إلا هذا والأشبه بالمذهب صحة شرط الخيار والكتابة ولو قيل: بصحة شرط الخيار في الكتابة لم يبعد وأمّا شرط الخيار في "التعليقات" ففيه نظر ويجوز شرط وطء المكاتبة ونص عليه الإمام أحمد ويتوجه على هذا جواز وطئها بلا شرط بإذنها وعلى قياس هذا يجوز أن يشترط الراهن وطء المرتهن ومَنْ أعتق من مال الفيء والمصالح يحتمل أن يقال: لا ولاء عليه لأحد بمنزلة عبد الكافر إذا أسلم وهاجر ويحتمل أن يُقال: الولاء عليه للمسلمين وعلى هذا فإذا اشترى السلطان رقيقاً ونقد ثمنه من بيت المال ثم أعتقه كان الملك فيه ثابتاً للمسلمين استحقاقاً أو لكونه لا وارث له فيوضع ماله في بيت المال وليس ميراثه لورثة السلطان لأنه اشتراه بحكم الملك لا بحكم الملك ولو احتمل أن يكون اشتراه لنفسه وأن يكون اشتراه للمسلمين حرم فإنه شراء لنفسه من بيت المال وهو ممتنع ولو عرف أنه اشتراه لنفسه بمال المسلمين حكم بأن الملك للمسلمين لا له لأن له ولاية الشراء للمسلمين من بيت مالهم فإذا اشترى بمالهم شيئاً كان لهم دونه وفيه الشراء لنفسه بمالهم محرمة فتلغو وتصير كأن العقد عري عنها
"فصل"
ولا تعتق أم الولد إلا بموت سيدها ويجوز لسيدها بيعها وهو رواية عن الإمام أحمد وهل للخلاف في جواز بيعها شبهة فيه نزاع والأقوى أن له شبهة وينبني عليه لو وطئ معتقداً تحريمه هل يلحقه النسب أو يرجم رجم المحصن أما التعزير فواجب

كتاب النكاح

*

" كتاب النكاح"
والإعراض عن الأهل والأولاد ليس مما يحبه الله ورسوله ولا هو دين الأنبياء قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} الرعد: 38 والنكاح في الآيات حقيقة في العقد والوطء والنهي لكل منهما وليس للأبوين إلزام الولد بنكاح مَن لا يريد فلا يكون عاقاً كأكل ما لا يريد ويحرم النظر بشهوة إلى النساء وا لمُرد ومن استحله كفر إجماعاً ويحرم النظر مع وجود ثوران الشهوة وهو منصوص الإمام أحمد والشافعي

ومن كرر النظر إلى الأمرد ونحوه وقال: لا أنظر بشهوة كذب في دعواه وقاله ابن عقيل ومَن نظر إلى الخيل والبهائم والأشجار على وجه استحسان الدنيا والرئاسة والمال فهو مذموم لقوله تعالى: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} وأمّا إنْ كان على وجه لا ينقص الدين وإنّما فيه راحة النفس فقط كالنظر إلى الأزهار فهذا من الباطل الذي يستعان به على الحق وكل قسم متى كان معه شهوة كان حراماً بلا ريب سواء كانت شهوة تمتع بالنظر أو كانت شهوة الوطء واللمس كالنظر وأولى وتحرم الخلوة بغير محرم ولو بحيوان يشتهي المرأة أو تشتهيه كالقرد وذكره ابن عقيل وتحرم الخلوة بأمرد غير حسن ومضاجعته كالمرأة الأجنبية ولو لمصلحة التعليم والتأديب والمقر موليه عند من يعاشره لذلك ملعون ديوث ومَنْ عرف بمحبتهم أو معاشرة بينهم منع من تعليمهم وإن احتاج الإنسان إلى النكاح وخشي العنت بتركه قدمه على الحج الواجب وإن لم يخف قدم الحج ونص الإمام أحمد عليه في رواية صالح وغيره واختاره أبو بكر وإن كانت العبادات فرض كفاية كالعلم والجهاد قدمت على النكاح إن لم يخش العنت
قلت: وما قاله أبو العباس -رضي الله عنه- ظاهر إن قلنا إن النكاح سنة وأما إن قلنا إنه لا يقع إلا فرض كفاية كما قاله أبو يعلى الصغير وابن المني في "تعليقهما" فقد تعارض مع فرض كفاية ففيه نظر وإن قلنا: إن النكاح واجب قدمه لأن فروض الأعيان مقدمة على فروض الكفايات و الله أعلم
ويباح التصريح والتعريض من صاحب العدة فيها إن كانا ممن يحل له التزويج بها في العدة كالمختلعة فأماّ إن كانا ممن لا يحل له إلا بعد انقضاء العدة كالمزني بها والموطوءة شبهه فينبغي أن يكون كالأجنبي والمعتدة باستبراء كأم الولد أو مات سيدها أو اعتقها فينبغي أن تكون في حكم الأجنبية كالمتوفى عنها والمطلقة ثلاثاً والمنفسخ نكاحها برضاع أو لعان فيجوز التعريض دون التصريح والتعريض أنواع تارة يذكر صفات نفسه مثل ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم

قال أبو العباس: وهو يقضي بأن إجازة العقد الموقوف إذا قلنا بانعقاده تفتقر إلى شاهدين وهو مستقيم حسن وصرح الأصحاب بصحة نكاح الأخرس إذا فهمت إشارته قال في "المجرد" و "الفصول": يجوز تزويج الأخرس لنفسه إذا كانت له إشارة تفهم ومفهوم هذا الكلام: أن لا يكون الأخرس ولياً ولا وكيلاً في النكاح وهو مقتضى له تعليل القاضي في "الجامع" لأنه يستفاد من غيره ويحتمل أن يكون ولياً لا وكيلاً وهو أقيس والجد كالأب في الأجبار وهو رواية عن الإمام أحمد وليس للأب إجبار بنت التسع بكراً كانت أو ثيباً وهو رواية عن أحمد اختارها أبو بكر ورضا الثيب الكلام والبكر الصمات
قال أبو العباس: بعد ذكره لقول أبي حنيفة ومالك تزوج المثابة بالجبر كما تزوج البكر هذا قول قوي وإذا تعذر من له ولاية النكاح انتقلت الولاية إلى أصلح من يوجد ممن له نوع ولاية في غير النكاح كرئيس القرية وهو المراد بالدهقان وأمير القافلة ونحوه
قال الإمام أحمد في رواية المروزي في البلد يكون فيه الوالي وليس فيه قاض يزوج: إن الوالي ينظر في المهر وإن أمره ليس مفوضاً إليها وحدها كما أن أمر الكفء لكفء ليس مُفوضاً إليها وحدها وقال في رواية الأثرم وصالح وأبي الحارث عن المهر لا نجد فيه حَداً هو ما تراضوا عليه الأهلون وهو في رواية المروزي: ما تراضى عليه الأهلون في النكاح جائز وهو يقتضي أن للأهلين نظراً في الصداق ولو كان أمره إليها فقط لما كان لذكر الأهلين معنى وتزويج الأيامى فرض كفاية إجماعاً فإنّ أباه حاكم أن لا يظلم كطلبه جعلاً لتستحقه صار وجوده كعدمه ويزوج وصي المال الصغير واشترط الجد في "المحرر" وفي الولي رشداً والرشد في الولي هنا هو المعرفة بالكفء ومصالح النكاح ليس حفظ المال ويتخرج لنا مثل قول أبي حنيفة: أن الولي كل وارث بفرض أو تعصيب ولغير العصبة من الأقارب التزويج عند عدم العصبة ويخرج ذلك مما إذا قدمنا التوريث لذوي الأرحام على التوريث بالولاء

ولو كانت المرأة يهودية ووليها نصراني أو بالعكس فينبغي أن يخرج على الروايتين لذوي الأرحام على التوريث في توارثهما وقبول شهادته عليها إذا قلنا: تقبل أهل الذمة بعضهم على بعض وكذلك في ولاية المال والعقل ويضم للولي الفاسق أمين كالوصي في رواية ولو قيل: إن الابن والأب سواء في ولاية النكاح كما إذا أوصى لأقرب قرابته لكان متوجهاً ويتخرج لنا أن الابن أولى من الأب إذا قلنا: الأخ أولى من الجد وقد حكى ذلك ابن المني في "تعاليقه" فقال: يقدم الابن على الأب على قول عندنا وإن لم يعلم وجود الأقرب في الكل حتى زوج الأبعد فقد يقال بطرد القاعدة والقياس أن لا يصح النكاح كالجهل الشرعي مثل أن يعتقد صحة النكاح بلا ولي أو بالولي إلا بعد أو بلا شهود وقد يقال: يصح النكاح
كما أن المعتبر في الشهود والولي هو العدالة الظاهرة على الصحيح فلو ظهر فيما بعد أنهم كانوا فاسقين وقت العقد ففيه وجهان ثابتان يؤيد هذا أن الولي الأقرب إنّما يشترط إذا أمكن فأمّا تعذره فيسقطه كما لو عَضل أو غاب وبهذا قيد ابن أبي موسى وغيره قول الجماعة: إذا تزوج الأبعد مع القدرة على الأقرب لم يصح ومن لم يعلم أنه موجود فهو غير مقدور على استئذانه فيسقط بعدم العلم كما يسقط بالبعد وهذا إذا لم ينتسب في عدم العلم إلى تفريط ومع هذا لو زوجت بنت الملاعن ثم استلحقها الأب فلو قلنا بالأول لكان يتعين أن لا يصح النكاح وهو بعيد بل الصواب: أنه يصح
قال الإمام أحمد في رواية حنبل: لا يعقد نصراني ولا يهودي عقدة نكاح لمسلم ولا مسلمة ولا يكونان وليين بل لا يكون إلا مسلماً وهذا يقتضي أن الكافر لا يزوج مسلمة بولاية ولا وكالة وظاهره يقضي أن لا ولاية للكافر على ابنه الكافر متولياً لنكاح ولكن لا يظهر بطلان العقد فإنّه ليس على بطلانه دليل شرعي
قال الإمام أحمد في رواية محمد بن الحسن في الأخوين صغير وكبير ينبغي أن ينظر إلى العقل والرأي وكذلك قال في رواية الأثرم في الأخوين الصغير

والكبير كلاهما سواء إلا أنه ينبغي أن ينظر في ذلك إلى الفضل والرأي وظاهر كلام الإمام أحمد هذا لأنه أثر للبس هنا واعتبره أصحابنا ولو زوج المرأة وليان وجهل أسبق العقدين ففيه روايتان إحداهما يتميز الأسبق بالقرعة والذي يجب أن يقال على هذه الرواية: أن من خرجت له القرعة فهي زوجته بحيث يجب عليه نفقتها وسكناها وورثته لكن لا يطأ حتى يجدد العقد لحل الوطء فقط هذا قياس المذهب أو يقال: إنه لا يحكم بالزوجية إلا بالتجديد ويكون التجديد واجباً عليه وعليها كما كان الطلاق واجباً على الآخر والرواية الثانية يفسخ النكاحان ومن أصحابنا من ذكر أنهما يطلقانها فعلى هذا هل يكون الطلاق واقعاً بحيث تنقضي العدة ولو بزوجها ينبغي أن لا يكون كذلك لأنّه لا ينبغي وقوع الطلاق به فإنْ ماتت المرأة قبل الفسخ والطلاق فذكر أبو محمد المقدسي احتمالين أحدهما: لأحدهما نصف الميراث وربع النفقة حتى يصطلحا عليها والثاني: يقرع بينهما فمَنْ قرع حلف أنه استحق وورث
قال أبو العباس: وكلا الوجهين لا يخرج على المذهب أمّا الأول فلأنه لا يتفق الخصمان وأما الثاني فكيف يحلف مَن قال: لا أعرف الحال وإنّما المذهب على رواية: أنه قرع فله الميراث بلا يمين وأما على قولنا لا يقرع فإذا قلنا أنها تأخذ من أحدهما نصف المهر بالقرعة فكذلك يرثها أحدهما بالقرعة بطريق الأولى وإنْ قلنا لا مهر فهنا قد يقال بالقرعة أيضاً وإذا قال: قد جعلت عتق أمتي صداقها أو قد أعتقتها وجعلت عتقها صداقها صح بذلك العتق والنكاح وهو مذهب الإمام أحمد ويتوجه أن لا يصح العتق إذا قال: قد جعلت صداقك فلم تقبل لأن العتق لم يصر صداقاً وهو لم يوقع غير ذلك ويتوجه أن لا يصح وإن قبلت لأن هذا القبول لا يصير به العتق صداقاً فلم يتحقق ما قال ويتوجه في الصورة الثانية: أنها إنْ قبلت صارت زوجة وإلا عتقت مجاناً أو لم تعتق بحال وإذا قلنا إلحاق الشرط لا يغير الطلاق فإلحاق العطف في النكاح بطريق الأولى وتجب قيمة نفسها ويتخرج ثبوت الخيار أو اعتبار إذنها من عتقها بجنب حر فإنَّ الخيار يثبت لها في رواية

وكذلك إذا عتقا معاً كان حدوث الحرية بعد العتق يثبت الفسخ فالمقارنة أولى أن تثبت الفسخ ولو أعتقها وزوّجها من غيره وجعل عتقها صداقها فقياس المذهب صحته لأنهم قالوا: الوقت الذي جُعل فيه العتق صِداقاً كان يملك إجبارها في حق الأجنبي فلم يبقَ إلا أنه جعل ملك بعضاً وقت حريتها وهذا لا يؤثر كما لو كان هو المتزوج ويدلَّ على ذلك أن أصحابنا قالوا: إذا قال: زوجتك هذه على أنها حرة صح وإن لم يعلمه أنه أعتقها قبل ذلك ويكون هو المصدق لها عن الزوج ويحتمل أن يقال: هو السيد خاصة لأنه لا يمكنه أن يتزوجها وهي رقيقة وعلى هذا فسواء قال: أعتقتها وزوجتها منك أو زوجتها منك وأعتقتها ولو قال: أعتقت أمتي وزوجتكها على ألف درهم فقياس المذهب جوازه فهو مثل أن يقول أعتقتها وأكريتها منك سنة بألف درهم وهذا بمنزلة استثناء الخدمة مثل أن يقول: أعتقك على خدمة سنة ولو قال عتقتك وتزوجتك على ألف درهم صح هذا النكاح بطريق الأولى لأنه لم يجعل العتق صداقاً ولو قال: وهبتك هذه الجارية وزوجتها من فلان أو: وهبتك وأكريتها من فلان أو: بعتكها وزوجتها أو: أكريتها من فلان قياس المذهب صحته لأنه في معنى استثناء المنفعة
وحاصله: إنّا كما جوّزنا العتق والوقف والهبة والبيع مع استثناء منفعة الخدمة جوّزنا أن يكون الأعتاق والإنكاح في زمن واحد وجعلنا ذلك بمنزلة الإنكاح قبل الاعتاق لأنها حين الاعتاق لم تخرج عن ملكه والذي يقتضيه كلام أحمد: أن الرجل إذا تبين له ليس بكفء فرّق بينهما وأنه ليس للولي أن يزوج المرأة من غير كفء ولا للزوج أن يتزوج ولا للمرأة أن تفعل ذلك وأن الكفاءة ليست بمنزلة الأمور المالية مثل مهر المرأة إن أحبت المرأة والأولياء طلبوه وإلا تركوه ولكنه أمر ينبغي لهم اعتباره وإن كانت منفعتة تتعلق بغيرهم وفقد النسب والدين لا يقر معهما النكاح بغير خلاف عن أحمد وفقد الجزية غير مبطل بغير خلاف عنه بل يثبت بها الخيار بعد الكفاءة للمرأة أو لوليها وعلى هذا التراخي في ظاه

فعلى هذا يسقط خيارها بهما يدل على الرضى من قول أو فعل وأمّا الأولياء فلا يسقط إلا بالقول ويفتقر الفسخ به إلى حاكم في قياس المذهب كالفسخ للعيوب للاختلاف فيه ولو كان ناقصاً من وجه آخر
مثل: أن كان دونها في النسب فرضوا به ثم بان فاسقاً وهي عدل فيها ينبغي ثبوت الخيار كما رضيت به لعلة مثل الجذام فظهر به عيب آخر كالجنون والعُنَّة فأمّا إن رضوا بفسقه من وجه فَبَان فاسقاً من آخر مثل أن ظنوه يشرب الخمر فظهر أنه يلوط أو يشهد بالزور أو يقطع الطريق وبَيض لذلك أبو العباس وإن حدثت له الكفاءة مقارنة بأن يقول سيد العبد بعد إيجاب النكاح له: قبلت له النكاح وأعتقته فقياس المذهب صحة ذلك وتخرج رواية أخرى على مسألة إذا أعتقهما معاً وعلى مسألة: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك لا ريب في أن النكاح مع الإعلان يصح وإن لم يشهد شاهدان مع الكتمان والإشهاد فهذا بما ينظر فيه وإذا انتفى الإشهاد والإعلان فهو باطل عند عامة العلماء وإن قُدر فيه خلاف فهو قليل وقد يظن أن في ذلك خلافاً في مذهب الإمام أحمد

باب المحرمات في النكاح

"باب المحرمات في النكاح"
وتحرم بنته من الزنا قال الإمام أحمد في رواية أبي طالب في الرجل يزني بامرأة فتلد منه ابنة فيتزوجها فاستعظم ذلك وقال: يتزوج ابنته عليه القتل بمنزلة المرتد على أنه لم يقع له الخلاف فاعتقد أن المسألة إجماع أو على أن هذا فيمَن عقد عليها غير متأول ولا مقلد فيجب عليه الحد
وقال أبو العباس: كلام أحمد يقتضي أنه أوجب حد المرتد لاستحلال ذلك لا حد الزنى وذلك أنه استدل بحديث البراء وهذا يدل على أن استحلال هذا كفر عنده
قال القاضي في "التعليق" و الشيخ في "المُغني": يكفي في التحريم أن يعلم أنّها بنته ظاهراً وإن كان النسب لغيره.

قال أبو العباس: وظاهر كلام الإمام أحمد: أن الشبهة تكفي في ذلك لأنه قال: أليس أمر النبي صلى الله عليه وسلم سودة أن تحتجب من ابن زمعة وقال: "الولد للفراش" وقال: إنما حجبها للشيء الذي رأى بعينه
قال القاضي: والخلوة إن تجردت عن نظر أو مباشرة دون الفرج فروايتان قال: وفيما أطلق القول في رواية أبي الحارث إذا خلا بها وجب الصداق والعدة ولا يحل أن يتزوج أمها وبنتها ولا تحل المرأة لأبيه وابنه
قال: وهذا محمول على أنه حصل مع الخلوة نظراً أو مباشرة فيخرج كلامه على إحدى الروايتين
قال أبو العباس: وهذا ضعيف وإنما الخلوة هنا إن اتصلت بعقد النكاح قامت مقام الوطء فأمّا الخلوة بالأمة والأجنبية فلا أثر لها وسحاق النساء قياس المذهب المنصوص أنه يخرج على الخلاف في مباشرة الرجل الرجل بشهوة وتحرم بنت الربيبة لأنها ربيبة وابن الربيب أيضاً نص عليهما الإمام أحمد في رواية صالح
قال أبو العباس: ولا أعلم في ذلك نزاعاً وتحرم زوجة الربيب نص عليه أحمد في رواية ابن مشيش وكذا في الربيب يتزوج امرأة رابه لأنه ليس من الأبناء والمنصوص عن الإمام أحمد في مسألة التلوط إنّما هو أن الفاعل لا يتزوج بنت المفعول وكذلك أمه وهذا قياس جيد فأمّا تزوج المفعول بأم الفاعل وابنته ففيه خلاف ولم ينص عليه وذلك لأن واحداً منهما تمتع بأصل وفرع والأصل أنه يتمتع بالرجل أصل وفرع أو يتمتع بالمرأة أصل وفرع وهذا المفعول به يتمتع في أحد الطرفين وهو يتمتع في الطرف الآخر والوطء الحرام لا يثير تحريم المصاهرة واعتبر أبو العباس: في موضع آخر التوبة حتى في اللواط ويحرم الجمع بين الأختين في الوطء بملك اليمين كقول جمهور العلماء وقيل لأحمد في رواية ابن منصور الجمع بين المملوكتين أتقول إنه حرام قال: لا أقول إنه حرام ولكن

ينهى عنه قال القاضي: ظاهر هذا أنه لا يحرم الجمع وإنّما يكره
قال أبو العباس: الإمام أحمد لم يقل ليس هذا حراماً وإنّما قال: لا أقول: هو حرام وكانوا يكرهون أن يقولوا: هو فرض ويقولون: يُؤمر به وهذا الأدب في الفتوى مأثور عن جماعة من السلف وذلك إما لتوقف في التحريم أو استهابة لهذه الكلمة ما يستهاب لفظ الفرض إلا فيما علم وجوبه فإذا كان المفتي يمتنع أن يقول هو فرض إما لتوقفه أو لكون الفرض ما ثبت وجوبه بالقاطع أو ما بين وجوبه في الكتاب فكذلك الحرام وأمّا أن يجعل عن أحمد أنه لا يحرم بل يكره فهذا غلط عليه ومأخذه الغفلة عن دلالة الألفاظ ومراتب الكلام وقد ذكر القاضي هذا في العدة بعينه في مسألة الفرض هل هو أعلى من الواجب وذكر لفظ الإمام أحمد في هذه الرواية ولفظه في الميقة فعلم أنه لم يجعل في المسألة خلافاً فلو وطئ إحدى الأختين المملوكتين لم تحل له الأخرى حتى يحرم على نفسه الأولى بإخراج عن ملكه أو تزويج
قال ابن عقيل: ولا يكفي في إباحتها مجرد إزالة الملك حتى تمضي حيضة الاستبراء وتنقضي فتكون الحيضة كالعدة وقال أبو العباس: وليس هذا القيد في كلام أحمد وجماعة الأصحاب وليس هو في كلام علي وابن عمر مع أن علياً لا يجوز وطء الأخت في عدة أختها ولو زال ملكه عن بعضها كفى وهو قياس قول أصحابنا فإنْ حرم إحداهما بنقل الملك فيها على وجه يمكن استرجاعه مثل أن يهبهما لولده أو يبيعها بشرط فقد ذكر الجد الأعلى في البيع والرهن بشرط الخيار وجهيْن فإنْ أُخرج الملك لازماً ثم عرض له المبيح للفسخ مثل أن يبيعها سلعة فتبين أنها كانت مبيعة أو يفلس المشتري بالثمن أو يظهر في العوض تدليس أو يكون مَغبُوناً فالذي يجب أن يُقال في هذه المواضع: أنه يباح وطء الأخت بكل حال على عموم كلام الصحابة والفقهاء أحمد وغيره والبيع والهبة يُوجبان التفريق بين ذوي الرحم المحرم وهو لا يجوز بين الصغار وفي جوازه بين الكبار روايتان وقد أطلق علي وابن عمر والفقهاء أحمد وغيره أن يبيعها أو يهبها مع أن علياً

مفقودة

قال أبو العباس: وفي هذا نظر فإن ظاهر السنة يخالف ذلك لم يذكر فيها هذا الشرط ويمكن الفرق بين هذه وبين غيرها وتأملت كلام أحمد وعامة أصحابنا فوجدتهم قد ذكروا أنه يُمسك منهن أربعاً ولم يشترطوا في جواز وطئه انقضاء العدة لا في جمع الرحم ولو كان لهذا أصل عندهم لم يغفلوه فإنهم دائماً في مثل هذا ينبهون على اعتزال الزوجة كما ذكره الإمام أحمد فيما إذا وطئ أخت امرأته بنكاح فاسد أو زنى بها وهذا هو الصواب إن شاء الله تعالى فإنَّ العدة تابعة لنكاحها وقد عفا الله عن جميع نكاحها فكذلك يعفو عن توابع ذلك النكاح لكن قياس هذا القول أنه لو أسلم وتحته سريتان أختان فحرم واحدة على نفسه بعد الإسلام جاز وطء الأخرى قبل استبراء تلك فأّما لو طلق زوجته واحدة على نفسه بعد الإسلام جاز وطء الأخرى قبل انقضاء عدة المطلقة فهذا لا يجوز وتحرير هذه المسائل: أن العدة إما أن تكون من نكاح على المشهور ولا توطأ بنكاح ولا بملك يمين حتى تنقضي العدة ولا يجوز في عدة النكاح تزوج أربع سواها قولاً واحداً ويجوز ذلك في عدة ملك اليمين وإن كانت العدة من نكاح فاسد أو شبه نكاح فهي كحقيقة النكاح في المشهور من المذاهب وإن كانت العدة من نكاح فاسد أو شبهة ملك فإنما الواجب الاستبراء وذلك لا يزيد على حقيقة الملك وتحرم الزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها وهو مذهب الإمام أحمد وغيره وصفة توبتها أن يراودها عن نفسها فإن أجابت لم تتب وإن لم تجبه فقد تابت وهو مروي عن عمر وابنه وابن عباس ومنصوص الإمام أحمد وعلى هذا كل من أراد مخالطة إنسان اتهمه حتى يعرف بره وفجوره أو توبته ويسأل عن ذلك من يعرفه ويمنع الزاني مَنْ تزويج العفيفة حتى يتوب
قال أبو العباس: بعد أن حكى عن علي -رضي الله عنه-: أنه فّرق بين رجل وامرأته وقد زنى قبل أن يدخل بها وعن جابر بن عبد الله والحسن والنخعي أنه يُفرق بينهما ويؤيد هذا من أصلنا أنه يعضل الزانية لتختلع منه وأن الكفاءة إذا زالت في أثناء العقد فإَّن لها الفسخ في أحد الوجهين وإذا كانت المرأة تزني لم يكن له أن يمسكها على تلك الحال بل يفارقها وإلا كان دَيوثاً وكلام الإمام أحمد

عامة يقتضي تحريم التزويج بالحربيات وله فيما إذا خاف على نفسه روايتان والمنْع مِن النكاح في أرض الحرب عام في المسلمة والكافرة ولو تزوج المرتد كافرة مرتدة كانت أو غيرها أو تزوج المرتدة كافراً ثم أسلما فالذي ينبغي أن يقال هنا: أنا نقرهم على نكاحهم أو مناكحهم كالحربي إذا نكح نكاحاً فاسداً ثم أسلما فإنَّ المعنى واحد وهذا جيد في القياس إذا قلنا: أن المرتد لا يُؤمن بفعل ما تركه في الردة من العبادات لكن طرده أنه لا يحد على ما ارتكبه في الردة من المحرمات وفيه خلاف في المذهب وإنْ كان المنصوص أنّه يُحد فإذا قلنا أنه يؤمَّن بقضاء ما تركه من الواجبات ويَضمن ويعاقب على ما فعله من المحرمات ففيه نظر ومما يدخل في هذا كل عقود المرتدين إذا أسلموا قبل التقابض أو بعده وهذا باب واسع يدخل فيه خمسة أحكام أهل الشرك: في النكاح وتوابعه والأموال وتوابعها وتمالؤوا على مال مسلم أو تقاسموا ميراثاً ثم أسلموا بعد ذلك والدماء وتوابعها وقال القاضي أو القاضي في "الجامع": فإنْ كان الحر كتابياً لم يجز له أن يتزوج الأمة الكتابية
وقال أبو العباس: مفهوم كلام الجد: أنه يباح للكافر نكاح الأمة الكافرة وتباح الأمة لواجد الطول غير خائف العنت إذا شرط على السيد عتق كل مَنْ يولد منها وهو مذهب الليث لامتناع مفسدة إرقاق ولده وكذا لو تزوج أمة كتابية شرط له عتق ولدها منه والآية إنّما دلّت على تحريم غير المؤمنات بالمفهوم ولا عموم له بل يصدق بصورة ولو خشي القادر على الطول على نفسه الزنا بأمة غيره لمحبته لها ولم يبذلها سيدها له بملك أبيح له نكاحها وهو مروي عن الحسن البصري وغيره من السلف ولو تزوج الأمة في عدة الحرة جاز عند أصحابنا إذا كانت العدة من طلاق بائن وكان خائفاً للعنت عادماً لطول حرة بناء على أن علة المنع ليست هي الجمع بينهما وبين الحرة ويخرج المنع إذا منعنا من الجمع بينهما وكذلك خرج الجد في "الشرح"
ذكر أصحابنا: أن الزوج إذا اشترى زوجته انفسخ النكاح وقال الحسن: إذا اشترى زوجته للعتق فأعتقها حين ملكها فهما على نكاحهما وهذا قوي فيما إذا قال: ملكتك فأنت حُرة وصححنا الصفة لأنه إذا ملكها

فالملك لا يوجب بطلان النكاح لأن الحرية لا تنافيه وإنّما التنافي أن تكون مملوكته زوجته فإذا زال الملك عقب ثبوته لم يجامع النكاح فلا يبطله لأنه حين زوال كان ينبغي زوال النكاح والملك في حال زواله لا ثبوت له وهذا الذي لحظه الحسن فإنَّه إذا اشتراها ليعتقها فأعتقها لم يكن للملك قوة تفسح النكاح ويؤيد هذا القول: أن حدوث الملك بمنزلة اختلاف الدين وإذا لم يدم تغير الدين فهما على نكاحهما فكذلك هنا إذ النكاح يقع سابقاً وهذا إنّما يكون إذا كان العتق حصل بعد الملك فههنا لم يتقدم الانفساخ على العتق ويكره نكاح الحرائر الكتابيات مع وجود الحرائر المسلمات قاله القاضي وأكثر العلماء كما يكره أن يجعل أهل الكتاب ذباحين مع كثرة ذباحين مسلمين ولكن لا يحرم ولو قتل رجل رجلاً ليتزوج امرأته حُرمت على القاتل مع حلها لغيره ولو جبر امرأته على زوجها حتى طلقها ثم تزوجها وجب أن يعاقب هذا عقوبة بليغة وهذا النكاح باطل في أحد القولين في مذهب مالك وأحمد وغيرهما ويجب التفريق بين هذا الظالم المعتدي وبين هذه المرأة الظالمة وإذا أحب امرأة في الدنيا ولم يتزوجها وتصدق بمهرها وطلبها من الله تعالى أن تكون له زوجة في الآخرة رجى له ذلك من الله تعالى ولا يحرم في الآخرة ما يحرم في الدنيا من التزوج بأكثر من أربع والجمع بين الأختين ولا يمنع أن يجمع بين المرأة وبنتها

باب الشروط والعيوب في النكاح

"باب الشروط والعيوب في النكاح"
إذا شرط الزوج للزوجة في العقد أو اتفقا قبله: أن لا يخرجها من ديارها أو بلدها أو لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو إن تزوج عليها فلها تطليقها صح الشرط وهو مذهب الإمام أحمد ولو خدعها فسافر بها ثم كرهته لم يكرهها وإذا أراد أن يتزوج عليها أو يتسرى وقد شرط لها عدم ذلك فقد يفهم من إطلاق أصحابنا جوازه بدون إذنها لكونهم إنما ذكروا أن لها الفسخ ولم يتعرضوا للمنع
قال أبو العباس: وما أظنّهم قصدوا ذلك وظاهر الأثر والقياس يقتضي منعه كسائر الشروط الصحيحة وإذا فعل ذلك ثم قبل أن تفسخ طلق أو باع فقياس المذهب أنها لا تملك الفسخ وأمّا إنْ شرط إن كان له زوجة أو سرية

فصداقها ألفان ثم طلق الزوجة أو أعتق السرية بعد العقد قبل أن تطالبه ففي إعطائها ذلك نظر ومَنْ شرط لها أن يسكنها منزل أبيه فسكنت ثم طلبت سكنى منفردة وهو عاجز لم يلزمه ما عجز عنه بل لو كان قادراً فليس لها عند مالك وهو أحد القولين في مذهب الإمام أحمد وغيره غير ما شرط لها وعليه بطلان نكاح الشغار من اشتراط عدم المهر فإنْ سمّوا مهراً صح وقياس المذهب أنه شرط لازم لأنه شرط استحل به الفرج ولولا لزومه لم يك قول المجيب والقابل مصححاً لنكاح الأول وإن شرط الزوجان أو أحدهما فيه خياراً صح العقد والشرط وإن شرطها بكراً أو جميلة أو ثيباً فبانت بخلافه ملك الفسخ وهو رواية عن الإمام أحمد وقول مالك وأحد قولي الشافعي ولو شرط عليها أن تحافظ على الصلوات الخمس أو تلزم الصدق والأمانة فيما بعد العقد فتركته فيما بعد َملك الفسخ كما لو شرطت عليه ترك التسري فتسرى فيكون فوات الصفة إمّا مقارناً وإمّا حادثاً كما أن العنت إما مقارن أو حادث وقد يتخرج في فوات الصفة في المستقبل قولان كما في فوات الكفاءة في المستقبل وحدوث العنت لكن المشروط هنا فعل تحدثه أو تركه فعلاً ليس هو صفة ثابتة لها ولو شرطت مقام ولدها عندها ونفقته على الزوج فهو مثل اشتراط الزيادة في الصداق ويرجع في ذلك إلى العرف كالأجير بطعامه وكسوته ولو شرطت أنه يطأها في وقت دون وقت ذكر القاضي في "الجامع": أنّه من الشروط الفاسدة ونص الإمام أحمد في الأمة يجوز أن يشترط أهلها أن تخدمهم نهاراً ويرسلوها ليلاً يتوجه منه صحة هذا الشرط إن كان فيه غرض صحيح مثل أن يكون لها بالنهار عمل فتشترط أن لا يستمتع بها إلا ليلاً ونحو ذلك وشرط عدم النفقة فاسد ويتوجه صحته لا سيما إذا قلنا: أنه إذا أعسر الزوج ورضيت الزوجة به لم تملك المطالبة بعد وإذا شرطت أن لا تسلم نفسها إلا في وقت بعينه فهو نظير تأخير التسليم في البيع والإجارة وقياس المذهب صحته وذكر أصحابنا أنه لا يصح ولو شرطت زيادة في النفقة الواجبة فقياس المذهب وجوب الزيادة

وكذلك إذا شرطت زيادة على المنفعة التي يستحقها بمطلق العقد مثل أن تشترط أن لا يترك الوطء إلا شهراً أو أن لا يسافر عنها أكثر من شهر فإن أصحابنا القاضي وغيره قال في تعليل المسألة: لأنها شرطت عليه شرطاً لا يمنع المقصود بعقد النكاح ولها فيه منفعة فيلزم الزوج الوفاء به كما لو شرطت من غير نقد البلد وهذا التعليل يقتضي صحة كل شرط لها فيه منفعة ولا يمنع مقصود النكاح ولا يصح نكاح المحلل ونية ذلك كشرطه وأما نيه الاستمتاع وهو أن يتزوجها ومِن نيته أن يطلقها في وقت أو عند سفره فلم يذكرها القاضي في "المجرد" ولا "الجامع" ولا ذكرها أبو الخطاب وذكرها أبو محمد المقدسي وقال: النكاح صحيح لا بأس به في قول عامة العلماء إلا الأوزاعي
قال أبو العباس: ولم أر أحداً من أصحابنا ذكر أنه لا بأس به تصريحاً إلا أبا محمد وأما القاضي في "التعليق" فسوى بين نيته على طلاقها في وقت بعينه وبين التحليل وكذلك الجد وأصحاب الخلاف وإذا أدعى الزوج الثاني أنه نوى التحليل أو الاستمتاع فينبغي أن لا يقبل منه في بطلان نكاح المرأة إلا أن تصدقه أو تقوم بينة إقرار على التواطئ قبل العقد ولا ينبغي أن يقبل على الزوج الأول فتحل في الظاهر بهذا النكاح إلا أن يصدق على إفساده فأمّا إن كان الزوج الثاني ممن يعرف بالتحليل فينبغي أن يكون ذلك لتقدم اشتراطه إلا أن يصرح له قبل العقد بأنه نكاح رغبة وأما الزوج الأول فإنْ غلب على ظنه صدق الزوج الثاني حرمت عليه فيما بينه وبين الله تعالى ولو تقدم شرط عرفي أو لفظي بنكاح التحليل وادعى أنه قصد إلى نكاح الرغبة قبل في حق المرأة أن صححنا هذا العقد وإلا فلا وإن ادعاه بعد المفارقة ففيه نظر وينبغي أن لا يقبل قوله لأن الظاهر ولو صدقت الزوجة أن النكاح الثاني كان فاسداً فلا تحل للأول لاعترافها بالتحريم عليه وولد المغرور بأمة حر بفدية ولدة وإن كان عبداً تعلق برقبته وجهاً واحداً

لأنه ضمان جناية محضة ولو لم يكن ضمان جناية لم يلزمه الضمان بحال لانتفاء كونه ضمان عقد أو ضمان يد فيعتبر أن يكون ضمان إتلاف أو منع لما كان ينعقد ملكاً للسيد كضمان الجنين وفارق ما لو استدان العبد فإنه حينئذ قبض المال بإذن صاحبه وهنا قبض مالية الأولاد بدون إذن السيد فهي جناية محضة ولو أذن له السيد في نكاح حرة فالضمان عليه لأنه أذن له في الاتلاف أو الإستدانة على رواية
"فصل في العيوب المثبتة للفسخ والاستحاضة" عيب يثبت به فسخ النكاح في أظهر الوجهين وإذا كان الزوج صغيراً أو به جنون أو جذام أو برص فالمسألة التي في الرضاع تقتضي أن لها الفسخ في الحال ولا ينتظر وقت إمكان الوطء وعلى قياسه الزوجة إذا كانت صغيرة أو مجنونة أو عقلاء أو قرناء ويتوجه أن لا فسخ إلا عند عدم إمكان الوطء في الحال وإذا لم يقر بالعنة ولم ينكر أو قال: لست أدري أعنين أنا أم لا فينبغي أن يكون كما لو أنكر العنَّة ونكل عن اليمين فإنَّ النكول عن الجواب كالنكول عن اليمين فإنّ قلنا: يحبس الناكل عن الجواب فالتأجيل أيسر من الحبس ولو نكل عن اليمين فيما إذا ادعى الوطء قبل التأجيل فينبغي أن يؤجل هنا كما لو نكل عن اليمين في العنّة والسنة المعتبرة في التأجيل هي الهلالية هذا هو المفهوم من كلام العلماء لكن تعليلهم بالفصول يُوهم خلاف ذلك لكن ما بينهما متقارب ويتخرج إذا علمت بعنته أو اختارت المقام معه على عسرته هل له الفسخ على روايتين ولو خرج هذا في جميع العيوب لتوجه وترد المرأة بكل عيب ينفر عن كمال الاستمتاع ولو بان الزوج عقيماً فقياس قولنا بثبوت الخيار للمرأة: أن لها حقاً في الولد ولهذا قلنا: لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها وعن الإمام أحمد ما يقتضيه وروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أيضاً وتعليل أصحابنا توقف الفسخ على الحاكم باختلاف أهل العلم فإنّه إن أريد كل خيار مختلف فيه قومه يتوقف على الحاكم فخيار المعتقة يجب وهو مختلف فيه وخيارها بعد الثلاث مختلف فيه وهما لا يتوقفان على الحاكم ثم خيار امرأة المجبوب متفق عليه وهو من جملة العيوب التي قال: لا تتوقف على الحاكم ولا لما يعني الإعتذار

فإنَّ أصل خيار العنت الشرط مختلف فيه بخلاف أصل خيار المعتقة لأن أصل خيار العيب ثم خيارات البيع لا تتوقف على الحاكم مع الإختلاف والواجب أولاً التفريق بين النكاح والبيع ثم لو علل بخفاء الفسخ وظهوره فإنَّ العيوب وفوات الشرط قد تخفى وقد يتنازعون فيها بخلاف إعتاق السيد لكان أولى من تعليله بالإختلاف ولو قيل: بأن الفسخ يثبت بتراضيهما تارة وبحكم الحاكم أخرى أو بمجرد فسخ المستحق ثم الآخر إن أمضاه وإلا أمضاه الحاكم لتوجه وهو الأقوى ومتى أذن الحاكم أو حكم لأحد باستحقاق عقد أو فسخ مأذون لم يحتج بعد ذلك إلى حكم بصحته بلا نزاع لكن لو عقد الحاكم أو فسخ فهو فعله وإلا صح أنه حكم وإذا اعتبر تفريق الحاكم ولم يكن في الموضع حاكم فالأشبه أن لها الامتناع وكذلك تملك الانتقال من منزله فإنَّ مَن ملك الفسخ ملك الامتناع من التسليم وينبغي أن تملك النفقة في هذه المدة لأن المانع منه وإذا اعتقت الأمة تحت عبد ثبت لها الخيار اتفاقاً وكذلك تحت حر وهو رواية عن الإمام أحمد ومذهب أبي حنيفة وإن كان الزوج عبداً لملكها رفقها وبضعها ولو شرط عليها سيدها دوام النكاح تحت حر أو عبد فرضيت لزمها ذلك ومذهب الإمام أحمد يقتضيه فإنّه يجوز العتق بشرط
ذكر أبو محمد المقدسي: إذا أسلمت الأمة أو ارتدت أو أرضعت من يفسخ نكاحها إرضاعه قبل الدخول سقط المهر وجعله أصلاً قائماً عليه ما إذا أعتقت قبل الدخول واختارت الفراق معه: أن المهر يسقط على رواية لنا
قال أبو العباس: والتنصيف في مسألة الإسلام ونظائرها أولى فإنها إنّما فسخت لإعتاقه لها فالإعتاق سبب للفسخ ومن أتلف حقه متسبباً سقط وإن كان المباشر غيره بخلاف ما إذا كان السبب والمباشرة من الغير فإذا قيل في مسألة العتق بالتنصيف فالردة والإسلام والرضاع أولى بلا شك وإذا دخل النقص على الزوج بالمرأة وفوات صفة أو شرط صحيح أو باطل فإنهّ ينقص من المسمّى

بنسبة ما نقص وهذا النقص من مهر المثل لو لم يسلم لها ما شرطته أو كان الزوج معيناً فيقال: ألف درهم وإذا أسلم لها ذلك أو كان الزوج سليماً فيقال ثمانمائة درهم فيكون فوات الصفة والعيب قد صار من مهر المثل الخمس فينقصها من المسمّى بحسب ذلك فيكون بقيمته مال ذهب منه فيزاد عليه مثل ربعه فإذا كان ألفين استحق ألفين وخمسمائة وهذا هو المهر الذي رضيت به ولو كان الزوج معيباً أو لم يشترط صفة وهذا هو العدل ويرجع الزوج المغرور بالصداق على من غره مِنْ المرأة أو الولي في أصح قول العلماء

باب نكاح الكفار

"باب نكاح الكفار" والصواب أن أنكحتهم المحرمة في دين الإسلام حراماً مطلقاً إذا لم يسلموا عوقبوا عليها وإن أسلموا عفي لهم ذلك لعدم اعتقادهم تحريمه واختلف في الصحة والفساد والصواب: أنها صحيحة من وجهيْن فإنْ أريد بالصحة أباحة التصرف فإنّما يُباح لهم بشرط الإسلام وإنْ أُريد نفوذه وترتيب أحكام الزوجية عليه من حصول الجمل به للمطلق ثلاثاً ووقوع الطلاق فيه وثبوت الإحصان به فصحيح وهذا مما يقوي طريقة مَن فرق بين أن يكون التحريم لغير المرأة أو لوصف لأن ترتيب هذه الأحكام على نكاح المحارم بعيداً جداً وقد أطلق أبو بكر وابن أبي موسى وغيرهما صحة أنكحتهم من تصريحهم بأنه لا يحصل الإحسان بنكاح ذوات المحارم ولو قيل: أنَّ مَنْ لم يعلم التحريم فهو في ملك المحرمات بمنزلة أهل الجاهلية كما قلنا على إحدى الروايتين: أنَّ مَنْ لم يعلم الواجبات فهو فيها كأهل الجاهلية فلا يجب عليهم القضاء
كذلك أولئك تكون عقودهم وفعلهم بمنزلة عقود أهل الجاهلية فإذا اعتقدوا أن النكاح بلا ولي ولا شهوة وفي العدة صحيح كان بمنزلة أهل الجاهلية ويحمل ما نقل عن الصحابة على أن المعاند لم يعذر لتركه تعلمه العلم مع تقصيره بخلاف أهل البوادي والحديث العهد بالإسلام ومَنْ قلد فقيهاً فيتوارثون بهذه الأنكحة ولو تقاسموا ميراثاً جهلاً فهذا شبيه بقسم ميراث المفقود إذا ظهر حياً لا يضمنون ما أنفقوا

لأنهم معذورون وأما الباقي فيفرق بين المسلم والكافر كما فرقنا في أموال القتال بينهما فإنَّ الكافر لا يرد باقياً ولا يضمن تالفاً والمسلم يرد الباقي ويضمن التالف وعلى قياسه كل متلف معذور في إتلافه لتأويل أو جهل وإذا أسلم الكافر وتحته معتدة فإنْ كان لم يدخل بها منع من وطئها حتى تنقضى العدة وإن كان دخل بها لم يمنع الوطء إلا أن تكون قبل وطئه وعلى التقديرين فلا ينفسخ النكاح ويحتمل أن يقال في أنكحة الكفار التي نقضي بفسادها: إن كان حصل بها دخول استقر وإن لم يكن دخل وقبضته فرض لها مثل المهر ونص عليه الإمام أحمد في رواية ابن منصوص لأنا إنّما نقرر تقابض الكفار في المشهور إذا كان من الطريقين
فإذا قبضت الخمر أو الخنزير قبل الدخول لم يحصل التقابض من الطرفين فأشبه ما لو باع خمراً بثمن وقبضها ثم أسلما فإنّا لا نحكم له بالثمن فكذا هنا وإذا لم يقبضه فرض لها مهر المثل فإن كان عين لها محرماً مثل إن كان عادتهم التزويج على خمر أو خنزير أو دراهم مع خمر وخنزير يحتمل ذلك وجهيْن: أحدهما: أنهّ يُجعل ذلك وجوده كعدمه ويكون كمن لا أقارب لها فينظر في إعادة أهل البلد وإلا فأقرب البلاد
والثاني: تعتبر قيمة ذلك عندهم وفرّق أصحابنا في غير هذا الموضع بين الخمر والخنزير فكذلك ها هنا فيتخرج أنّ لها في الخنزير مهر المثل وفي الخمر القيمة وحيث وجبت القيمة فلا كلام وإن اختلفا فإنْ قامت بينة للمسلمين بالقيمة عندهم بأن يكون ذلك المسلم يعرف بسعر ذلك عندهم قضى به وإلا فالقول قول الزوج مع يمينه وإن لم يكن سمّى لها صداقاً فرض لها مهر المثل ويتوجه أن الإسلام والترافع إنْ كانا قبل الدخول فلها ذلك كما لو كان على محرم وأولى وإن كان بعد الدخول فإيجاب مهرها فيه نظر فإنَّ الذين أسلموا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعض أنكحتهم ذلك ولم يأمر أحدهم بإعطاء مهر وإذا أسلمت الزوجة والزوج كافر ثم أسلم قبل الدخول أو بعد الدخول فالنكاح باق ما لم تنكح

غيره والأمر إليها ولا حكم له عليها ولا حق عليه لأن الشارع لم يفصل وهو مصلحة محضة وكذا إن أسلم قبلها وليس له حبسها فمتى أسلمت ولو قبل الدخول أو بعده فهي امرأته إن اختار وكذا إن ارتد الزوجان أو أحدهما ثُمَّ أسلما أو أحدهما وإن كان الزوجان سبق أحدهما بالإسلام ولم يعلم عينه فللزوجة نصف المهر قاله أبو الخطاب تغريماً على رواية: أن لها نصف المهر إن كان هو المسلم وقال القاضي: إن لم تكن قبضته لم يجز أن تطالبه بشيء وإن كانت قبضته ثم يرجع عليها فيما فوق النصف وقياس المذهب هنا القرعة
قال أبو العباس: وقياس المذهب فيما أراه: أن الزوجة إذا سلمت قبل الزوج فلا نفقة لها لأن الإسلام سبب يوجب البينونة والأصل عدم السلامة في العدة فإذا لم يسلم حتى انقضت العدة تبيّنا وقوع البينونة بالإسلام ولا نفقة عندنا للبائن وإن أسلم الكافر وله ولد صغير تبعه في الإسلام فإذا كان تحت الصغير أكثر من أربع نسوة فقال القاضي: ليس لوليه الاختيار منهنَّ لأنه راجع إلى الشهوة والإرادة ثم قال في "الجامع": يوقف الآمر حتى يبلغ فيختار وقال في "المحرر": حتى يبلغ عشر سنين وقال ابن عقيل حتى يراهق ويبلغ أربعة عشر سنة
وقال أبو العباس: الوقف هنا ضعيف لأن الفسخ واجب فيقوم الولي مقامه في التعيين كما يقوم مقامه في تعيين الواجب عليه من المال من الزكاة وغيرها
أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة فأسلمن معه اختار منهن أربعاً وفارق سائرهن وليس طلاق إحداهن اختيار لها في الأصح

باب الصداق

"باب الصداق"
ولا يجوز كتابة الصداق على الحرير وقاله ابن عقيل وكلام الإمام أحمد في

رواية حنبل يقتضي أنه يستحب أن يكون الصداق أربعمائة درهم وهذا هو الصواب مع القدرة واليسار فيستحب بلوغه ولا يزاد عليه وكلام القاضي وغيره يقتضي أنه لا يستحب بل يكون بلوغه مباحاً ولو قيل: إنه يكره جعل الصداق ديناً سواء كان مؤخر الوفاء وهو حال أو كان مؤجلاً لكان متوجهاً لحديث الواهبة والصداق المقدم إذا كثُر وهو قادر على ذلك لم يكره إلا أن يقترن بذلك ما يوجب الكراهة من معنى المباهاة ونحو ذلك فأمّا إذا كان عاجزاً عن ذلك كره بل يحرم إذا لم يتوصل إليه إلا بمسألة أو غيرها من الوجوه المحرمة فأما إن كثر وهو مؤخر في ذمته فينبغي أن يكره هذا كله لما فيه من تعريض نفسه لشغل الذمة والأوجه أنه إذا تزوج بنية أن يعطيها صداق محرماً أولا يوفيها الصداق أن الفرج لا يحل له فإنَّ هذا لم يستحل الفرج بماله فلو تاب من هذه النية ينبغي أن يقال حكمه حكم ما لو تزوجها يعني بحرمة والمرأة لا تحرر محرماً قال في "المحرر" كلما صح عوضاً في بيع أو إجارة صح مهراً إلا منافع الزوج الحر المقدرة بالزمان فإنها على روايتين وأما القاضي في "التعليق" فأطلق الخلاف في منافع الحر من غير تقييده بزوج وكذلك ابن عقيل وأما أبو الخطاب والشيخ أبو محمد في "المقنع" فلفظهما إذا تزوجها على منافعه مدة معلومة فعلى روايتين فاعتبر صاحب "المحرر" القيدين الزوجية والحرية ولعل مأخذ المنع أنها ليست بمال كقول الحنفية وسلمة القاضي ولم يمنعه في غير موضع وقال أبو محمد هذا ممنوع بل هي مال وتجوز المعاوضة عليها
قال أبو العباس: والذي يظهر في تعليل رواية المنع أنه لما فيه من كون كل من الزوجين يصير ملكاً للآخر فكأنه يقضي إلى تنافي الأحكام كما لو تزوجت عبدها وعلى هذا التعليل فينبغي إذا كانت المنفعة لغيرها أن تصح وعلى هذا تخرج قصة شعيب وموجب هذا التعليل أن المرأة لا تستأجر زوجها أجارة معينة مقدرة بالزمان وأن كل واحد من الأجيرين لا يستأجر الآخر ويجوز أن يكون المنع مختصاً بمنفعة خاصة لما فيه من المهنة والمناجاة وإذا لم

تصح المنافع صداقاً فقياس المذهب أنه تجب قيمة المنفعة المشروطة إلا إذا علما أنّ هذه المنفعة لا تكون صداقاً فيشبه ما لو أصدقها مالاً مغصوباً في أنّ الواجب مهر المثل في أحد الوجهيْن وإذا تزوجها على أن يُعلِمها أو يُعَلِم غلامها صنعة صح ذكره القاضي والأشبه جوازه أيضاً ولو كان المعلم أخاها أو ابنها أو أجنبياً وإن لم يحصل للمرأة ما أصدقها لم يكن النكاح لازماً ولو أعطيت بدله كالبيع وإنّما يلزم ما ألزم الشارع به أو التزمه المكلف وما خالف هذا القول ضعيف مخالف للأصول فإذا لم نَقُل بامتناع العقد بتعذر تسليم المعقود عليه فلا أقل مِن أنْ تملك المرأة الفسخ فإذا أصدقها شيئاً معيناً وتلف قبل قبضه ثبت للزوجة فسخ النكاح وإنْ كان الشرط باطلاً ولم يعلم المشترط ببطلانه لم يكن العقد لازماً بل إن رضي بدون الشرط وإلا فله الفسخ وإذا تزوجها على أن يشتري لها عبد زيد فامتنع زيد من بيعه فأعطاها قيمته ثم باعه زيد العبد فهل لها رد البدل وأخذ العبد تردد فيه أبو العباس ولو أصدقها عبداً بشرط أن تعتقه فقياس المشهور من المذهب أنه يصح كالبيع والذي ينبغي في أصناف سائر المال كالعبد والشاة والبقرة والثياب ونحوهما: أنه إذا أصدقها شيئاً من ذلك أن يرجع فيه إلى مسمى ذلك اللفظ في عرفها كما نقول في الدراهم والدنانير المطلقة في العقد وإن كان بعض ذلك غالباً أخذ به كالبيع أو كان من عادتها اقتناؤه أو لبسه فهو كالملفوظ به ونص الإمام أحمد في رواية جعفر والنسائي: أنه إذا أصدقها عبداً من عبيده أنه يصح ولها الوسط على قدر ما يخدمها ونقلها دليل على ذلك فإنّه لم يعتبر الخادم مطلقاً وإنّما اعتبر ما يناسبها
قال أبو العباس في الخُلع: ولو خالعها على عبد مطلق لو قيل: يجب ما يجزئ عتقه في الكفارة وما يجب في النذر المطلق لكان أقرب إلى القياس إلا أنه لا يعتبر فيه الإيمان
أطلق القاضي: أنه إذا تزوجها على بيت أنه لا يصح واستدل بمسألة تفاوتها

في الحضر ومفهومها أن البدوية ليست كذلك وهذا أشبه لأن بيوت البادية من جنس واحد كالخادم بخلاف الحضر فإن بيوتهم تختلف جنساً وقدراً وصفة اختلافاً متفاوتاً ولو علم السورة أو القصيدة غير الزوج ينوي بالتعليم أنه عن الزوج من غير أن يعلم الزوجة فهل يقع عن الزوج فيتوجه أن يقال إن قلنا لا يجبر الغريم على استيفاء الدين من غير المدين لم يلتفت إلى نيته إذ لم يظهرها لأن هذا الاستيفاء شرط بالرضا والغريم المستحق لم يرض أنه يستوفي دينه من غير المدين وإن قلنا: يجبر المستحق على الإستيفاء من غير الغريم فيوجه أن يؤثر مجرد دينه الموفى ويقبل قوله فيما بعد ولو تزوجها على مائة مقدمة ومائة مؤجلة صح ولا تستحق المطالبة بالمؤجلة إلا بموت أو فرقة ونص عليه الإمام أحمد في رواية جماعة واختاره شيوخ المذهب كالقاضي وغيره جاء عن ابن سيرين عن شريح: أنه تزوج امرأة على عاجل وآجل إلى الميسرة فقدمته إلى شريح فقال: دلتنا على ميسرة فأخذه لك وقياس المذهب أن هذا شرط صحيح لأنَّ الجهالة فيه أقل من جهالة الفرقة وكان في الحقيقة هذا الشرط مقتضى العقد ولو قيل بصحته في جمع الآجال لكان متجهاً صرح الإمام أحمد والقاضي وأبو محمد وغيرهم بأنّه إذا اطلق الصداق كان حالاً
قال أبو العباس: إن كان الفرق جارياً بين أهل الأرض أن المطلق يكون مؤجلاً فينبغي أن يحمل كلامهم على ما يعرفونه ولو كانوا يفرقون بين لفظ المهر والصداق فالمهر عندهم ما يعجل والصداق ما يؤجل كان حكمهم على مقتضى عرفهم ولو امرأة اتفق معها على صداق عشرة دنانير وأنه يظهر عشرين دينار أو أشهد عليها بقبض عشرة فلا يحل لها أن تغدر به بل يجب عليها الوفاء بالشرط ولا

يجوز تحليف الرجل على وجود القبض في مثل هذه الصورة لأن الأشهاد بالقبض في مثل هذا يتضمن الإبراء ولو تزوجها على أن يعطيها في كل سنة تبقى معه مائة درهم فقد يؤخذ من كلام كثير من أصحابنا أن هذه تسمية فاسدة لجهالة المسمّى وتتوجه صحته بل هو الأشبه بأصولنا كما لو باعه الصبرة كل قفيز بدرهم أو إكراء الدار كل شهر بدرهم ولأن تقدير المهر بمدة النكاح بمنزلة تأجيله بمدة النكاح إذ لا فرق بين جهالة القدر وجهالة الأجل وعلى هذا لو تزوجها على أن يخيط لها كل شهر ثوباً صح أيضاً إذ لا فرق بين الأعيان والمنافع وإن تزوجها على منفعة داره أو عبده ما دامت زوجته وفيها قد تبطل المنفعة قبل زوال النكاح فإنْ شرط لها مثلاً إذا تلفت فهنا ينبغي أن يصح وإن لم يشترط ففيه نظر ولو قيل في كل موضع تبرعت المرأة بالصداق ثم وقع الطلاق وهو باق بعينه أنه يرجع بالنصف على مَنْ هو في يده وكذلك في جميع الفسوخ لم يبعد بخلاف ما لو خرج بمعاوضة ولو ادعى الزوج أن الصداق في عقد واحد تكرر وقالت: بل هو عقدان بينهما فرقة فالقول قولها ولها المهران هذا قول أبي الخطاب والجد وينبغي أن يكون القول قوله لأنه الأصل عدم الفرقة بينهما والأصل براءة ذمته مما زاد على المهر الثاني ولا يستحق إلا نصفه لأن الأصل عدم الدخول ولم يثبت بينة ولا إقرار وقال أبو محمد: إن أنكر الدخول فالقول قوله وإن لم ينكره ولم يعترف به فالقول قولها في وجود الدخول
قال أبو العباس: وهكذا يحق في كل صورة ادعت عليه صداقاً في نكاح فأنكر الزوج وقامت به البينة ووقع منه الطلاق هل يحكم عليه بجميع المسمى أو بنصفه أو يفرق بين ادعائه المسقط وعدمه على الأوجه ومأخذ المسألة أن الصداق إذا تبين بالعقد وحصلت الفرقة فهل يحكم به عليه ما لم يدع عدم الدخول ولو صالحت عن صداقها المسمّى بأقل جاز لأنه إسقاط لبعض حقها ولو صالحته على أكثر من ذلك بطل الفضل لأن في ذلك ربا لأنه زيادة على حقها وقياس المذهب جوازه لأنه زيادة على المهر بعد العقد وذلك جائز وصححنا أنّه يصح

أن يصطلحا على مهر المثل بأقل منه وأكثر مع أنه واجب بالعقد والزيادة في المهر هل يفتقر لزومها إلى قبول الزوجة ينبغي أن يكون كإتيانه الفرض بعد الفرض فلو فرض لها أكثر من مهر المثل فهل يلزم بمجرد فرضه كلام أحمد زادها في مهرها مطلق لم يَفْصل بين أن تكون قبلتها أم لا ولو أراد أن يغير المهر مثل تبديل نقد بنقد أو تأجيل الحال أو إحلال المؤجل ونحو ذلك فموجب تعليل أصحابنا في الفرق بين النكاح والبيع والإجارة أن هذا لا يصح لأن هذا ليس تبديل فرض وإنّما هو تغيير لذلك الفرض وقد يحتمل كلامهم صحته أيضاً لأن هذه الحالة بمنزلة ابتداء العقد وهو أشبه بكلامهم
وقال أبو العباس: وقد كتبت عن الإمام أحمد فيما إذا أهدى لها هدية بعد العقد فإنّها تُرد ذلك إليه إذا زال العقد الفاسد فهذا يقتضي أن ما وهبه لها سببه النكاح فإنّه يبطل إذا زال النكاح وهو خلاف ما ذكره أبو محمد وغيره وهذا المنصوص جار على أصول المذهب الموافقة لأصول الشريعة وهو أن كل من أهدى أو وهب له شيء بسبب يثبت بثبوته ويزول بزواله ويحرم بحرمته ويحل بحله حيث جاز في تولي الهدية مثل من أهدى له للفرض فإنّه يثبت فيه حكم بدل الفرض وكذلك من أهدى له لولاية مشتركة بينه وبين غيره كالإمام وأمير الجيش وساعي الصدقات فإنّه يثبت في الهدية حكم ذلك الاشتراك ولو كانت الهدية قبل العقد وقد وعدوه بالنكاح فزوجوا غيره رجع بها والنقد المقدم محسوب من الصداق وإن لم يكتب في الصداق إذا تواطأوا عليه ويطالب بنصفه عند الفرقة قبل الدخول لأنه كالشرط المقدم إلا أن يُفتوا بخلاف ذلك وإذا أعتق أمته على أن تزوجه نفسها ويكون عتقها صداقها قال القاضي: هي بالخيار إن شاءت تزوجته وإنْ شاء لم تتزوجه وتابعه أبو محمد وأبو الخطاب وغيرهما لأنه سلف في النكاح فلا يلزم الوفاء به ويتوجه صحة السلف في العقود كلها كما يصح في العتق ويصير

العتق مستحقاً على المسلف إنْ فعله وإلا قام الحاكم مقامه في توفية العقد المستحق كما يقوم مقامه في توفية الأعيان والمنافع لأن العقد منفعة من المنافع فجاز السلم فيه كالصناعات وهذا بمنزلة الهبة المشروط فيها الثواب والمنصوص عن الإمام أحمد في اشتراط التزويج على الأمة إذا أعتقها لزوم هذا الشرط قبلت أم لم تقبل كاشتراط الهدية قال أحمد بن القاسم: سئل أحمد عن الرجل يعتق الجارية على أن يتزوجها يقول: قد أعتقتك وجعلت عتقك صداقك أو يقول: قد أعتقتك على أن أتزوجك قال: هو جائز وهو سواء أعتقتك وتزوجتك وعلى أن أتزوجك إذا كان كلاماً واحداً إذا تكلم به وهو جائز
وهذا نص من الإمام أحمد على أن قوله أن أتزوجك بمنزلة قوله: وتزوجتك وكلامه يقتضي أنها تصير زوجة بنفس هذا الكلام وعلى قول الأولين إذا لم يتزوجها ذكروا أنه يلزمها قيمة نفسها سواء كان الامتناع منه أو منها وهذا فيه نظر إذا كان الامتناع منه ويتخرج على قولهم أنّها تعتق مجاناً ويتخرج أنه يرجع إلى بدل العوض لا إلى بدل العتق وهو قياس المذهب وأقرب إلى العدل إذ الرجل طابت نفسه بالعتق إذا أخذ هذا العوض وأخذ بدله قائم مقامه ومن أعتقت عبدها على أن يتزوج بها أو بسواها أو بدونه عتق ولم يلزمه شيء ذكره أصحابنا وعلله ابن عقيل بأنها اشترطت عليه تمليك البضع وهو لا قيمة له وعلله القاضي بأنّه سلف في النكاح والحظ في النكاح للزوج وهذا الكلام فيه نظر فإنّ الحظ في النكاح للمرأة ولهذا ملك الأولياء أن يجبروها عليه دون الرجل وملك الولي في الجملة أن يطلق على الصغير والمجنون ولم يملك ذلك من الصغيرة ولو أراد أن يفسخ نكاحها ومعلوم أنها اشترطت نفقة ومهراً أو استمتاعاً وهذا مقصود كما أنه إذا أعتقها على أن يتزوجها شرط عليها استمتاعاً تجب عليه النفقة وأما إذا خُيّر بين الزواج وعدمه فيتوجه أن عليه قيمة نفسه وإذا بدل التزويج فليس عليه إلا مهر المثل فإنّه مقتضى النكاح المطلق وإنّما أوجبنا عليه قيمة نفسه لأن العوض المشروط في العقد هو تزوجه بها ولا قيمة له في الشرع فيكون كمن أعتقه

على عوض لم يسم لها ويتوجه أنه إذا لم يتزوجها يعطيها مهر المثل أو نصفه لأنه هو الذي تستحقه عليه إذا تزوجها فإنه يملك الطلاق بعد ذلك وإنّما يجب لها بالعقد مهر المثل وهذا البحث يجري فيما إذا أعتق عبده على أن يزوجه أخته أو يعتقها وإذا لم نصحح الطلاق مهراً فذكر القاضي في الجامع وأبو الخطاب وغيرهما أنّها تستحق مهراً بضده وقاله ابن عقيل وهو أجود فإن الصداق وإن كان له بدل عنه تعذره فله بدل عند فساد تسميته هذا قياس المذهب ولو قيل ببطلان النكاح لم يبعد لأن المسمّى فاسد لا بدل له فهو كالخمر وكنكاح السفاح وإذا صححنا أصداق الطلاق فماتت الضرة قبل الطلاق فقد يقال حصل مقصودها من الفرقة بأبلغ الطرق فيكون كما لو وفى عنه المهر أجنبي وفيه نظر والذي ينبغي في الطلاق أنه إذا كان السائل له ليخلص المرأة جاز له بدل عوضه سواء كان نكاحاً أو مالاً كأن كانت له امرأة يضربها ويؤذيها فقال طلق امرأتك على أن أزوجك بنتي فهذا سلف في النكاح أو قال: زوجتك بنتي على طلاق امرأتك فهذه مسألة أصداق الطلاق والأشبه أن يقال في مثل هذا أن الطلاق يصير مستحقاً عليه كما لو قال خذ هذا الألف على أن تطلق امرأتك وهذا سلف في الطلاق وليس يمتنع كما تقدم وأما إن كان باذل العوض لغرض ضرر المرأة فههنا لا يجوز للحديث فصلى هذا فلو خالعت الضرة عن ضرتها بمال أو خالع أبوها فهنا ينبغي أن لا يجوز هذا كما لا يجوز أن يخالع الرجل أو كان مقصوده التزويج بالمرأة فالأجنبي ينظر في مسألة الطلاق إن كانت محرمة فله حكم وإن كانت مباحة أو مستحقة فله حُكم وإذا كان الأجنبي قد حرم عليه أن يسأل الطلاق فهل يحل للزوج أن يجيبه ويأخذ العوض وهذا نظير بيعه إياه على بيع أخيه ولو زوج مُوليته بدون مهر مثلها ولم يكن أباً لزم الزوج المسمّى والتمام على الولي وهو رواية عن الإمام كالوكيل في البيع ويتحرر لأصحابنا فيما إذا زوج ابنه الصغير بمهر المثل أو أزيد روايات
إحداهن: أنه على الابن مطلقاً إلا أن يضمنه الأب فيكون عليهما
الثانية: أن يضمنه فيكون عليه وحده
الثالثة: أنه على الأب ضماناً
الرابعة: أنه عليه أصالة
الخامسة: أنه إذا كان الابن مقراً فهو على الأب أصالة
السادسة: الفرق بين رضا الابن وعدم رضاه وضمان

الأب المهر والنفقة على الابن قد يكون بلفظ الضمان وقد يكون بلفظ آخر
مثل أن يقول: الذي لي لابني أو أنا وابني شيء واحد وهل يترك والد ولده ونحو ذلك من الألفاظ التي تغرهم حتى يزوجوا ابنه وقد يكون بدلالة الكلام وقد يذكر الأب ما يقتضي أنه قد ملك ابنه مالاً أو يخبرهم بذلك فيزوجوه على ذلك مثل أن يقول: أنا أعطيته عشرة آلاف درهم أو له عشرة آلاف درهم ونحو ذلك فهذا ينبغي أن يتعلق حقهم بهذا القدر من مال الأب ونفقة الزوجة قبل بلوغ الزوج أو قبل رضاه ينبغي أن تكون كالمهر قال القاضي في "الجامع": إذا مات الأب الذي عليه مهر ابنه فأخذ من تركته فإنه يرجع به على الابن نص عليه في رواية ابن منصور والبرزالي قال القاضي: يحتمل أن يكون أثبت له ذلك بناء على الرواية الأخرى وأنه تطوع بذلك لكن لم يحصل القبض منه وعلى هذا حمله أبو حفص
قال أبو العباس: ولا يتم الجواب إلا بالمأخذيْن جميعاً وذلك أن الأب قائم مقام ابنه فلو ضمنه أجنبي بإذنه صح فإذا ضمنه هو فأولى أن يكون ضماناً لازماً للابن وإذا كان له أن يثبت المال في ذمته بدون ضمانه فضمانه وقضاؤه أولى قال القاضي في "الجامع": إذا ضمّنه الأب لزمه كما لو ضمنه أجنبي وإذا أقبضها إياه فهل يملك الرجوع به على الأب على روايتين أصلهما ضمان الأجنبي عن غيره بغير إذنه
قال أبو العباس: بل يرجع قولاً واحداً لأنّه قائم مقام ابنه في الأذن لنفسه كما لو ضمن أجنبي بإذن نفسه وإذا وفى الإنسان عن غيره ديناً من صداق أو غيره كان للمستوفي أخذه له وفاء عن دينه وبدلاً عنه وأمّا الموفى عنه إذا لم يرجع به عليه فهو متبرع عليه ثم هل يقال: لو انفسخ يثبت الاستحقاق أو بضعه كالطلاق قبل الدخول وفسخ البيوع للموفى عنه أو لم يملك فيعود إلى الموفى الراجح أن لا يجب انتقاله ويتقرر المهر بالخلوة وإن منعته الوطء وهو ظاهر كلام أحمد في رواية حرب وقيل له: فإنَّ أخذها وعندها نسوة وقبض عليها ونحو ذلك من غير أن يخلو بها قال: إذا نال منها شيئاً لا يحل لغيره فعليه المهر وإن قلنا: لا مهر بالخلوة في النكاح الفاسد على قولنا بوجوب العدة فيه والفسخ لاعتبار الزوج بالمهر أو النفقة نظير الفسخ لعنة بالزوج فيتخرج منه

التنصيف على الرواية المنصوص عنه فيه فإنَّ لها نصف المهر لكونها معذورة في الفسخ ويتخرج ذلك ويلزم مَنْ قال: إن خروج البضع من ملك الزوج يتقوم وتجب المتعة لكل مطلقة وهو رواية عن الإمام أحمد نقلها حنبل وهو ظاهر دلالة القرآن واختار أبو العباس في "الاعتصام بالكتاب والسنة": أن لكل مطلقة متعة إلا التي لم يدخل بها وقد فرض لها وهو رواية عن الإمام أحمد وقاله عمر وإذا أوجبنا المتعة للمدخول بها وكان الطلاق بائناً أو رجعياً فينبغي أن تجب لها أيضاً مع نفقة العقد حيث أوجبناها وتكون نفقة الرجعية متعينة عن متاع آخر بحيث لا تجب لها كسوتان ولا بد من اعتبار العصر في مهر المثل فإنَّ الزمان إن كان زمان رُخص رخص وإن زادت المهور وإن كان زمن غلاء وخوف نقص وقد تعتبر عادة البلد والقبيلة في زيادة المهر ونقصه ينبغي أيضاً اعتبار الصفات المعتبرة في الكفاءة فإذا كان أبوها موسراً ثم افتقر أو ذا صنعة ثم تحول إلى دونها أو كانت له رئاسة أو ملك ثم زالت عنه تلك الرئاسة والملك فيجب اعتبار مثل هذا وكذلك لو كان أهلهما لهم عز في أوطانهم ورئاسة فانقلبوا إلى بلد ليس لهم عز فيه ولا رئاسة فإنَّ المهر يختلف بمثل ذلك في العادة وإن كانت عادتهم يُسمّون مهراً ولكن لا يستوفونه قط مثل عادة أهل الجفاء مثل الأكراد وغيرهم فوجوده كعدمه والشرط المتقدم كالمقارن والاطراد العرفي كالمقتضى
وقال أبو العباس: وقد سئلت عن مسألة مَنْ هذا وقيل لي: ما مهر مثل هذه فقلت: ما جرت العادة بأنه يُؤخذ من الزوج فقالوا: إنّما يؤخذ المنحل قبل الدخول فقلت: هو مهر مثلها والأب هو الذي بيده عقدة النكاح وهو رواية عن الإمام أحمد وقاله طائفة من العلماء وليس في كلام الإمام أحمد أن عفوه صحيح لأن بيده عقدة النكاح بل لأن له أن يأخذ مِن مالها ما شاء وتعليل الإمام أحمد بالأخذ من مالها ما شاء يقتضي جواز العفو بعد الدخول عن الصداق كله وكذلك سائر الديون والأشبه في مسألة الزوجة الصغيرة أنه يستحق وليها المطالبة لها بنصف

الصداق والنصف الآخر لا يطالب به إلا إذا مكنت من نفسها لأن النصف مستحق بإزاء الحبس وهو حاصل بالعقد والنصف الآخر بإزاء الدخول فلا يستحق إلا ببذله وإذا اختلفا في قبض المهر فالمتوجه إن كانت العادة الغالبة جارية بحصول القبض في هذه الديون أو الأعيان فالقول قول مَنْ يوافق العادة وهو جار على أصولنا وأصول مالك في تعارض الأصل والعادة والظاهر أنه يرجح وفرق بين دلالة الحال المطلقة العامة وبين دلالة الحال المقيدة المخصوصه فأما إن كانت الزوجة وقت العقد فقيرة ثم وجد معها الف درهم فقال: هذا هو الصداق وقالت: أخذته من غيره ولم تعين ولم يحدث لها قبض مثله فهو نظير تعليم السورة المشروطة وفيها وجهان ونظيره الإنفاق عليها والكسوة وفي هذه المواضع كلها إذا أبدت جهة القبض الممكن منها كالممكن من الزوج فينبغي أن القول قولها وإلا فلا
قال أصحابنا وغيرهم: يجب مهر المثل للموطوءة بشبهة وينبغي أنه إن أمكن أن يكون في وطء الشبهة مسمى فيكون هو الواجب فإنّ الشبهة ثلاثة أقسام: شبهة عقد وشبهة اعتقاد وشبهة ملك فأمّا عقد النكاح فلا ريب فيه وأمّا عقد البيع فإنه إذا وطئ المرأة المشتراة شراء فاسداً فالأشبه أن لا مهر ولا أجرة لمنافعها وأمّا شبهة الاعتقاد فإنْ كان الاشتباه عليه فقط فينبغي أن لا يجب لها مهر وإن كان عليها فقط فإن اعتقدت أنه زوجها فلا يبعد أن يجب المهر المسمى وأما شبهة الملك مثل مكاتبته وأمة مكاتبته والأمة المشتركة فإنْ كان قد اتفق مع مستحق المهر على شيء فينبغي أن لا يجب سواه وهذا قياس ضمان الأعيان والمنافع فإنّها تضمن بالقيمة إلا أن يكون المالك قد اتفق مع المتلف على غير ذلك سواء كان الاتلاف حلالاً أو حراماً وإذا تكرر الوطء في نكاح الشبهة فلا ريب أن الواجب مهر واحد كما تجب عدة واحدة ولا يجب المهر للمكرهة على الزنا وهو رواية عن أحمد ومذهب أبي حنيفة واختيار أبي البركات وذكر أبو العباس في موضع آخر عن أبي بكر التفرقة فأوجبه البكر دون الثيب ورواه ابن منصور عن الإمام أحمد لكن الأمة البكر إذا وطئت

مكرهة أو شبهة أو مطاوعة فلا ينبغي أن يختلف في وجوب أرش البكارة وهو ما نقص قيمتها بالثيوبة وقد يكون بعض القيمة أضعاف مهر مثل الأمة ومتى خرجت منه زوجته بغير اختياره بإفسادها أو بإفساد غيرها أو بيمينه لا يفعل شيئاً ففعله فله مهرها وهو رواية عن الإمام أحمد كالمفقود بناء على الصحيح أن خروج البضع من ملك الزوج متقوم وهو رواية عن الإمام أحمد والفرقة إذا كانت من وجهتها فهي كإتلاف البائع فيخير على المشهور بين مطالبتها بمهر المثل وضمان المسمى لها وبين إسقاط المسمّى

باب الوليمة

"باب الوليمة"
وتختص بطعام العرس في مقتضى كلام أحمد في رواية المروزي وقيل: تطلق على كل طعام لسرور حادث وقاله في "الجامع" وقيل: تطلق على ذلك إلا أنّه في العرس أظهر ووقت الوليمة في حديث زينب وصفته تدل على أنهّ عقب الدخول والأشبه جواز الإجابة لا وجوبها إذا كان في مجلس الوليمة مَنْ يهجر وأعدل الأقوال أنه إذا حضر الوليمة وهو صائم إنْ كان يَنْكسر قلب الداعي بترك الأكل فالأكل أفضل وإن لم ينكسر قلبه فإتمام الصوم أفضل ولا ينبغي لصاحب الدعوة الإلحاح في الطعام للمدعو إذا امتنع فإنَّ كلا الأمريْن جائز فإذا الزمه بما لا يلزمه كان مِن نوع المسألة المنهى عنها ولا ينبغي للمدعو إذا رأى أنه يترتب على امتناعه مفاسد أن يمتنع فإنَّ فطره جائز فإنْ كان ترك الجائز مستلزماً لأمور محذورة ينبغي أن يفعل ذلك الجائز وربما يصير واجباً وإنْ كان في إجابة الداعي مصلحة الإجابة فقط وفيها مفسدة الشبهة فالمنع أرجح
قال أبو العباس: هذا فيه خلاف فيما أظنّه والدعاء إلى الوليمة إذن في الأكل والدخول قاله في "المغني" وقال في "المحرر": لا يباح الأكل إلا بصريح إذن أو عرف وكلام الشيخ عبد القادر يوافقه وما قالاه مخالف ما قاله عامة الأصحاب والحضور مع الإنكار المزيل على قول عبد القادر هو حرام وعلى قول القاضي والشيخ أبي محمد هو واجب والأقيس بكلام الإمام أحمد في التخيير عند المنكر المعلوم غير المحسوس أن يتخيرهما أيضاً وإن كان الترك أشبه بكلامه لزوال المفاسد

بالحضور والإنكار لكن لا يجب لما فيه مِن تكليف الإنكار ولأن الداعي أسقط حرمته باتخاذه المنكر ونظير هذا إذا مر بمتلبس بمعصية هل يسلم عليه أو يترك التسليم وإنْ خافوا أن يأتوا بالمحرم ولم يغلب على ظنّهم أحد الطرفين فقد تعارض الموجب وهو الدعوة والمبيح وهو خوف شهود الخطيئة فينبغي أن لا يجب لأن الموجب لم يسلم عن المعارض المساوي ولا يحرم لأن المحرم كذلك فينتفي الوجوب والتحريم وينبغي الجواز ونصوص الإمام أحمد كلها تدل على المنع مِن اللبث في المكان المُضر وقاله القاضي: وهو لازم للشيخ أبي محمد حيث جزم بمنع اللبث في مكان فيه الخمر وآنية الذهب والفضة ولذلك مأخذان أحدهما: أن إقرار ذلك في المنزل منكر فلا يدخل إلى مكان فيه ذلك وعلى هذا فيجوز الدخول إلى دور أهل الذمة وكنائسهم وإن كانت فيها صور لأنهم لا يقرون على ذلك فإنهم لا ينهون عن ذلك كما ينهون عن إظهار الخمر وبهذا يخرج الجواب عن جميع ما احتج به أبو محمد ويكون منع الملائكة سبباً لمنع كونها في المنزل وعلى هذا فلو كان في الدعوة كلب لا يجوز اقتناؤه لم تدخل الملائكة أيضاً بخلاف الجُنب فإنَّ الجنب لا يطول بقاؤه جنباً فلا تمتنع الملائكة عن الدخول إذا كان هناك زَمناً يسيراً والثاني: أن يكون نفس اللبث محرماً أو مَكْرُوهاً ويستثنى من ذلك أوقات الحاجة كما في حديث عمر وغيره وتكون العلة ما يكتسبه المنزل من الصورة المحرمة حتى أنَّه لا يدخل منازل أهل الذمة
ورجح أبو العباس: في موضع آخر عدم الدخول إلى بيعة فيها صور وأنها كالمسجد على القبر والكنائس ليست ملكاً لأحد وأهل الذمة ليس لهم منع مَنْ يُعبد الله فيها لأنا صالحناهم عليه والعابد بينهم وبين الغافلين أعظم أجراً ويحرم شهود عيد اليهود والنصارى ونقله مهنأ عن أحمد وبيعه لهم فيه ويخرج من رواية منصوصة عن الإمام أحمد في منع التجارة إلى دار الحرب إذا لم يلزموه بفعل محرم أو ترك واجب وينكر ما يشاهده من المنكر بحسبه ويحرم بيعهم ما يعلمونه كنيسة أو مثالاً ونحو وكل ما فيه تخصيص لعيدهم أو ما هو بمنزلته.

قال أبو العباس: لا أعلم خلافاً أنه من التشبه بهم والتشبه بهم منهى عنه إجماعاً وتجب عقوبه فاعله ولا ينبغي إجابة هذه الدعوة ولما صارت العمامة الصفراء أو الزرقاء مِن شعارهم حُرِّم لبسها ويحرم الأكل والذبح الزائد على المعتاد في بقية الأيام ولو العادة فعله أو لتفريح أهله ويعزر إن عاد ويكره موسم خاص: كالرغائب وليلة القدر وليلة النصف من شعبان وهو بدعة وأمّا ما يُروى في الكحل يوم عاشوراء أو الخضاب أو الإغتسال أو المصافحة أو مسح رأس اليتيم أو أكل الحبوب أو الذبح ونحو ذلك: فكل ذلك كذب على النبي صلى الله عليه وسلم ومثل ذلك بدعة لا يستحب منه شيء عند ائمة الدين وما يفعله أهل البدع فيه من النياحة والندب والمأتم وسب الصحابة -رضي الله عنهم- هو أيضاً من أعظم البدع والمنكرات وكل بدعة ضلالة وهذا وإن كان بعض البدع والمنكرات أغلظ من بعض والخلاف في كسوة الحيطان إذا لم تكن حريراً أو ذهباً فأما الحرير والذهب فيحرم كما تحرم سيور الحرير والذهب على الرجال والحيطان والأثواب التي تختص بالمرأة ففي كون ستورها وكسوتها كفرشها نظر إذ ليس هو مِن اللباس ولا ريب في تحريم فرش الثياب تحت دابة الأمير لا سيما إن كانت خزاً أو مغصوبة ورخص أبو محمد ستر الحيطان لحاجة من وقاية حر أو برد ومقتضى كلام القاضي المنع لإطلاقه على مقتضى كلام الإمام أحمد ويكره تعليق الستور على الأبواب من غير حاجة لوجود إغلاق غيرها من أبواب ونحوها وكذلك الستور في الدهليز لغير حاجة فإن ما زاد على الحاجة فهو سرف وهل يرتقي إلى التحريم نظر قال المروزي: سألت أبا عبد الله عن الجوز ينثر فكرهه وقال: يعطون أو يقسم عليهم وقال في رواية إسحاق بن هانئ: لا يعجبني انتهاب الجوز وأن يوكل السكر كذلك قال القاضي: يكره الأكل التقاطاً من النثار سواء أخذه أو أخذه ممن أخذه وقول الإمام أحمد: هذه نهبة تقتضي التحريم وهو قوي وأمَّا الرخصة المحضة فتبعد جداً ويكره الأكل والشرب قائماً لغير حاجة ويكره القرآن فيما جرت العادة بتناوله إفراداً واختلف كلام أبي العباس في أكل الإنسان حتى

يتخم هل يكره أو يحرم وجزم أبو العباس: في موضع آخر بتحريم الاسراف وفسر بمجاوزة الحد وإذا قال عند الأكل: بسم الله الرحمن الرحيم كان حسناً فإنَّه أكمل بخلاف الذبح فإنه قد قيل: إن ذلك لا يناسب ويلم الإنسان من بيت صديقه وقريبه بغير إذنه إذا لم يحزه عنه

باب عشرة النساء

"باب عشرة النساء"
ولو شرط الزوج أن يتسلم الزوجة وهي صغيرة ليحصنها فقياس المذهب على إحدى الروايتين اللتيْن خَرَّجهما أبو بكر أنها إذا استثنت بعض منفعتها المستحقة بمطلق العقد أنه يصح هذا الشرط كما لو اشترط في الأمة التسليم ليلاً أو نهاراً وإذا اشترط في الأمة أن تكون نهاراً عند السيد وقلنا: أن ذلك موجب العقد المطلق أو لم نقل فأحد الوجهيْن أن هذا الشرط للسيد لا عليه كاشتراطها دارها وهو شرط له وعليه ولو خرج هذا على اشتراط دارها وهو أنه إذا اشترطت دارها لم يكن عليه أجرة تلك الدار لكان متوجهاً وإذا كان مُوجب العقد من التقابض مرده إلى العرف فليس العرف أن المرأة تسلم إليه صغيرة ولا تستحق ذلك لعدم التمكن من الانتفاع و لا تجب عليه النفقة فإنّه إذا لم يكن له حق في بدنها لعدم تمكنه فلا نفقة لها إذ النفقة تتبع الانتفاع وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية وخدمة القويه ليست كخدمة الضعيفة وقاله الجوزجاني من أصحابنا وأبو بكر بن أبي شيبة ويتخرج من نص الإمام أحمد على أنه يتزوج الأمة لحاجته إلى الخدمة لا إلى الاستمتاع وكلام الإمام أحمد يدل على أنه ينهي عن الإذن للذمية بالخروج إلى الكنيسة والبيعة بخلاف الأذن للمسلمة إلى المسجد فإنّه مأمور بذلك وكذا قال في "المغني": إن كانت زوجته ذمية فله منعها مبن الخروج إلى الكنيسة وللزوج منع

الزوجة مِن الخروج من منزله فإذا نهاها لم تخرج لعيادة مريض مُحرم لها أو شهود جنازته فأمّا عند الإطلاق فهل لها أن تخرج لذلك إذا لم يأذن ولم يمنع كعمل الصناعة أو لا تفعل إلا بإذن كالصيام تردد فيه أبو العباس وكلام القاضي في "التعليق" يقتضي أن التمكين من القبلة ليس بواجب على الزوجة
قال أبو العباس: وما أراه صحيحاً بل تجبر على تمكينه من جميع أنواع الاستمتاع المباحة ولو تطاوع الزوجان على الوطء في الدبر فُرِّق بينهما وقاله أصحابنا وعلى قياسه المطاوعة على الوطء في الحيض وتَهْجُر المرأة زوجها في المضجع لحق الله بدليل قصة الذين خلفوا وينبغي أن تملك النفقة في هذه الحال أن المنع منه كما لو امتنع عن أداء الصداق ويجب على الزوج وطء امرأته بقدر كفايتها ما لم ينهك بدنه أو تشغله عن معيشته غير مقدر بأربعة أشهر كالأمة فإنْ تنازعا فينبغي أن يفرضه الحاكم كالنفقة وكوطئه إذا زاد ويتوجه أن لا يتقدر قسم الابتداء الواجب كما لا يتقدر الوطء بل يكون بحسب الحاجة فإنّه قد يقال جواز التزوج بأربع لا يقتضي أنه إذا تزوج بواحدة يكون لها حال الانفراد ما لها حال الاجتماع وعلى هذا فتحمل قصة كعب بن سور على أنه تقدير شخص لا يراعى كما لو فرض النفقة وقول أصحابنا يجب على الرجل المبيت عند امرأته ليلة من أربع وهذا المبيت يتضمن سنتين إحداهما المجامعة في المنزل والثانية في المضجع وقوله تعالى {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} النساء: 34 مع قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يَهْجُر إلا في المضجع" دليل على وجوب المبيت في المضجع ودليل على أنه لا يهجر المنزل ونص الإمام أحمد في الذي يصوم النهار ويقوم الليل يدل على وجوب المبيت في المضجع وكذا ما ذكره في النشوز إذا نشزت هجرها في المضجع دليل على أنه لا يفعله بدون ذلك وحصول الضرر للزوجة بترك الوطء مقتض للفسخ بكل حال سواء كان بقصد من الزوج أو بغير قصد ولو مع قدرته وعجزه كالنفقة وأولى للفسخ بتعذره في الإيلاء إجماعاً وعلى هذا فالقول في امرأة الأسير والمحبوس

ونحوهما ممن تعذر انتفاع امرأته به إذا طلبت فرقته كالقول في امرأة المفقود بالإجماع كما قاله أبو محمد المقدسي قال أصحابنا: ويجب على الزوج أن يبيت عند زوجته الحرة ليلة من أربع وعند الأمة ليلة من سبع أو ثمان على اختلاف الوجهين ويتوجه على قولهم: أنه يجب للأمة ليلة من أربع لأن التنصيف إنما هو في قسم الابتداء فلا يملك الزوج بأكثر من أربع وذلك: أنه إذا تزوج بأربع إماء فهن في غاية عدده فتكون الأمة كالحرة في قسم الإبتداء وأمّا قسم التسوية فيختلفان إذا جوّزنا للحر أن يجمع بين ثلاث حرائر وأمة في رواية وأمّا على الرواية الأخرى فلا يتصور ذلك وأمّا العبد فقياس قولهم أنه يقسم للحرة ليلة من ليلتين والأمة ليلة من ثلاث وأربع ولا يتصور أن يجمع عنده أربعاً على قولنا وقول الجمهور وعلى قول مالك يتصور
قال أصحابنا: ويجب للمعيبة كالبرصاء والجذماء إذا لم يجز الفسخ وكذلك عليهما تمكين الأبرص والأجذم والقياس وجوب ذلك وفيه نظر إذ من الممكن أن يقال عليها وعليه في ذلك ضرر لكن إذا لم تمكنه فلا نفقة لها وإذا لم يستمتع بها فلها الفسخ ويكون المثبت للفسخ هنا عدم وطئه فهذا يقود إلى وجوبه وينفق على المجنون المأمون وليه والأشبه أنه مَن يملك الولاية على بدنه لأنه يملك الحضانة فالذي يملك تعليمه وتأديبه الأب ثم الوصي
قال أصحابنا: ويأثم إن طلق إحدى زوجتيه وقت قسمها وتعليلهم يقتضي أنه إذا طلقها قبل مجيء نوبتها كان له ذلك ويتوجه أن له الطلاق مطلقاً لأن القسم إنما يجب ما دامت زوجة كالنفقة وليس هو شيء هو مستقر في الذمة قبل مضي وقته حتى يقال هو دين
نعم لو لم يقسم لها حتى خرجت الليلة التي لها وجب عليه القضاء فلو طلقها قبله كان عاصياً ولو أراد أن يقضيها عن ليلة من ليالي الشتاء ليلة من ليالي الصيف كان لها الامتناع لأجل تفاوت بين الزمانين ويجب على الزوج التسوية بين الزوجات في النفقة وكلام القاضي في "التعليق" يدل عليه وكذا الكسوة
قال أصحابنا: ولا يجوز أن تأخذ الزوجة عوضاً عن حقها من المبيت وكذا الوطء ووقع في كلام القاضي ما يقتضي جوازه.

قال أبو العباس: وقياس المذهب عندي جواز أخذ العوض عن سائر حقوقها من القسم وغيره لأنه إذا جاز للزوج أن يأخذ العوض عن حقه منها جاز لها أن تأخذ العوض عن حقها منه لأن كلاً منهما منفعة بدنية وقد نص الإمام أحمد في غير موضع على أنه يجوز أن تبذل المرأة العوض ليصير أمرها بيدها ولأنها تستحق حبس الزوج كما يستحق الزوج حبسها وهو نوع من الرق فيجوز أخذ العوض عنه وقد تشبه هذه المسألة الصلح عن الشفعة وحد القذف ولو سافر بإحداهن بغير قرعة قال أصحابنا: يأثم ويقضي والأقوى أنه لا يقضي وهو قول الحنفية والمالكية وإذا ادعت الزوجة أو وليها أن الزوج يظلمها وكان الحاكم وليها وخاف ذلك نصب الحاكم مُشرفاً وفيه نظر ومسألة نصب المشرف لم يذكر الخرقي والقدماء ومقتضى كلامه إذا وقعت العداوة وخيف الشقاق بعث الحكمان من غير احتياج إلى نصب مشرف قال أصحابنا: ويجوز أن يكون الحكمان أجنبيين ويستحق أن يكونا من أهلهما ووجوب كونهما من أهلهما هو مقتضى قول الخرقي فإنه اشترطه كما اشترط الأمانة وهذا أصح فإنه نص القرآن ولأن الأقارب أخبر بالعلل الباطنة وأقرب إلى الأمانة والنظر في المصلحة وأيضاً فإنّه نظر في الجمع والتفريق وهو أولى من ولاية عقد النكاح لا سيما إن جعلناهما حاكمين كما هو الصواب ونص عليه الإمام أحمد في إحدى الروايتين وهو قول علي وابن عباس وغيرهما ومذهب مالك وهل للحكمين إذا قلنا هما حاكمان لا وكيلان أن يطلقا ثلاثاً أو يفسخا كما في المولى قالوا: هناك لما قام مقام الزوج في الطلاق ملك ما يملكه من واحدة وثلاث فيتوجه هنا كذلك إذا قلنا: هما حاكمان وإن قلنا
وكيلان لم يملكا إلا ما وكلا فيه وأما الفسخ هنا فلا يتوجه لأنه ليس حاكماً أصلياً

كتاب الخلع

" كتاب الخلع"
اختلف كلام أبي العباس في وجوب الخلع لسوء العشرة بين الزوجين وإن كانت مبغضة له لخلقه أو لغير ذلك من صفاته وهو يحبها فكراهة الخلع في حقه

تتوجه ونقل أبو طالب عن الإمام أحمد: إن كانت المرأة تبغض زوجها وهو يحبها لا آمرها بالخلع وينبغي لها أن تصبر وحمله القاضي على الاستحباب لا الكراهة لنّصه على جوازه في مواضع ولو عضلها لتفتدي نفسها منه ولم تكن تزني حرمت عليه قال ابن عقيل: العوض مردود والزوجة بائن
قال أبو العباس: وله وجه حسن ووجه قوي إذا قلنا: الخلع يُصح بلا عِوض فإنّه بمنزلة مَن خلع على مغصوب أو خنزير ونحوه وتخريج الروايتين هنا قوي جداً وخلع الحُبلى لا يصح على الأصح كما لا يصح نكاح المحلل لأنه ليس المقصود به القربة وإنما يقصد به بقاء المرأة تبع زوجها كما يقصد بنكاح المحلل وطئها لتعود إلى الأول والعقد لا يقصد به بعض مقصوده وإذا لم يصح لم تبن به الزوجة ويجوز الخلع عند الأئمة الأربعة والجمهور من الأجنبي فيجوز أن يختلعها كما يجوز أن يفتدي الأسير وكما يجوز أن يبذل الأجنبي لسيدها العبد عوضاً لعتقه ولهذا ينبغي أن يكون ذلك مشروطاً بما إذا كان قصده تخليصهاً من رق الزوج لمصلحتها في ذلك ونقل مهنا عن الإمام أحمد في رجل قال لرجل: طلق امرأتك حتى أتزوجها ولك ألف درهم فأخذ منه الألف ثم قال لامرأته: أنت طالق فقال: سبحان الله رجل يقول: لرجل طلق امرأتك حتى أتزوجها لا يحل هذا! وفي مذهب الإمام الشافعي وجهان: إذا قيل إن الخلع فسخ لا يصح من الأجنبي قالوا: لأنه إقالة والإقالة لا تصح من الأجنبي ذكره أبو المعالي وغيره من أهل الطريقة الخراسانية والصحيح في المذهبين أنه على القول بأنه فسخ هو فسخ وإنْ كان مع الأجنبي كما صرح بذلك من صرح مَن فقهاء المذهبين وإن كان شارح "الوجيز" لم يذكر ذلك فقد ذكره ائمة العراقيين كأبي إسحاق في "خلافه" وغيره وفي معنى الخلع من الأجنبي العفو عن القصاص وغيره على مال من الأجنبي كما ذكره الفقهاء في الغارم لإصلاح ذات البين يضمن لكل من الطرفين مالاً من عنده والتحقيق أنّه يصح ممن طلاقه أو الوكالة والولاية كالحاكم في الشقاق وكذا لو فعله الحاكم في الإيلاء والعُنّة أو الأعسار أو غيرها من المواضع التي

يملك الحاكم الفرقة لأن العبد والسفيه يصح طلاقهما بلا عوض فبالعوض أولى لكن قد يقال في قبولهما للوصية والهبة بلا إذن الولي وجهان فإنْ لم يكن بينهما فرق صحيح فلا يخرج الخلاف والأظهر أن المرأة إذا كانت تحت حجر الأب أنّ له أن يخالع إذا كان لها فيه مصلحة ويوافق ذلك بعض الروايات عن مالك وتخرج أصول لأحمد والخلع بعوض فسخ بأي لفظ كان ولو وقع بصريح الطلاق وليس من الطلاق الثلاث وهذا هو المنقول عن عبد الله بن عباس وأصحابه وعن الإمام أحمد وقدماء أصحابه لم يفرق أحد من السلف ولا أحمد بن حنبل ولا قدماء أصحابه في الخلع بين لفظ ولفظ لا لفظ الطلاق ولا غيره بل ألفاظهم كلها صريحة في أنه فسخ بأي لفظ كان قال عبد الله: رأيت أبي يذهب إلى قول ابن عباس وابن عباس صح عنه أنه كل ما أجازه المال فليس بطلاق والذي يقتضيه القياس أنهما إذا طلقها النكاح ثبت صداق المثل فهكذا الخلع وأولى وقال: يقتضيه القياس أنّهما إذا طلقها النكاح ثبت صداق المثل فهكذا الخلع وأولى
وقال أبو العباس في موضع آخر هل للزوج إبانة امرأته بلا عوض فيه ثلاثة أقوال: أحدها: ليس له أن يبينها إلا بعوض وإن كان طلاق وقع بعد الدخول بلا عوض فرجعي وهذا مذهب الشافعي وأحد القولين في مذهب مالك وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد والقول الثاني: إبانتها بغير عوض مطلقاً باختيارها وغير اختيارها وهذا مذهب أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد
والقول الثالث: له إبانتها بغير عوض في بعض المواضع دون بعض فإذا اختارت الإبانة بغير عوض فله أن يبينها ويصح الخلع بغير عوض ويقع به البينونة إما طلاقاً وإمّا فسخاً على أحد القولين وهذا مذهب مالك المشهور عنه في رواية أبي القاسم وهو الرواية الأخرى عن الإمام أحمد اختارها الخرقي وهذا القول له مأخذان أحدهما: أن الرجعة حق للزوجين فإذا تراضيا على إسقاطها سقطت والثاني: أن ذلك فرقة بعوض لأنها رضيت بترك النفقة والسكنى ورضي هو بترك ارتجاعها إسقاط ما ثبت لهما بالطلاق كما لو خالعها على نفقة الولد وهذا قول قوي وهو داخل في النفقة من غيره ولو شرط الرجعة في الخلع فقياس المذهب صحة هذا الشرط كما لو بذلت له مالاً على أن تملك أمرها فإنّ الإمام أحمد نص

مفقودة

كتاب الطلاق

*

مفقودة

رواية عن الإمام أحمد اختارها أبو بكر ونقل الميموني عن أحمد الرجوع عما سواها فقال: كنْتُ أقول يقع طلاق السكران حتى تبينت فغلب على أنه لا يقع وقصد إزالة العقل بلا سبب شرعي محرم ولو ادعى الزوج أنه حين الطلاق زائل العقل لمرض أو غشي
قال أبو العباس: أفتيت أنه إذا كان هناك سبب يمكن معه صدقه فالقول قوله مع يمينه ويجب على الزوج أمر زوجته بالصلاة فإنْ لم تصل وجب عليه فراقها في الصحيح
وقال أبو العباس: في موضع آخر إذا دعيت إلى الصلاة وامتنعت انفسخ نكاحها في أحد قولي العلماء ولا ينفسخ في الآخر إذ ليس كل من وجب عليه فراقها ينفسخ نكاحها بلا فعله فإن كان عاجزاً عن طلاقها لثقل مهرها كان مُسيئاً بتزوجه بمَن لا تصلي وعلى هذا الوجه فيتوب إلى الله تعالى من ذلك وينوي أنه إذا قدر على أكثر من ذلك فعله ولا يقع طلاق المكره والإكراه يحصل إمّا بالتهديد أو بأن يغلب على ظنّه أنه يضره في نفسه أو ماله بلا تهديد وقال أبو العباس: في موضع آخر كونه يغلب على ظنه تحقق تهديده ليس بجيد بل الصواب أنه لو استوى الطرفان لكان إكراهاً وأمّا إنْ خاف وقوع التهديد وغلب على ظنّه عدمه فهو محتمل في كلام أحمد وغيره ولو أراد للكره وإيقاع الطلاق وتكلم به وقع وهو رواية حكاها أبو الخطاب في "الانتصار" وإنْ سحره ليُطلق فإكراه
وقال أبو العباس: تأملت المذهب فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره عليه فليس الإكراه المعتبر في كلمة الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها فإنَّ أحمد قد نص في غير موضع على أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بتعذيب من ضرب أو قيد ولا يكون الكلام إكراهاً وقد نص على أن المرأة لو وهبت زوجها صداقها أو مسكنها فلها أن ترجع بناء على أنها لا تهب له إلا إذا خافت أن يطلقها أو يُسيء عشرتها فجعل خوف الطلاق أو سوء العشرة إكراهاً في الهبة ولفظه في موضع آخر لأنّه أكرهها ومثل هذا لا يكون إكراهاً على الكفر فإنَّ

الأسير إذا خشي من الكفار أن لا يزوجوه وأن يحولوا بينه وبين امرأته لم يبح له التكلم بكلمة الكفر ومثل هذا لو كان له عند رجل حق من دين أو وديعة فقال: لا أعطيك حتى تبيعني أو تهبني فقال مالك: هو إكراه وهو قياس قول أحمد ومنصوصه في مسألة ما إذا منعها حقها لتختلع منه وقال القاضي تبعاً للحنفية والشافعية: ليس إكراهاً وكلام أحمد في وجوب طلاق الزوجة بأمر الأب مقيد بصلاح الأب والطلاق في زمن الحيض محرم لاقتضاء النهي الفساد ولأنه خلاف ما أمر الله به وإن طلقها في طهر أصابها فيه حرم ولا يقع ويقع من ثلاث مجموعة أو مفرقة بعد الدخول واحدة
قال أبو العباس: ولا أعلم أحد فرق بين الصورتين والرجعية لا يلحقها الطلاق وإن كانت في العدة بناء على أن إرسال طلاقه على الرجعية في عدتها قبل أن يراجعها محرم ولو قال: أنت طالق في آخر طهرك ولم يطأ فيه فهو مباح إلا على رواية: القروء الأطهار وقاله جمهور أصحابنا وقال الجعد تبعاً للقاضي في "المجرد": هو بدعة ومن حلف بالطلاق كاذباً يعلم كذب نفسه لا تُطلق زوجته ولا يلزمه كفارة يمين ولو قال رجل: امرأة فلان طالق فقال: ثلاثاً فهذه تشبه ما لو قال: لي عليك ألف فقال: صحاح وفيه وجهان وهذا أصله في الكلام من اثنين إذا أتي الثاني بالصفة ونحوها هل يكون متمماً للأول وعقد النية في الطلاق على مذهب الإمام أحمد أنها إن اسقطت شيئاً من الطلاق لم تقبل مثل قوله: أنت طالق ثلاثاً وقال: نويت إلا واحدة فإنّه لا يقبل رواية واحدة وإن لم تسقط من الطلاق وإنما عدل به من حال إلى حال مثل أن ينوي مِن وثاق وعقال ودخول الدار إلى سنة ونحو ذلك فهذا على روايتين: إحداهما: يقبل كما لو قال: أنت طالق أنت طالق وقال: نويت بالثانية التأكيد فإنّه يقبل منه رواية واحدة وأنت طالق ومطلقة ومن شاكل ذلك من الصيغ هي إنشاء من حيث أنها هي إثبات للحكم وشهادتهم وهي إخبار لدلالتها على المعنى الذي في النفس ومن أشهد عليه بطلاق ثلاث ثم أفتى بأنه لا شيء عليه لم يؤاخذ بإقراره لمعرفة أن مستنده في إقراره ذلك مما يجهله وإذا صرف الزوج لفظه إلى ممكن يتخرج أن يقبل قوله إذا كان عدلاً كما قاله أحمد فيمن أخبرت

أنها نكحت من أصابها وفي المخبر بالثمن إذا ادعى الغلط على رواية ولو قيل بمثل هذا في المخبرة بحيضها إذا علق الطلاق به يتوجه وذلك لأن المخبر إذا خالف خبره الأصل اعتبر فيه العدالة ولا يقع الطلاق بالكناية إلا بنية إلا مع قرينة أراد الطلاق فإذا قُرن الكنايات بلفظ يدل على أحكام الطلاق مثل أن يقول: فسخت النكاح وقطعت الزوجية ورفعت العلاقة بيني وبين زوجتي وقال الغزالي في "المستصفى" في ضمن مسألة القياس: لا يقع الطلاق بالكناية حتى ينويه
قال أبو العباس: هذا عندي ضعيف على المذاهب كلها فإنهم مَهدوا في كتاب الوقف أنه إذا قُرن بالكناية بعض أحكامه صارت كالصريح ويجب أن يفرق بين قول الزوج: لستِ لي بامرأة وما أنت لي بامرأة وبين قوله ليس لي امرأة وبين قوله إذا قيل له لك امرأة فقال: لا فإنَّ الفرق ثابت بينهما وَصْفاً وعدداً إذ الأول نفي لنكاحها ونفي النكاح عنها كإثبات طلاقها ويكون إنشاء ويكون إخباراً بخلاف نفي المنكوحات عموماً فإنّه لا يُستعمل إلا إخباراً وفي "المغني" و "الكافي" وغيرهما: أنه لو باع زوجته لا يقع به طلاق وقال ابن عقيل: وعندي أنه كناية
قال أبو العباس: وهذا متوجه إذا قصد الخلع لا يبع الرقبة
قال القاضي: إنْ قال لها اختاري نفسك فذكرت أنها اختارت نفسها فأنكر الزوج فالقول قوله لأن الاختيار مما يمكنها إقامة البينة عليه فلا يقبل قوله في اختيارها
قال أبو العباس: يتوجه أن يقبل قولها كالوكيل على ما ذكره أصحابنا في أن الوكيل يقبل قوله في كل تصرف وكل فيه ولو ادعى الزوج أنه رجع قبل إيقاع الوكيل لم يقبل قوله إلا ببينة نص عليه الإمام أحمد في رواية أبي الحارث ذكره القاضي في "المجرد" وإذا قال لزوجته: إن أبرأتيني فأنت طالق فقالت: ابرأك الله مما تدعي النساء على الرجال إذا كانت رشيدة

باب ما ييختلف به عدد الطلاق

"باب ما يختلف به عدد الطلاق"
وإذا قال الزوج: يلزمني الطلاق وله أكثر مِن زوجة فإنْ كان هناك نية أو

سبب يقتضي التعميم أو التخصيص عمل به ومع فقد النية والسبب فالتحقيق أن هذه المسألة مبنية على الروايتين في وقوع الثلاث بذلك على الزوجة الواحدة لأن الاستغراق في الطلاق يكون تارة في نفسه وتارة في محله وقد فُرِّق بينهما بأن عموم المصدر لإفراده أقوى من عمومه لمفعولاته وقال أبو العباس في موضع آخر وقوع الطلاق لجميع الزوجات دون وقوع الثلاث بالزوجة الواحدة وفرق بأن وقوع الثلاث بالواحدة محرم بخلاف المتعددات وإذا قلنا بالعموم فلا كلام وإن لم نقل به فهل تتعين واحدة بالقرعة أو يخرج بتعيينه على روايتين والفصل بين المستثنى والمستثنى منه بكلام الغير والسكوت لا يكون فصلاً مانعاً من صحة الاستثناء والاستثناء والشرط إذا كان سؤال ساير أثر وكل هذا يؤيد الرواية الأخرى وهو أنهما ما داما في ذلك الكلام فله أن يلحق به ما يغيره فيكون اتصال الكلام الواحد كاتصال القبول والإيجاب ولا يشترط في الاستثناء والشرط والعطف المغير والاستثناء بالمشيئة حيث يؤثر في ذلك فلا بد أن يسمع نفسه إذا لفظ به
قال أبو العباس: تأملت نصوص كلام الإمام أحمد فوجدته يأمر باعتزال الرجل زوجته في كل يمين حلف الرجل عليها بالطلاق وهو لا يدري أبار هو فيها أو حانث حتى يستيقن أنه بار فإن لم يعلم أنه بار في وقت وشك في وقت اعتزلها وقت الشك نص على فروع هذا الأصل في مواضع: إذا قال لامرأته إن كنت حاملاً فأنت طالق فإنّه نص على أنه يعتزلها حتى تتبين أنها ليست بحامل ولم يذكر القاضي خلافاً في أنه يمنع من وطئها قبل الاستبراء إن كان قد وطئها قبل اليمين وتلخص من كلام القاضي أنها إذا لم تحض ولم يظهر بها حمل فهل يحكم ببراءة الرحم بحيث يجوز وُطؤها ويتبين أن الطلاق لم يقع بمضي تسعة أشهر أو ثلاثة أشهر على وجهيْن

وهذا إنّما هو في حق من تحيض وتحمل وأما الآيسة والصغيرة فإن الواجب أن تستبرآ بمثل الحيضة وهو ثلاثة أشهر أو شهر واحد على ما فيه من الخلاف أو يقال: يجوز وطء هذه قبل الاستبراء إلا أن تكون حاملاً هذا هو الصواب وكل موضع يكون الشرط أمراً عدمياً يتبين فيما بعد مثل أن يقول: إن لم يقدم زيد أو إن لا يقدم في هذا الشهر ونحو ذلك فلا يجوز الوطء حتى يتبين ومنها إذا وكل وكيلاً في طلاق زوجته فإنه يعتزلها حتى يدري ما فعل وحمله القاضي على الاستحباب والوجوب متوجه ومنها إذا قال: أنت طالق ليلة القدر فإنه يعتزلها إذا دخل العشر الأواخر لإمكان أن تكون ليلة القدر أول ليلة وحمله القاضي على المنع ومنها إذا قال: أنت طالق قبل موتي بشهر فإنه يعتزلها أبداً وحمله القاضي على الاستحباب ومنها مسألة إن كان هذا الطائر غراباً فامرأتي طالق ثلاثاً وقال آخر إن لم يكن غراباً فامرأتي طالق ثلاثاً وطار ولم يعلم ما هو فإنهما يعتزلان نساءهما حتى يتيقنا وحمله القاضي على الاستحباب وما كان من هذه الشروط مما يئسا من استبانته ففيه مع العلم وقوعه ذكر القاضي في مسألة الطائر أن ظاهر كلام أحمد إيقاع الحنث وتعليل القاضي في مسألة أنت طالق إن شاء الله صريح في ذلك فإنه جعل الشرط الذي لا يعلم بمنزلة عدم الاشتراط وهذا ظاهر في قول أحمد: أنت طالق إن شاء فلان فلو لم يشأ تطلق لأن مشيئة العباد ومشيئة الله لا تدرك مغيبة عنه فإن هذا يقتضي أن كل شرط مغيب لا يدرك يقع الطلاق المعلق به
وعلى هذا من حلف: ليدخلن الجنة يحنث لأنّه مغيب لا يدرك لكن كلام الإمام أحمد في أكثر المواضع إنّما فيه الأمر بالاعتزال فقط وهذا فقه حسن فإنَّ الحلف بالطلاق محمول على الحلف ب الله ولو حلف ب الله على أمر وهو لا يعلم أنه صادق في يمينه كان آثماً بذلك وإن لم يتيقن أنه كاذب فكذلك يمين الطلاق وأشد

وقد نص على أنه إذا شك هل طلق أم لا أنه لا يقع به الطلاق ولم يتعرض للاعتزال فلينظر هل يؤمر بالإعتزال هنا أم يفرق بأن هذا لم يحلف يميناً فهو بمنزلة من شك هل حلف أم لا قال في "المحرر": وتمام التورع في الشك قطعه برجعة أو عقد إن أمكن وإلا ففرقة متيقنة بأن يقول: إن لم يكن طلقت فهي طالق: وقال القاضي: أمّا في الورع فإنْ كان يعلم من نفسه أنه متى طلق فإنّما يطلق واحدة لاعتقاده أن الزيادة عليها بدعة ألزم نفسه طلقة وراجعها فإنْ كان الطلاق قد وجد فقد راجع وإن لم يكن قد وجد منه فما ضره وإن كان يعلم من نفسه أنه متى طلق فإنّما يطلق ثلاثاً ألزم نفسه ثلاثاً ومعناه أنه يوقع عدد الطلقات الثلاث فتحل لغيره من الأزواج ظاهراً وباطناً
قال أبو العباس: وما يدل على أنه متى أوقع الشك في وقوع الطلاق فالأولى استيفاء النكاح بل يكره أو يحرم إيقاعه لأجل الشك أن الطلاق بغيض إلى الرحمن حبيب إلى الشيطان ويدل عليه قصة هاروت وماروت وأيضاً فإن النكاح دوامه آكد من ابتدائه كالصلاة وإذا شك في الصلاة هل أحدث أم لا لم يستحب له أن ينصرف عنها بالشك بنص الحديث لما فيه من إبطال الصلاة بالشك فكذلك إبطال النكاح بل الصلاة إذا أبطلها أمكن ابتداؤها بخلاف النكاح وإن طلق واحدة من نسائه معينة ثم نسيها أو مبهمة غير معينة أخرجت بالقرعة على الصحيح

باب تعلق الطلاق بالشروط

"باب تعلق الطلاق بالشروط"
والمعلق من الطلاق على شرط إيقاع له عند الشرط ولهذا يقول بعض الفقهاء: إن التعليق يصير إيقاعاً في ثاني الحال ويقول بعضهم: أنه متهيء لأن يصير إيقاعاً وإذا علق الطلاق بالنكاح فالمذهب المنصوص أنه لا يصح ولو قال: على مذهب مالك إذ هو التزام لمذهب معين وذلك لا يلزم وهذا إذا لم تكن الزوجة حال التعليق في نكاحه فإنَّ كانت في نكاحه حينئذٍ وعلق طلاقها على طلاق يوجد فنص أحمد في رواية ابن منصور وغيره على أنه يصح هذا التعليق وحكاه

القاضي في "المجرد" عن أبي بكر ورجحه ابن عقيل لأن التعليق هنا في نكاح ومن أصلنا: أن الصفة المطلقة تتناول جميع الأنكحة بإطلاق وتقيد الصفة فيها فكيف إذا اقترنت بنكاح معين ولو قال كما وتعليق النذر بالملك مثل: إن رزقني الله مالاً فلله علي أن أتصدق به أو شيء منه فيصح اتفاقاً وقد دلّ عليه قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} التوبة: 75 الآية وتعليق العتق بالملك صحيح وهو المذهب المنصوص عن أحمد والخلال وصاحبه لا يحكيان في ذلك خلافاً وابن حامد والقاضي يحكيان روايتين
قال جمهور أصحابنا: إذا قال المعلق: عجلت ما علقته لم يتعجل وفيما قالوه نظر فإنّه يملك تعجيل الدين المؤجل وحقوق الله تعالى وحقوق العباد في الجملة سواء تأجلت شرعاً أو شرطاً ولو قيل: زنت امرأتك أو: خرجت من الدار فغضب وقال: فهي طالق لم تُطلق وأفتى به ابن عقيل: وهو قول عطاء بن أبي رباح وقريب منه ما ذكره ابن أبي موسى وخالف فيه القاضي إذا قال لامرأته: أنت طالق أَن دخلت الدار بفتح الهمزة أنها لا تطلق إذا لم تكن دخلت لأنه إنما طلقها لعلة فلا يثبت الطلاق بدونها ومن هذا الباب ما يسأل عنه كثير مثل أن يعتقد أن غيره أخذ ماله فيحلف ليردنه أو يقول: إن لم يرده فامرأتي طالق ثم تبين أنه لم يأخذه أو يقول: ليحضرن زيد ثم يتبين موته أو: لتعطيني من الدراهم التي معك ولا دراهم معه
ثم هذا قسمان:
الأول: منه ما يتبين حصول غرضه بدون الفعل المحلوف عليه مثل ما إذا ظن أنها سرقت فيحلف ليردنه فوجدها لم تسرقه
والثاني: ما لم يحصل معه غرضه مثل أن يحلف: ليعطيني ألف درهم من هذا

الكيس فيتبين أنه ليس فيه دراهم فالقسم الأول يظهر فيه جداً أنه لا يحنث لأن مقصوده لتردنه إن كنت أخذته وهذا الشرط وإن لم يذكر في اللفظ فهو قطع والثاني: فإنَّه وإن لم يحصل فيه غرضه لكن لا غرض له مع وجود المحلوف عليه فيصير كأنه لم يحلف عليه وفي الأول يحصل غرضه منه فيصير كأنه بر بالفعل ولو قال: أنت طالق اليوم إذا جاء غداً وأنا من أهل الطلاق
قال أبو العباس: فإنّه يقع الطلاق على ما رأيته لأنه ما جعل هذا شرطاً يتعلق وقوع الطلاق به فهو كما لو قال: أنت طالق قبل موتي بشهر فإنه لم يجعل موته شرطاً يقع به الطلاق عليها قبل شهر وإنّما رتبه فوقع على ما رتب ومن علق الطلاق على شرط أو التزمه لا يقصد بذلك إلا الحض أو المنع فإنّه يجزئه فيه كفارة يمين إن حنث وإن أراد الجزاء بتعليقه طلقت وكره الشرط أولاً وكذا الحلف بعتق وظهار وتحريم وعليه يدل كلام أحمد في نذر اللجاج والعصب وقوله: هو يهودي إن فعلت كذا والطلاق يلزمني ونحوه يمين باتفاق العقلاء والفقهاء والأمم ويتوجه إذا حلف ليفعلن كذا أن مطلقه يوجب فعل المحلوف عليه على الفور ما لم تكن قرينة تقتضي التأخير لأن الإيمان كالأمر في الشريعة بخلاف قوله لتدخلن المسجد الحرام وقوله بلى وربي لتبعثن فإنَّ مقصوده الخبر لا الحض وقد يجاب عن هذا بأن الفور ما جاء من جهة اللفظ بل من جهة حكم الأمر
قال أبو العباس: سئلت عمن قال الطلاق يلزمني ما دام فلان في هذا البلد فأجبت أنه إن قصد به الطلاق إلى حين خروجه فقد وقع ولغا التوقيت وهذا هو الوضع اللغوي وإن قصد أنت طالق إن دام فلان فإن خرج عقب اليمين لم يحنث وإلا حنث وهذا نظير أنت طالق إلى شهر
قال أبو الحسن التميمي سئلت عن رجل له أربع نسوة قال لواحدة منهن وهو مواجه لها: مَن بدأت بطلاقها منكن فعبدي حر وقال للثانية: إن طلقتك فعبدان حران وقال للثالثة: إن طلقتك فثلاث من عبيدي أحرار وقال إن طلقت الرابعة فأربعة من عبيدي أحرار ثم طلقهن

كم يعتق عليه
قال: فأجبت على ما حضر من الحساب أنه يعتق عليه بطلاقه لهن عشرة أعبد
قال أبو العباس: هذه المسألة لم تجمع الصفات في عين واحدة ولكن طلاق كل واحدة صفة على انفرادها وهذا إذا كان قد طلقهن متفرقات فالمتوجه أن يعتق عشرة أعبد كما قال أبو الحسن وإن طلقهن بكلمة واحدة توجه أن يعتق ثلاثة عشر عبداً وأصح الطرق في الاكتفاء ببعض الصفة أن الصفة إن كانت حضاً منعاً أو تصديقاً أو كذباً فهي كاليمين وإلا فهي علة محضة فلا بد من وجودها بكمالها
قال أبو العباس: سئلت عمن قال لامرأته أنت طالق ثلاثاً غير اليوم قال فقلت ظاهره وقوع الطلاق في الغد لكن كثيراً ما يعني به سوى هذا الزمان وهو الذي عناه الحالف فإنه كما لو قال أنت طالق في وقت آخر وعلى غير هذه الحال أو في سوى هذه المدة ونوى التأخير فإنْ عَيّن وقتاً بعينه مثل وقت مرض أو فقر أو غلاء أو رخص ونحو ذلك تقيد به وإن لم ينو شيئاً فهو كما لو قال أنت طالق في زمان متراخ عن هذا الوقت فيشبه الحين إلا أن المغايرة قد يراد بها المغايرة الزمانية وقد يراد بها المغايرة الحالية والذي عناه الحالف ليس معيناً فهو مطلق فمتى تغيرت الحال تغيراً يناسب الطلاق وقع وإن قال أنت طالق في أول شهر كذا طلقت بدخوله وقاله أصحابنا وكذا في غرته ورأسه واستقباله وإذا قال أنت طالق مع موتي أو مع موتك فليس هذا بشيء نقله منها عن الإمام أحمد وجزم به الأصحاب ولكن يتوجه على قول ابن حامد أن تطلق لأن صفة الطلاق والبينونة إذا وجدت في زمن واحد وقع الطلاق ولعل ابن حامد يفرق بأن وقوع الطلاق مع البينونة له فائدة وهو التحريم أو نقص العدد بخلاف البينونة بالموت ولو علق الطلاق على صفات ثلاث فاجتمعن في عين واحدة لا تطلق إلا طلقة واحدة لأنه الأظهر في مراد الحالف والعرف يقتضيه إلا أن ينوي خلافه ونص الإمام أحمد في رواية ابن منصور فيمَن قال لامرأته أنت طالق طلقة إن ولدت ذكراً أو طلقتين إن ولدت أنثى فولدت ذكراً وأنثى أنه على ما نوى إنما أراد

ولادة واحدة وأنكر قول سفيان أنه يقع عليها بالأول ما علق به وتبين بالثاني ولا تطلق به قال أصحابنا إذا قال أنت طالق وعبدي حر إن شاء زيد لم يقع إلا بمشيئة زيد لها إذ لم ينو غيره ويتوجه أن تعود المشيئة إليهما إما جميعاً وإما مطلقاً بحيث لو شاء أحدهما وقع ما شاء وكذلك نظيرها في الخلع أنتما طالقان ونظيره أن يقول و الله لا مؤمن ولا كافر فكن إن شاء الله الجميع فينتفي الشرط ولم يفعل جميع المحلوف عليه فيحنث
قال القاضي في "الجامع" فإنْ قال أنت طالق إن لم يشأ زيد فقد علق الطلاق بصفة هي عدم المشيئة فمتى لم يشأ وقع الطلاق لوجود شرطه وهو عدم المشيئة من جهته
قال أبو العباس: والقياس أنها لا تطلق حتى تفوت المشيئة إلا أن تكون نية أو قرينة تقتضي الفورية وإذا قال لزوجته: أنت طالق إن شاء الله أنه لا يقع به الطلاق عند أكثر العلماء وإن قصد أنه يقع به الطلاق وقال إن شاء الله تثبيتاً لذلك وتأكيداً لإيقاعه وقع عند أكثر العلماء ومِن العلماء مَن قال لا يقع مطلقاً ومنهم من قال يقع مطلقاً وهذا التفصيل الذي ذكرناه هو الصواب وتعليق إن كان تعليقاً محضاً ليس فيه تحقيق خبر ولا حض على فعل كقوله إن طلعت الشمس فهذا يفيد فيه الاستثناء ويتوجه أن يخرج على قول أصحابنا هل هذا يمين أم لا ومن هذا الباب توقيته بحادث يتعلق بالطلاق معه غرض كقوله إن مات أبوك فأنت طالق أو إن مات أبي هذا فأنت طالق ونحو هذا وقياس المذهب أن الإستثناء لا يؤثر في مثل هذا فإنه لا يحلف عليه ب الله والطلاق فرع اليمين ب الله وإن كان المحلوف عليه أو الشرط خبراً عن مستقبل لا طلباً كقوله ليقد من الحاج أو السلطان فهو كاليمين ينفع فيه الاستثناء وإن كان الشرط أمراً عدمياً كقوله: إن لم أفعل كذا فأنت طالق إن شاء الله تعالى فينبغي أن يكون كالثبوت كما في اليمين ب الله ويفيد الاستثناء في النذر كما في لا تصدقن إن شاء

الله لأنه يمين ويفيد الاستثناء في الحرام والظهار وهو المنصوص عن أحمد فيهما وللعلماء في الاستثناء النافع قولان أحدهما لا ينفعه حتى ينويه قبل فراغ المستثنى منه وهو قول الشافعي والقاضي أبي يعلى ومن تبعه والثاني ينفعه وإن لم يرده إلا بعد الفراغ حتى لو قال له بعض الحاضرين قل إن شاء الله نفعه وهذا هو مذهب أحمد الذي يدل عليه كلامه وعليه متقدموا أصحابه واختيار أبي محمد وغيره وهو مذهب مالك وهو الصواب ولا يعتبر قصد الاستثناء فلو سبق على لسانه عادة أو أتى به تَبركاً رفع حكم اليمين وكذا قوله: إن أراد الله وقصد بالإرادة مشيئته لا محبته وأمره ومَن شك في الإستثناء وكان من عادته الاستثناء فهو كما لو علم أنه استثنى كالمستحاضة تعمل بالعادة والتمييز ولم تجلس أقل الحيض والأصل وجوب العبادة في ذمتها
قال في "المحرر": إذا قال إذا طلقتك فأنت طالق أو فعبدي حر لم يحنث في يمينه إلا بتطليق ينجزه أو يعلقه بعدمها بشرط فيؤاخذ وقال أبو العباس: يتوجه إذا كان الطلاق المعلق قبل عقد هذه الصفة أو معها معلقاً بفعله فعله باختياره أن يكون فعله له تطليقاً وأن التطليق يفتقر إلى أن تكون الصفة من فعله أيضاً فإذا علقه بفعل غيره ولم يأمره بالفعل لم يكن تطليقاً وإلا حلف لا يطلق فجعل أمرها بيدها أو خيّرها فطلقت نفسها فالمتوجه أن تخرج على الروايتين في تنصيف الصداق إن قلنا يتنصف جعلناه تطليقاً وإن قلنا يسقط لم نجعله تطليقاً وإنّما هو تمكين من التطليق وإذا قال: إذا طلقتك أو إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثاً فتعليقه باطل ولا يقع سوى المنجزة وقال ابن سريح ينحسم باب الطلاق وما قاله محدث في الإسلام لم يفت به أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أحد من الأئمة الأربعة وأنكر جمهور العلماء على مَن أفتى بها ومَن قلد فيها شخصاً وحلف بالطلاق بعد ذلك معتقداً أنه لا يقع عليه الطلاق بها لم يقع عليه طلاق في أظهر قولي العلماء كمن أوقعه فيمن يعتقدها أجنبية وكانت في الباطن امرأته فإنّها لا تطلق على الصحيح وإن حلف على غيره ليكلمن فلاناً ينبغي أن لا يبدأ إلا بالكلام الطيب كالكلام ونحوه دون السب ونحوه فإنّ اليمين في جانب النفي أعم من اللفظ اللغوي وفي جانب الإثبات أخص كما قلنا فيمن حلف ليتزوجن ونظائره فإنه لا يبر إلا بكمال المسمى ولو علق الطلاق على كلام زيد فهل كتابته أو رسالته الحاضرة كالإشارة فيجيء

فيها الوجهان أو يحنث بكل حال
تردد فيه أبو العباس قال: وأصل ذلك الوجهان انعقاد النكاح بكتابة القادر على النطق وإذا قال: إن عصيت أمري فأنت طالق ثم أمرها بشيء أمراً مطلقاً فخالفت حنث وإن تركته ناسية أو جاهلة أو عاجزة ينبغي أن لا يحنث لأنَّ هذا الترك ليس عصياناً وإنْ أمرها أمراً بَيّن أنه ندب بأن يقول: أنا آمرك بالخروج وأبيح لك العقود فلا حنث عليه لحمل اليمين على الأمر المطلق على مطلق الأمر والمندوب ليس مأموراً به أمراً مطلقاً وإنّما هو مأمور به أمراً مقيداً ولو علق على خروجها بغير إذن ثم أذن لها مرة فخرجت أخرى بغير إذن طُلقت وهو مذهب أحمد لأن خرجت نكرة في سياق الشرط وهي تقتضي العموم وإنْ أذن لها فقالت: لا أخرج ثم خرجت الخروج المأذون فيه
قال أبو العباس: سئلت عن هذه المسألة ويتوجه فيها أن لا يحنث لأن امتناعها من الخروج لا يخرج الإذن عن أن يكون إذناً لكن هو إذا قالت: لا أخرج قد اطمأن إلى أنها لا تخرج ولم تشعره بالخروج فقد خرجت بلا علم والأذن علم وإباحة
ويقال أيضاً: أنها ردت الأذن عليه فهو بمنزلة قوله: أمرك بيدك إذا أردت ذلك وأصل هذا أن هذا الباب نوعان
توكيل وإباحة فإذا قال له: بع هذا فقال: لا أبيع
أن النفي يرد القبول في الوصية والموصي إليه لم يملكه بعد وإذا أباحه شيئاً فقال: لا أقبل فهل له أخذه بعد ذلك فيه نظر ويتوجه أن الإنشاء كالخبر في التكرار وظاهر كلام أبي العباس: أن لتقضينه حقه في وقت عينه فأبرأه قبله لا يحنث وهو قول أبي حنيفة ومحمد وقول في مذهب أحمد وغيره

باب جامع الإيمان

"باب جامع الأيمان"
وإذا حلف على معين موصوف بصفة فبان موصوفاً بغيرها كقوله: والله لا أكلم هذا الصبي فتبين شيخاً أو لا أشرب من هذا الخمر فتبين خلاً أو كان الحالف يعتقد أن المخاطب يفعل المحلوف عليه لاعتقاده أنه ممن لا يخالفه إذا

أكد عليه ولا يحنثه أو لكون الزوجة قريبته وهو لا يختار تطليقها ثم تبين أنه كان غالطاً في اعتقاده فهذه المسألة وشبهها فيها نزاع والأشبه أنه لا يقع كما لو لقي امرأة ظنها أجنبية فقال أنت طالق فتبين أنها امرأته فإنّها لا تطلق على الصحيح إذ الاعتبار بما قصده في قلبه وهو قصد معيناً موصوفاً ليس هو هذا العين وكذا لا حنث عليه إذا حلف على غيره ليفعلنه فخالفه إذا قصد إكرامه لا إلزامه به لأنه كالأمر إذا فهم منه الإكرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر بالوقوف في الصف ولم يقف ويتوجه أن يفرق بين المخالفة في الذات والمخالفة في الصفات كما فرّق بينهما في صحة العقد وفساده ولو حلف لا يدخل الدار فأدخل بعض جسده فهل يحنث على روايتين ويتوجه أن يفرق بين أن يكون المقصود تحريم البقية على الرجل فيحنث بإدخال بعض جسده إلى بعضها لمباشرته بعض المحرم وبين أن يكون مقصوده التزامه بقعة فإذا أخرج بعضه لم يحنث كما في المعتكف ولو حلف: لا آكل الربا ولا أشرب الخمر ولا أزني فشرب النبيذ المختلف فيه أو أقرض قرضاً جر منفعة أو نكح بلا ولي ولا شهود فيحنث عندنا إن اعتقد التحريم أو لم يكن له اعتقاد وحددناه وإن اعتقد حله أو لم نحده ففي تحنيثه تردد ويتوجه أن يفرق بين ما يسوغ فيه الخلاف كالحيل الربوية وكمسألة النبيذ ولو حلف
لا أشارك فلاناً ففسخا الشركة وبقيت بينهما ديون مشتركة أو أعيان
قال: أفتيت أن اليمين تنحل بانفساخ عقد الشركة ومن حلف لا يشم ورداً ولا بنفسجاً فشم دهنهما أو ماء الورد حنث وقال القاضي لا يحنث
قال أبو العباس: ويتوجه أن يحنث بالماء دون الدهن وكذلك ماء اللبان والنيلوفر لأن الماء هو الحامل لرائحة الورد ورائحته فيه بخلاف الدهن فإنّه مضاف إلى الورد ولا تظهر فيه الرائحة كثيراً وفي دخول الفاكهة اليابسة في مطلق الحلف على الفاكهة نظر وكذلك استثنى أبو محمد بعض ثمر الشجر كالزيتون ومن حلف لا يدخل دار فلان فدخل داراً أوصى له بمنفعتها فهي كالمستأجرة وكذلك الموقوفة على عينه وإن كانت وقفاً على الجنس فهي أقوى من المعارة لأن المنفعة مستحقة للجنس ولا يدخل العقيق والسبح في مطلق الحلف على لبس الحلى إلا ممن

عادته التحلي به وإذا زوج ابنته ثم قال: والله لا أزوجكها أو ما بقيت أزوجكها فهنا التزويج اسم للتسليم الذي هو الدخول وكذلك في الإجارة ونحوها ولو حلف لا يكلم فلاناً حيناً ولم ينو شيئاً فهو ستة أشهر نص عليه أحمد وهذه المسألة تقتضي أصلاً وهو أن اللفظ المطلق الذي له حد في العرف وقد علم أنه لم يزدد فيما يتناوله الاسم فإنّه ينزل على ما وقع من استعمال الشرع وإن كان اتفاقياً كما يقوله في مواطن كثيرة وإذا حلف لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً ليمينه أو جاهلاً بأنه المحلوف عليه فلا حنث عليه ولو في الطلاق والعتاق وغيرهما ويمينه باقية وهو رواية عن أحمد ورواتها بقدر رواة التفرقة ويدخل في هذا مِن فعله متأولاً إمّا تقليداً لمن أفتاه أو مقلداً لعالم ميت مصيباً كان أو مخطئاً ويدخل في هذا إذا خالع وفعل المحلوف عليه معتقداً أن الفعل بعد الخلع لم تتناوله يمينه أو فعل المحلوف عليه ناسياً أو جاهلاً وقد ظن طائفة من الفقهاء أنه إذا حلف بالطلاق على أمر معتقده كما حلف فتبين بخلافه أنه يحنث قولاً واحداً وهذا خطأ بل الخلاف في مذهب أحمد ولو حلف على نفسه أو غيره ليفعلن شيئاً فجهله أو نسيه فلا حنث عليه إذ لا فرق بين أن يتعذر المحلوف عليه لعدم العلم أو لعدم القدرة ويتوجه فيما إذا نسي اليمين بالكلية أن يقضي الفعل إن أمكن قضاؤه وإنْ لم يعلم المحلوف عليه بيمين الحالف فكالناسي ولو حلف لا يزوج بنته فزوجها الأبعد أو الحاكم حنث إن تسبب في التزويج وإن لم يتسبب فلا حنث إلا أنه تقتضي النية أو التسبب أن مقصوده أنه لا يمكنها من التزويج فإنْ قدر على ذلك فلم يمنعها حنث وإلا فلا وإن كان المقصود أنها لا تتزوج حنث بكل حال ولو حلف لا يعامل زيداً ولا يبيعه فعامل وكيله أو باعه حنث ومتى فعل المحلوف على تزويجه بنفسه أو وكيله حنث
قال في "المجرد" و "الفصول": فإنْ كان بيد زوجته تمرة فقال: إن أكلتيها فأنت طالق وإن لم تأكليها فأنت طالق فأكلت بعضها حَنَث بناء على قولنا فيمَن حلف أن لا يأكل هذا الرغيف فأكل بعضه
قال أبو العباس: ينبغي أن يقال في مثل هذه اليمين مثل قوله في مسألة السلم

وهي إن نزلت أو صعدت أو أقمت في الماء أو خرجت أن يحنث بكل حال لمنعه لها من الأكل ومِن تركه فكأن الطلاق معلق بوجود الشيء وبعدمه فوجود بعضه وعدم البعض لا يخرج عن الصفتين كما إذا علق بحال الوجود فقط أو بحال العدم فقط

كتاب الرجعة

*

" كتاب الرجعة"
قال أبو العباس: أبو حنيفة يجعل الوطء رجعة وهو أحد الروايات عن أحمد والشافعي لا يجعله رجعة وهو رواية عن أحمد ومالك يجعله رجعة مع النية وهو رواية أيضاً عن أحمد فيبيح وطء الرجعية إذا قصد به الرجعة وهذا أعدل الأقوال وأشبهها بالأصول وكلام أبي موسى في "الإرشاد" يقتضيه ولا تصلح الرجعة مع الكتمان بحال وذكره أبو بكر في "الشافي" وروي عن أبي طالب قال: سألت أحمد عن رجل طلق امرأته وراجعها واستكتم الشهود حتى انقضت العدة قال: يفرق بينهما ولا رجعة له عليها ويلزم إعلان التسريح والخلع والإشهاد كالنكاح دون ابتداء الفرقة
قال أحمد في رواية ابن منصور فإن طلقها ثلاثاً ثم جحد تفدي نفسها منه بما تقدر عليه فإن أجبرت على ذلك فلا تتزين له ولا تقربه وتهرب إن قدرت وقال في رواية أبي طالب تهرب ولا تتزوج حتى يظهر طلاقها ويعلم ذلك فإن لم يقر بطلاقها ومات لا ترث لأنها تأخذ ما ليس لها وتفر منه ولا تخرج من البلد ولكن تختفي في بلدها قيل له: قال بعض الناس: تقتله بمنزلة من يدفع عن نفسه فلم يعجبه ذلك فإن قال: استحللت وتزوجتها قال: تقبل منه قال القاضي: لا تقتله معناه لا تقصد قتله وإن قصدت دفعه فأدى ذلك إلى قتله فلا ضمان
قال أبو العباس: كلام أحمد يدل على أنه لا يجوز دفعه بالقتل وهو الذي لم يعجبه لأن هذا ليس متعدياً في الظاهر والدفع بالقتل إنما يجوز لمن ظهر اعتداؤه وقطع جمهور أصحابنا بحل المطلقة ثلاثاً بوطء المراهق والذمي إن كانت ذمية

. قال أبو العباس: النكاح الذي يقرَّان عليه بعد الإسلام والمجيء به إلينا للحكم صحيح فعلى هذا يحلها النكاح بلا ولي ولا شهود وكذلك لو تزوجها على أخت ثم ماتت الأخت قبل مفارقتها فأما لو تزوجها في عدة أو على أخت ثم طلقها مع قيام المفسد فهنا موضع نظر فإنَّ هذا النكاح لا يثبت به التوارث ولا يحكم فيه بشيء من أحكام النكاح فينبغي أن لا تحل له قال أصحابنا: ومَن غابت مطلقته المحرمة ثم ذكرت أنها تزوجت من أصابها وانقضت عدتها منه وأمكن ذلك فله نكاحها إذا غلب على ظنه صدقها وإلا فلا وقد تضمنت هذه المسألة أن المرأة إذا ذكرت أنه كان لها زوج فطلقها فإنه يجوز تزوجها وتزويجها وإن لم يثبت أنه طلقها ولا يقال: أن ثبوت إقرارها بالنكاح يوجب تعلق حق الزوج بها فلا يجوز نكاحها حتى يثبت زواله ونص الإمام أحمد في الطلاق إذا كتب إليها أنه طلقها لم تتزوج حتى يثبت الطلاق
وكذلك لو كان للمرأة زوج فادعت أنه طلقها لم تتزوج بمجرد ذلك باتفاق المسلمين لأنا نقول المسألة هنا فيما إذا ادعت أنها تزوجت من أصابها وطلقها ولم تعينه فإنَّ النكاح لم يثبت لمعين بل لمجهول فهو كما لو قال: عندي مال لشخص وسلمته إليه فإنّه لا يكون إقراراً بالاتفاق فكذلك قولها: كان لي زوج وطلقني وسيدي أعتقني ولو قالت: تزوجني فلان وطلقني فهو كالإقرار بالمال وادعاء الوفاء لا يكون إقراراً

باب الإيلاء

"باب الإيلاء"
وإذا حلف الرجل على ترك الوطء وغيا بغاية لا يغلب على الظن خلو المدة منها فخلت منها فعلى روايتين: إحداهما هل يشترط العلم بالغاية وقت اليمين أو يكفي ثبوتها في نفس الأمر وإذا لم يفئ وطلق بعد المدة أو طلق الحاكم عليه لم يقع إلا طلقة رجعية وهو الذي يدل عليه القرآن ورواية عن أحمد فإذا راجع فعليه أن يطأ عقب هذه الرجعة إذا طلبت ذلك منه ولا يمكن من الرجعة إلا بهذا

بالشرط ولأنَّ الله إنّما جعل الرجعة لمن أراد إصلاحاً بقوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً} البقرة: 228ّ

كتاب الظهار

" كتاب الظهار"
وإذا قال لزوجته: أنت علي حرام فهو ظهار وإن نوى الطلاق وهو ظاهر مذهب أحمد والعود هو الوطء وهو المذهب ولو عَزم على الوطء فأصح القولين لا تستقر الكفارة إلا بالوطء ولا ظهار من أمته ولا أم ولده وعليه كفارة نقله الجماعة ونقل أبو طالب كفارة ظهار ويتوجه على هذا أن تحرم عليه حتى يكفر كأحد الوجهيْن لو قال: أنت علي حرام وأولى قال في "المحرر": ولو وطئ في حال جنونه لزمته الكفارة نص عليه مع أنه ذكر في الطلاق ما يقتضي: أنه لا حنث عليه في ظاهر المذهب فإنْ توجه فرق وإلا كان المنصوص الحنث في الجنون مطلقاً وفيه نظر وما يخرج في الكفارة المطلقة غير مقيد بالشرع بل بالعرف قدراً أو نوعاً من غير تقدير ولا تمليك وهو قياس المذهب في الزوجة والأقارب والمملوك والضيف والأجير المستأجر بطعامه والإدام يجب إن كان يطعم أهله بإدام وإلا فلا وعادة الناس تختلف في ذلك في الرخص والغلاء واليسار والإعسار وتختلف بالشتاء والصيف والواجبات المقدرات في الشرع من الصدقات على ثلاثة أنواع تارة تقدر الصدقة الواجبة ولا يقدر من يعطاها كالزكاة وتارة يقدر المعطي ولا يقدر المال كالكفارات وتارة يقدر هذا وهذا كفدية الأذى وذلك لأن سبب وجوب الزكاة هو المال فقدر المال الواجب وأما الكفارات فسببها فعل بدله كالجماع واليمين والظهار فقدر فيها المعطي كما قدر العتق والصيام وما يتعلق بالحج فيه بدن ومال فعبادته بدنية ومالية فلهذا قدر فيه هذا وهذا

كتاب اللعان

*

" كتاب اللعان"
ولو لم يقل الزوج في أيمانه فيما رميتها به قياس المذهب صحته كما إذا اقتصر

باب ما يلحق من النسب

"باب ما يلحق من النسب"
ولا تصير الزوجة فراشاً إلا بالدخول وهو مأخوذ من كلام الإمام أحمد في رواية حرب وتتبعض الأحكام لقوله: "احتجبي يا سودة" وعليه نصوص أحمد وإن استلحق ولده من الزنا ولا فراش لحقه وهو مذهب الحسن وابن سيرين والنخعي وإسحاق ولو أقر بنسب أو شهدت به بينة فشهدت بينة أخرى: أنَّ هذا ليس من نوع هذا بل هذا رومي وهذا فارسي فهذا في وجه نسبه تعارض القافة أو البينة ومِن وجه كبر السن فهذا المعارض الباقي للنسب هل يقدح في المقتضى له.

قال أبو العباس: هذه ال مسألة حدثت وسئلت عنها وكان الجواب أن التغاير بينهما إن أوجب القطع بعدم النسب فهو كالسن مثل: أن يكون أحدهما حَبشياً والآخر رُومياً ونحو ذلك فهنا ينتفي النسب وإن كان أمراً محتملاً لم ينفعه لكن إن كان المقتضي للنسب الفراش لم يلتفت إلى المعارضة وإن كان المثبت له مجرد الإقرار أو البينة فاختلاف الجنس معارض ظاهر فإنْ كان النسب بنوة فثبوتها أرجح من غيرها إذ لا بد للابن من أب غالباً وظاهراً قال في "الكافي": ولو أنكر المجنون بعد البلوغ لم يلتفت إلى إنكاره
قال أبو العباس: ويتوجه أن يقبل لأنه إيجاب حق عليه بمجرد قول غيره مع منازعته كما لو حكمنا للقيط بالحرية فإذا بلغ فأقر بالرق قبلنا إقراره ولو أدخلت المرأة لزوجها أمتها إن ظن جوازه لحقه الولد وإلا فروايتان ويكون حراماً على الصحيح إنْ ظن حلها بذلك وإذا وطئ المرتهن الأمة المرهونة بإذن الراهن وظن جواز ذلك لحقه الولد وانعقد حراً وإذا تداعيا بهيمة أو فصيلاً فشهد القائف أن دابة هذا تنتجها ينبغي أن يقضي بهذه الشهادة وتقدم على اليد الحسية ويتوجه أن يحكم بالقيافة في الأموال كلها كما حكمنا بذلك في الجذع والمقلوع إذا كان له موضع في الدار وكما حكمنا في الإشتراك في اليد الحسية بما يَظْهر من اليد العرفية فأعطينا كل واحد من الزوجين ما يناسبه في العادة وكل واحد من الصانعين ما يناسبه وكما حكمنا بالوصف في اللقطة إذا تداعاها اثنان وهذا نوع قيافة أو شبيه به وكذلك لو تنازعا غراساً أو تمراً في أيديهما فشهد أهل الخبرة أنه من هذا البستان ويرجع إلى أهل الخبرة حيث يستوي المتداعيان كما رجع إلى أهل الخبرة بالنسب وكذلك لو تنازع اثنان لباساً أو بغلاً من لباس أحدهما دون الآخر أو تنازعا دابة تذهب من بعيد إلى اصطبل أحدهما دون الآخر أو تنازعا زوج خف أو مصراع مع الآخر شكله أو كان عليه علامة لأحدهما كالزربول التي للجند وسواء كان المدعى في أيديّهما أو في يد ثالث
أمّا إنْ كانت اليد لأحدهما دون الآخر فالقيافة المعارضة لهذا كالقيافة المعارضة

للفراش فإذا قلنا بتقديم القيافة في صورة الرجحان فقد نقول ههنا كذلك ومثل أن يدعي أنه ذهب من ماله شيء ويثبت ذلك فيقص القائف أثر الوطء من مكان إلى مكان آخر فشهادة القائف: أن المال دخل إلى هذا الموضع تُوجب أحد الأمريْن أمّا الحاكم به وإمّا أن يكون الحكم به مع اليمين للمدعي وهو الأقرب فإنَّ هذه الإمارة ترجح جانب المدعي واليمين مشروعة في أقوى الجانبين ولو مات الطفل قبل أن تراه القافة
قال المزني: يوقف ماله وما قاله ضعيف وإنّما قياس المذهب للقرعة ويحتمل الشركة ويحتمل أن يرث واحد منهما

كتاب العدد

" كتاب العدد"
ويتوجه في المعتق بعضها إذا كان الحر يليها أن لا تجب الاقراء فإنَّ تكميل القروء من الأمة إنما كان للضرورة فيؤخذ للمعتق بعضها بحساب الأصل ويكمل قال في "المحرر": وإذا ادعت المعتدة انقضاء عدتها بالاقراء أو الولادة قُبل قولها إذا كان ممكناً إلا أن تدعيه بالحيض في شهر فلا يقبل قولها إلا ببينة نص عليه وقبله الخرقي مطلقاً
قال أبو العباس: قياس المذهب المنصوص أنها إذا ادعت ما يخالف الظاهر كلفت البينة وإذا أوجبنا عليها البينة فيما إذا علق طلاقها بحيضها فقالت: حضت فإنَّ التهمة في الخلاص من العدة كالتهمة في الخلاص من النكاح فيتوجه أنها إذا ادعت الانقضاء في أقل من ثلاثة أشهر كلفت البينة وإن ادعت الانقضاء بالولادة فهو كما لو ادعت أنها ولدت وأنكر الزوج فيما إذا علق طلاقها على الولادة وفيها وجهان وإذا أقر الزوج أنه طلق زوجته من مدة تزيد على العدة الشرعية فإنْ كان المقر فاسقاً أو مجهول الحال لم يقبل قوله في انقضاء العدة التي فيها حق الله تعالى وإن كان عدلاً غير متهم مثل أن يكون غائباً فلما حضر أخبرها أنه طلقها من مدة كذا وكذا فهل العدة حين بلغها الخبر إذ تقم بذلك بينة أو من حين الطلاق كما لو قامت به بينة فيه خلاف مشهور عند أحمد والمشهور عنه هو الثاني والصواب في امرأة المفقود مذهب عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة وهو أنها تتربص أربع سنين ثم تعتد للوفاة ويجوز لها أن تتزوج بعد ذلك وهي زوجة

الثاني ظاهراً وباطناً ثم إذا قدم زوجها الأول بعد تزوجها خُيّر بين امرأته وبين مهرها ولا فرق بين ما قبل الدخول وبعده وهو ظاهر مذهب أحمد وعلى الأصح لا يعتبر الحاكم فلو مضت المدة والعدة تزوجت بلا حكم
قال أبو العباس: وكنت أقول أن هذا شبه اللقطة من بعض الوجوه ثم رأيت ابن عقيل قد ذكر ذلك ومثل ذلك وهذا لأن المجهول في الشرع كالمعدوم وإذا علم بعد ذلك كان التصرف في أهله وماله موقوفاً على إذنه ووقف التصرف في حق الغير على إذنه يجوز عند الحاجة عندنا بلا نزاع وأما مع عدم الحاجة ففيه روايتان كما يجوز التصرف في اللقطة بعدم العلم لصاحبها فإذا جاء المالك كان تصرف الملتقط موقوفاً على إجازته وكان تربص أربع سنين كالحول في اللقطة وبالجملة كل صورة فرق فيها بين الرجل وامرأته بسبب يوجب الفرقة ثم تبين انتفاء ذلك السبب فهو شبيه المفقود والتخيير فيه بين المرأة والمهر هو أعدل الأقوال ولو ظنت المرأة أن زوجها طلقها فتزوجت فهو كما لو ظنت موته ولو قدر أنها كتمت الزوج فتزوجت غيره ولم يعلم الأول حتى دخل بها الثاني فهنا الزوجان مشهوران بخلاف المرأة لكن إذا اعتقدت جواز ذلك بأن تعتقد أنه عاجز عن حقها أو مفرط فيه وأنه يجوز لها الفسخ والتزويج بغيره فتشبه امرأة المفقودة وأمّا إذا علمت التحريم فهي زانية لكن المتزوج بها كالمتزوج بامرأة المفقود وكأنها طلقت نفسها فأجازه وإذا طلق واحدة من امرأتيه مُبْهمة ومات قبل الإقراع فأحدهما وجبت عليها عدة الوفاة والأخرى عدة الطلاق فالأظهر هنا وجوب العدتين على كل منهما والواجب أن الشبهة إن كانت شبهة نكاح فتعتد الموطوءة عدة المزوجة حرة كانت أو أمة وإن كانت شبهة ملك فعدة الأمة المشتراة وأمّا الزنا فالعبرة بالمحل
وقال أبو العباس في موضع آخر الموطوءة بشبهة تستبرأ بحيضة وهو وجه في المذهب وتعتد المزني بها بحيضة وهو رواية عن أحمد والمختلعة يكفيها الإعتداد بحيضة واحدة وهو رواية عن أحمد ومذهب عثمان بن عفان وغيره والمفسوخ نكاحها كذلك وأومأ إليه أحمد في رواية صالح والمطلقة ثلاث تطليقات

عدتها حيضة واحدة
قلت: علق أبو العباس من الفوائد بذلك عن ابن اللبان ومن ارتفع حيضها ولا تدري ما رفعه إن علمت عدم عوده فتعتد بالأشهر وإلا اعتدت بسنة والمطلقة البائن وإن لم تلزمه نفقتها إن شاء أسكنها في مسكنه وغيره إن صلح لها ولا محذور تحصيناً لمائه وأنفق عليها فله ذلك وكذلك الحامل من وطء الشبهة أو النكاح الفاسد لا يجب على الواطئ نفقتها إن قلنا بالنفقة لها إلا أن يسكنها في منزل يليق بها تحصيناً لمائه فيلزمها ذلك وتجب لها النفقة والله أعلم
"فصل في الاستبراء" ولا يجب استبراء الأمة البكر سواء كانت كبيرة أو صغيرة وهو مذهب ابن عمر واختيار البخاري ورواية عن أحمد والأشبه ولا مَن اشتراها مِن رجل صادق وأخبره أنه لم يطأ أو وطئ واستبرأ انتهى

كتاب الرضاع

" كتاب الرضاع
وإذا كانت المرأة معروفة بالصدق وذكرت أنها أرضعت طفلاً خمس رضعات قُبل قولها
وثبت حكم الرضاع على الصحيح ورضاع الكبيرة تنتشر به الحرمة بحيث لا يحتشمون منه للحاجة لقصة سالم مولى أبي حذيفة وهو مذهب عائشة وعطاء والليث وداود ممن يرى أنه نشر الحرمة مطلقاً والإرتضاع بعد الفطام لا ينشر الحرمة وإن كان دون الحول وقاله ابن القاسم صاحب مالك وإذا اشترك اثنان في وطء امرأة فحكم المرتضع مِن لبنها حُكم ولدها من هذيْن الرجلين وأولادهما فإنْ لم يلحق بأحدهما فالواجب أنه يَحرُم على أولادهما لأنه أخ لأحد الصنفين وقد اشتبه أو يقال كما قيل في الطلاق بحل منهما فإنّ الاشتباه في حق اثنين لا واحد

كتاب النفقات

*

" كتاب النفقات"
وعلى الولد الموسر أن ينفق على أبيه المعسر وزوجة أبيه وعلى إخوته الصغار

باب الحضانة

"باب الحضانة"
هل الحضانة إلا لرجل من العصبة أو لامرأة وارثة أو مدلية بعصبة أو بوارث فإنْ عدموا فالحاكم وقيل: إن عدموا ثبتت لمن سواهم من الأقارب ثم للحاكم

ويتوجه عند العدم أن تكون لمن سبقت إليه اليد كاللقيطة فإنَّ كفال اليتامى لم يكونوا يستأذنون الحاكم والوجه أن يتردد ذلك بين الميراث والمال والعمة أحق من الخالة وكذا نساء الأب أحق يقدمن على نساء الأم لأن الولاية للأب وكذا أقاربه وإنما قدمت الأم على الأب لأنه لا يقوم مقامها هنا في مصلحة الطفل وإنّما قدم الشارع عليه السلام خالة بنت حمزة على عمتها صفية لأن صفية لم تطلب وجعفر طلب نائباً عن خالتها فقضى لها بها في غيبتها وضعف البصر يمنع من كمال ما يحتاج إليه المحضون من المصالح وإذا تزوجت الأم فلا حضانة لها وعلى عصبة المرأة منعها من المحرمات فإن لم تمتنع إلا بالحبس حبسوها وإن احتاجت إلى القيد قيدوها وما ينبغي للمولود أن يضرب أمه ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن من السوء بل يلاحظونها بحسب قدرتهم وإن احتاجت إلى رزق وكسوة كسوها وليس لهم إقامة الحد عليها والله سبحانه وتعالى أعلم

كتاب الجنايات

*

" كتاب الجنايات"
العقوبات الشرعية إنّما شرعت رحمة من الله تعالى بعباده فهي صادرة عن رحمة الخلق وإرادة الإحسان إليهم ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة لهم كما يقصد الوالد تأديب ولده وكما يقصد الطبيب معالجة المريض وتوبة القاتل للنفس عمداً مقبولة عند الجمهور وقال ابن عباس: لا تقبل وعن الإمام أحمد روايتان وإذا اقتص منه في الدنيا فهل للمقتول أن يستوفي حقه في الآخرة فيه قولان في مذهب أحمد وغيره وليست التوبة بعد الجرح أو بعد الرمي قبل الإصابة مانعة من وجوب القصاص ذكر أصحابنا من صور القتل العمد الموجب للقود: من شهدت عليه بينة بالردة فقتل بذلك ثم رجعوا وقالوا: عمدنا قتله وهذا فيه نظر لأن المرتد إنّما يقتل إذا لم يتب فيمكن المشهود عليه التوبة كما يمكنه التخلص إذا القي في الغار والدول على من يقتل بغير حق يلزمه القود والدية إذا تعمد وإمساك الحيات

جناية محرمة قال في "المحرر": لو أمر به يعني القتل سلطان عادل أو جائر ظلماً من لم يعرف ظلمه فيه فقتله فالقود والدية على الآمر خاصة
قال أبو العباس: هذا بناء على وجوب طاعة السلطان في القتل المجهول وفيه نظر بل لا يطاع حتى يعلم جواز قتله وحينئذ فتكون الطاعة له معصية لا سيما إذا كان معروفاً بالظلم فهنا الجهل بعدم الحل كالعلم بالحرمة وقياس المذهب: أنه إذا كان المأمور ممن يطيعه غالباً في ذلك أنه يجب القتل عليهما وهو أولى من الحاكم والشهود سبب يقتضي غالباً فهو أقوى من المكره ولا يقتل مسلم بذمي إلا أن يقتله غيلة لأخذ ماله وهو مذهب مالك قال أصحابنا: ولا يقتل حر بعبد ولكن ليس في العبد نصوص صحيحة صريحة كما في الذمي بل أجود ما روي: "من قتل عبده قتلناه" وهذا لأنه إذا قتله ظلماً كان الإمام ولي دمه وأيضاً فقد ثبت في السنة والآثار أنه إذا مثل بعبده عتق عليه وهو مذهب مالك وأحمد وغيرهما وقتله أعظم أنواع المثلة فلا يموت إلا حراً لكن حريته لم تثبت حال حياته حتى ترثه عصبته بل حريته ثبتت حكماً وهو إذا عتق كان ولاؤه للمسلمين فيكون الإمام هو وليه فله قاتل عبده وقد يحتج بهذا مَن يقول إن قاتل عبد غيره لسيده قتله وإذا دلَّ الحديث على هذا كان هذا القول هو الراجح وهذا قوي على قول أحمد فإنّه يجوز شهادة العبد كالحر بخلاف الذمي فلماذا لا يقتل الحر بالعبد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم" ومَن قال: لا يقتل حر بعبد يقول: إنه لا يقتل الذمي الحر بالعبد المسلم والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} البقرة: 221 فالعبد المؤمن خير من الذمي المشرك فكيف لا يقتل به والسنة إنّما جاءت لا يقتل والد بولد فإلحاق الجد أبي الأم بذلك بعيد ويتوجه أن لا يرث القاتل دماً من وارث كما لا يرث هو المقتول وهو يشبه حد القذف المطالب به إذا كان القاذف هو الوارث أو وارث الوارث فعلى هذا لو قتل أحد الابنين أباه والآخر أمه وهي في زوجية الأب فكل واحد منهما يستحق قتل الآخر فيتقاصان لا سيما إذا قيل إنه مستحق القود بملك نقله إلى غيره إمّا بطريق التوكيل بلا ريب وإما بالتمليك وليس ببعيد

وإذا كان المقتول رضي بالاستيفاء أو بالذمة فينبغي أن يتعين كما لو عفا وعليه تخرج قصة علي إذا لم تخرج على كونه مرتداً أو مفسداً في الأرض أو قاتل الأئمة وإذا قال أنا قاتل غلام زيد فقياس المذهب إن كان نحوياً لم يكن مُقراً وإن كان غير نحوي كان مقراً كما لو قاله بالإضافة ومن رأى رجلاً يفجر بأهله جاز له قتلهما فيما بينه وبين الله تعالى وسواء كان الفاجر محصناً أو غير محصن معروفاً بذلك أم لا كما دلَّ عليه كلام الأصحاب وفتاوى الصحابة وليس هذا من باب دفع الصائل كما ظنه بعضهم بل هو من عقوبة المعتدين المؤذين وأما إذا دخل ولم يفعل بعد فاحشة ولكن دخل لأجل ذلك فهذا فيه نزاع والأحوط لهذا أن يتوب من القتل في مثل هذه الصورة ومن طلب منه الفجور كان عليه أن يدفع الصائل عليه فإن لم يندفع إلا بالقتل كان له ذلك باتفاق الفقهاء فإن ادعى القاتل أنه صال عليه وأنكر أولياء المقتول فإنْ كان المقتول معروفاً بالبر وقتله في محل لا ريبة فيه لم يقبل قول القاتل وإن كن معروفاً بالفجور والقاتل معروفاً بالبر فالقول قول القاتل مع يمينه لا سيما إذا كان معروفاً بالتعرض له قبل ذلك

باب استيفاء القود والعفو عنه

"باب استيفاء القود والعفو عنه"
والجماعة المشتركون في استحقاق دم المقتول الواحد إما أن يثبت لكل واحد بعض الاستيفاء فيكونون كالمشتركين في عقد أو خصومة وتعيين الإمام قوي كما يؤجر عليهم لنيابته عن الممتنع والقرعة إنما شرعت في الأصل إذا كان كل واحد مستحقاً أو كالمستحق ويتوجه أن يقدم الأكثر حقاً أو الأفضل لقوله "كبر" وكالأولياء في النكاح وذلك أنهم قالوا: هنا من تقدم بالقرعة قدمته ولم تسقط حقوقهم ويتوجه إذا قلنا ليس للولي أخذ الدية إلا برضا الجاني أن يسقط حقه بموته كما لو مات العبد الجاني أو المكفول به وهو ظاهر كلام أحمد في رواية أبي ثواب وأبي القاسم وأبي طالب ويتوجه ذلك وإن قلنا: لواجب القود عيناً أو أحد شيئين لأن الدية عديل العفو فأمّا الدية مع الهلاك فلا والذي ينبغي أن لا يعاقب المجنون بقتل ولا قطع لكن يضرب على فعل ليزجر

وكذا الصبي المميز يعاقب على الفاحشة تعزيراً بليغاً
قال أصحابنا: وإن وجب لعبد قصاص أو تعزير قذف فطلبه وإسقاطه إليه دون سيده ويتوجه أن لا يملك إسقاطه مجاناً كالمفلس والورثة مع الديون المستغرفة على أحد الوجهيْنوكذلك الأصل في الوصي والقياس أن لا يملك السيد تعزير القذف إذا مات العبد إلا إذا طالب كالوارث ويفعل بالجاني على النفس مثل ما فعل بالمجني عليه ما لم يكن محرماً في نفسه أو يقتله بالسيف إن شاء وهو رواية عن أحمد ولو كوى شخصاً بمسمار كان للمجني عليه أن يكويه مثل ما كواه إن أمكن ويجري القصاص في اللطمة والضربة ونحو ذلك وهو مذهب الخلفاء الراشدين وغيرهم ونص عليه أحمد في رواية إسماعيل بن سعد الشالنجي ولا يستوفى القود في الطريق إلا بحضرة السلطان ومن أبرأ جانياً حراً جنايته على عاقلته إن قلنا تجب الدية على العاقلة أو تحمل عنه ابتداء أو عبداً إن قلنا: جنايته في ذمته مع أنه يتوجه الصحة مطلقاً وهو وجه بناء على أن مفهوم هذا اللفظ في عرف الناس العفو مطلقاً والتصرفات تحمل موجباتها على عرف الناس فتختلف باختلاف الاصطلاحات وإذا عفا أولياء المقتول عن القاتل بشرط ألا يقيم في هذا البلد ولم يف بهذا الشرط لم يكن العفو لازماً بل لهم أن يطالبوه بالدية في قول العلماء وبالدم في قول آخر وسواء قيل: هذا الشرط صحيح أم فاسد يفسد به العقد أم لا ولا يصح العفو في قتل الغفلة لتعذر الاحتراز منه كالقتل في المحاربة وولاية القصاص والعفو عنه ليست عامة لجميع الورثة بل تختص بالعصبة وهو مذهب مالك وتخرج رواية عن أحمد وإذا اتفق الجماعة على قتل شخص فلأولياء الدم أن يقتلوهم ولهم أن يقتلوا بعضهم وإن لم يعلم عين القاتل فللأولياء أن يحلفوا على واحد بقتله أنه قتله ويحكم لهم بالدم انتهى

كتاب الديات

*

" كتاب الديات"
المعروف أن الحر يضمن بالإتلاف لا باليد إلا الصغير ففيه روايتين كالروايتين في سرقته

فإن كان الحر قد تعلق برقبته حق لغيره مثل أن يكون عليه حق قَود أو في ذمته مال أو منفعته أو عنده أمانات أو غصوب تلفت بتلفه مثل أن يكون حافظاً عليها وإذا تلف زال الحفظ فينبغي أنه إن أتلف فما ذهب باتلافه من عين أو منفعة مضمونه ضمنت كالقود فإنّه مضمون لكن هل ينتقل الحق إلى القاتل فيخير الأولياء بين قتله والعفو عنه أو إلى ترك الأول ففيه روايتان وأمّا إذا تلف تحت اليد العادية فالمتوجه أن يضمن ما تلف بذلك مِن مال أو بدل قَود بحيث يقال: إذا كان عليه قود فحال بين أهل الحق والقود حتى مات ضمن لهم الدية ومَن جنى على سنه اثنان واختلفوا فالقول قول المجني عليه في قدر ما أتلفه كل منهما
قاله أصحابنا ويتوجه أن يقترعا على القدر المتنازع فيه لأنه ثبت على أحدهما لا بعينه كما لو ثبت الحق لأحدهما لا بعينه وإذا أخذ من لحيته ما لا جمال فيه فهل يجب القسط أو الحكومة
"فصل"
وأبو الرجل وابنه من عاقلته عند الجمهور كأبي حنيفة ومالك وأحمد في أظهر الروايتين عنه وتؤخذ الدية من الجاني خطأ عند تعذر العاقلة في أصح قولي العلماء ولا يؤجل على العاقلة إذا رأى الإمام المصلحة فيه ونص على ذلك الإمام أحمد ويتوجه أن يُعقل ذوو الأرحام عند عدم العصبة إذا قلنا تجب النفقه عليهم والمرتد يجب أن يعقل عنه من يرثه من المسلمين أو أهل الدين الذي انتقل إليه

باب القسامة

"باب القسامة"
نقل الميموني عن الإمام أحمد أنه قال: أذهب إلى القسامة إذا كان ثم لطخ وإذا كان ثم سبب بين وإذا كان ثم عداوة وإذا كان مثل المدعي عليه يفعل هذا فذكر الإمام أحمد أربعة أمور اللطخ وهو التكلم في عرضه كالشهادة المردودة والسبب البين كالتعرف عن قتيل والعداوة كون المطلوب من المعروفين بالقتل وهذا هو الصواب واختاره ابن الجوزي ثم لوث يغلب على الظن أنه قَتل مِن اتهم بقتله جاز لأولياء المقتول أن يحلفوا خمسين يميناً ويستحقوا دمه وأما ضربه ليقر

فلا يجوز إلا مع القرائن التي تدل على أنه قتله فإنَّ بعض العلماء جوَّز تقريراً بالضرب في هذه الحال وبعضهم منع من ذلك مطلقاً

كتاب الحدود

*

" كتاب الحدود"
قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} النساء: 15 قد يستدل بذلك على أن المذنب إذا لم يعرف فيه حكم الشرع فإنّه يُمسك فيحبس حتى يعرف فيه الحكم الشرعي فينفذ فيه وإذا زنى الذمي بالمسلمة قُتل ولا يصرف عنه القتل الإسلام ولا يعتبر فيه أداء الشهادة على الوجه المعتبر في المسلم بل يكفي استفاضته واشتهاره وإن حملت امرأة لا زوج لها ولا سبب حدت إن لم تدعي الشبهة وكذا مَن وُجد منه رائحة الخمر وهو رواية عن أحمد فيهما وغلظ المعصية وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان والكبيرة الواحدة لا تحبط جميع الحسنات لكن قد تحبط ما يقابلها عند أهل السنة ولا يشترط في القطع بالسرقة مطالبة المسروق منه بماله وهو رواية عن أحمد اختارها أبو بكر ومذهب مالك كإقراره بالزنا بأمة غيره ومَن سرق تمراً أو ماشية من غير حرز أضعفت عليه القيمة وهو مذهب أحمد وكذا غيرها وهو رواية عنه واللص الذي غرضه سرقة أموال الناس ولا غرض له في شخص معين فإنَّ قطع يده واجب ولو عفا عنه رب المال
"فصل"
والمحاربون حكمهم في المصر والصحراء واحد وهو قول مالك في المشهور عنه والشافعي وأكثر أصحابنا قال القاضي: المذهب على ما قال أبو بكر في عدم التفرقة ولا نص في الخلاف بل هم في البنيان أحق بالعقوبة منهم في الصحراء والزوى فالمباشرة في الخراب وهو مذهب أحمد وكذا في السرقة والمرأة التي تحضر النساء للقتل تُقتل والعقوبات التي تقام من حد أو تعزير إذا ثبتت بالبينة فإذا أظهر من وجب عليه الحد التوبة لم يوثق منه بها فيقام عليه وإن كان تائباً في الباطن كان الحد مكفراً وكان مأجوراً على صبره وإن جاء تائباً بنفسه فاعترف فلا يقام عليه في ظاهر مذهب أحمد ونص عليه في غير موضع كما جزم به الأصحاب

وغيرهم في المحاربين وإن شهد على نفسه كما شهده ماعز والغامدية واختار إقامة الحد عليه اقيم وإلا لا وتصح التوبة من ذنب مع الإصرار على آخر إذا كان المقتضي للتوبة منه أقوى من المقتضي للتوبة من الآخر أو كان المانع من أحدهما أشد هذا هو المعروف عن السلف والخلف ويلزم الدفع عن مال الغير وسواء كان المدفوع من أهل مكة أو غيرهم وقال أبو العباس: في جند قاتلوا عرباً نهبوا أموال تجار ليردوها إليهم فهم مجاهدون في سبيل الله ولا ضمان عليهم بقود ولا دية ولا كفارة ومن أمن للرئاسة والمال لم يُثب على فساد نيته كالمصلي رياء وسمعة
"فصل"
والأفضل ترك قتال أهل البغي حتى يبدأ الإمام وقاله مالك وله قتل أهل الخوارج ابتداء أو متممة تخريجهم وجمهور العلماء يُفرقون بين الخوارج والبغاة المتأولين وهو المعروف عن الصحابة وأكثر المصنفين لقتال أهل البغي يرى القتال من ناحية علي ومنهم مَن يرى الإمساك وهو المشهور مِن قول أهل المدينة وأهل الحديث مع رؤيتهم لقتال من خرج عن الشريعة كالحرورية ونحوهم وأنه يجب والأخبار توافق هذا فاتبعوا النص الصحيح والقياس المستقيم وعلي كان أقرب إلى الصواب من معاوية ومن استحل أذى من أمره ونهاه بتأويل فكالمبتدع ونحوه يسقط بتوبته حق الله تعالى وحق العبد واحتج أبو العباس: لذلك بما أتلفه البغاة لأنه من الجهاد الذي يجب الأجر فيه على الله تعالى وقتال التتار ولو كانوا مسلمين هو قتال الصديق -رضي الله عنه- مانعي الزكاة ويأخذ مالهم وذريتهم وكذا المقفز إليهم ولو ادعى إكراهاً ومن أجهز على جريح لم يأثم ولو تشهد ومَن أخذ منهم شيئاً خمس وبقيته له والرافضة الجبلية يجوز أخذ أموالهم وسبي حريمهم يخرج على تكفيرهم قال أصحابنا: وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو طلب رئاسة فهما ظالمتان ضامنتان فأوجبوا الضمان على مجموع الطائفة وإن لم يعلم عين المتلف وإن تقاتلا تقاصا لأن المباشرة والمعين سواء عند الجمهور وإن جهل قدر ما نهبه كل طائفة من الأخرى تساويا كمن جهل قدر الحرام المختلط بماله فإنّه يُخرج النصف والباقي له

ومن دخل لصلح فقتل فجهل قاتله ضمنه الطائفتان وأجمع العلماء على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة متواترة من شرائع الإسلام فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله كالمحاربين وأولى
"فصل"
وإذا شككت في المطعوم والمشروب هل يسكر أو لا لم يحرم بمجرد الشك ولم يقم الحد على شاربه ولا ينبغي إباحته للناس إذ كان يجوز أن يكون مسكراً لأن إباحة الحرام مثل تحريم الحلال فتكشف عن هذا شهادة مَن تُقبل شهادته مثل أن يكون طعمه ثم تاب منه أو طعمه غير معتقد تحريمه أو معتقداً حله لتداوٍ ونحوه أو على مذهب الكوفيين في تحليل يسير النبيذ فإنْ شهد به جماعة ممن يتأوله معتقداً تحريمه فينبغي إذا أخبر عدد كثير لا يمكن تواطؤهم على الكذب أن يحكم بذلك فإنَّ هذا مثل التواتر والاستفاضة كما استفاض بين الفساق والكفار الموت والنسب والنكاح والطلاق فيكون أحد الأمرين أما الحكم بذلك لأن التواتر لا يشترط فيه الإسلام والعدالة وأما الشهادة بذلك بناء على الاستفاضة فلا يحصل بها التواتر ولنا أن نمتحن بعض العدول بتأوله لوجهين: أحدهما: أنه لا يعلم تحريم ذلك قبل التأويل فيجوز الإقدام على تناوله وكراهة الإقدام على الشبهة تعارضها مصلحة بيان الحال
الوجه الثاني: أن المحرمات قد تباح عند الضرورة والحاجة إلى البيان موضع ضرورة فيجوز تناولها لأجل ذلك والحشيشة القنبية نجسة في الأصح وهي حرام سكر منها أو لم يسكر والمسكر منها حرام باتفاق المسلمين وضررها من بعض الوجوه أعظم من ضرر الخمر ولهذا أوجب الفقهاء فيها الحد كالخمر وتوقف بعض المتأخرين في الحد بها وإن أكلها يوجب التعزير بما دون الحد فيه نظر إذ هي داخلة في عموم ما حرم الله تعالى وأكلتها يتبشون عنها ويشبهونها بشرب الخمر وأكثر وتصدهم عن ذكر الله وإنما لم يتكلم المتقدمون في خصوصها لأنها إنما حدث أكلها في أواخر المائة السادسة أو قريباً من ذلك فكان ظهورها مع ظهور

سيف بن بخشخا ولا يجوز التداوي بالخمر ولا بغيرها من المحرمات وهو مذهب أحمد ويجوز شرب لبن الخيل إذ لم يصر مسكراً والصحيح في حد الخمر أحد الروايتين الموافقة لمذهب الشافعي وغيره: أن الزيادة على الأربعين إلى الثمانين ليست واجبة على الإطلاق بل يرجع فيها إلى اجتهاد الإمام كما جوّزنا له الاجتهاد في صفة الضرب فيه بالجريد والنعال وأطراف الثياب في بقية الحدود ومن التعزير الذي جاءت به السنة ونص عليه أحمد والشافعي: نفي المخنث وحلق عمر رأس نصر بن حجاج ونفاه لما افتتن به النساء فكذا من افتتن به الرجال من المردان ولا يقدر التعزير بل بما يردع المعزر وقد يكون بالعزل والنيل من عرضه مثل أن يقال له: يا ظالم يا معتدي وبإقامته من المجلس والذين قَدروا التعزير من أصحابنا إنّما هو فيما إذا كان تعزيراً على ما مضى مِن فعل أو ترك فإنْ كان تعزيراً لأجل ترك ما هو فاعل له فهو بمنزلة قتل المرتد والحربي وقتال الباغي والعادي وهذا التعزير ليس يقدر بل ينتهي إلى القتل كما في الصائل لأخذ المال يجوز أن يمنع من الأخذ ولو بالقتل وعلى هذا فإذا كان المقصود دفع الفساد ولم يندفع إلا بالقتل قُتل وحينئذ فمَن تكرر منه فعل الفساد ولم يرتدع بالحدود المقدرة بل استمر على ذلك الفساد فهو كالصائل الذي لا يندفع إلا بالقتل فيقتل قيل: ويمكن أن يخرج شارب الخمر في الرابعة على هذا ويقتل الجاسوس الذي يكرر التجسس وقد ذكر شيئاً من هذا الحنفية والمالكية وإليه يرجع قول ابن عقيل وهو أصل عظيم في صلاح الناس وكذلك تارك الواجب فلا يزال يُعاقب حتى يفعله ومَن قفز إلى بلاد العدو أو لم يندفع ضرره إلا بقتله قُتل والتعزير بالمال سائغ إتلافاً وأخذاً وهو جار على أصل أحمد لأنه لم يختلف أصحابه أن العقوبات في الأموال غير منسوخة كلها وقول الشيخ أبي محمد المقدسي ولا يجوز أخذ مال المعزر فإشارة منه إلى ما يفعله الولاة الظلمة
ومَن وطئ امرأة مشركة قدح ذلك في عدالته وأُدب والتعزير يكون على فعل المحرمات وترك الواجبات فمَن جنس ترك الواجبات من كتم ما يجب بيانه

كالبائع المدلس والمؤجر والناكح وغيرهم من العاملين وكذا الشاهد والمخبر والمفتي والحاكم ونحوهم فإنّ كتمان الحق مشبه بالكذب وينبغي أن يكون سبباً للضمان كما أن الكذب سبب للضمان فإن الواجبات عندنا في الضمان كفعل المحرمات حتى قلنا لو قدر على إنجاء شخص بإطعام أو سقي فلم يفعل فمات ضمنه فعلى هذا فلو كتم شهادة كتماناً أبطل بها حق مسلم ضمنه مثل أن يكون عليه حق بينه وقد أداه حقه وله بينة بالأداء فكتم الشهادة حتى يغرم ذلك الحق وكما لو كانت وثائق لرجل فكتمها أو جحدها حتى فات الحق ولو قال أنا أعلمها ولا أؤديها فوجوب الضمان ظاهر وظاهر نقل ابن حنبل وابن منصور سماع الدعوى من الأعداء والتحليف في الشهادة ومِن هذا الباب لو كان في القرية أو المحلة أو البلدة رجل ظال فسأل الوالي أو الغريم عن مكانه ليأخذ منه الحق فإنه يجب دلالته عليه بخلاف ما لو كان قصده أكثر من الحق فعلى هذا إذا كتموا ذلك حتى تلف الحق ضمنوه ويملك السلطان تعزير من ثبت عنده أنه كتم الخبر الواجب كما يملك تعزير المقر إقراراً مجهولاً حتى يفسره أو من كتم الإقرار وقد يكون التعزير بتركه المستحب كما يعزر العاطس الذي لم يحمد الله بترك تشميته وقال أبو العباس: في موضع آخر والتعزير على الشيء دليل على تحريمه من هذا الباب ما ذكره أصحابنا وأصحاب الشافعي من قتل الداعية من أهل البدع كما قتل الجعد بن درهم والجهم بن صفوان وغيلان القدري وقتل هؤلاء له مأخذان
أحدهما: كون ذلك كفراً كقتل المرتد أو جحوداً أو تغليظاً وهذا المعنى يعم الداعي إليها وغير الداعي وإذا كفروا فيكون قتلهم من باب قتل المرتد والمأخذ الثاني: لما في الدعاء إلى البدعة من إفساد دين الناس ولهذا كان أصل الإمام أحمد وغيره من فقهاء الحديث وعلمائهم يفرقون بين الداعي إلى البدعة وغير الداعي في رد الشهادة وترك الرواية عنه والصلاة خلفه وهجره ولهذا ترك

في الكتب الستة و "مسند أحمد" الرواية عن مثل عمرو ابن عبيد ونحوه ولم يترك عن القدرية الذين ليسوا بدعاة وعلى هذا المأخذ فقتلهم من باب قتل المفسدين المحاربين لأن المحاربة باللسان كالمحاربة باليد ويشبه قتل المحاربين للسنة بالرأي قتل المحاربين لها بالرواية وهو قتل من يتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قتل النبي صلى الله عليه وسلم الذي كذب عليه في حياته وهو حديث جيد لما فيه من تغيير سنته وقد قرر أبو العباس هذا مع نظائر له في "الصارم المسلول" كقتل الذي يتعرض لحرمه أو يسبه ونحو ذلك وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المفرق بين المسلمين لما فيه من تفريق الجماعة ومن هذا الباب الجاسوس المسلم الذي يخبر بعورات المسلمين ومنه الذي يكذب بلسانه أو بخطه أو يأمر بذلك حتى يقتل به أعيان الأمة علماؤها وأمراؤها فتحصل أنواع من الفساد كثيرة فهذا متى لم يندفع فساده إلا بقتله فلا ريب في قتله وإن جاز أن يندفع وجاز أن لا يندفع قتل أيضاً وعلى هذا جاء قوله تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ} المائدة: 32 وقوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً} المائدة: 33 وأمّا إن اندفع الفساد الأكبر بقتله لكن قد بقي فساد دون ذلك فهو محل نظر
قال أبو العباس: وأفتيت أميراً مقدماً على عسكر كبير في الحربية إذ نهبوا أموال المسلمين ولم ينزجروا إلا بالقتل أن يقتل من يكفون بقتله ولو أنهم عشرة إذ هو من باب دفع الصائل قال: وأمر أميراً خرج لتسكين الفتنة الثائرة بين قيس ويمن وقد قتل بينهم ألفان أن يقتل من يحصل بقتله كف الفتنة ولو أنهم مائة
قال: وأفتيت ولاة الأمور في شهر رمضان سنة أربع بقتل من أمسك في سوق المسلمين وهو سكران وقد شرب الخمر مع بعض أهل الذمة وهو مجتاز بشقة لحم يذهب بها إلى ندمائه وكنت أفتيتهم قبل هذا بأنه يعاقب عقوبتين: عقوبة على الشرب وعقوبة على الفطر فقالوا ما مقدار التعزير فقلت هذا يختلف باختلاف الذنب وحال المذنب وحال الناس وتوقف عن القتل فكبر هذا على الأمراء

والناس حتى خفت أنه إن لم يقتل ينحل نظام الإسلام على انتهاك المحارم في نهار رمضان فأفتيت بقتله فقتل ثم ظهر فيما بعد أنه كان يهودياً وأنه أظهر الإسلام والمطلوب له ثلاثة أحوال: أحدها: براءته في الظاهر فهل يحضره الحاكم على روايتين وذكر أبو العباس في موضع آخر أن المدعي حيث ظهر كذبه في دعواه بما يؤذي به المدعى عليه عزر لكذبه ولأذاه وأن طريقة القاضي رد هذه الدعوى على الروايتين بخلاف ما إذا كانت ممكنة ونص أحمد في رواية عبد الله فيما إذا علم بالعرف المطرد أنه لا حقيقة للدعوى لا يعذبه وفيما لم يعرف واحد من الأمرين يعذبه
كما في رواية الأثرم وهذا التفريق حسن
والحال الثاني: إحتمال الأمرين وأنه يحضره بلا خلاف والحال الثالث: تهمته وهو قياس سبب يوهم أن الحق عنده فإن الاتهام افتعال من الوهم وحبسه هنا بمنزلة حبسه بعد إقامة البينة وقبل التعزير أو بمنزلة حبسه بعد شهادة أحد الشاهدين فأما امتحانه بالضرب كما يجوز ضربه لامتناعه من أداء الحق الواجب ديناً أو عيناً ففي المسألة حديث النعمان بن بشير في "سنن أبي داود" لما قال: إن شئتم ضربته فإن ظهر الحق عنده وإلا ضربتكم وقال: هذا قضاء الله ورسوله وهذا يشبه تحليف المدعي إذا كان معه لون فإن اقتران اللون بالدعوى جعل جانبه مرجحا فلا يستبعد أن يكون اقترانه بالتهمة يبيح مثل ذلك والمقصود أنه إذا استحق التعزير وكان متهماً بما يوجب حقاً واحداً مثل أن يثبت عليه هتك الحرز ودخوله ولم يقر بأخذ المال وإخراجه ويثبت عليه الحراب خروجه بالسلاح وشهره له ولم يثبت عليه القتل والأخذ فهذا يعزر لما فعله من المعاصي وهل يجوز أن يفعل ذلك أيضاً امتحاناً لا غير فيجمع بين المصلحتين
هذا قوي في حقوق الآدميين فأمّا في حدود الله تعالى عند الحاجة إلى إقامتها فيحتمل ويقوي ذلك أن يعاقب الإمام من استحق العقوبة بقتل وتوهم العامة أنه عاقبه على بعض الذنوب التي يريد الحذر عنها وهذا أشبه أنه صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزواً وروى بغيرها والذي لا ريب فيه أن الحاكم إذا علم

كتمانه الحق عاقبه حتى يقر به كما يعاقب كاتم المال الواجب أداؤها فأما إذا احتمل أن يكون كاتماً فهذا كالمتهم سواء وخبر مَن قال له جني بأن فلاناً سرق كذا كخبر إنسي مجهول فيفيد تهمة وإذا طلب المتهم بحق فمن عرف مكانه دلّ عليه والقوادة التي تفسد النساء والرجال ما يجب عليها الضرب البليغ وينبغي شهرة ذلك بحيث يستفيض هذا في النساء والرجال وإذا ركبت دابة وضمت علهيا ثيابها ونودي عليها هذا جزاء مَن يفعل كذا وكذا كان من أعظم الجرائم إذ هي بمنزلة عجوز السوء امرأة لوط وقد أهلكها الله تعالى مع قومها ومَن قال لمن لامه الناس: تقرأون تواريخ آدم وظهر منه قصد معرفتهم بخطيئته عُزر ولو كان صادقاً وكذا من يمسك الجنة ويدخل النار ونحوه وكذا من ينقص مسلماً بأنّه مسلماني أو أباه مع حسن إسلامه ومَن غضب فقال: ما نحن مسلمون إن أراد ذم نفسه لنقص دينه فلا حرج فيه ولا عقوبة ومَن قال: لذمي يا حاج عزر لأن فيه تشبيه قاصد الكنائس بقاصد بيت الله وفيه تعظيم ذلك فهو بمنزلة من يشبه أعياد الكفار بأعياد المسلمين وكذا يعزر مَن يُسمي مِن زار القبور والمشاهد حاجاً إلا أن يسمى حاجاً بقيد كحاج الكفار والضالين ومن سمى زيارة ذلك حجاً أو جعل له مناسك فإنّه ضال مضل ليس لأحد أن يفعل في ذلك ما هو من خصائص حج البيت العتيق وإن اشترى اليهودي نصرانياً فجعله يهودياً عُزر على جعله يهودياً ولا يكون مسلماً ولا يجوز للجذماء مخالطة الناس عموماً ولا مخالطة الناس لهم بل يسكنون في مكان مُفرد لهم ونحو ذلك كما جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه وكما ذكره العلماء وإذا امتنع ولي الأمر مِن ذلك أو المجذوم أثم بذلك وإذا أصر على ترك الواجب مع علمه به فسق ومِن دعي عليه ظلماً له أن يدعو على ظالمه بمثل ما دعا به عليه نحو أخزاك الله أو لعنك أو يشتمه بغير فرية نحو يا كلب يا خنزير فله أن يقول له مثل ذلك وإذا كان له أن يستعين بالمخلوق مِن وكيل ووالٍ وغيرهما فاستعانته بخالقه أولى بالجواز ومن وجب عليه الحد بقتل أو غيره يسقط عنه بالتوبة وظاهر كلام أصحابنا لا يجب عليه التعزير كقولهم هو واجب في كل معصية لأحد فيها ولا كفارة

وذكر أبو العباس: في موضع آخر أن المرتد إذا قبلت توبته ساغ تعزيره بعد التوبة
"فصل"
ويقام الحد ولو كان مَنْ يقيمه شريكاً لمن يقيمه عليه في المعصية أو عوناً له ولهذا ذكر العلماء أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يسقط بذلك بل عليه أن يأمر وينهي ولا يجمع بين معصيتين والرقيق إن زنا علانية وجب على السيد إقامة الحد عليه وإن عصى سراً فينبغي أن لا يجب عليه إقامته بل يخير بين ستره أو استتابته بحسب المصلحة في ذلك كما يخير الشهود على من وجب عليه الحد بين إقامتها عند الإمام وبين الستر عليه واستتابته بحسب المصلحة فإنَّه يرجح أن يتوب إن ستروه وإن كان في ترك إقامة الحد ضرر على الناس كان الراجح فعله ويجب على السيد بيع الأمة إذا زنت في المرة الرابعة ويجتمع الجلد والرجم في حق المحصن وهو رواية عن أحمد اختارها شيوخ المذهب

باب حكم المرتد
...

باب حكم المرتد

والمرتد من أشرك بالله تعالى أو كان مبغضاً للرسول صلى الله عليه وسلم ولما جاء به أو ترك إنكار منكر بقلبه أو توهم أن أحداً من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم قاتل مع الكفار أو جاز ذلك أو أنكر مجمعاً عليه إجماعاً قطعياً أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم ومَن شك في صفة من صفات الله تعالى ومثله لا يجهلها فمرتد وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد ولهذا لم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الشاك في قدرة الله وإعادته لأنه لا يكون إلا بعد الرسالة ومنه قول عائشة -رضي الله عنها-: مهما يكتم الناس يعلمه الله قال: "نعم" وإذا أسلم المرتد عصم دمه وماله وإن لم يحكم بصحة إسلامه حاكم باتفاق الأئمة بل مذهب الإمام أحمد المشهور عنه وهو قول أبي حنيفة والشافعي: أنه مَن شهد عليه بالردة فأنكر حكم بإسلامه ولا يحتاج أن يفي بما شهد عليه به وقد بين الله تعالى أنه يتوب عن أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة البدع ومن شفع عنده في رجل

فقال: لو جاء النبي صلى الله عليه وسلم يشفع فيه ما قبلت منه إن تاب بعد القدرة عليه قتل لا قبلها في أظهر قولي العلماء فيهما ولا يضمن المرتد ما أتلفه بدار الحرب أو في جماعة مرتدة ممتنعة وهو رواية عن أحمد اختارها الخلال وصاحبه
والتنجيم كالاستدلال بأحوال الفلك على الحوادث الأرضية هو من السحر ويحرم إجماعاً وأقوال المنجمين: إن الله يدفع عن أهل العبادة والدعاء ببركة ذلك ما زعموا أن الأفلاك توجبه وأن لهم من ثواب الدارين ما لا تقوى الأفلاك أن تجلبه وأطفال المسلمين في الجنة إجماعاً وأما أطفال المشركين فأصح الأجوبة فيهم ما ثبت في "الصحيحين": أنه سئل عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين" فلا نحكم على معين منهم لا بجنة ولا نار ويروى أنهم يمتحنون يوم القيامة فمن أطاع منهم دخل الجنة ومن عصى دخل النار وقد دلّت الأحاديث الصحيحة على أن بعضهم في الجنة وبعضهم في النار والصحيح في أطفال المشركين أنهم يمتحنون في عرصات القيامة

كتاب الجهاد

*

...

كتاب الجهاد

ومَن عجز عن الجهاد ببدنه وقدر على الجهاد بماله وجب الجهاد بماله وهو نص أحمد في رواية أبي الحكم وهو الذي قطع به القاضي في "أحكام القرآن" في سورة براءة عند قوله: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} التوبة: 41 فيجب على الموسرين النفقة في سبيل الله وعلى هذا فيجب على النساء الجهاد في أموالهنَّ إن كان فيها فضل وكذلك في أموال الصغار وإذا احتيج إليها كما تجب النفقات والزكاة وينبغي أن يكون محل الروايتين في واجب الكفاية فأمّا إذا هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه فإنَّ دفع ضررهم عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعاً
قال أبو العباس: سئلت عمن عليه دين وله ما يوفيه وقد تعين الجهاد فقلت: من الواجبات ما يقدم على وفاء الدين كنفقة النفس والزوجة والولد الفقير

ومنها ما يقدم وفاء الدين عليه كالعبادات من الحج والكفارات ومنها ما يقدم عليه إلا إذا طولب به كصدقة الفطر فإنْ كان الجهاد المتعين لدفع الضرر كما إذا حضره العدو أو حضر الصف قدم على وفاء الدين كالنفقة وأولى وإن كان استنفار فقضاء الدين أولى إذ الإمام لا ينبغي له استنفار المدين مع الاستغناء عنه ولذلك قلت: لو ضاق المال عن إطعام جياع والجهاد الذي يتضرر بتركه قدمنا الجهاد وإن مات الجياع كما في مسألة التترس وأولى فإنا هناك نقتلهم بفعلنا وهنا يموتون بفعل الله وقلت أيضاً: إذا كان الغرماء يجاهدون بالمال الذي يستوفونه فالواجب وفاؤهم لتحصيل المصلحتين: الوفاء والجهاد ونصوص الإمام أحمد توافق ما كتبته وقد ذكرها الخلال قال القاضي إذا تعين فرض الجهاد على أهل بلد وكان على مسافة يقصر فيها الصلاة فمَن شرط وجوبه الزاد والراحلة كالحج وما قاله القاضي مِن القياس على الحج لم ينقل عن أحمد وهو ضعيف فإنَّ وجوب الجهاد قد يكون لدفع ضرر العدو فيكون أوجب من الهجرة ثم الهجرة لا تعتبر فيها الراحلة فبعض الجهاد أولى وثبت في "الصحيح" من حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "على المرء المسلم السمع والطاعة في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه وأثره عليه" فأوجب الطاعة التي عمادها الاستنفار في العسر واليسر وهنا نص في وجوبه مع الإعسار بخلاف الحج
هذا كله في قتال الطلب وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده والجهاد منه ما هو باليد ومنه ما هو بالقلب والدعوة والحجة واللسان والرأي والتدبير والصناعة فيجب بغاية ما يمكنه ويجب على القعدة لعذر أن يخلفوا الغزاة في أهليهم ومالهم قال المروزي سئل أبو عبد الله عن الغزو في شدة البرد في مثل الكانونين فيتخوف الرجل إن خرج في ذلك الوقت أن يُفَرط في الصلاة فترى له أن يغزو أو يقعد قال: لا يقعد الغزو خير له وأفضل فقد قال الإمام أحمد بالخروج مع خشية تضييع الفرض لأن هذا

مشكوك فيه أو لأنه إذا أخر الصلاة بعض الأوقات عن وقتها كان ما يحصل له من فضل الغزو مربياً على ما فاته وكثيراً ما يكون ثواب بعض المستحبات أو واجبات الكفاية أعظم من ثواب واجب كما لو تصدق بألف درهم وزكى بدرهم قال ابن بخنان: سألت أبا عبد الله عن الرجل يغزو قبل الحج قال: نعم إلا أنه بعد الحج أجود وسئل أيضاً عن رجل قدم يريد الغزو ولم يحج فنزل على قوم مثبطوه عن الغزو وقالوا: إنك لم تحج تريد أن تغزو! قال أبو عبد الله: يغزو ولا عليه فإنْ أعانه الله حج ولا نرى بالغزو قبل الحج بأساً
قال أبو العباس: هذا مع أن الحج واجب على الفور عنده لكن تأخيره لمصلحة الجهاد كتأخير الزكاة الواجبة على الفور لانتظار قوم أصلح من غيرهم أو لضرر أهل الزكاة وتأخير الفوائت للانتقال عن مكان الشيطان ونحو ذلك وهذا أجود ما ذكره بعض أصحابنا في تأخير النبي صلى الله عليه وسلم الحج إن كان وجب عليه متقدماً وكلام أحمد يقتضي الغزو وإن لم يبق معه مال للحج لأنه قال: فإنْ أعانه الله حج مع أن عنده تقديم الحج أولى كما أنه يتعين الجهاد بالشروع وعند استنفار الإمام لكن لو أذن الإمام لبعضهم لنوع مصلحة فلا بأس وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة وأنّه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم ونصوص أحمد صريحة بهذا وهو خير مما في "المختصرات"
لكنْ هل يجب على جميع أهل المكان النفير إذا نفر إليه الكفاية كلام أحمد فيه مختلف وقتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيراً لا طاقة للمسلمين به لكن يخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على مَن يخلفون من المسلمين فهنا قد صرح أصحابنا بأنّه يجب أن يبذلوا مُهجهم ومُهج مَنْ يخاف عليهم في الدفع حتى يسلموا ونظيرها أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتلة أقل من النصف فإنْ انصرفوا استولوا على الحريم فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لا يجوز الإنصراف فيه بحال ووقعة أحد من هذا الباب والواجب أن يعتبر في أمور الجهاد وترامي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا دون أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر

الدين فلا يؤخذ برأيهم ولا يراءا أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا والرباط أفضل من المقام بمكة إجماعاً ولا يستعان بأهل الذمة في عمالة ولا كتابة لأنه يلزم منه مفاسد أو يفضي إليها وسئل أحمد في رواية أبي طالب في مثل الخراج فقال: لا يستعان بهم في شيء ومَنْ تولى منهم ديوناً للمسلمين أينقض عهده ومَنْ ظهر منه أذى للمسلمين أو سعى في فساده لم يجز استعماله وغيره أولى منه بكل حال فإنَّ أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- عهد أن لا يستعمل من أهل الردة أحداً وإن عاد إلى الإسلام لما يخاف من فساد ديانتهم وللامام عمل المصلحة في المال والأسرى لعمل النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مكة
وقال أبو العباس: في رده على الرافضي يقع منها التأويل في الدم والمال والعرض ثم ذكر قتل أسامة للرجل الذي أسلم بعد أن علاه بالسيف وخبر المقداد فقال: قد ثبت أنهم مسلمون يحرم قتلهم ومع هذا فلم يضمن المقتول بقود ولا كفارة ولا دية لأن القاتل كان متأولاً وهذا قول أكثرهم كالشافعي وأحمد وغيرهم وإن مثل الكفار بالمسلمين فالمثلة حق لهم فلهم فعلها للاستيفاء وأخذ الثأر ولهم تركها والصبر أفضل وهذا حيث لا يكون في التمثيل السائغ لهم دعاء إلى الإيمان وحرز لهم عن العدوان فإنّه هنا من إقامة الحدود والجهاد ولم تكن القضية في أحد كذلك فلهذا كان الصبر أفضل فأمّا إن كانت المثلة حق الله تعالى فالصبر هناك واجب كما يجب حيث لا يمكن الانتصار ويحرم الجزع انتهى

باب قسمة الغنائم

باب قسمة الغنائم وأحكامها
لم ينص الإمام أحمد على أن الكفار يملكون أموال المسلمين بالقهر ولا على عدمه وإنّما نص على أحكام أخذ منها ذلك فالصواب أنهم يملكون مُلكاً مقيداً لا يساوي ملك المسلمين من كل وجه وإذا أسلموا وفي أيديهم أموال المسلمين فهي لهم نص عليه الإمام أحمد وقال في رواية أبي طالب: ليس بين المسلمين اختلاف في ذلك.

قال أبو العباس: وهذا يرجع إلى أن كل ما قبضه الكفار من الأموال قبضاً يعتقدون جوازه فإنه يستقر لهم بالإسلام كالعقود الفاسدة والأنكحة والمواريث وغيرها ولهذا لا يضمنون ما أتلفوه على المسلمين بالإجماع وما باعه الإمام من الغنيمة أو قَسَّمه وقلنا: لم يملكوه ثم عرف ربه فالأشبه أن المالك لا يملك انتزاعه من المشتري مجاناً لأن قبض الإمام بحق ظاهراً وباطناً ويشبه هذا ما يبيعه الوكيل والوصي ثم يتبين مُودعاً أو مغصوباً أو مرهوناً وكذا القبض والقبض منه واجب ومنه مباح وكذلك صرفه منه واجب ومنه مباح قال في "المحرر" وكل ما قلنا: قد ملكوه ما عدا أم الولد فإذا اغتنمناه وعرفه ربه قبل قسمته رد إليه إن شاء وإلا بقي غنيمة
قال أبو العباس: يظهر الفرق إذا قلنا قد ملكوه يكون الرد ابتداء ملك وإلا كان كالمغصوب وإذا كان ابتداء ملك فلا يملكه ربه إلا بالأخذ فيكون له حق الملك ولهذا قال: وإلا بقي غنيمة والتحقيق أنه فيه بمنزلة سائر الغانمين في الغنيمة وهل يملكونها بالظهور أو بالقيمة على وجهين وعليهما من ترك حقه صار غنيمة ومثله لو ترك العامل حقه في المضاربة أو ترك أحد الورثة حقه أو أحد أهل الوقف المعين حقه ونحو ذلك وعلى ذلك إجازة الورثة ومثله عفو المرأة أو الزوج عن نصف الصداق قال في "المحرر": وإن لم يعرفه ربه بعينه قسم ثمنه وجاز التصرف فيه
قال أبو العباس: أما إذا لم يعلم أنه ملك المسلم فظاهر أنه لا يرده وأمّا إذا علم فهل يكون كاللَقُطة أو كالخمس والفيء واحداً أو يصير مصرفاً في المصالح وهذا قول أكثر السلف ومذهب أهل المدينة ورواية عن أحمد ووجه في مذهبه وليس للغانمين إعطاء أهل الخمس قدره من غير الغنيمة وتحريق رجل الغال من باب التعزير لا الحد الواجب فيجتهد الإمام فيه بحسب المصلحة ومِن العقوبة المالية حرمانه -عليه السلام- السلب للمددي لما كان في أخذه عدواناً على ولي الأمر وإذا قال الإمام: من أخذ شيئاً فهو له أو فُضَّل بعض الغانمين على بعض وقلنا: ليس له ذلك على رواية هل تباح لمن لا يعتقد جواز أخذه ويقال: هذا مبني على

الروايتين فيما إذا حكم بإباحة شيء يعتقده المحكوم له حراماً وقد يُقال: يجوز هنا قولاً واحداً لا بالتفرق وإنّا في تصرفات السلطان بين الجواز وبين النفوذ لأنا لو قلنا: تبطل ولايته وقسمه وحكمه لما أمكن إزالة هذا الفساد إلا بأشد فساداً منه فينفذ دفعاً لاحتماله ولما هو شر منه في الوفاء والواجب أن يقال: يباح الأخذ مطلقاً لكن يشترط أن لا يظلم غيره إذا لم يغلب على ظنّه أن المأخوذ أكثر من حقه ففيه نظر والتحريم في الزيادة أقرب وإنْ لم يغلب على ظنه واحد من الأمريْن فالحل أقرب ولو ترك قمسة الغنيمة وترك هذا القول وسكت سكوت الأذن في الانتهاب وأقر على ذلك فهو إذن فإنَّ الأذن منه تارة يكون بالقول وتارة بالفعل وتارة بالإقرار على ذلك فالثلاث في هذا الباب سواء كما في إباحة المالك في أكل طعامه ونحو ذلك بل لو عرف أنه راضٍ بذلك فيما يرون أن يصدر منه قول ظاهر أو فعل ظاهر أو إقرار فالرضا منه بتغيير إذنه بمنزلة أذنه الدال على ذلك إذ الأصل رضاه حتى لو أقام الحد وعقد الأنكحة مَن رضي الإمام بفعله ذلك كان بمنزلة إذنه على أكثر أصولنا فإنَّ الأذن العرفي عندنا كالفظي والرضا الخاص كالإذن العام فيجوز للإنسان أن يأكل طعام من يعلم رضاه بذلك لما بينهما من المودة وهذا أصل في الإباحة والوكالة والولاية لكن لو ترك القسمة ولم يرض بالانتهاب إما لعجزه أو لأخذه المال ونحو ذلك أو أجاز القسمة فهنا مَن قدر على أخذ مبلغ حقه من هذا المال المشترك فله ذلك
لأن مالكيه متعينون وهو قريب مِن الورثة لكن يشترط انتفاء المفسدة من فتنة أو نحوها وترضخ البغال والحمير وهو قياس المذهب والأصول كمن يرضخ لمن لا سهم له من النساء أو العبيد والصبيان وتجوز النيابة في الجهاد إذا كان النائب ممن لم يتعين عليه والطفل إذا سبي يتبع سابيه في الإسلام وإن كان مع أبويه وهو قول الأوزاعي ولأحمد نص يوافقه ويتبعه أيضاً إذا اشتراه ويحكم بإسلام الطفل إذا مات أبواه أو كان نسبه منقطعاً مثل كونه ولد زنا أو منفياً بلعان وقاله غير واحد من العلماء

باب الهدنة
...

باب الهدنة

ويجوز عقدها مطلقاً ومؤقتاً والمؤقت لازم من الطرفين يجب الوفاء به ما لم ينقضه العدو ولا ينقض بمجرد خوف الخيانة في أظهر قولي العلماء وأمّا المطلق فهو عقد جائز يعمل الإمام فيه بالمصلحة وسئل أبو العباس: عن سبي ملطية مسلميها ونصاراها فحرم مال المسلمين وأباح سبي النصارى وذريتهم ومالهم كسائر الكفار إذ لا ذمة لهم ولا عهد لأنهم نقضوا عهدهم السابق من الأئمة بالمحاربة وقطع الطريق وما فيه الغضاضة علينا والإعانة على ذلك ولا يعقد لهم إلا مِن عن قتالهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وهؤلاء التتر لا يقاتلونهم على ذلك بل بعد إسلامهم لا يقاتلون الناس على الإسلام ولهذا وجب قتال التتر حتى يلتزموا شرائع الإسلام منها الجهاد والتزام أهل الذمة بالجزية والصغار ونواب التتر الذين يُسمّون الملوك لا يجاهدون على الإسلام وهم تحت حكم التتر ونصارى ملطية وأهل المشرق ويهودهم لو كان لهم ذمة وعهد من ملك مسلم يجاهدهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية كأهل المغرب واليمن لما لم يعاملوا أهل مصر والشام معاملة أهل العهد جاز لأهل مصر والشام غزوهم واستباحة دمهم ومالهم لأن أبا جندل وأبا بصير حاربا أهل مكة مع أن بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهداً وهذا باتفاق الأئمة لأن العهد والذمة إنما يكون من الجانبين والسبي المشتبه يحرم استرقاقه ومن كسب شيئاً فادعاه رجل وأخذه فعلى الآخذ للمأخوذ منه ما غرمه عليه من نفقة وغيرها إن لم يعرف أنه ملكه أو ملك الغير أو عرف وأنفق غير متبرع والله أعلم

باب عقد الذمة وأخذ الجزية

باب عقد الذمة وأخذ الجزئة
وأخذ الجزية والكتابة الذي بأيدي الخيابرة الذين يدعون أنه بخط علي في إسقاط الجزية عنهم باطل وقد ذكر الفقهاء من أصحابنا وغيرهم كأبي العباس بن سريج والقاضي ابن يعلى والقاضي الماوردي وذكر أنه إجماع وصدق في ذلك.

قال أبو العباس: ثم إنه عام إحدى وسبعمائة جاءني جماعة من يهود دمشق بعهود في كلها: أنه بخط علي بن أبي طالب في إسقاطه الجزية عنهم وقد لبسوها ما يقتضي تعظيمها وكانت قد نفقت على ولاة الأمور في مدة طويلة فأسقطت عنهم الجزية بسببها وبيدهم تواضع ولاة الأمور فلما وقفت عليها تبين لي في نقشها ما يدل على كذبها من وجوه عديدة جداً
إذا كان من أهل الذمة زنديق يبطن جحود الصانع أو جحود الرسل أو الكتب المنزلة أو الشرائع أو المعاد ويظهر التدين بموافقة أهل الكتاب فهذا يجب قتله بلا ريب كما يجب قتل من ارتد من أهل الكتاب إلى التعطيل فإن أراد الدخول في الإسلام فهل يقال أنه يقتل أيضاً ما يقتل منافق المسلمين لأنه ما زال يظهر الإقرار بالكتب والرسل أو يقال: بل دين الإسلام فيه من الهدى والنور ما يزيل شبهته بخلاف دين أهل الكتابين هذا فيه نظر ويمنع أهل الذمة من إظهار الأكل في نهار رمضان فإنَّ هذا من المنكر في دين الإسلام ويمنعون من تعلية البنيان على جيرانهم المسلمين
وقال العلماء: ولو في ملك مشترك بين مسلم وذمي لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب والكنائس العتيقة إذا كانت بأرض العنوة فلا يستحقون إبقاءها ويجوز هدمها مع عدم الضرر علينا وإذا صارت الكنيسة في مكان قد صار في مسجد للمسلمين يصلى فيه وهو أرض عنوة فإنّه يجب هدم الكنيسة التي به لما روى أبو داود في "سننه" عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجتمع قبلتان بأرض" وفي أثر آخر "لا يجتمع بيت رحمة وبيت عذاب" ولهذا أقرهم المسلمون في أول الفتح على ما في أيديهم من كنائس العنوة بأرض مصر والشام وغير ذلك فلما كثر المسلمون وبنيت المساجد في تلك الأرض أخذ المسلمون تلك الكنائس فأقطعوها وبنوها مساجد وغير ذلك وتنازع العلماء في كنائس الصلح إذا استهدمت هل لهم إعادتها على قولين ولو انقرض أهل مصر ولم يبق أحد ممن دخل في العقد المبتدأ فإن انتقض فكالمفتوح عنوة ويمنعون من ألقاب

المسلمين كعز الدين ونحوه ومِن حمل السلاح والعمل به وتعلم المقاتلة الدقاف والرمي وغيره وركوب الخيل ويستطب مسلم ذمياً بقعة عنده كما يودعه ويعامله فلا ينبغي أن يعدل عنه ويكره الدعاء بالبقاء لكل أحد لأنه شيء قد فرغ منه ونص عليه الإمام أحمد في رواية أبي أصرم وقال له رجل: جمعنا الله وإياك في مستقر رحمته فقال: لا تقل هذا وكان أبو العباس يميل إلى أنه لا يكره الدعاء بذلك ويقول أن الرحمة ههنا المراد بها الرحمة المخلوقة ومستقرها الجنة وقول طائفة من السلف واختلف كلام أبي العباس في رد تحية الذمي هل ترد مثلها أو وعليكم فقط ويجوز أن يقال: أهلاً وسهلاً ويجوز عيادة أهل الذمة وتهنئتهم وتعزيتهم ودخولهم المسجد للمصلحة الراجحة كرجاء الإسلام وقال العلماء يعاد الذمي ويعرض عليه الإسلام وليس لهم إظهار شيء من شعار دينهم في دار الإسلام لا وقت الاستسقاء ولا عند لقاء الملوك ويمنعون من المقام في الحجاز وهو مكة والمدينة واليمامة والينبع وفدك وتبوك ونحوها وما دون المنحنى وهو عقبة الصواب والشام كمعان والعشور التي تؤخذ من تجار أهل الحرب تدخل في أحكام الجزية وتقديرها على الخلاف واختار أبو العباس: في رده على الرافضي أخذ الجزية في جميع العقار وأنه لم يبق أحد من مشركي العرب بعد بل كانوا قد أسلموا وقال في "الاعتصام بالكتاب والسنة" من أخذها من الجميع أو سوى بين المجوس وأهل الكتاب فقد خالف ظاهر الكتاب والسنة ولا يبقى في يد الراهب مال إلا بلغته فقط ويجب أن يؤخذ منهم مال كالورق التي في الديورة والمزارع إجماعاً ومَن له تجارة منهم أو زراعة وهو مخالطهم أو معاونهم على دينهم كمن يدعو إليه من راهب وغيره تلزمه الجزية وحكمه حكمهم بلا نزاع وإذا أبى الذمي بذل الجزية أو الصغار أو التزام حكمنا ينقض عهده

وساب الرسول يقتل ولو أسلم وهو مذهب أحمد ومن قطع الطريق على المسلمين أو تجسس عليهم أو أعان أهل الحرب على سبي المسلمين أو أسرهم وذهب بهم إلى دار الحرب ونحو ذلك مما فيه مضرة على المسلمين فهذا يقتل ولو أسلم ولو قال الذمي هؤلاء المسلمون الكلاب أبناء الكلاب ينغصون علينا إن أراد طائفة معينين عوقب عقوبة تزجره وأمثاله وإن ظهر منه قصد العموم ينقض عهده ووجب قتله

باب قسمة الفيئ

باب قسمة الفيء
ولا حق للرافضة في الفيء وليس لولاة الأمور أن يستأثروا منه فوق الحاجة كالإقطاع يصرفونه فيما لا حاجة إليه ويقدم المحتاج على غيره في الأصح عن أحمد وعمال الفيء إذا خانوا فيه وقبلوا هدية أو رشوة فمن فرض له دون أجرته أو دون كفايته وكفاية عياله بالمعروف لم يستخرج منه ذلك القدر وإن قلنا لا يجوز لهم الأخذ خيانة فإنه يلزم الإمام الإعطاء كأخذ المضارب حصته أو الغريم دينه بلا إذن فلا فائدة في استخراجه ورده إليهم بل إن لم يصرفه الإمام مصارفه الشرعية لم يعن على ذلك وقد ثبت أن عمر شاطر عماله كسعد وخالد وأبي هريرة وعمرو بن العاص ولم يتهمهم بخيانة بينة بل بمحاباة اقتضت أن جعل أموالهم بينهم وبين المسلمين ومَنْ علم تحريم ما وزنه أو غيره وجهل قدره قسمه نصفين وللإمام أن يخص من أموال الفيء كل طائفة بصنف وكذلك في المغانم على الصحيح وليس للسلطان إطلاق الفيء دائماً ويجوز للإمام تفضيل بعض الغانمين لزيادة منفعة على الصحيح انتهى

كتاب الأطعمة
...

كتاب الأطعمة

والأصل فيها الحل لمسلم يعمل صالحاً لأن الله تعالى إنما أحل الطيبات

كتاب الزكاة

كتاب الذكاة
وإذا لم يقصد المذكي الأكل بل قصد مجرد حل ميتة لم تبح الذبيحة وما أصابه بسبب الموت كأكيلة السبع ونحوها فيه نزاع بين العلماء هل يشترط أن لا يتقي موتها بذلك السبب أو أن يبقى معظم اليوم أو أن أن يبقى فيها حياة بقدر حياة المذبوح أو أزيد من حياته أو يمكن أن يزيد فيه خلاف وإلا ظهر أنه لا يشترط شيء من ذلك بل متى ذبح فخرج منه الدم الأحمر الذي يخرج من المُذكي المذبوح في العادة ليس هو دم الميتة فإنهّ يحل أكله وإن لم يتحرك في أظهر قولي العلماء وتقطع الحلقوم والمريء والودجان والأقوى أن قطع ثلاثة من الأربع يبيح

سواء كان فيها الحلقوم أو لم يكن فإنَّ قَطع الودجين أبلغ من قطع الحلقوم وأبلغ من أنهار الدم والقول بأن أهل الكتاب المذكورين في القرآن هم من كان أبوه وأجداده في ذلك الدين قبل النسخ والتبديل قول ضعيف بل المقطوع به بأن كون الرجل كتابياً أو غير كتابي هو حكم يستفيده بنفسه لا بنسبه فكل مَن تدين بدين أهل الكتاب فهو منهم سواء كان أبوه أو جده قد دخل في دينهم أو لم يدخل وسواء كان دخوله بعد النسخ والتبديل أو قبل ذلك وهو المنصوص الصريح عن أحمد وإن كان بين أصحابه خلاف معروف وهو الثابت بين الصحابة بلا نزاع بينهم وذكر الطحاوي أنَّ هذا إجماع قديم والمأخذ الصحيح المنصوص عن أحمد في تحريم ذبائح بني تغلب: أنهم لم يتدينوا بدين أهل الكتاب في واجباتهم ومحظوراتهم بل أخذوا منهم حل المحرمات فقط ولهذا قال علي: أنهم لم يتمسكوا من دين أهل الكتاب إلا بشرب الخمر لا أنا لم نعلم أن أبائهم دخلوا في دين أهل الكتاب قبل النسخ والتبديل فإذا شككنا فيهم هل كان أجدادهم من أهل الكتاب أم لا فأخذنا بالاحتياط فحقنا دمائهم بالجزية وحرمنا ذبيحتهم ونساءهم احتياطاً وهذا ما أخذ الشافعي وبعض أصحابنا وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فاحسنوا القِتلة وإذا ذبحتهم فاحسنوا الذِبحة" وفي هذا دليل على أن الإحسان واجب على كل حال حتى في إزهاق النفس ناطقها وبهيمها فعلى الإنسان أن يحسن القتلة للآدمين والذبيحة للبهائم ويحرم ما ذبحه الكتابي لعيده أو ليتقرب به إلى شيء يعظمه وهو رواية عن أحمد والذبيح إسماعيل وهو رواية عن أحمد واختيار ابن حامد وابن أبي موسى وذلك أمر قطعي
فصل
والصيد لحاجة جائز وأما الصيد الذي ليس فيه إلا اللهو واللعب فمكروه وإن كان فيه ظلم للناس بالعدوان على زرعهم وأموالهم فحرام والتحقيق أن المرجع في تعليم الفهد إلى أهل الخبرة فإن قالوا: إنه من جنس تعليم الصقر بالأكل الُحق به وإن قالوا: إنه تعلم بترك الأكل كالكلب أُلحق به وإذا أكل بعد تعلمه لم يحرم ما تقدم من صيده ولم يبح ما أكل منه

كتاب الاْيمان

*

كتاب الأيمان
الحالف لا بد له من شيئين من كراهة الشرط الجزاء عند الشرط ومن لم يكن كذلك لم يكن حالفاً سواء قصده الحض والمنع أو لم يكن قال أصحابنا: فإنْ حلف باسم من أسماء الله تعالى التي قد يسمّى بها غيره وإطلاقه ينصرف إلى الله تعالى فهو يمين إن نوى به الله أو أطلق وإن نوى غيره فليس بيمين
قال أبو العباس: هذا من التأويل لأنه نوى خلاف الظاهر فإنْ كان ظالماً لم تنفعه وتنفع المظلوم وفي غيرهما وجهان إذ الكلام المحلوف به كالمحلوف عليه وأظن أن كلام أحمد في المحلوف به نصاً قال في "المحرر": فإنْ قال اسم الله مرفوعاً مع الواو أو عدمه أو منصوباً مع الواو ويعني في القسم باسم فهو يمين إلا أن يكون من أهل العربية ولا يريد اليمين
قال أبو العباس: يتوجه فيمَن يعرف العربية إذا أطلق وجهان كما جاء في "الحاسب" و "النحوي" في الطلاق كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة في اثنين ويتوجه أن هذا يمين بكل حال لأن ربطه جملة القسم يوجب في اللغة أن يكون يميناً لأنه لحن لحناً لا يحيل المعنى بخلاف مسألة الطلاق
قال في "المحرر": وإن قال إيمان البيعة لازم لي أو لم يلزم لي إن فعلت كذا فهذه يمين رتبها الحجاج تتضمن اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق وصدقة المال فإنْ عرّفها الحالف ونواها انعقدت يمينه بما فيها وإلا فلا وقيل تنعقد إذا نواها وإن لم يعرفها وقيل لا تنعقد الأيمان بالله بشرط النية قال أبو العباس قياس إيمان المسلمين تلزمني أنه عرف إيمان البيعة انعقدت بلا نية ويتوجه أيضاً أنها تلزمه بكل حال يعرفها وهو مقتضى قول الخرقي وابن بطة
ثم قال صاحب "المحرر" ولو قال إيمان المسلمين تلزمني إن فعلت كذا ألزمه يمين الظهار

والطلاق والعتاق والنذر واليمين بالله نوى ذلك أو لم ينو ذكره القاضي وقيل لا يتناوله اليمين بالله تعالى
قال أبو العباس: قياس إيمان البيعة تلزمني أن لا تنعقد إيمان المسلمين تلزمني إلا بالنية وجمع المسلمين
كما ذكره صاحب المحرر كأنه من طريقين ولو قال علي لأفعلن فيمين لأن هذه لام القسم فلا تذكر إلا معه مظهراً أو مقدراً
قال في "المحرر" وإن عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلافه فهو كمن حلف على عدم فعل شيء في المستقبل ففعله ناسياً
قال أبو العباس: وهذا ذهول لأن أبا حنيفة ومالكاً يحنثان الناسي ولا يحنثان هذا لأن تلك اليمين انعقدت بلا شك وهذه لم تنعقد ولم يقل أحد أن اليمين على شيء تغيره عن صفته بحيث توجب إيجاباً أو تحرم تحريماً لا ترفعه الكفارة ويجب إبرار القسم على معين ويحرم الحلف بغير الله تعالى وهو ظاهر المذهب وعن ابن مسعود وغيره: لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً
قال أبو العباس: لأن حسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق وسبب الكذب أسهل من سبب الشرك واختلف كلام أبي العباس في الحلف بالطلاق فاختار في موضع آخر أنه لا يكره وأنه قول غير واحد من أصحابنا لأنه لم يحلف بمخلوق ولم يلتزم لغير الله شيئاً وإنّما التزم لله كما يلتزم بالنذر والالتزام به بدليل النذر له واليمين به ولهذا لم تنكر الصحابة على من حلف بذلك كما أنكروا على من حلف بالكعبة والعهود والعقود متقاربة المعنى أو متفقة فإذا قال: أعاهد الله أني أحج العام فهو نذر وعهد ويمين وإن قال: لا أكلم زيداً فيمين وعهد لا نذر فالأيمان تضمنت معنى النذر وهو أن يلتزم لله قربة لزمه الوفاء وهي عقد وعهد ومعاهدة لله لأنه التزم لله ما يطلبه الله منه وإن تضمنت معنى العقود التي بين الناس وهو أن يلتزم كل من المتعاقدين للآخر ما اتفقا عليه فمعاقدة ومعاهدة يلزم الوفاء بها إن كان العقد لازماً وإن لم يكن لازماً خُيّر وهذه أيمان بنص القرآن ولم يعرض لها ما يحل عقدتها إجماعاً ولو حلف لا يغدر فغدر كفر للقسم إلا لعذر مع أن الكفارة لا ترفع إثمه ومن

كرر أيماناً قبل التكفير فروايتان ثالثها وهو الصحيح: إن كانت على فعل فكفارة وإلا فكفارتان ومثل ذلك الحلف بنذور مُكفرة وطلاق مُكَفِر ولا يجوز التعريض لغير ظالم وهو قول بعض العلماء كما لظالم بلا حاجة ولأنه تدليس كتدليس المبيع وقد كره أحمد التدليس وقال: لا يعجبني ونصه: لا يجوز التعريض مع اليمين ولو حلف ليتزوجنَّ على امرأته المنصوص عن أحمد لا يبر حتى يتزوج ويدخل بها ولا يشترط مماثلتها والكلام يتضمن فعلاً كالحركة ويتضمن ما يقترن بالفعل من الحروف والمعاني ولهذا يجعل القول قسيماً للفعل تارة وقسماً منه أخرى وبنى عليه من حلف لا يعمل عملاً فقال قولاً كالقراءة ونحوها هل يحنث وفيه وجهان في مذهب أحمد وغيره والزيات ليست سكين اتفاقاً ولو طالت مدتها

باب النذر
...

باب النذر

توقف أبو العباس في تحريمه وحرمه طائفة من أهل الحديث وأما ما وجب بالشرع إذا العبد أو عاهد عليه الله أو بايع عليه الرسول أو للإمام أو تحالف عليه جماعة فإنَّ هذه العقود والمواثيق تقتضي له وجوباً ثانياً غير الوجوب الثابت بمجرد الأمر الأول فيكون واجباً من وجهين وكان تركه موجباً لترك الواجب بالشرع والواجب بالنذر هذا هو التحقيق وهو رواية عن أحمد وقاله طائفة من العلماء ونذر اللجاج وللغضب يُخير فيه بين فعل ما نذره والتكفير ولا يضر قوله على مذهب من يلزم بذلك ولا أقلد من نوى الكفارة ونحوه لأن الشرع لا يتغير بتوكيد وإن قصد الجزاء عند الشرط لزمه مطلقاً عند أحمد ولو قال: إن قدم فلان أصوم كذا فهذا نذر يجب الوفاء به مع القدرة
قال أبو العباس: لا أعلم فيه نزاعاً ومن قال: هذا ليس بنذر فقد أخطأ وقول القائل: لئن ابتلاني الله لأصبرن ولئن لقيت عدواً لأجاهدن ولو علمت أي العمل أحب إلى الله لعملته فهو نذر معلق بشرط كقول الله تعالى: {لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ}

يمين فإنّها لا تجزئ إلا بتعين النية على المشهور والتعيين يسقط بالعذر إلى كفارة أو إلى غير كفارة كالتعيين في رمضان والواجبات غير الصلاة المنذورة أيضاً
قال أصحابنا: ومَن نذر المشي إلى بيت الله تعالى أو موضع من الحرم لزمه أن يمشي في حج أو عمرة فإنْ ترك المشي وركب لعذر أو غيره يلزمه كفارة يمين وعليه دم
قال أبو العباس: إما لغير عذر فالمتوجه لزوم الإعادة كما لو قطع التتابع في الصوم المشروط فيه التتابع أو يتخرج لزوم الكفارة لأن البدل قائم مقام المبدل ولو نذر الطواف على أربع طاف طوافين وهو المنصوص عن أحمد ونقل عن ابن عباس ولو قال: إن فعلت كذا فعلي ذبح ولدي أو معصية غير ذلك أو نحوه وقصد اليمين فيمين وإلا فنذر معصية فيذبح في مسألة الذبح كبشاً ولو فعل المعصية لم تسقط عنه الكفارة ولو في اليمين ويلزم الوفاء بالوعد وهو وجه في مذهب أحمد ويخرج رواية عنه من تعجيل العارية والصلح عن عوض المتلف بمؤجل وإن نذر أن يهب بر بالإيجاب ليمينه وقد يحمل على الكمال انتهى

باب القضاء
...

باب القضاء

وقد أوجب النبي صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر فهو تنبيه على أنواع الاجتماع والواجب اتخاذه ولاية القضاء ديناً وقربة فإنّها من أفضل القربات وإنّما فسد حال الأكثر لطلب الرئاسة والمال بها ومَن فعل ما يمكنه لم يلزمه ما يعجز عنه وما يستفيده المتولي بالولاية لأحد له شرعاً بل يتلقى من اللفظ والأحوال والعرف وأجمع العلماء على تحريم الحكم والفتيا بالهوى وبقول أو وجه من غير نظر في الترجيح ويجب العمل بموجب اعتقاده فيما له وعليه إجماعاً والولاية لها ركنان القوة والأمانة فالقوة في الحكم ترجع إلى العلم بالعدل بتنفيذ الحكم والأمانة ترجع إلى خشية الله تعالى
ويشترط في القاضي أن يكون ورعاً والحاكم فيه صفات ثلاث فمِن جهة الإثبات هو شاهد ومن جهة الأمر والنهي هو صفة من جهة الإلزام بذلك هو ذو سلطان وأقل ما يشترط فيه صفات الشاهد لأنه لا بد أن يحكم بعدل ولا يجوز

الاستفتاء إلا ممن يفتي بعلم وعدل وشروط القضاء تعتبر حسب الإمكان ويجب تولية الأمثل فالأمثل وعلى هذا يدل كلام أحمد وغيره فيولي لعدمه أنفع الفاسقين وأقلهما شراً وأعدل المقلدين وأعرفهما بالتقليد وإن كان أحدهما أعلم والآخر أورع قدم فيما قد يظهر حكمه ويخاف الهوى فيه الأورع وفيما ندر حكمه ويخاف فيه الاشتباه ألا علم وأكثر من يميز في العلم من المتوسطين إذا نظر وتأمل أدلة الفريقين بقصد حسن ونظر تام ترجح عنده أحدهما لكن قد لا يثق بنظره بل يحتمل أن عنده ما لا يعرف جوابه فالواجب على مثل هذا موافقته للقول الذي ترجح عنده بلا دعوى منه للاجتهاد كالمجتهد في أعيان المفتين والأئمة إذا ترجح عنده أحدهما قلده والدليل الخاص الذي يرجح به قول على قول أولى بالأتباع من دليل عام على أن أحدهما أعلم وأدين وعلم الناس بترجيح قول على قول أيسر من علم أحدهم بأن أحدهما أعلم وأدين لأن الحق واحد ولا بد ويجب أن ينصب على الحكم دليلاً وأدلة الأحكام من الكتاب والسنة والإجماع وتكلم الصحابة فيها وإلى اليوم بقصد حسن بخلاف الإمامية
وقال أبو العباس: النبيه الذي سمع اختلاف العلماء وأدائهم في الجملة وعنده ما يعرف به رجحان القول وليس للحاكم وغيره أن يبتدئ الناس بقهرهم على ترك ما يشرع وألزامهم برأيه اتفاقاً ولو جاز هذا لجاز لغيره مثله وأفضى إلى التفرق والاختلاف وفي لزوم التمذهب بمذهب وامتناع الانتقال إلى غيره وجهان في مذهب أحمد وغيره وفي القول بلزوم طاعة غير النبي صلى الله عليه وسلم في كل أمره ونهيه وهو خلاف الإجماع وجوازه فيه ما فيه ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب فإن تاب وإلا قُتل وإن قال: ينبغي كان جاهلاً ضالاً ومن كان متبعاً لإمام فخالفه في بعض المسائل لقوة الدليل أو لكون أحدهما أعلم وأتقى فقد أحسن وقال أبو العباس: في موضع آخر بل يجب عليه وإنَّ أحمد نص عليه ولم يقدح ذلك في عدالته بلا نزاع وكره العلماء الأخذ بالرخص ولا يجوز التقليد مع معرفة الحكم اتفاقاً وقبله لا يجوز على المشهور إلا أن يضيق الوقت ففيه

وجهان أو يعجز عن معرفة الحق بتعارض الأدلة ففيه وجهان فهذه أربع مسائل والعجز قد يعني به العجز الحقيقي وقد يعني به المشقة العظيمة والصحيح الجواز في هذين الموضعين والقضاء نوعان: أخبار هو إظهار وإبداء وأمر هو إنشاء وابتداء فالخبر ثبت عندي ويدخل فيه خبره عن حكمة وعن عدالة الشهود وعن الإقرار والشهادة والآخر وهو حقيقة الحكم أمر ونهي وإباحة ويحصل بقوله: أعطه ولا تكلمه أو الزمه وبقوله: حكمت وألزمت
قال الحاكم: ثبت عندي بشهادتهما فهذا فيه وجهان أحدهما: أن ذلك حكم كما قاله ابن عقيل وغيره وفعل الحاكم حكم في أصح الوجهين في مذهب أحمد وغيره والوكالة يصح قبولها على الفور والتراخي بالقول والفعل والولاية نوع منها قال القاضي في "التعليق": إذا استأذن امرأة في غير عمله ليزوجها فأذنت له فزوجها في عمله لم يصح العقد لأن إذنها يتعلق بالحكم وحكمه في غير عمله لا ينفذ فإنْ قالت: إذا حصلت في عملك فقد أذنت لك فزوجها في عمله صح بناء على جواز تعليق الوكالة بالشرط ومَن شرط جواز العقد عليها أن تكون في عمله حين العقد عليها فإنْ كانت في غير محله لم يصح عقده لأنه حكم على من ليس في عمله
قال أبو العباس: لا فرق بين أن تقول: زوجني إذا صرت في عملك أو إذا صرت في عملك فزوجني لأن تقييد الوكالة أحسن حالاً من تعليق نعم لو قالت: زوجني الآن أو فهم ذلك من أذنها فهنا أذنت لغير قاض وهذا هو مقصود القاضي
قال في "المحرر": ويجوز أن يولي قاضيين في بلد واحد وقيل: إن ولاهما فيه عملاً واحداً لم يجز
قال أبو العباس: تولية قاضيين في بلد واحد إما أن يكون على سبيل الاجتماع بحيث ليس لأحدهما الإنفراد كالوصيين والوكيلين وإمّا على طريق الإنفراد
أما الأول فليس هو مسألة الكتاب ولا مانع منه إذا كان فوقهما مَن يرد مواضع تنازعهما وأمّا الثاني فهو مسألة الكتاب وتثبت ولاية القضاء بالأخبار وقصة ولاية عمر بن عبد العزيز هكذا كانت وإذا استناب الحاكم في الحكم من غير مذهبه إن كان لكونه أرجح فقد أحسن وإلا لم تجز الإستنابة

وإذا حكَّم أحد الخصمين خصمه جاز لقصة ابن مسعود وكذا مُفتَ في مسألة اجتهادية وهل يفتقر ذلك إلى تعيين الخصمين أو حضورهما أو يكفي وصف القصة له الأشبه أنه لا يفتقر بل إذا تراضيا بقوله في قضية موصوفة مطابقة لقضيتهم فقد لزمه فإن أراد أحدهما الامتناع فإنْ كان قبل الشروع فينبغي جوازه وإن كان بعد الشروع لم يملك الامتناع لأنه إذا استشعر بالغلبة امتنع فلا يحصل المقصود
قال القاضي في "التعليق": وعلى أن الحدود تدخل في ولاية القضاء فمَن لا يصلح لبعض ما تتضمنه الولاية لا يصلح لشيء منها ولا تنعقد الولاية له
قال أبو العباس: وكلام أحمد في تزويج الدهقان وتزويج الوالي صاحب الحسير يخالف هذا ولاية القضاء يجوز تبعيضها ولا يجب أن يكون عالماً بما في ولايته فإنّ منصب الاجتهاد ينقسم حتى لو ولاه في المواريث لم يجب أن يعرف إلا الفرائض والوصايا وما يتعلق بذلك وإن ولاه عقد الأنكحة وفسخها لم يجب أن يعرف إلا ذلك وعلى هذا فقضاة الأطراف يجوز أن لا يقضي في الأمور الكبار والدماء والقضايا المشكلة وعلى هذا فلو قال: اقض فيما تعلم كما يقول له: أفت فيما تعلم جاز ويبقى ما لا يعلم خارجاً عن ولايته كما يقول في الحاكم الذي ينزل على حكمه الكفار وفي الحاكم في جزاء الصيد قال في "المحرر" وغيره ويشترط في القاضي عشر صفات
قال أبو العباس: هذا الكلام إنما اشترطت هذه الصفات فيمَن يولي لا فيمن يحكمه الخصمان وذكر القاضي: أن الأعمى لا يجوز قضاؤه وذكره محل وفاق قال: وعلى أنه لا يمتنع أن يقول إذا تحاكما به ورضيا به جاز حكمه
قال أبو العباس: هذا الوجه قياس المذهب كما يجوز شهادة الأعمى إذ لا يعوزه إلا معرفة عين الخصم ولا يحتاج إلى ذلك بل يقضي على موصوف كما قضَى داود بين المالكين ويتوجه أن يصح مطلقاً ويعرف بأعيان الشهود والخصوم كما يعرف بمعاني كلامهم في الترجمة إذ معرفة كلامه وعينه سواء وكما يجوز

أن يقضي على غائب باسمه ونسبه وأصحابنا قاسوا شهادة الأعمى على الشهادة على الغائب والميت وأكثر ما في الموضعين عند الرواية والحكم لا يفتقر إلى الرؤية بل هذا في الحاكم أوسع منه في الشاهد بدليل الترجمة والتعريف بالحكم دون الشهادة وما به يحكم أوسع مما به يشهد ولا تشترط الحرية في الحاكم واختاره أبو الخطاب وابن عقيل قال وفي "المحرر": وفي العزل حيث قلنا به قبل العلم وجهان كالوكيل
قال أبو العباس: الأصوب أنه لا ينعزل هنا وإن قلنا ينعزل الوكيل لأن الحق في الولاية لله وإن قلنا هو وكيل والنسخ في حقوق الله لا يثبت قبل العلم كما قلنا على المشهور أن نسخ الحكم لا يثبت في حق من لم يبلغه وفرقوا بينه وبين الوكيل بأن أكثر ما في الوكيل ثبوت الضمان وذلك لا ينافي الجهل بخلاف الحكم فإنَّ فيه الإثم وذلك ينافي الجهل كذلك الأمر والنهي وهذا هو المنصوص عن أحمد ونص الإمام أحمد على أن للقاضي أن يستخلف من غير إذن الإمام فرقا بينه وبين الوكيل وجعلا له كالوصي إلا أنه لا يكره للحاكم شراء ما يحتاجه في مظنة المحاباة والاستغلال والتبدل قال القاضي في "التعليق" قاسه المخالف على الوصي في مباشرة البيع فإنه لا يحابي في العادة والقاضي بخلافه ولا يكره له البيع في مجلس فتياه ولا يكره له قبول الهدية بخلاف القاضي
قال أبو العباس: هذا فيه نظر وتفصيل فإن العالم في هديته ومعاملته شبيه بالقاضي وفيه حكايات عن أحمد والعالم لا يعتاض على تعليمه والقضاة ثلاثة: من يصلح ومن لا يصلح والمجهول فلا يرد من أحكام من يصلح إلا ما علم أنه باطل ولا ينفذ من أحكام مَن لا يَصلحُ إلا ما علم أنه حق واختار صاحب "المغني" وغيره إن كان توليته ابتداء وأما المجهول فينظر فيمن ولاه وإن كان يولي هذا تارة وهذا تارة نفذ ما كان حقاً ورد الباطل والباقي موقوف وبين لا يصلح إذاً للضرورة ففيه مسألتان:

إحداهما: على القول بأن من لا يصلح تنقض جميع أحكامه هل ترد أحكام هذا كلها أم يرد ما لم يكن صواباً والثاني المختار لأنها ولاية شرعية والثانية: هل تنفذ المجتهدات من أحكامه أم يتعقبها العالم العادل هذا فيه نظر وإن أمكن القاضي أن يرسل إلى الغائب رسولاً ويكتب إليه الكتاب والدعوى ويجاب عن الدعوى بالكتاب والرسول فهذا هو الذي ينبغي كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بمكاتبة اليهود لما ادعى الأنصاري عليهم قتل صاحبهم وكاتبهم ولم يحضروه وهكذا ينبغي أن في كل غائب طلب إقراره أو إنكاره إذا لم يقم الطالب بينة وإن أقام بينة فمن الممكن أيضاً أن يقال: إذا كان الخصم في البلد لم يجب عليه حضور مجلس الحاكم بل يقول: أرسلوا إلى من يعلمني بما يدعي به علي وإذا كان لا بد للقاضي من رسول إلى الخصم يبلغه الدعوى ورد الجواب بإقرار أو إنكار وهذا نظير ما نص عليه الإمام أحمد من أن النكاح يصح بالمراسلة مع أنه في الحضور لا يجوز تراخي القبول عن الإيجاب تراخياً كثيراً ففي الدعوى يجوز أن يكون واحداً لأنه نائب الحاكم كما كان أنيس نائب النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الحد بعد سماع الاعتراف أو يخرج على المراسلة من الحاكم إلى الحاكم وفيه روايتنا فينظر في قضيته خبيراً
قال أبو العباس: فما وجدت إلا واحداً ثم وجدت هذا منصوصاً عن الإمام أحمد في رواية أبي طالب فإنه نص فيها على أنه أقام بيّنة بالعين المودعة عند رجل سلمت إليه وقضى على الغائب قال: ومن قال بغير هذا يقول: له أن ينتظر بقدر ما يذهب للكتاب ويجيء فإن جاء وإلا أخذ الغلام المودع وكلامه محتمل تخيير الحاكم بين أن يقضي على الغائب وبين أن يكاتبه في الجواب

باب الحكم وصفته
...

باب الحكم وصفته

ومسألة تحرير الدعوى وفروعها ضعيفة لحديث الحضرمي في دعواه على الآخر أرضاً غير موصوفة وإذا قيل: لا تسمع الدعوى إلا محررة فالواجب أن

مَن ادعى مجملاً استفصله الحاكم وظاهر كلام أبي العباس صحة الدعوى على المتهم كدعوى الأنصار قتل صاحبهم ودعوى المسروق منه على بني أبيرق وغيرهم
ثم المبهم قد يكون مطلقاً وقد ينحصر في قوم كقولها انكحني أحدهما وزوجني أحدهما والثبوت المحض يصح بلا مدعى عليه وقد ذكره قوم من الفقهاء وفعله طائفة من القضاة وسمعت الدعوى في الوكالة من غير حضور الخصم المدعى عليه ونقله ههنا عن أحمد ولو كان الخصم في البلد وتسمع دعوى الاستيلاد وقاله أصحابنا وفسره القاضي بأن يدعى استيلاد أمة فتنكره
وقال أبو العباس: بل هي المدعية ومن ادعى على خصمه أن بيده عقاراً استغله مدة معينة وعينه وإنّه استحقه فأنكر المدعى عليه واقام المدعي بينة باستيلائه لا باستحقاقه لزم الحاكم إثباته والشهادة به كما يلزم البينة أن تشهد به لأنه كفرع مع أصل وما لزم أصلاً الشهادة به لزم فرعه حيث يقبل ولو لم تلزم إعانة مدع بإثبات وشهادات ونحو ذلك إلا بعد ثبوت استحقاقه لزم الدور بخلاف الحكم ثم إن أقام بينة بأنه هو المستحق أمر بإعطائه ما ادعاه وإلا فهو كمالٍ مجهول يصرف في المصالح ومن بيده عقار فادعى رجل بثبوته عند الحاكم أنه كان لجده إلى موته ثم إلى ورثته ولم يثبت أنه مخلف عن مورثه لا ينزع منه بذلك لأن أصلين تعارضا وأسباب انتقاله أكثر من الإرث ولم تجر العادة بسكوتهم المدة الطويلة ولو فتح هذا الباب لانتزع كثير من عقار الناس بهذا الطريق ولو شهدت له بينة بملكه إلى حين وقفه وأقام وارث بينة أن مورثه اشتراه من الواقف قبل وقفه قدمت بينة الوارث: أن مورثه اشتراه من الواقف قبل وقفه لأن معها زيادة علم كتقديم مَن شهد له بأنه اشتراه من أبيه على من شهد له بأنه ورثه من أبيه قال القاضي: إذا ادعى على رجل ألفاً من ثمن مبيع أو قرض أو غصب فقال: لا يستحق علي شيئاً ولم أغصبه فهل يكون جواباً يحلف عليه على وجهين:
أحدهما: هو جواب صحيح يحلف عليه والثاني: ليس بجواب صحيح

يحلف عليه لأنه يحتمل أن يكون غصبه ثم رده عليه أو أقرضه ثم رده عليه أو باعه ثم رده إليه
قال أبو العباس: إنّما يتوجه الوجهان في أن الحاك هل يلزمه بهذا الجواب أم لا وأما صحته فلا ريب فيها وقياس المذهب: أن الإجمال ليس بجواب صحيح لأن المطلوب قد يعتقد أنه ليس عليه الجهل أو تأويل ويكون واجباً عليه في نفس الأمر أو في مذهب الحاكم ويمين المدعي بمنزلة الشاهد وكما لا يشهد بتأويل أو جهل ومن أصلنا إذا كان له علي ثم أوفيته لم يكن مقراً فلا ضرر عليه في ذلك إلا إذا قلنا بالرواية الضعيفة فقد أطلق أحمد التعديل لي موضع فقال عبد الله: سألت أبي عن أبي يغفور العبدي فقال: ثقة قال داود لأحمد: الأسود بن قيس فقال: ثقة
قال أبو العباس: وعلى هذه الطريقة فكل لفظ يحصل به تعديل الشهود مثل أن يقول الناس فيه: لا نعلم إلا خيراً كما نقل عن شريح وسوار وغيرهما ثم وجدت القاضي قد احتج في المسألة بأنَّ عمر سأل رجلاً عن رجل فقال: لا نعلم إلا خيراً وعلى هذا فلا يعتبر لفظ الشهادة وإن أوجبنا اثنين لأن هذا من باب الاجتهاد بمنزلة تقويم المقوم والقائف لأنه من باب المسموع ومثله المزكي والتفليس والرشد ونحوها فإنَّ هذا كله إثبات صفات اجتهادية ويقبل في الترجمة والجرح والتعديل والتعريف والرسالة قول عدل واحد وهو رواية عن أحمد ويقبل الجرح والتعديل باستفاضة ومقتضى تعليل القاضي أنه لو قال المُزكي: هو عدل لكن ليس على أنه يقبل مطلقاً مثل أن يكون عدو المعدل وشهادة العدو لعدوه مقبولة فوجود العداوة لا يمنع التزكية وإن لم تقبل شهادته على المزكي وإذا كان المدعي به مما يعلمه المدعى عليه فقط مثل أن يدعي الورثة أو الوصي على غريم للميت فيزكي قضى عليه بالنكول وإن كان مما يعلمه المدعي كالدعوى على ورثة ميت حقاً عليه يتعلق بتركته وطلب من المدعي اليمين على البتات فإنْ لم يحلف لم يأخذ وإن كان كل منهما يدعي العلم أو طلب من المطلوب اليمين على نفي العلم فهنا يتوجه القولان والقول بالرد أرجح وأصله أن اليمين ترد على جهة أقوى المتداعيين

المجاحدين ولو وصى لطفلة صغيرة تحت نظر أبيها دون الثلث وتوفيت الموصية وقتل والد الطفلة فيحكم للطفلة بمايثبت لها في الوصية ولا يحلف والدها ولا يوقف الحكم إلى بلوغها وخلقها بلا نزاع بل أبلغ من هذا لو ثبت للصبي أو المجنون حق على غائب بما لو كان المستحق بالغاً عاقلاً لحلف على عدم الإبراء والاستيفاء في أحد الوجهين يحكم به للصبي والمجنون ولا يحلف وليه كما نص عليه العلماء ولم يذكر العلماء تحليف البالغ الموصى له في الوصية وإنّما أخذ به بعض الناس قال الإمام أحمد في رواية مهنا في الرجل يقيم الشهود: أيستقيم للحاكم أن يقول: أحلف! فقال: قد فعل ذلك علي ويقيم ذلك قال: إن فعل ذلك علي وقال في رواية إبراهيم بن الحارث في رجل جاء بشهود على حق فقال: المدعى عليه استلحفه لم يلزم المدعي اليمين فحمل القاضي الرواية الأولى على ما إذا لو ادعى على صبي أو مجنون أو غائب والثانية: على ما إذا ادعى على غيره وحمل أبو العباس الرواية الأولى على أن للحاكم أن يفعل ذلك إذا أراد مصلحة لظهور ريبة في الشهور لأنه يجب مطلقاً والثانية: لا يجب مطلقاً: فلا منافاة بين الروايتين كما قلنا في تفريق الشهود بين أين ومتى وكيف فإنَّ الحاكم يفعل ذلك عند الريبة ولا يجب فعله في كل شهادة وكذلك تغليظ اليمين للحاكم أن يفعله عند الحاجة
اختلفت الرواية عن أحمد فيما لو حكم الحاكم بما يرى المحكوم له تحريمه فهل يباح بالحكم على روايتين والتحقيق في هذا أنه ليس للرجل أن يطلب من الإمام ما يرى أنه حرام ومَن فعل هذا فقد فعل ما يعتقد تحريمه وهذا لا يجوز لكن لو كان الطالب غيره أو ابتدأ الإمام بحكمه أو قسمه فهنا يتوجه القول بالحل قال أصحابنا ولا ينقض الحاكم حكم نفسه ولا غيره إلا أن يخالف نصاً أو إجماعاً
قال أبو العباس: يفرق في هذا بما إذا استوفى المحكوم له الحق الذي ثبت له من مال أو لم يستوف فإن استوفى فلا كلام وإن لم يستوف فالذي ينبغي

نقض حكم نفسه والإشارة على غيره بالنقض وليس للإنسان أن يعتقد أحد القولين في مسائل النزاع فيما له والقول الآخر فيما عليه باتفاق المسلمين كما يعتقد أنه إذا كان جاراً استحق شفعة الجوار وإذا كان مشترياً لم يجب عليه شفعة الجوار والقضية الواحدة المشتملة على أشخاص أو أعيان فهل للحاكم أن يحكم على شخص أو له بخلاف ما حكم هو أو غيره لشخص آخر أو عليه أو عين مثل أن يدعي في مسألة الحمارية بعض ولد الأبوين فيقضي له بالتشريك ثم يدعى عنده فيقضي عليه بنفي التشريك أو يكون حاكم غيره قد حكم بنفي التشريك لشخص أو عليه فيحكم هو بخلافه فهذا ينبني على أن الحكم لأحد الشريكين أو الحكم عليه حكم عليه وله وقد ذكر ذلك الفقهاء من أصحابنا وغيرهم لكن هناك يتوجه أن يبقى حق الغائب فيما طريقه الثبوت لتمليكه من قدح الشهود ومعارضته
أما إذا كان طريقة الفقه المحض فهنا لا فرق بين الخصم الحاضر والغائب ثم لو تداعيا في عين من الميراث فهل يقول أحد: أن الحكم باستحقاق عين معينة لا يمنع الحكم بعدم استحقاق العين الأخرى مع اتحاد حكمها من كل وجه هذا لا يقوله أحد يوضح ذلك: أن الأمة اختلفت في هذه المسألة على قولين قائل يقول: يستحق جميع ولد الأبوين جميع التركة وقائل يقول: لا حق لواحد منهم في شيء منها فلو حكم حاكم في وقتين أو حاكمان باستحقاق البعض أو استحقاقهم للبعض لكان قد حكم في هذه القضية بخلاف الإجماع وهذا قد يفعله بعض قضاة زماننا لكن هو ظنين في علمه ودينه بل ممن لا يجوز توليته القضاء هذا طبقات الوقف أو أزمنة الطبقة فإذا حكم حاكم بأن هذا الشخص مستحق لهذا المكان من الوقف ومستحق الساعة بمقتضى شرط شامل لجميع الأزمنة فهو كالميراث وأما إن حكم باستحقاق تلك الطبقة فهل يحكم للطبقة الثانية إذا اقتضى الشرط لهما وأخذ هذا فيه نظر من حيث أن تلقي كل طبقة من الواقف في زمن حدوثها شبيه بما لو مات عتيق شخص فحكم حاكم بميراثه المال وذلك أن كل طبقة من أهل الوقف تستحق ما حدث لها من أهل الوقف عند وجودها مع أن كل عصبة تستحق ميراث المعتقين عند موتهم والأشبه المسألتين ما لو حكم حاكم في عتيق بأن ميراثه لأكبر ثم توفي ابن ذلك العتيق الذي كان محجوباً عن ميراث أبيه

فهل لحاكم آخر أن يحكم بميراثه لغير الأكبر هذا يتوجه هنا وفي الوقف مما يترتب الاستحقاق فيه بخلاف الميراث ونحوه مما يقع مشتركاً في الزمان
نقل الشيخ أبو محمد في "الكافي" عن أبي الخطاب: أن الشهود إذا بانوا بعد الحكم كافرين أو فاسقين وكان المحكوم به إتلافاً فإن الضمان عليهم دون المزكين والحاكم قال: لأنهم فوتوا الحق على مستحقه بشهادتهم الباطلة
قال أبو العباس: هذا يبنى على أن الشاهد الصادق إذا كان فاسقاً أو متهماً بحيث لا يحل للحاكم الحكم بشهادته هل يجوز له أداء الشهادة إن جاز له أداء الشهادة بطل قول أبي الخطاب وإن لم يجز كان متوجهاً لأن شهادتهم حينئذ فعل محرم وإن كانوا صادقين كالقاذف الصادق وإذا جوَّزنا للفاسق أن يشهد جوَّزنا للمستحق أن يستشهده عند الحاكم ويكتم فسقه وإلا فلا وعلى هذا فلو امتنع الشاهد الصادق العدل أن يؤدي الشهادة إلا بجعل هل يجوز إعطاؤه الجعل إن لم يجعل ذلك فسقاً فعلى ما ذكرنا قال صاحب "المحرر": وعنه لا ينتقض الحكم إذا كانا فاسقين ويغرم الشاهدان المال لأنهما سبب الحكم بشهادة ظاهرها اللزوم
قال أبو العباس: وهذا يوافق قول أبي الخطاب ولا فرق إلا في تسميته ضمانها نقضاً وهذا لا أثر له لكن أبو الخطاب يقوله في الفاسق وغير الفاسق على ما حكي عنه وهذا الرواية لا تتوجه على أصلنا إذا قلنا: الجرح المطلق لا ينقض وكان جرح البينة مطلقاً فإنه اجتهاد فلا ينتقض به اجتهاد ورواية عدم النقض أخذها القاضي من رواية الميموني عن أحمد في رجلين شهدا ههنا أنهما دفنا فلاناً بالبصرة فقسم ميراثه ثم إن الرجل جاء بعد وقد تلف ماله قد بين للحاكم أنهما شهدا على زور أيضمنهما ماله قال: وظاهر هذا أنه لم ينقض الحكم لأنه لم يغرم الورثة قيمة ما أتلفوه من المال بل أغرم الشاهدين ولو نقضه لأغرم الورثة ورجعوا بذلك على الشهود لأنهم معذورون فيكون قوله: يضمنهما يعني الورثة
قال أبو العباس: النقض في هذه الصورة لا خلاف فيه فإنْ تبين كذب الشاهد غير تبين فسقه فقول أحمد إما أن يكون ضماناً في الجملة كسائر المتسببين أو يكون استقراراً كما دلّت عليه أكثر النصوص من أن المعذور لا ضمان عليه

ولو زكى الشهود ثم ظهر فسقهم ضمن المزكون وكذلك يجب أن يكون في الولاية لو أراد الإمام أن يولي قاضياً أو والياً لا يعرفه فسأل عنه فزكاه أقوام ووصفوه بما يصلح معه للولاية ثم رجعوا أو ظهر بطلان تزكيتهم فينبغي أن يضمنوا ما أفسده الوالي والقاضي وكذلك لو أشاروا عليه وأمروا بولايته لكن الذي لا ريب في ضمانه من تعهد المعصية منه مثل الخيانة أو العجز ويخبر عنه بخلاف ذلك أو يأمر بولايته أو يكون لا يعلم حاله ويزكيه أو يشير له فأما أن اعتقد صلاحه وأخطأ فهذا معذور والسبب ليس محرماً وعلى هذا فالمزكي للعامل من المقترض والمشتري والوكيل كذلك وأخبار الحاكم أنه ثبت عندي بمنزلة أخباره أنه حكم به أما إن قال شهد عندي فلان أوقر عندي فهو بمنزلة الشاهد سواء فإنه في الأول تضمن قوله ثبت عندي الدعوى والشهادة والعدالة والإقرار وهذا من خصائص الحكم بخلاف قوله شهد عندي أو أقر عندي فإنّما يقتضي الدعوى وخبره في غير محل ولايته كخبره في غيره زمن ولايته ونظير أخبار القاضي بعد قوله أخبار أمير الغزو أو الجهاد بعد عزله بما فعله
ومَنْ كان له عند إنسان حق ومنعه إياه جاز له الأخذ من ماله بغير إذنه إذا كان سبب الحق ظاهراً لا يحتاج إلى إثبات مثل استحقاق المرأة النفقة على زوجها واستحقاق الأقارب النفقة على أقاربهم واستحقاق الضيف الضيافة على من نزل به وإن كان سبب الحق خفياً يحتاج إلى إثبات لم يجز وهذه الطريقة المنصوصة عن الإمام أحمد وهي أعدل الأقوال

كتاب القضاء

باب القاضي إلى القاضي

...

كتاب القضاء

باب القاضي إلى القاضي
ويقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود والقصاص وهو قول مالك وأبي ثور في الحدود وقول مالك والشافعي وأبي ثور ورواية عن أحمد في القصاص والمحكوم إذا كان عيناً في بلد الحاكم فإنه يسلمه إلى المدعي ولا حاجة إلى كتاب وأما إن كان ديناً أو عيناً في بلد أخرى فهنا يقف على الكتاب وههنا ثلاث مسائل متداخلات مسألة إحضار الخصم إذا كان غائباً
ومسألة الحكم على الغائب

ومسألة كتاب القاضي إلى القاضي ولو قيل: إنما نحكم على الغائب إذا كان المحكوم به حاضراً لأن فيه فائده وهي تسليمه وأما إذا كان المحكوم به غائباً فينبغي أن يكاتب الحاكم بما ثبت عنده من شهادة الشهود حتى يكون الحكم في بلد التسليم لكان متوجهاً وهل يقبل كتاب القاضي بالثبوت أو الحكم من حاكم غير معين مثل أن يشهد شاهدان أن حاكماً نافذ الحكم حكم بكذا وكذا: القياس أنه لا يقل بخلاف ما إذا كان الكاتب معروفاً لأن مراسلة الحاكم ومكاتبته بمنزلة شهادة الأصول للفروع وهذا لا يقبل في الحكم والشهادات وإن قبل في الفتاوى والأخبارات وقد ذكر صاحب "المحرر" ما ذكره القاضي من أن الخصمين إذا أقر بحكم حاكم عليهما خير الثاني بين الامضاء والاستئناف لأن ذلك بمنزلة قول الخصم شهد على شاهدان ذوي عدل فهنا قد يقال بالتخيير أيضاً ومن عرف خطه بإقراره أو إنشاء أو عقد أو شهادة عمل به كالميت فإن حضر وأنكر مضمونه فكاعترافه بالصوت وإنكار مضمونه وللحاكم أن يكتب للمدعى عليه إذا ثبت براءته محضراً بذلك إن تضرر بتركه وللمحكوم عليه أن يطالب الحاكم عليه بتسمية البينة ليتمكن من القدح فيها باتفاق

باب القسمة
...

باب القسمة

وما لا يمكن قسم عينه إذا طلب أحد الشركاء بيعه وقسم ثمنه بيع وقسم ثمنه وهو المذهب المنصوص عن أحمد في رواية الميموني وذكره الأكثرون من الأصحاب فيقال على هذا: إذا وقف قسطاً مشاعاً مما لا يمكن قسمة عينه فأنتم بين أمريْن إما بيع النصيب الموقوف وإما إبقاء شركة لازمة وجوابه إما الفرق أو إما الالتزام أما الفرق فيقال: الوقف منع من نقل الملك في العين فلا ضرر في شركة عينه وما الشركة في المنافع فيزول بالمحاباة أو المؤاجرة عليهما والالتزام أن يجوز مثل هذا أو جعل الوقف مفرزاً تقديماً لحق الشريك كما لو طلب قسمة العين وأمكن فإنّا نقدم حق الإقرار على حق الوقف ومن قال هذا فينبغي له أن يقول بقسم الوقف وإن

قلنا القسمة بيع ضرورة وقد نص أحمد على بيع الشائعة في الوقف والاعتياض عنها ومن تأمل الضرر الناشئ من الاشتراك في الأموال الموقوفة لم يخف عليه هذا لو طلب أحد الشريكين الإجارة أجبر الآخر معه ذكره الأصحاب في الوقف ولو طلب أحدهم العلو لم يجب بل يكري عليهما على مذهب جماهير العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد وإذا أوجبنا على الشريك أن يؤاجر مع صاحبه فأجَّر أحد الشريكين العين المؤجرة بدون إذن شريكه مدة فينبغي أن يستحق أكثر الأمرين من أجرة المثل والأجرة المسماة لأن الأجرة المسماة إذا كانت أكثر فالمستأجر رضي أن ينتفع بها وعلى قياس ذلك كل من اكترى مال غيره بغير إذنه ويلزم إجابة من طلب المحاباة بالزمان والمكان وليس لأحدهما أن يفسخ حتى ينقضي الدور ويستوفي كل واحد منهما حقه منه ولو استوفى أحدهما نوبته ثم تلفت المنافع في مدة الإجارة فإنّه يرجع على الأول ببدل حصته من تلك المدة التي استوفاها ما لم يكن قد رضي بمنفعة الرهن التأخر على أي حال كان جعلاً للتألف قبل القبض كالتالف في الإجارة وسواء قلنا القسمة إفراز أو بيع فإنَّ المعادلة معتبرة فيها على القولين فلهذا يثبت فيها خيار البيع والتدليس وإذا كان بينهما أشجار فيها الثمرة أو أغنام فيها اللبن أو الصوف فهو كاقتسام الماء الحادث والمنافع الحادثة وجماع ذلك انقسام المعدوم لكن لو نقص الحادث المعتاد فللآخر الفسخ قال القاضي: رأيت في "تعليق أبي حفص العكبري" عن أبي عبد الله بن بطة في قوم بينهم كروم فيها ثمرة لم تبلغ مثلي الحصرم فأرادوا قسمتها فقال: لا تجوز قسمتها وفيها غلة لم تقلع لأن القسمة لا تجوز إلا بالقيمة والقسمة كالبيع وكما لا يجوز بيعه كذلك لا تجوز قسمته قال: وهذا يدل من كلام أحمد على أنها بيع
قال أبو العباس: هذا من ابن بطة يقتضي أن بيع الشجر الذي عليه ثمرة لم تبلغ لا يصح لتضمنه بيع الثمرة قبل بدو صلاحها وهو خلاف المعروف من المذهب وخلاف قوله: "مَن باع ثمرة قد أبرأت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع" ومفهوم كلامه أن الحصرم إذا بلغ جازت القسمة مع أنها إنّما تقسم خرصاً كأنه بيع شاة ذات لبن بشاة ذات لبن وعلى قياسه يجوز عنده بيع نخلة ذات رطب بنخلة ذات رطب لأن الربوي تابع وإذا طلب أحد الشركاء القسمة فيما يقسم لزم

الحاكم إجابته ولو لم يثبت عنده أنه ملكه كبيع المرهون والجاني وكلام أحمد في بيع ما لا ينقسم وقسم ثمنه أم فيما يثبت عنده أنه ملكه وما لا يثبت كجميع الأموال التي تباع وإن مثل ذلك لو جاءته امرأة فزعمت أنها خلفه لا ولي لها هل يزوجها بلا بينة وقد نص أحمد في رواية حرب فيمن أقام بينة بسهم من ضيعة بيد قوم بعداً منه تقسم عليهم ويدفع إليه حقه فقد أمر الإمام أحمد الحاكم أن يقسم على الغائب إذا طلب الحاضر وإن لم يثبت ملك الغائب والمكيلات والموزونات المتساوية من كل وجه إذا قسمت لا يحتاج فيها إلى قرعة نعم الإبتداء بالكيل أو الوزن لبعض الشركاء ينبغي أن يكون بالقرعة ثم إذا خرجت القرعة لصاحب الأكثر فهل يوفى جميع حقه أو بقدر نصيب الأقل الأوجه أن يوفى الجميع كما يوفى مثله في العقار بين انصبائه لأن عليه في التفريق ضرراً وحقه من جنس واحد بخلاف الحكومات فإنَّ الخصم لا يقدم إلا بواحدة لعدم ارتباط بعضها ببعض نعم إن تعدد سبب استحقاقه مثل أن يكون ورث ثلث صبرة وابتاع ثلثها فهنا يتوجه وجهان وإذا تهايأ فلاحو القرية الأرض وزرع كل واحد منهم حصته فالزرع له ولرب الأرض نصيبه إلا مَن نزل من نصيب مالك فله أخذ أجرة الفضيلة أو مقاسمتها وأجرة وكيل القرى والأمين لحفظ الزرع على المالك والفلاح كسائر الأملاك فإذا أخذوا من الفلاح بقدرها عليه أو ما يستحقه الضيف حل لهم وإن لم يأخذ الوكيل لنفسه إلا قدر أجرة عمله بالمعروف والزيادة يأخذها المقطع فالمقطع هو الذي ظلم الفلاحين والموقف على جهة واحدة لا تقسم عينة اتفاقاً والله أعلم

باب الدعاوى
...

باب الدعاوى

ويجب أن يفرق بين فسق المدعى عليه وعدالته فليس كل مدعى عليه يرضى منه باليمين ولا كل مدع يطالب بالبينة فإنَّ المدعي به إذا كان كبيرة والمطلوب

لا تعلم عدالته فمَن استحل أن يقتل أو يسرق استحل أن يحلف لا سيما عند خوف القتل أو القطع ويرجح باليد العرفية إذا استويا في الخشية أو عدمها وإن كانت العين بيد أحدهما فمَن شاهد الحال معه كان ذلك لوناً فيحكم له بيمينه قال الأصحاب: ومن ادعى أنه اشترى أو اتهب من زيد عبده وادعى وكذلك أو ادعى العبد العتق وأقام بينتين بذلك صححنا أسبق التصرفين إن علم التاريخ وإلا تعارضتا فيتساقطان أو يقتسم أو يقرع على الخلاف وعن أحمد تقدم بينة العتق
قال أبو العباس: الأصوب أن البينتين لم يتعارضا فإنَّه مِن الممكن أن يقع العقدان لكن يكون بمنزلة ما لو زوج الوليان المرأة وجهل السابق فأمّا أن يقرع أو يبطل العقدان بحكم أو بغير حكم ولو قامت بينة بأن الولي أجر حصته بأجرة مثلها وبينة بنصفها أخذ بأعلى البينتين وقاله طائفة من العلماء قال في "المحرر" ولو شهد شاهدان أنه أخذ من صبي ألفاً وشاهدان على رجل آخر أنه أخذ من الصبي ألفاً لزم الولي أن يطالبهما بالألفين إلا أن تشهد البينتان على ألف بعينها فيطلب الولي ألفاً من أيهما شاء
قال أبو العباس: الواجب أن يقرع هنا إذا لم يكن فعل كل منهما مضمناً
نقل مهنا عن أحمد في عبد شهد له رجلان بأن مولاه باعه نفسه بألف درهم وشهد لمولاه رجل آخر أنه باعه بألفين يعتق العبد ويحلف لمولاه أنه لم يبعه إلا بألف
قال القاضي: فقد نص على الشاهد واليمين في قدر العوض الذي وقع العتق عليه
قال أبو العباس: بل اختلف الشاهدان وليس هذا مما يتكرر فليس للسيد أن يحلف مع شاهده الأكبر لاختلافهما كما لا يحلف مع شاهده بالقيمة الكثيرة قال أصحابنا: ومن تغليظ اليمين بالمكان عند صخرة بيت المقدس وليس له أصل في كلام أحمد ونحوه من الأئمة بل السنة أن تغلظ اليمين فيها كما تغلظ في سائر المساجد عند المنبر والتغليظ بالمكان والزمان واللفظ لا يستحب على قول أبي البركات ويستحب على قول أبي الخطاب مطلقاً وكلام أحمد في رواية الميموني يقتضي التغليظ مطلقاً من غير تعليق باجتهاد الإمام ولنا قول ثالث يستحب إذا

رآه الحاكم مصلحة ومتى قلنا التغليظ مستحب إذا رآه الحاكم مصلحة فينبغي أنه إذا امتنع منه الخصم صار ناكلاً ولا يحلف المدعي عليه بالطلاق وفاقاً

كتاب الشهادات
...

كتاب الشهادات

الشهادة سبب مُوجب للحق وحيث امتنع أداء الشهادة امتنعت كتابتها في ظاهر كلام أبي العباس والشيخ أبي محمد المقدسي ويجوز أخذ الأجرة عل أداء الشهادة وتحملها ولو تعينت إذا كان محتاجاً وهو قول في مذهب أحمد ويَحرم كتمها ويقدح فيه ولو كان بيد إنسان شيء لا يستحقه ولا يصل إلى من يستحقه بشهادتهم لم يلزم أداؤها وإن وصل إلى مستحقه بشهادتهم لزم أداؤها وتعين الشهود متأول مجتهد والطلب العرفي أو الحال في طلب الشهادة كاللفظي علمها المشهود له أولاً وهو ظاهر الخبر وخبر "يشهد ولا يستشهد" محمول على شهادة الزور وإذا أدى الآدمي شهادة قبل الطلب قام بالواجب وكان أفضل كمن عنده أمانة أداها عند الحاجة والمسألة تشبه الخلاف في الحكم قبل الطلب وإذا غلب على ظن الشاهد أنه يمتحن فيدعي إلى القول المخالف للكتاب والسنة أو إلى محرم فلا يسوغ له أداء الشهادة وفاقاً اللهم إلا أن يُظهر قولاً يريد به مصلحة عظيمة ويشهد بالاستفاضة ولو عن واحد تسكن نفسه إليه اختاره الجد
قال القاضي لا تصح الشهادة لمجهول ولا بمجهول
قال أبو العباس: وفي هذا نظر بل تصح الشهادة بالمجهول ويقتضي له بالمتيقن وللمجهول يصح في مواضع كثيرة أما حيث يقع الحق مجهولاً فلا ريب فيها كما لو شهد بالوصية بمجهول أو لمجهول أو شهد باللقطة أو اللقيط والمجهول نوعان مبهم كأحد هذين ومطلق كبعد وكذلك في البيع والإجارة والصداق كما قلنا في الواجب المخير والمطلق قال أبو العباس: وقد سئلت عن بينة شهدت بوقف من دار معينة من دور ثم تهدمت وصارت عُرصة فلم تعرف عين تلك الدار فيها السهم ولا عدد الدور فقلت: يحتمل أن يَقرع قرعتين قرعة لعدد الدور وقرعة لتعيين ذات السهم

وكذلك في كل حق اختلط بغيره وجهلنا فيقرع فيكتب رقاعاً بأسماء العدد أخرج لعدد الحق الفلاني والشاهد يشهد بما يسمع وإذا قامت بينة تعين ما دخل في اللفظ قبلت ويتوجه أن الشهادة بالدين لا تقبل إلا مُفسرة للنسب ولو شهد شاهدان أن زيداً يستحق من ميراث مورثه قدراً معيناً أو من وقف كذا وكذا جزءاً معيناً أو أنه يستحق منه نصيب فلان ونحو ذلك فكل هذا لا تقبل فيه الشهادة إلا مع إثبات النسب لأن الإنتقال في الميراث والوقف حكم شرعي يدرك باليقين تارة وبالاجتهاد أخرى فلا تقبل حتى يتبين سبب الانتقال بأن يشهدا بشرط الواقف وبمن بقي من المستحقين أو يشهدا بموت المورث وبمن خلف من الورثة وحينئذ فإن رأى الحاكم أن ذلك السبب يفيد الانتقال حكم به وإلا ردت الشهادة وقبول مثل هذه الشهادات يوجب أن تشهد الشهود بكل حكم مجتهد فيه مما اختلف فيه أو اتفق عليه وأنه يجب على الحكام الحكم بذلك فتصير مذاهب الفقهاء مشهوداً بها حتى لو قال الشاهد في مسألة الحمارية: أشهد أن هذا يستحق مِن تركة الميت بناء على اعتقاده التشريك يتعين أن ترد مثل هذه الشهادة المطلقة وقوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} يقتضي أنه يقبل في الشهادة على حقوق الآدميين من رضوه شهيداً بينهم ولا ينتظر إلى عدالته كما تكون مقبولاً عليه فيما ائتمنوه عليه وقوله تعالى في آية الوصية {حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ} المائدة: 106 أي صاحبا عدل العدل في المقال هو الصدق والبيان الذي هو ضد الكذب والكتمان كما بينه الله تعالى في قوله: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} الأنعام: 152 والعدل في كل زمان ومكان وطائفة بحسبها فيكون الشاهد في كل قوم من كان ذا عدل فيهم وإن كان لو كان في غيرهم لكان عدله على وجه آخر وبهذا يمكن الحكم بين الناس وإلا فلو اعتبر في شهود كل طائفة أن لا يشهد عليهم إلا من يكون قائماً بأداء الواجبات وترك المحرمات كما كان الصحابة لبطلت الشهادات كلها أو غالبها وقال أبو العباس: في موضع آخر إذا فسر الفاسق في الشهادة بالفاجر وبالمتهم فينبغي أن يفرق بين حال الضرورة وعدمها كما قلنا في الكفار وقال أبو العباس في موضع: ويتوجه أن تقبل شهادة المعروفين بالصدق

وإن لم يكونوا ملتزمين للحدود عند الضرورة مثل الحبس وحوادث البدو وأهل القرية الذين لا يوجد فيهم عدل وله أصول منها: قبول شهادة أهل الذمة في الوصية وشهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجل وشهادة الصبيان فيما لا يطلع عليه الرجال ويظهر ذلك بالمحتضر في السفر إذا حضره اثنان كافران واثنان مسلمان يصدقان وليسا بملازمين للحدود أو اثنان مبتدعان فهذان خير من الكافرين والشروط التي في القرآن إنّما هي في استشهاد التحمل لا الأداء وينبغي أن نقول في الشهود ما نقول في المحدثين وهو أنه مَن الشهود من تقبل شهادته في نوع دون نوع أو شخص دون شخص كما أن المحدثين كذلك ونبأ الفاسق ليس بمردود بل هو موجب للتبين عند خبر الفاسق الواحد ولم يؤمر به عند خبر الفاسقين وذلك أن خبر الاثنين يوجب من الاعتقاد ما لا يوجبه خبر الواحد
أما إذا علم أنهما لم يتواطئا فهذا قد يُحّصل العلم وترد الشهادة بالكذبة الواحدة وإن لم نقل هي كبيرة وهو رواية عن أحمد ومَن شهد على إقرار شرعية قدح ذلك في عدالته ولا يستريب أحد فيمَن صلى مُحدثاً أو إلى غير القبلة أو بعد الوقت أو بلا قراءة أنه كبيرة ويحرم اللعب بالشطرنج وهو قول أحمد وغيره من العلماء كما لو كان بعوض أو تضمن ترك واجب أو فعل محرم إجماعاً وهو شر من النرد وقاله مالك ومن ترك الجماعة فليس عدلاً ولو قلنا هي سنة وتحرم محاكاة الناس المضحكة ويعزر هو ومن يأمر به لأنه أذى ومن دخل قاعات العلاج فتح على نفسه باب الشر وصار من أهل التهم عند الناس لأنه اشتهر عمن اعتاد دخولها وقوعه في مقدمات الجماع أو فيه والعشرة المحرمة والنفقة في غير الطاعة وعلى كافر والأمرد منع منها ومن عشرة أهلها ولو بمجرد خوف وقوع الصغائر فقد بلغ عمر أن رجلاً يجتمع إليه الأحداث فنهى عن الاجتماع به بمجرد الريبة
وتقبل شهادة الكافر على المسلم في الوصية في السفر إذا لم يوجد غيره وهو مذهب أحمد ولا تعتبر عدالتهم وإن شاء لم يحلفهم بسبب حق الله ولو حكم حاكم بخلاف آية الوصاية لنقض حكمه فإنه خالف نص الكتاب بتأويلات سمعة وقول أحمد: أقبل شهادة أهل الذمة إذا كانوا في سفر ليس فيه غيرهم هذه ضرورة

أبو طالب: قال أبو عبد الله العلم شهادة وزاد أبو بكر بن حماد قال أبو حماد قال أبو عبد الله قال تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} الزخرف: 86 وقال {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} يوسف: 81 وقال المروزي: ظن أني سمعت أبا عبد الله يقول: هذا جهل أقول فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أشهد أنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أبو العباس: ولا أعلم نصاً يخالف هذا ولا يعرف عن صحابي ولا تابعي اشترط لفظ الشهادة ولا يعتبر في أداء الشهادة وأن الدين باق في ذمة الغريم إلى الآن بل يحكم الحاكم باستصحاب الحال إذا ثبت عنده سبق الحق إجماعاً ويعرض في الشهادة إذا خاف الشاهد من إظهار الباطن ظلم المشهود عليه وكذلك التعريض في الحكم إذا خاف الحاكم من إظهار الأمر وقوع الظلم وكذلك التعريض في الفتوىوالرواية كاليمين وأولى إذ اليمين خبر وزيادة
"فصل"
قصة أبي قتادة وخزيمة تقتضي الحكم بالشاهد في الأموال وقال القاضي في التعليق الحكم بالشاهد الواحد غير متبع كما قاله المخالف في الهلال في الغيم وفي القابلة على أنا لا نعرف الرواية بمنع الجواز
قال أبو العباس: وقد يقال اليمين مع الشاهد الواحد حق للمستحلف وللإمام فله أن يسقطها وهذا أحسن ويعتبر في شهادة الإعسار بعد اليسار ثلاثة وفي حل المسألة وفي دفع الغرماء وكلام القاضي يدل عليه ولو قيل: إنه يحكم بشهادة امرأة واحدة مع يمين الطالب في الأموال لكان القاضي يدل عليه ولو قيل: إنه يحكم بشهادة امرأة واحدة مع يمين الطالب في الأموال لكان متوجهاً لأنهما أقيما الرجل في التحمل وتثبت الوكالة ولو في الرضاع فإن عقبة بن الحارث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أن المرأة أخبرته أنها أرضعته فنهاه عنها من غير سماع من المرأة وقد احتج به الأصحاب في قبول شهادة المرأة الواحدة في الرضاع فلولا أن الإقرار بالشهادة بمنزلة الشهادة ما صحت الحجة يؤيده أن الإقرار بحكم الحاكم بالعقد الفاسد يسوغ إلى الحاكم الثاني أن ينفذه مع مخالفته لمذهبه
وشاهد الزور إذا تاب بعد الحكم فيما لا يبطل برجوعه فهنا قد يتعلق به حق

آدمي فلا يسقط عنه التعزير وأما إذا تاب قبل الحكم أو بعد الحكم فيما يبطل برجوعه فهنا لمن يتعلق به حق آدمي ثم تارة يجيء إلى الإمام تائباً فهذا بمنزلة قاطع الطريق إذا تاب قبل القدرة وتارة يتوب بعد ظهور تزويره فهنا لا ينبغي أن يسقط عنه التعزير ومَنْ شهد بعد الحكم شهادة تنافي شهادته الأولى فكرجوعه عن الشهادة وأولى وأفتى أبو العباس في شاهد قاس بكذا وكتب خطه بالصحة فاستخرج الوكيل على حكمه ثم قاس وكتب خطه بزيادة فغرم الوكيل الزيادة
قال أبو العباس: يغرم الشاهد ما غرمه الوكيل من الزيادة بسبب تعمد الكذب أوالخطأ كالرجوع والله سبحانه وتعالى أعلم
آدمي فلا يسقط عنه التعزير وأما إذا تاب قبل الحكم أو بعد الحكم فيما يبطل برجوعه فهنا لمن يتعلق به حق آدمي ثم تارة يجيء إلى الإمام تائباً فهذا بمنزلة قاطع الطريق إذا تاب قبل القدرة وتارة يتوب بعد ظهور تزويره فهنا لا ينبغي أن يسقط عنه التعزير ومَنْ شهد بعد الحكم شهادة تنافي شهادته الأولى فكرجوعه عن الشهادة وأولى وأفتى أبو العباس في شاهد قاس بكذا وكتب خطه بالصحة فاستخرج الوكيل على حكمه ثم قاس وكتب خطه بزيادة فغرم الوكيل الزيادة
قال أبو العباس: يغرم الشاهد ما غرمه الوكيل من الزيادة بسبب تعمد الكذب أوالخطأ كالرجوع والله سبحانه وتعالى أعلم

كتاب الإقرار

" كتاب الإقرار"
والتحقيق أن يقال: إن المخبر إن أخبر بما على نفسه فهو مُقر وإن أخبر بما على غيره لنفسه فهو مُدع وإن أخبر بما على غيره لغيره فإن كان مؤتمناً عليه فهو مخبر وإلا فهو شاهد فالقاضي والوكيل والمكاتب والوصي والمأذون له كل هؤلاء ما أدوه مؤتمنون فيه فأخبارهم بعد العزل ليس إقراراً وإنّما هو خبر محض وإذا كان الإنسان ببلد سلطان أو قطاع طريق ونحوهم من الظلمة فخاف أن يؤخذ ماله أو المال الذي يتركه لورثته أو المال الذي بيده للناس إمّا بحجة أنه ميت لا وارث له أو بحجة أنه مال غائب أو بلا حجة أصلاً فيجوز له الإقرار بما يدفع هذا الظلم ويحفظ هذا المال لصاحبه مثل أن يقر لحاضر أنه ابنه أو يقر أن له عليه كذا وكذا أو يقر أن المال الذي بيده لفلان ويتأول في إقراره بأن يعني بقوله ابني كونه صغيراً أو بقوله: أخي إخوة الإسلام وأن المال الذي بيده له: أي له لأنه قبضه لكوني قد وكلته في إيصاله أيضاً إلى مستحقه لكن يشترط أن يكون المقر له أميناً والاحتياط أن يشهد على المقر له أيضاً أن هذا الإقرار تلجئة تفسيره كذا وكذا وإن أقر من شك في بلوغه وذكر أنه لم يبلغ

فالقول قوله بلا يمين قطع به في "المغني" و "المحرر" لعدم تكليفه ويتوجه أن يجب عليه اليمين لأنه إن كان لم يبلغ لم يضره وإن كان قد بلغ حجزته فأقر بالحق
نص الإمام أحمد في رواية ابن منصور إذا قال البائع: بعتك قبل أن أبلغ وقال المشتري بعد بلوغك أن القول قول المشتري وهكذا يجيء في الإقرار وسائر التصرفات هل وقعت قبل البلوغ أو بعده لأن الأصل في العقود الصحة فأما أن يقال: هذا عام وأما أن يفرق بين أن يتيقن أنه وقت التصرف كان مشكوكاً فيه غير محكوم ببلوغه أو لا يتيقن فإنا مع تيقن الشك قد تيقنا صدور التصرف ممن لم يثبت أهليته والأصل عدمها فقد شككنا في شرط الصحة وذلك مانع من الصحة وأمّا في الحالة الأخرى فإنه يجوز صدوره في حال الأهلية وحال عدمها والظاهر صدوره وقت الأهلية والأصل عدمه قبل وقتها فالأهلية هنا متيقن وجودها
ثم ذكر أبو العباس أن مَن لم يقر بالبلوغ حتى تعلق به حق مثل إسلامه بإسلام أبيه أو ثبوت الذمة تبعاً لأبيه أو بعد تصرف الولي له أو تزويج ولي أبعد منه لموليته فهل يقبل منه دعوى حينئذ أم لا لثبوت هذه الأحكام المتعلقة به في الظاهر قبل دعواه وأشار أبو العباس إلى تخريج المسألة على الوجهين فيما إذا راجع الرجعية زوجها فقالت: قد انقضت عدتي وشبيه أيضاً بما ادعى المجهول المحكوم بإسلامه ظاهراً كاللقيط الكفر بعد البلوغ فإنه لا يسمع منه على الصحيح وكذلك لو تصرف المحكوم بحريته ظاهراً كاللقيط ثم ادعى الرق ففي قبول قوله خلاف معروف وإذا أقر المريض مرض الموت المخوف لوارث فيحتمل أن يجعل إقراره لوارث كالشهادة فترد في حق من ترد شهادته له كالأب بخلاف من لا ترد ثم هذا هل يحلف المقر له معه كالشاهد وهل يعتبر عدالة المقر ثلاث احتمالات ويحتمل أن يفرق مطلقاً بين العدل وغيره فإن العدل معه من الدين ما يمنعه من الكذب ونحوه في براءة ذمته بخلاف الفاجر ولو حلف المقر له مع هذا تأكد فإن في قبول الإقرار مطلقاً فساداً عظيماً وكذلك في رده مطلقاً ويتوجه

فيمن أقر في حق الغير وهو غير متهم كإقرار العبد بجناية الخطأ وإقرار القاتل بجناية الخطأ أن يجعل المقر كشاهد ويحلف معه المدعي فيما ثبت شاهد آخر كما قلنا في إقرار بعض الورثة بالنسب هذا هو القياس والاستحسان وإقرار العبد لسيده ينبني على ثبوت مال السيد في ذمة العبد ابتداءً ودواماً وفيها ثلاثة أوجه في الصداق وإقرار سيده له ينبني على أن العبد إذا قيل يملك هل يثبت له دين على سيده قال في "الكافي": وإن أقر العبد بنكاح أو قصاص أو تعزير قذف صح وإن كذبه الولي
قال أبو العباس: وهذا في النكاح فيه نظر فإنَّ العبد لا يصح نكاحه بدون إذن سيده لأن في ثبوت نكاح العبد ضرراً عليه فلا يقبل إلا بتصديق السيد
قال: وإن أقر لعبده غيره بمال صح وكان لسيده
قال أبو العباس: وإذا قلنا يصح قبول الهبة والوصية بدون إذن السيد لم يفتقر الإقرار إلى تصديق السيد وقد يقال: بل وإن لم تقل بذلك لجواز أن يكون قد يملك مباحاً فأقر بعينه أو تلفه وتضمن قيمته وإذا حجر المولي على المأذون له فأقر بعد الحجر قال القاضي وغيره: لا يقبل وقياس المذهب تتبعض ومتى ثبت نسب المقر له من المقر ثم رجع المقر وصدقه المقر له هل يقبل رجوعه فيه وجهان حكاهما في "الكافي"
قال أبو العباس: إن جعل النسب فيه حقاً لله تعالى فهو كالجزية وإن جعل حق آدمي فهو كالمال والأشبه أنه حق آدمي كالولاء ثم إذا قبل الرجوع عنه فحق الأقارب الثابت من المحرمية ونحوها هل يزول أو يكون كالإقرار بالرق تردد نظر أبي العباس في ذلك فأمّا إن ادعى نسباً ولم يثبت لعدم تصديق المقر له أو قال: أنا فلان ابن فلان وانتسب إلى غير معروف أو قال: لا أب لي أو لا نسب لي ثم ادعى بعد هذا نسباً آخر أو ادعى أن له أباً فقد ذكر الأصحاب في باب ما علق من النسب أن الأب إذا اعترف بالابن بعد نفيه قبل منه فكذلك غيره لأن هذا النفي والإقرار بمحل ومنكر لم يثبت به نسب فيكون إقراره بعد ذلك مقبولاً كما قلنا فيما إذا أقر بمال لمكذب إذا لم يجعله ليثبت المال فإنّه إذاً إذا

ادعى المقر بعد هذا أنه ملكه قبل منه وإن كان المقر به رق نفسه فهو كغيره بناء على أن الإقرار المكذب وجوده كعدمه وهناك على الوجه الآخر يجعله بمنزلة المال الضائع أو المجهول فيحكم بالجزية وبالمال ليثبت المال وهنا يكون بمنزلة مجهول ينسب فيقبل به الإقرار ثانياً وسر المسألة أن الرجوع عن الدعوى مقبول والرجوع عن الإقرار غير مقبول والإقرار الذي لم يتعلق به حق الله ولا الآدمي هو من باب الدعاوى فيصح الرجوع عنه ومن أقر بطفل له أم فجاءت أمه بعد موت المقر تدعي زوجيته فالأشبه بكلام أحمد ثبوت الزوجية فهنا حمل على الصحة وخالف الأصحاب في ذلك ومن أقر بقبض ثمن أو غيره ثم أنكر وقال: ما قبضت وسأل خلاف خصمه فله ذلك في اصح قولي العلماء ولا يشترط في صحة الإقرار كون المقر به بيد المقر والإقرار قد يكون بمعنى الإنشاء كقوله: {إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} آل عمران: 81 ولو أقر به وأراد إنشاء تمليكه صح ومن أنكر زوجية امرأة فأبرأته ثم أقر بها كان لها طلبها بحقها ومن أقر وهو مجهول نسبه ولا وارث حي أخ أو عم فصدقه المقر له وأمكن قبل صدقه المولي أو لا وهو قول أبي حنيفة وذكره الحل تخريجاً وكل صلة كلام مغيرة له استثناء وغير المتقارب فيها متواصل والإقرار مع الاستدراك متواصل وهو احد القولين ولو قال في الطلاق أنه سبق لسانه لكان كذلك ويحتمل أن يقبل الإقرار المتصل ومن أقر بملك ثم ادعى شراءه قبل إقراره ولا يقبل ما يناقض إقراره إلا مع شبهة معتادة ولو أبان زوجته في مرضه فأقر وارث شافعي: أنه وارثه وأقبضها وورثها مع علمه بالخلاف لم يكن له دعوى ما يناقضه ولا يسوع الحكم له وقياس المذهب فيما إذا قال أنا مقر في جواب الدعوى أن يكون مقرا بالمدعي به لأن الممفعول ما في الدعوى كما قلنا في قوله قبلت أن القبول ينصرف إلى الإيجاب لا إلى شيء آخر وهو وجه في الممذهب
وأما إذا قال لا أنكر ما تدعيه فبين الإنكار والإقرار مرتبة وهي السمون ولو قال الرجل انا لا أكذب فلانا لم يكن مصدقا له فالمتوجه أنه مجرد نفي الأنكار إن لم ينضم إليه قرينة بأن يكون المدعي مما يعلمه المطلوب وقد ادعى عليه علمه

وإلا لم يكن إقرارا حكى صاحب الكافي عن القاضي أنه قال فيما إذا قال المدعي لي عليك ألف فقال المدعي عليه قضيتك منها مائة أنه ليس بإقرار لأن المائة قد رفعها بقوله والبافي لم يقربه وقوله منها يحتمل ما تدعيه
قال أبو العباس هذا يخرج على أحد الوجهين في أبرأتها وأخذتها وقبضتها أنه مقر هنا بالألف لأن الهاء يرجع إلى المذكرور ويتخرج أن يكون مقرأ بالمائة على رواية في قوله كان له على وقضيته ثم هل يكون مقرا بها وحدها أو الجميع على ما تقدم والصواب في الإقرار المعلق بشرط أن نفس الإقرار لا بتعلق وإنما يتعلق المقربه لأن المقر به قد يكون معلقا بسبب قد يوجبه أو يوجب أداءه دليل يظهره فالأول كما لو قال مقراً إذا زيد فعلي لفلان ألف صح وكذلك إن قال إن رد عبده الآبق فله ألف ثم أقر بها فقال: إن رد عبده الآبق فله ألف صح
وكذلك الإقرار بعوض الخلع لو قالت: إن طلقتني أو إن عفا عني فله عندي ألف وأما التعليق بالشهادة فقد يشبه التحكيم ولو قال: إن حكمت علي بكذا التزمته لزمه عندنا فلذلك قد يرضى بشهادته وهو في الحقيقة التزام وتزكية للشاهد ورضي بشهادة واحد وإذا أقر العامي بمضمون محض وادعى عدم العلم بدلالة اللفظ ومثله يجهله قُبل منه على المذهب وإذا أقر لغيره بعين له فيها حق لا يثبت إلا برضى المالك كالرهن والإجارة ولا بينة قال الأصحاب: يقبل ويتوجه أن يكون القول قوله لأن الإقرار ما تضمن ما يوجب تسليم العين أو المنفعة فما أقر ما يوجب التسليم كما في قوله: كان له علي وقضيته ولأنا نجوز مثل هذا الاستثناء في الإنشاءات في البيع ونحوه فكذلك في الإقرارات والقرآن يدل على ذلك في آية الدين وكذا لو أقر بفعل فعله وادعى إذن المالك والاستثناء يمنع دخول المستثنى في اللفظ لأنه يخرجه بعد ما دخل في الأصح
قال القاضي: ظاهر كلام أحمد جواز استثناء النصف لأن أبا منصور روى عن أحمد إذا قال كان لك عندي مائة دينار فقضيتك منها خمسين وليس بينهما بينة فالقول قوله
قال أبو العباس: ليس هذا من الاستثناء المختلف فيه فإنَّ قوله قضيتك

ستين مثل خمسين قال أبو حنيفة إذا قال له علي كذا وكذا درهماً لزمه أحد عشر درهماً وإن قال كذا وكذا درهماً لزمه إحدى وعشرين وإن قال كذا درهم لزمه عشرون وما قاله أبو حنيفة أقرب مما قاله أصحابنا فإنَّ أصحابنا بنوه على أن كذا وكذا تأكيداً وهو خلاف لأنه يكفيه أن يقول كذا درهماً لما كان في أراد درهماً وأيضاً لو لغت العرب هو خلاف لا النصب ثم يقتضي الرفع لهما وهذا مثل الترجمة وأن الدرهم المعروف الظاهر أن يقول درهم والواجب أن يفرق بين الشيئين الذي يتصل أحدهما بالأرض عادة كالقراب في السيف والخاتم في الفص لأن ذلك إقرار بهما وكذلك الزيت في الزق والتمرة في الجراب ولو قال غصبته ثوباً في منديل كان إقراراً بهما لا له عندي ثوب في منديل فإنه بالثوب خاصة وهو قول أبي حنيفة
وإذا قال له علي من درهم إلى عشرة أو ما بين الدرهم إلى العشرة فلهذا أوجه أحدها: يلزمه تسعة وثانيها: عشرة وثالثها: ثمانية والذي ينبغي أن يجمع بين الطرفين من الأعداد فإذا قال من واحد إلى عشرة لزمه خمسة وخمسون إن أدخلنا الطرفين وخمسة وأربعون إن أدخلنا المبتدأ فقط وأربعة وأربعون إن أخرجناهما ويعتبر في الإقرار عرف المتكلم فيحمل مطلق كلامه على أقل محتملاته والله سبحانه وتعالى أعلم

أقسام الكتاب/ 1 2 .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فهرست ا لمدونة

  كتاب : آداب الصحبة المؤلف : أبي عبد الرحمن السلمي / أرشيف الألباني / يمتنع مع لام القَبْلِ أن تسري دلالات الآيات ا ... / الي الحائرين...