(ومن له معرفة بأحوال العالم ومبدئه يعرف أن جميع الفساد في جوه ونباته وحيوانه، وأحوال أهله حادث بعد خلقه بأسباب اقتضت حدوثه، ولم تزل أعمال بني آدم ومخالفتهم للرسل تحدث لهم من الفساد العام والخاص ما يجلب عليهم من الآلام، والأمراض، والأسقام، والطواعين والقحوط، والجدوب، وسلب بركات الأرض، وثمارها، ونباتها، وسلب منافعها، أو نقصانها أمورًا متتابعة يتلو بعضها بعضًا، فإن لم يتسع علمك لهذا فاكتف بقوله تعالى: { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس } [الروم: 41]، ونزّل هذه الآية على أحوال العالم، وطابق بين الواقع وبينها، وأنت ترى كيف تحدث الآفات والعلل كل وقت في الثمار والزرع والحيوان، وكيف يحدث من تلك الآفات آفات أخر متلازمة، بعضها آخذ برقاب بعض، وكلما أحدث الناس ظلمًا وفجورًا، أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل في أغذيتهم وفواكههم، وأهويتهم ومياههم، وأبدانهم وخلقهم، وصورهم وأشكالهم وأخلاقهم من النقص والآفات، ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم. ولقد كانت الحبوب من الحنطة وغيرها أكثر مما هي اليوم، كما كانت البركة فيها أعظم. وقد روى الإمام أحمد بإسناده أنه وجد في خزائن بعض بني أمية صرة فيها حنطة أمثال نوى التمر مكتوب عليها هذا كان ينبت أيام العدل. وهذه القصة، ذكرها في مسنده ، على أثر حديث رواه. وأكثر هذه الأمراض والآفات العامة بقية عذاب عذبت به الأمم السالفة، ثم بقيت منها بقية مرصدة لمن بقيت عليه بقية من أعمالهم، حكمًا قسطًا، وقضاء عدلًا، وقد أشار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى هذا بقوله في الطاعون (إنه بقية رجز أو عذاب أرسل على بني إسرائيل). وكذلك سلط الله سبحانه وتعالى الريح على قوم سبع ليال وثمانية أيام، ثم أبقى في العالم منها بقية في تلك الأيام، وفي نظيرها عظة وعبرة. وقد جعل الله سبحانه أعمال البر والفاجر مقتضيات لآثارها في هذا العالم اقتضاء لا بد منه، فجعل منع الإحسان والزكاة والصدقة سببًا لمنع الغيث من السماء، والقحط والجدب، ..وجعل ظلم المساكين، والبخس في المكاييل والموازين، وتعدي القوي على الضعيف سببًا لجور الملوك والولاة الذين لا يرحمون إن استرحموا، ولا يعطفون إن استعطفوا، وهم في الحقيقة أعمال الرعايا ظهرت في صور ولاتهم، فإن الله سبحانه بحكمته وعدله يظهر للناس أعمالهم في قوالب وصور تناسبها، فتارة بقحط وجدب، وتارة بعدو، وتارة بولاة جائرين، وتارة بأمراض عامة، وتارة بهموم وآلام وغموم تحضرها نفوسهم لا ينفكون عنها، وتارة بمنع بركات السماء والأرض عنهم، وتارة بتسليط الشياطين عليهم تؤزهم إلى أسباب العذاب أزًا، لتحق عليهم الكلمة، وليصير كل منهم إلى ما خلق له، والعاقل يسيّر بصيرته بين أقطار العالم، فيشاهده، وينظر مواقع عدل الله وحكمته، وحينئذ يتبين له أن الرسل وأتباعهم خاصة على سبيل النجاة، وسائر الخلق على سبيل الهلاك سائرون، وإلى دار البوار صائرون، والله بالغ أمره، لا معقب لحكمه، ولا راد لأمره، وبالله التوفيق ) .
English
Français
ركن المقالات
شروط قول لا إله إلا الله
معنى قوله تعالى: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ
ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس
ما هو الوسط في الدين ؟
حكم الذهاب إلى الكهان والعرافين
لا يغيـر الله ما بقـوم حتى يغيـروا ما بأنفسـهم
موقف الدعاة والعلماء من كثرة انتشار الباطل
نصيحة لطلبة العلم
الزواج
كيف يجب أن نفسر القرآن
مرئيات حول مستقبل الإسلام
لماذا يدعو الإنسان ولا يستجاب له ؟
الحكمة من خلق الجن والإنس
التوحيد وأنواعه
أسباب ضعف المسلمين أمام عدوهم ووسائل العلاج
أسباب سعادة الأمة الإسلامية
واجب العلماء حيال كثرة الجمعيات والجماعات
واجب العلماء تجاه نكبات العالم الإسلامي
صفات وأخلاق الدعاة
حكم الدعوة إلى الله وفضلها
السبيل إلى معرفة حقيقة التوحيد اعتقادا وسلوكا وعملا
النهي عن تزويج النساء إلا بإذنهن
الترغيب في الزواج
نصيحة لمن يريد الزواج ولم يقدر عليه
الجمع بين الصلوات من غير عذر
الأسماء والصفات نقلا وعقلا
الغلو مقابل التساهل، المفاهيم والآثار
أسباب الابتلاء ، وأنواعه
تزكية المال المدخر
ضوابط في معرفة السيرة
الفرق بين العلم والفكر
من ثمرات العقيدة الإسلامية
من أصول التفسير وكلياته
الخلاف بين العلماء - أسبابه وموقفنا منه
أصول أهل السنة والجماعة
منزلة السنة في الإسلام
أصل الصوفية وموقفها من العبادة والدين
آثار لا إله إلا الله
كيفية إخراج زكاة المال
دعائم الدعوة الإسلامية وواقع الجماعات
منهج الأنبياء في تحكيم شرع الله بين دعوة الاتجاهات الإسلامية
شرح كامل لمناسك الحج
العلماء متفقون على عقوبة اللوطي والحرية في الإسلام ليس كما زعمت ردّ على سلمان العودة
الواجهة
جديد الموقع
موسوعات
كتب مصورة
كتب الكترونية
مدونة علم وعلماء
المكتبة المرئية
ركن المقالات
أسطوانات دعوية
أشرطة مفرغة
حول روح الإسلام
خلفيات إسلامية
مواقع مختارة
أسئلة متكررة
اتفاقية الموقع
English
Français
أرشيف الألباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق